عبدالكريم الناعم - غِنائيّةٌ لِلْخَريف

عادَ الخريفُ وبي من وَجْدِهِ سُحُبُ
تَدافَعَتْ فَهْيَ بالأمداءِ تَحْتَجِبُ
أَلْقَتْ بقلبي بذوراً أَضْمَرَتْ لُغَةً
ميراثُها الماءُ حتّى حينَ تَلْتَهِبُ
مِنْ أيِّ بَحْرٍ تَراءى وَهْيَ مُثْقَلَةٌ ؟
لِأَيِّ أُفْقٍ تَرامى وَهْيَ تَضْطَرِبُ ؟
ميناؤها زَمَنٌ في القلْبِ تَحْجُبُهُ
هذي الغماماتُ أحياناً فَيَنْحَجِبُ
مَرَّتْ به فَجْرَ هذا اليومِ فاشْتَعَلَتْ
أغصانُهُ خِلْسَةً فاسْتَاْنَسَ اللّهَبُ
غداً تَسَاقَطُ أَوْراقٌ فَيُحْزِنُني
أنّي عَريتُ ، وأنّي ، يانِعاً ، حَطَبُ
وأنَّ روحي ، وقد شَفَّتْ على وَتَرٍ
يَهيجُ أحْزانَها العشْبيّةَ الطّرَبُ
وأنّ غُصْناً بروحي كادَ يُتْلِفُني
فَكُلُّ صَحْوٍ لَدَيْهِ حانَةٌ ، شَغَبُ
تأتي الغيومُ وتَمْضي وهْوَ فَيْضُ هوى
فإنْ تَأَخَّرَ غيْمٌ .. فهْوَ يَنْسَكِبُ
يا سيّدي الغُصْنَ قد أَوْجَعْتَني سَكَراً
فَهَلْ تَرَفَّقْتَ حتّى يَأْذَنَ العِنَبُ ؟
عادَ الخريفُ وبي مِن سِحْرِهِ وَجَعٌ
هُوَ الحنينُ الذي لمْ تَعْرفِ الكُتُبُ
وفي الحنايا غيومٌ من لظى وأسى
فَقُمْتُ أَسْعى إلى ما تُشْعِلُ الشُّهُبُ
وَمِلْتُ صُبْحاً إلى حانِ الظِّلالِ ،
يدي ماءٌ ،
وظّنّي غزالٌ في المدى يَثِبُ
وقلْتُ يا صاحبَ الأقداحِ خُذْ بيدي
بعْضَ الصَّبوحِ فقدْ يَسْري بيَ الحَبَبُ
وَرُحْتُ أَكْشِفُ عنّي الغمَّ
بالحَزَنِ العالي الشفيفِ
وبي مْن جَنْيِهِ رُطَبُ
حتّى وَقَفْتُ على سَيْفِ البكاءِ نَدىً
فَأَنَّتِ الرّوحُ لمّا حنّتِ القَصَبُ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى