مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - فصل من رواية مريم -1-

الجزء1


وبت لا أخشى شيئاً سوى صمتك !!!

لن أرجوك أن تمنحينى صوتك !!

صوتك القادم من أعماقى ...هل هو نار تحرقنى أم ماء يحيينى ؟!

مجرد كلمة تخرج من بين شفتيك الناريتين تأخذنى إلى سابع سماء ،تحلق بى تسمو فوق السحب ..أوهى كلمة تهبط بى إلى سابع أرض ،حيث العدم .

بكل حيرتى وعبثى وجنونى صار القلم سكيناً وبات الحبر نزيفاً من دمى .

يا أيتها الفلسطينية الضائعة ...هل يوماً ستعودين إلى...بكل أشجانك ..بكل غرورك ،وغموضك ، وحيرتك المستمرة؟!

أيتها الأنيقة المغرية دائماً ،هل يمكن لى أن أشفى منك ،وأنت أشهى امرأة بين نساء الأرض ؟!

***

العجيب فى الأمر هو ردة فعلى حين رأيتك أول مرة !!

ثمة بقايا حب قديم ، لازال يعتمل فى صدرى حسبت أنه سيمنعنى من التجاوب مع أية أطياف أنثوية ،مهما كانت صارخة ،وكنت قد عزمت على عدم الارتباط أو التعلق بأية فتاة ، خاصة بعدما غدرت بى امرأة ظننتها حبيبتى ، وهى فى الحقيقة لم تكن تعشق سوى الشهرة والمادة ، ولم أكن أنا سوى أداة طيعة للوصول إلى أهدافها ،حتى ذلك اليوم الذى جاءنى فيه صديقى أدهم ،ثم طلب منى أن أتناول معه طعام الغداء ، وحين نظرت فى عينيه لمحت بهما مسحة حزن جعلتنى ألغى كل ارتباطاتى الآخرى ، واتفرغ لصديقى هذا الحزين على غير العادة ، وهو رئيس مجلس إدارة مجلة ألوان، التى أعمل بها ،وصاحب الرصيد الكبير فى البنك.

وحين توجهت إلى المطعم المفضل لدينا أمام شاطئ بحر الإسكندرية ، وجدتك هناك مع أدهم ،ورحبت بى أيم ترحيب ، ولكننى كنت معك على غير عاداتى ، جافاً متحفظاً، إلى حد الفظاظة ،الأمر الذى جعل أدهم يهمس لى حين غادرتنا إلى دورة المياه :

- إنها فتاة فلسطينية ممتازة ، ستشكل اضافة كبيرة لمجلتنا ....هل ضايقك حضورها معى ؟

- .......

- عموماً أنا لم يكن غرضى سوى أن نكون معاً ...لو أحد الأشخاص رأنا وحدنا قد تحدث مشكلة كبيرة ، ولكن فى وجودك معنا يمكننى القول لزوجتى أنها خطيبتك .

- تعنى أنى مجرد برافان؟!

- يا أخى ثمة مشكلة كبيرة بينى وبين امرأتى .

- أية مشكلة ؟! لقد تم الصلح بينكما منذ فترة قصيرة .

- نحن شبه منفصلين.

هكذا أدهم وزوجته دائماً ،فهى بغيرتها المشتعلة دوماً وأدهم بحركاته الصبيانية ، وعشقه للجميلات باتا مشكلة يصعب حلها .

قلت لأدهم بصوت هامس :

- هل هذا وقت للشجار بين رجل وامرأته ؟!

البلد تكاد تشتعل بعد أحداث ثورة 30 يونيو، ولا أحد يعرف ماذا يخبئ لنا الغد ، هل نحن نسير نحو القمة أم الهاوية ؟!

- كل ما يحدث من حراك اجتماعى و سياسى أمر منطقى خاصة بعد حدوث الثورات ؟!

- هذه أفعال اليهود .

- لا ينبغى أن نلقى بكل تبعاتنا على تلك الشماعة .

ويقطع حوارنا رنين هاتف أدهم ، الذى قام على الفور من مقعده ،وانتحى جانباً قصياً من المطعم ، ليستغرق فى حوار طويل يبدو أنه مع شخصية هامة ،وماهى إلا لحظات ويعود مضطرباً ، ليقول لى :

- عمر أنا أسف جداً لابد أن أنصرف الآن ، مسئول كبير فى الحزب يريد الاجتماع بى .

- الحزب المنحل أم الجماعة المحظورة ؟!

- منحل ، ومحظورة !! ... إنت مغفل ... عموماً هذا ليس وقتاً للحوار ، أرجوك اعتذر لمريم ، وأفهمها أنى انصرفت لأمر طارئ


حين تعودين من دورة المياه لا يعنيك كثيراً أمر انصراف أدهم ، وكأنك قد اعتدت منه على الكثير من مثل هذه التصرفات .

- هل نحن نحيا فى عالم مجنون ..عالم لا يسوده إلا قانون الحماقات ؟

سؤال تطرحينه ولا تنتظرى حتى الإجابة ...سؤال وكأنه بداية سيل من الأسئلة المرعبة .

- هل العيب فى من لا يحب ولا يقيم أى علاقة مع المرأة ؟.. أم العيب فى من يتزوج تلك التى أقام معها علاقة ؟

أم العيب فى من يصاحب ويرافق نسوة عديدات دون أن يتزوج أى واحدة منهن ؟

وإذا كانت المرأة أجنبية فهل ليس ثمة عيباً على الاطلاق إن كانت امرأة مجربة ، لديها العديد من العلاقات السابقة ؟ أوربية أو حتى أمريكية أو روسية ، ولكنها ليست عربية ،فهل العيب فى الجنسية نفسها ؟!

وتصمتين فجأة وكأنك قد لاحظت ارتباكى ...وكيف لا ارتبك وأنت تتربصين بى ...تنزعين عنى كل أغطيتى القديمة وتتركينى وحدى أرتجف فى العراء .

ويزداد خفقان قلبى وتسرى فى جسدى رعشة غريبة ، لا أعلم هل هى رعشة الدهشة أم المفاجأة !!

تشاغلت عنك متجاهلاً نداء الأنثى للرجل ، وانهمكت فى عملى كرئيس تحرير لمجلة ألوان تلك المجلة الشابة التى لازالت تحاول أن تثبت وجودها ...تجاهلتك إلى حد الفظاظة ، ولفظتك بقسوة ليست فى طبعى ...كنت جميلة ..ساخنة ...شهية ..الأمر الذى جعل كل من حولك يحومون كالفراشات حين تدور فى دوامة الموت حول النيران المشتعلة ،ولما لاحظت تجاهلى لك شكوتنى إلى أدهم ، الأمر الذى دفعه أن يطلبنى فى مكتبه..

- أنا أعلم أنك اليوم ،وبعد كل ما حدث فى مصر، مثلك مثل معظم المصريين لديك العديد من التحفظات على أى شخص يحمل الجنسية الفلسطينية.

. الموضوع ليس هكذا تحديداً -

- يا سيدى هذا شأنك، ولكن مريم ليس لها أى ذنب فى كل ما حدث .

- ونحن ذنبنا فى رقبة من ؟

قل لى يا صديقى ماذا كانت جريرتنا ، حين عم البلد الخراب لأكثر من ثلاث سنوات !!؟

سجون فتحت ، وأقسام حرقت ، وقناصة اغتالوا جنودنا فى أبراج المراقبة بسيناء.

هل نسيت كم السلاح والمخدرات الذى تم تهريبه من غزة عبر الأنفاق الملعونة ؟

هل نسيت مقتل جنودنا وهم يتناولون طعام الإفطار فى رمضان ؟

هل نسيت يوم أعلنت حماس التعبئة على الحدود المصرية دفاعاً عن إرهاب الإخوان المسلمين ؟!

تفجيرات وخطف ضباط وجنود ، حيناً يقولون هربناهم إلى غزة ، وحيناً آخر يقولون قتلناهم ودفناهم فى سيناء .

هل نسيت يوم ضرب الطائرة المصرية ،وكيف سمعنا الطيارين وهم يتلون شهادتهم قبل انفجارها بلحظات ؟!

هل نسيت حين خطفت مدرعة مصرية تمتلئ بالجنود ثم ضربت بصاروخ ليتفحم كل من بداخلها ؟

هل نسيت يوم قتلوا اللواء البطران حين رفض أن يفتح لهم أبواب السجن ؟

.... وتورطهم في استهداف الأماكن العسكرية فى سيناء...وتهريب السولار، والخبز المدعوم بدم الفقراء ،حتى سيارات الشرطه هربت عبر الانفاق،وكان يتم الرقص والاحتفال بها داخل غزة !!

- ولكن ما جريرة شعب فلسطين ؟

- جريرتهم أنهم يأوون الإرهاب من خلال سماحهم لحماس أن تحكمهم.

- حماس مجرد فصيل وليست هى كل فلسطين.

– حماس هى التى تحكم ، إذن فهى التى تمثل فلسطين .

ألم تشاهد أثناء تهريب بعض العناصر الفلسطينية وعناصر حزب الله من السجون المصرية على يد حماس تقارير فيديو تَعرِض سعادة الفلسطينيين بذلك؟

لا تقل لى إذن أن أهل فلسطين ليسوا موافقين على ما تقوم به حماس.....

!! حتى عند مقتل جنودنا لم أجد فلسطينيا واحداً يذكر أن ما فعلته حماس هو ارهاب

. ولكنها فى النهاية حركة مقاومة تهدد أمن إسرائيل لصالح فلسطين -

- إذن عليك أن تشاهد جرائم حماس ضد حركة فتح أو ضد الفلسطينيين أنفسهم ،للأسف ستجد حماس تقصف المساجد بأسلحة ثقيلة بحجة أن تلك المساجد يختبىء فيها عناصر من حركة فتح ،بينما عندما تهاجم حماس إسرائيل،لا تستخدم سلاح ثقيل وتكتفى بصواريخ أشبه بالألعاب النارية .

- يا سيدى أنت أعطيت للموضوع حجماً أكبر مما ينبغى ، مريم مجرد فتاة ، وأنا لا أطلب منك سوى أن تترفق بها قليلاً .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى