في غابة القرود الكل يأكل الموز والكل يلقي بالقشر والكل يتزحلق
عدا قرد واحد كان اسمه " سانجو " لم يأتِ تلك الخصال ، كان محباً للوحدة مُبجلاً للصمت
غايته إذا استصرخه أنين الجوع يأكل أوراق الشجر ، وإذا ما لفحه البرد القارس استدفئ بأوراق
الشجر ، إلا أنه وفي كل عام عند الخريف كان يسقط ورق الشجر ذابلاً ،
كانت القرود تسخر منه كلما عبث بين الأوراق الجافة على ورقة طرية حلوة المذاق
لكنه بين الحين والأخر كان يلتفت خوفاً من الوحوش الكاسرة ، التي تتربص بعيداً في دهاء
فقرر العودة حيث أغصان الشجرة العالية هامساً إلى أحشائه الصارخة
" إن الأمان وأنا جائع خير من شبع يعتريه خوف " ظل يتمتم بها حتى أخذه النعاس
ومع أول إشراقة للشمس هبط من جديد ربما يجد شيئاً يسد رمق جوعه الشره
فأبصرته القرود وألقت عليه قشر الموز وبعض من فضلاتها وهي تضحك
فأسر سانجو ما يفعلون به في نفسه
بعد هنيهة قفز أحد القرود خلسة نحو سانجو ، ثم استلقى على غصن وأدلى بذيله
فأنتبه سانجو لذلك وقال : أجئت تسخر مني ؟
قال القرد : كلا بل جئت لأقول أنك بذلك تقتل نفسك
وغداً تصبح نحيلاً فريسة سهلة للضواري وأخشى عليك
ثم أعقب ، لكن لما لا تأكل معنا ، وهل الموز حرام أكله ؟
فرد سانجو قائلاً نعم ، فقد قرأت قوانين قبيلتي
وأنها تنص أنه من أكل من طعامنا فلا يجوز له أن يلوم أو يعاتب أو يشجب
وقد رأيتهم منذ زمنِ بعيد كانوا يرحلون إلى أشجار الموز ويجلبون ما طاب لهم
ولا أنكر أن الخير وقتها كان وفيراً
لكن وفي ذات مرة ولأجل موزة بعيدة أسقطوا عشاً لطائر فوقع الفرخ الصغير
قلت لنفسي أنا شريكهم إذاً في تلك الجريمة النكراء
ولما هممت بشجب ما حدث قالوا : أنسيت يا سانجو قوانين قبيلتنا ؟
قلت بلا ، لكني لن أغفر لنفسي تلك الخطيئة ولن أغتال البراءة بعد اليوم
قالوا : أنت إذاً مطرود من القبيلة ولن ندافع عنك بعد الأن إذا ما هاجمك نمرٌ أو أسدٌ أو ذئب
فأنت بشجبك هذا قد كفرت بقوانيننا وذهبت عنك نعمتنا .
هذا ما حدث أيها القرد الطيب وحقاً لست بخانق
إن الحياة التي أرى فيها المآسي الآن هي تلك الحياة التي أهدتني رحابها وأفراحها
وإنما هو امتحان وعليَ أن أجتازه
فإذا لم أصبر على البلاء فكيف أقيس صبري إذاً ؟
وما فعلته كان خشية من رب الأرباب ، لذا لست مستاءً
قال القرد : لا أعرف ماذا أقول وماذا أفعل لك سوى أن أدعو أن يقف القدير إلى جوارك
ثم ذهب القرد بعيداً ببطئ واستحياء
وعاد سانجو ليبحث من جديد عن ورقة شجر لم يبليها الخريف بعد
لكنه لم يجن سوى خيبة أمل
ولما بان له ضجره ويأسه عاد إلى رشده وهمس وهو ينظر إلى السماء
" لكني على يقين أن البقاء في تلك الحياة مقرون بالأمل "
ها قد مر يومان لم يأكل سانجو ، وفي صباح اليوم الثالث هبط مرة أخرى من الشجرة
وما أن انكفأ على الأرض ليفتش فيها عن ورقة واحدة حتى سقطت على ظهره أوراق كثيرة
بين الفرحة والدهشة رفع رأسه فوجد طائر " ببغاء الأمازون أحمر الذيل "
قال له سانجو من أنت ؟
قال الببغاء : أنا يا سانجو أعرفك منذ نعومة أظافري
أنا هذا الطائر الذي سقط من العش ولم أنس قط هذه اللحظة
عندما وقفت أنت أمام قبيلتك لأجلي ، كنت أسمع حديثكم .
اتسعت حدقة عين سانجو من الدهشة والذهول
قال الببغاء : لا تندهش يا سانجو ، سوف أسرد عليك كل شيء
الحكاية هي
عندما سقط العش بي لم أهلك كما طننت أنت وكل القرود
بل تلقفتني عناية السماء ، فوقعت على أرض طينة رخراخ فلم يصيبني مكروه
ثم أتت أمي بعد ذلك فحملتني بين جناحيها ووضعتني في عشٍ جديد بعيد عن الخطر
وحقاً يا سانجو وكما أن عناية الرب من أهدتني الحياة ، هي أيضاً من أهدتني الحياة لأجلك
ثم أَظهر الببغاء من خلف جناحه موزة وقال :
ومن الأن يا سانجو أكل الموز ليس حراماً وعليك أن تتقبل هديتي لك
ثم قال الببغاء مقهقهاً أنها موزة ليست كما موزكم
أنها من الأجمة البعيدة ، أجمة الحب يا سانجو
فضحك سانجو كما لم يضحك من قبل ثم هتف من أعماق قلبه
نعم يا صديقي الببغاء وحقاً إن المروءة لن تضيع بين قلوب تعي الحب وإن فاعلها لن يخسر
ثم نظر إلى السماء بقلبٍ راضٍ .. أشكرك أيها الرب المطلع على قلوبنا
وأثناء ما كانا الاثنان يتبادلان الحديث عن رحلة الحياة بهما
وأن ظل الحياة الكئيب هو من جمعهما مع نور الأمل
كانت قد انسلت قبيلة القرود في صمت تسمع وترى
ثم أخذهم البكاء وكأن السماء تمطر ندماً
كانوا يبكون بكاءاً شديداً سمع نحيبه سانجو والببغاء
ثم وقفوا منشدين
اغفر لنا أيها الطائر المزركش البديع
وأنت يا سانجو قد نصبناك راهباً وحاكماً فينا
أيها القديس أن ذنوبنا وإسرافنا هو ما باعد بيننا وبينك
وقد عرفنا خطأنا الجسيم وإن لم تسامحنا سنقتل أنفسنا الآن
قال سانجو يا قبيلتي يا أبناء عمومتي قد سامحتكم
فما الحياة إلا عبر ودروس
عدا قرد واحد كان اسمه " سانجو " لم يأتِ تلك الخصال ، كان محباً للوحدة مُبجلاً للصمت
غايته إذا استصرخه أنين الجوع يأكل أوراق الشجر ، وإذا ما لفحه البرد القارس استدفئ بأوراق
الشجر ، إلا أنه وفي كل عام عند الخريف كان يسقط ورق الشجر ذابلاً ،
كانت القرود تسخر منه كلما عبث بين الأوراق الجافة على ورقة طرية حلوة المذاق
لكنه بين الحين والأخر كان يلتفت خوفاً من الوحوش الكاسرة ، التي تتربص بعيداً في دهاء
فقرر العودة حيث أغصان الشجرة العالية هامساً إلى أحشائه الصارخة
" إن الأمان وأنا جائع خير من شبع يعتريه خوف " ظل يتمتم بها حتى أخذه النعاس
ومع أول إشراقة للشمس هبط من جديد ربما يجد شيئاً يسد رمق جوعه الشره
فأبصرته القرود وألقت عليه قشر الموز وبعض من فضلاتها وهي تضحك
فأسر سانجو ما يفعلون به في نفسه
بعد هنيهة قفز أحد القرود خلسة نحو سانجو ، ثم استلقى على غصن وأدلى بذيله
فأنتبه سانجو لذلك وقال : أجئت تسخر مني ؟
قال القرد : كلا بل جئت لأقول أنك بذلك تقتل نفسك
وغداً تصبح نحيلاً فريسة سهلة للضواري وأخشى عليك
ثم أعقب ، لكن لما لا تأكل معنا ، وهل الموز حرام أكله ؟
فرد سانجو قائلاً نعم ، فقد قرأت قوانين قبيلتي
وأنها تنص أنه من أكل من طعامنا فلا يجوز له أن يلوم أو يعاتب أو يشجب
وقد رأيتهم منذ زمنِ بعيد كانوا يرحلون إلى أشجار الموز ويجلبون ما طاب لهم
ولا أنكر أن الخير وقتها كان وفيراً
لكن وفي ذات مرة ولأجل موزة بعيدة أسقطوا عشاً لطائر فوقع الفرخ الصغير
قلت لنفسي أنا شريكهم إذاً في تلك الجريمة النكراء
ولما هممت بشجب ما حدث قالوا : أنسيت يا سانجو قوانين قبيلتنا ؟
قلت بلا ، لكني لن أغفر لنفسي تلك الخطيئة ولن أغتال البراءة بعد اليوم
قالوا : أنت إذاً مطرود من القبيلة ولن ندافع عنك بعد الأن إذا ما هاجمك نمرٌ أو أسدٌ أو ذئب
فأنت بشجبك هذا قد كفرت بقوانيننا وذهبت عنك نعمتنا .
هذا ما حدث أيها القرد الطيب وحقاً لست بخانق
إن الحياة التي أرى فيها المآسي الآن هي تلك الحياة التي أهدتني رحابها وأفراحها
وإنما هو امتحان وعليَ أن أجتازه
فإذا لم أصبر على البلاء فكيف أقيس صبري إذاً ؟
وما فعلته كان خشية من رب الأرباب ، لذا لست مستاءً
قال القرد : لا أعرف ماذا أقول وماذا أفعل لك سوى أن أدعو أن يقف القدير إلى جوارك
ثم ذهب القرد بعيداً ببطئ واستحياء
وعاد سانجو ليبحث من جديد عن ورقة شجر لم يبليها الخريف بعد
لكنه لم يجن سوى خيبة أمل
ولما بان له ضجره ويأسه عاد إلى رشده وهمس وهو ينظر إلى السماء
" لكني على يقين أن البقاء في تلك الحياة مقرون بالأمل "
ها قد مر يومان لم يأكل سانجو ، وفي صباح اليوم الثالث هبط مرة أخرى من الشجرة
وما أن انكفأ على الأرض ليفتش فيها عن ورقة واحدة حتى سقطت على ظهره أوراق كثيرة
بين الفرحة والدهشة رفع رأسه فوجد طائر " ببغاء الأمازون أحمر الذيل "
قال له سانجو من أنت ؟
قال الببغاء : أنا يا سانجو أعرفك منذ نعومة أظافري
أنا هذا الطائر الذي سقط من العش ولم أنس قط هذه اللحظة
عندما وقفت أنت أمام قبيلتك لأجلي ، كنت أسمع حديثكم .
اتسعت حدقة عين سانجو من الدهشة والذهول
قال الببغاء : لا تندهش يا سانجو ، سوف أسرد عليك كل شيء
الحكاية هي
عندما سقط العش بي لم أهلك كما طننت أنت وكل القرود
بل تلقفتني عناية السماء ، فوقعت على أرض طينة رخراخ فلم يصيبني مكروه
ثم أتت أمي بعد ذلك فحملتني بين جناحيها ووضعتني في عشٍ جديد بعيد عن الخطر
وحقاً يا سانجو وكما أن عناية الرب من أهدتني الحياة ، هي أيضاً من أهدتني الحياة لأجلك
ثم أَظهر الببغاء من خلف جناحه موزة وقال :
ومن الأن يا سانجو أكل الموز ليس حراماً وعليك أن تتقبل هديتي لك
ثم قال الببغاء مقهقهاً أنها موزة ليست كما موزكم
أنها من الأجمة البعيدة ، أجمة الحب يا سانجو
فضحك سانجو كما لم يضحك من قبل ثم هتف من أعماق قلبه
نعم يا صديقي الببغاء وحقاً إن المروءة لن تضيع بين قلوب تعي الحب وإن فاعلها لن يخسر
ثم نظر إلى السماء بقلبٍ راضٍ .. أشكرك أيها الرب المطلع على قلوبنا
وأثناء ما كانا الاثنان يتبادلان الحديث عن رحلة الحياة بهما
وأن ظل الحياة الكئيب هو من جمعهما مع نور الأمل
كانت قد انسلت قبيلة القرود في صمت تسمع وترى
ثم أخذهم البكاء وكأن السماء تمطر ندماً
كانوا يبكون بكاءاً شديداً سمع نحيبه سانجو والببغاء
ثم وقفوا منشدين
اغفر لنا أيها الطائر المزركش البديع
وأنت يا سانجو قد نصبناك راهباً وحاكماً فينا
أيها القديس أن ذنوبنا وإسرافنا هو ما باعد بيننا وبينك
وقد عرفنا خطأنا الجسيم وإن لم تسامحنا سنقتل أنفسنا الآن
قال سانجو يا قبيلتي يا أبناء عمومتي قد سامحتكم
فما الحياة إلا عبر ودروس