محمد محمود غدية - لا للإنكسار

تراجعت إبتسامتها وتقلصت ملامحها، وهى تكبح دموع أوشكت أن تطفر، المقهى تخفف من رواده وعلى الطاولة المجاورة صحيفة مطوية، تركها صاحبها بعد أن فرغ من قراءتها، أو لم يقرأها فتركها ضجرا، تناولتها لتقرأ فيها مانشيتات صادمة، أعاصير وبراكين تغرق مدن كاملة من العالم، غضب الطبيعة لا يقاوم، ترتشف
آخر قطرة من فنجانها
الثاني،
لا أحد يعرف الغاية من تصاريف القدر، الذى لا يعطي إلا ليأخذ، كانت تعيش الحب حتى برز لها القدر من مكمنه وإعترض طريقها،
وقت أن أخبرت زوجها بحملها، تقافزت الكلمات مذعورة مثل نصل سكين حاد : لابد من إسقاط الجنين مازلنا فى أول الطريق، لم نبلغ بعد النجاح الذى نرجوه،
صرخت : لا قيمة لنجاح دون أطفال ولن أسقط الجنين،
وإفترقا !!
سنوات سبع من عمر عبير التى ولدت فى الربيع، كان لوجودها أريجا جميلا فواحا، ساعد قليلا فى ترطيب قسوة الحياة، داهمها الوجع حين إشترت زهرة من بائعة رهيفة الملامح، تتأمل الزهرة فى دهشة متسائلة : كيف لهذه الزهرة أن تقوم بكل هذه الأدوار مجتمعة،
تهدى لحبيب وباقة عرس، وتنثر فوق شواهد القبور،
وكيف أن للحب أجنحة وللفراق مخالب ؟!
تحاور المرآة تبادلها الإمتنان لجمال عينيها الواسعتين، وشعرها المضفور بخصلات المطر، وجسدها الممشوق كراقصة بالية، تحيطها جاذبية وهالة من الفتنة، لا يدرى جليسها من أين تأتي ؟
فى غفوة قصيرة رأت نفسها وهى تمزق ستائر العتمة من نافذة غرفتها، وتسير فى طريق تحفه الأشجار والأزهار، تتألق مثل قمر يشع الضياء
فى ليل داكن، لا تمشي لكنها تتقافز دون أن تستطيع جاذبية الأرض على الإمساك بها، تجر مركبة مذهبة بها طفلتها عبير، التى تنعس الأقمار والشموس فى خصل شعرها الجميل، والتى فى ركضها وضحكها قطرات حياة تسرى فى حنايا القلب، الرافض للإنكسار .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى