عصري فياض - هوية الانتصار في معركة " طوفان الاقصى "

البَعض،عَرَّف الانتصار بـ " تحقيق الهدف "،وبناءً على هذه النظرية،يكون الانتصار في معركة " طوفان الاقصى " هو تحقيق الاهداف المعلنة والغير معلنة،تلك الحرب التي أطلقت عليها "إسرائيل"مسمى "السيوف الحديدية"،وكسَّرت خلالها كلَّ قواعد المجابهة والمفاهيم العسكرية،بصب جام َّ حقدها وبطشها وجبروتها على البيئة الحاضنة للمقاومين الفلسطينيين في غزة،منفذةً جرائم حربٍ غير مسبوقة،أوغَلت وتوغِل في الدم الفلسطيني وخصوصا الابرياء من نساء وأطفال وكبار السن ومدنيين بعشرات الالف بين شهيد ومصاب،ناهيك عن الدمار الممنهج والشامل والواسع والعنيف والمكثف لكل مظاهر الحياة والبقاء في محاولة لترميم شظايا صورتها التي هشَّمتها بشكل كبير "الضربة الاولى" من معركة " طوفان الاقصى ".
بالمقابل،هناك صمود اسطوري يكاد يكون غير مسبوق بين الشعوب والأمم،فشعبُ غزَّة،بالرغم من شلال الدم الهادر،وحَرْقْ الارض من تحته،والسماء من فوقه،يعكس صمودا اسطوريا،وثبات وتمسك بالارض والصبر منقطع النظير،ولا زال على حاله بالرغم من مرور ثلاثة اسابيع على هذه الحرب الوحشية الهائلة.
لقد وضع وزير الحرب الاسرائيلي " يوآف غلانت " ثلاثة أهداف لهذه الحرب،أو ثلاث مراحل لها،المرحلة الاولى القصف الجوي العنيف والغير مسبوق على قاعدة "التدمير السجادي" أو سياسة الارض المحروقة،الهدف منها هو تفتيت وتدمير البيئة الحاضنة للمقاومة بشرا وحجرا،في محاولة يائسة لغاية الان في تهجير شعب غزَّة ودفعهم للنزوح الى سيناء،لتنفيذ مخطط قديم جديد،عشش في رأس حكام "إسرائيل"وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو،تمهيدا للمرحلة الثانية وهي التوغل البري الذي يراد منه تنفيذ هدف الحرب المتمثل بالقضاء على حماس،وتقويض حكمها في غزَّة،أما المرحلة الثالثة،فهي إنشاء حكم لما سيتبقى من سكان قطاع غزة وجغرافيتها،طبعا بترتيبات اسرائيلية جديدة تُغْلَقْ كليا الحدود بين القطاع و"اسرائيل" بعد اقتطاع جزء من القطاع(يعتقد الجزء الشمالي ) كعمق لمستوطناتها الواقعة شمال القطاع،وضمه "لاسرائيل"بعد تفريغه تماما من الفلسطينيين.
هذه هي الاهداف،وهذه هي المراحل التي كما أشار إليها "غالانت" وتوقع ان تستغرق ثلاثة شهور أو اكثر حسب مقتضيات الحرب وتطورها حسب ما يعتقد ويتصور،لكن الواقع والممارسة دائما تكون بعيدة عن النظرية،المهم في هذا الشأن أن تحقيق الانتصار الذي تتوخاه " اسرائيل " يتضمن النجاح في تحقيق اهداف المراحل الثلاث بالنسبة "لإسرائيل"،بالمقابل الانتصار بالنسبة لحماس وباقي قوى المقاومة وللشعب الفلسطيني بشكل عام وللعرب والمسلمين وكل الاحرار الذين يقفون ويساندون ويتعاطفون مع حماس والمقاومة الفلسطينية هو عكس ما تحلم به "اسرائيل"،وتتطلع الى تحقيقه،ويمكن استعراض تلك الثلاثية من واقع الفعل الفلسطيني المقاوم بموازاة الاهداف الاسرائيلية التي تمت لغاية الان،والتي يستعد لها على النحو التالي :-
• المرحلة الاولى :- النقطة الاولى في هوية الانتصار لهذه المرحلة هي المبادرة،بمعنى الباديء في الحرب أو المعركة،الضربة الاستباقية،هذه النقطة كانت بيد المقاومة،وقد حققت فيها نسبة نجاح بتفــوق أبهر القريب والبعيــد،وكشفت سوأت "إسرائيل" في كل المجالات،ولا زال صدى هذا التفوق والاقتدار يدوي في كل الارجاء،ولا زال الترنح والاهتزاز يصيب جسم الدولة العميقة للكيان في كلِّ مجالاتها الامنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية،أما ردة الفعل الهوجاء لجيش الاحتلال،وما يفعله لغاية الان،عجز في ترميم صورته المنهارة أمام شعبه وأصدقاءه وحلفاءه والعالم ولو ملمتراَ واحد من صورته السابقة،على العكس،تصرفاته الوحشية ضد سكان قطاع غزَّة المدنيين آخذت،وما زالت تأخذ ممن تعاطف معه في البداية،"فإسرائيل"تخسر كل يوم الكثير من التعاطف أو التأييد،حتى في عمق الحكومات والمجتمعات الغربية التي تضامنت معها في بادئ الامر،من هنا نقول أن ثلاثة أسابيع من المعركة لا زال الدُوَارْ والارتباك والترنح ملء رأس اسرائيل،ولا زالت المقاومة سيّدة الميدان،تمسك بناصيتها،ولا زالت رموزها وقادتها وهياكلها العسكرية والادارية،ومقاتلوها المتحفزون للقتال بعيدون عن الاستهداف،بل انهم ما زالوا ينفذون غزوات على امتداد خطوط المواجهة،ويرشقون كل المدن والبلدات والتجمعات والأبعاد "الاسرائيلية " بحزم الصواريخ، في كافة المديات والإحجام.
• المرحلة الثانية :- وهي مرحلة الهجوم البري،والذي يبدو التردد هو سيّد الموقف فيه،والسبب الرئيس في ذلك هو جهل وضعف المعلومات الاستخبارية التي في جعبة "اسرائيل" عن المقاومة " وإمكانياتها وقدراتها وخططها الدفاعية،وباعتقادي أن الهجوم البري سيكون،وسيحدث على الاغلب،،حتى لو بالتدريج البطيء المتثاقل،من منطلق الخيار المحتوم الذي لا مفر منه،وليس من مفهوم البطولة والاقدام،لكنه هو أيضا يحمل احتمالية كبيرة لتكون ضربة ثانية أشد قسوة على الاحتلال وحكومته من الضربة الاولى من معركة " طوفان الاقصى"،و الفشل والنتائج هنا ستكون أكثر اثراً من الناحية الاستراتيجية على " اسرائيل" وجيشها،وبالتالي إضافة إخفاق ثانٍ مدوٍ يضاف للاخفاق الاول الذي لم تتحمله " اسرائيل"،ولا زالت تعاني من آثاره وستبقى كذلك لسنوات.
وفرضا،وفي حال نجح الجيش الاسرائيلي،ولو بنسبة معينة ومن معه من خبراء وكتائب أمريكية مختارة في تحقيق جزء من ذلك الهدف،فإنه سيكون قد غرق في أوحال غزَّة التي لن يقدر على دفع فواتيرها،وسيضطر لاحقا لجر ذيول الانكسار والخروج منها تحت النار،كما خرج منها سابقا،وكما خرج من جنوب لبنان،وبذلك يخسر أهداف المرحلة الثانية.
• المرحلة الثالثة :- وهي الاتيان بمن سيقود غزة من بعد تقويض حكم حماس والقضاء عليها،واعتقد أن هذه المرحلة فاشلة قبل أن توضع،فهي أقرب للخيال والوهم منها للحقيقة،وهذا الامر يدركه حتى الراعي الامريكي الحليف الاكبر "لاسرائيل" وهي إدارة بايدن،الذي بالرغم من تأييده الجارف "لاسرائيل"والوقوف معها بكل ما أُوتي من قدرات،قال :- "لا لاحتلال غزة"،فلا لا يمكن لأي جهة فلسطينية أو عربية أو حتى دوليّة ممكن أن تأتي على حطام قطاع غزة وتدير شؤون السكان والجغرافيا،لا بشكل مؤقت،ولا بشكل دائم.
من هنا ومن خلاصات المراحل الثلاث نستنتج ان عوامل النصر " الاسرائيلي" هشة وضعيفة،بينما عوامل الانتصار الفلسطيني عوامل قوية وثابتة،خاصة إذا ما أُضيف اليها إسناد المحور وقواه المترامية التي تعد ذخرا لم تستخدم قدراتها في المعركة لغاية الان بالشكل المطلوب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى