محمود سلطان - الأساطير المؤسسة لـ«اللوبي اليهودي».. مراجعة ضرورية

ظلت السردية الوحيدة والمعتمدة ـ لتفسير الدعم الغربي اللامحدود، للكيان الصهيوني على حالها، حتى بعد يوم 7/10/2023، وإلى الآن، والتي تحيله إلى الحضور الطاغي لـ"اللوبي اليهودي" داخل مؤسسات وواضعي أجندة السياسات الغربية بشأن ملفات الشرق الوسط.

اللوبي اليهودي.. بات "مُسلمة"، لم تخضع يوما للمراجعة، حتى بين المثقفين العرب، وكأنها "وحيٌ" لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه!

هذه "الطاعة" العمياء لهده الدعاية "البروبجندا"، تعكس منطق "المراوحة" التي ما برح المثقف العربي، مربوطا بحبلها يدور حيث دارت، وكأن التاريخ وصل إلى منتهاه "نهاية التاريخ" على حد تعبير "فوكوياما"، واستقر عليها كقانون "إلهي" أو "سُنة عقلية" لا يتناطح عليها عنزان!
رغم أن المصطلح، مطاطيٌ وفضفاض، ولا يزال محل نقاش وجدل عام في دول غربية: البعض يعتبره "دجلا" وآخرون يعتبرونه معاديا للسامية، وطرف ثالث يراه يخلط ما بين اللوبي الإسرائيلي واللوبي اليهودي.

يقول "ميتشل بارد" مدير المؤسسة التعاونية الأمريكية الإسرائيلية الغير ربحية: "يُستخدم مصطلح اللوبي اليهودي للإشارة إلى النفوذ اليهودي، لكن هذا المصطلح غامض وغير كافي".

ويضيف "بارد": أن مصطلح اللوبي الإسرائيلي أكثر دقة لأنه يشمل كل العناصر الرسمية وغير الرسمية (التي تتضمن الرأي العام)، ولأن نسبة كبيرة من اللوبي هم من غير اليهود"
ويقول "ستيفن والت" الأستاذ في جامعة هارفارد: "إنهم لا يستخدموا أبداً مصطلح اللوبي اليهودي، لأن اللوبي يُعرف بأجندته السياسة وليس بالدين أو العرق".

يذكر أن "ستيفن" شارك "جون ميرشايمر" الأستاذ في جامعة شيكاغو وضع الكتاب الأكثر مبيعا " اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية".. وقال الكاتبان في رسالة إلى رئيس تحرير "نيويورك تايمز" للرد على مراجعة "ليزلي جيلب" للكتاب: "يشير جيلب مراراً إلى اللوبي اليهودي بالرغم من أننا لم نستخدم هذا المصطلح أبداً في كتابنا. وبالتأكيد نحن نرفض وبصراحة هذه التسمية المضللة وغير الدقيقة، لأن اللوبي يضم غير يهود ومسيحيين صهيونيين، ولأن الكثير من اليهود الأمريكيين لا يؤيدون السياسات المتشددة التي يفضلها رموز اللوبي الأكثر قوة."

وفي السياق قالت لجنة "بنعاي برعيث" الأسترالية لمكافحة التشهير إن الافتراض بأن اليهود يملكون سلطة وتأثيرا غير متكافئ في عملية صنع القرار هو ما يحول وصف واقع سياسي إلى نقاشات معادية لسامية عن مدى سلطة اليهود".

إذن.. المصلح "اللوبي اليهودي".. محل خلاف كبير من حيث فحواه ودلالته كأداة لتحليل منطق السياسات الغربية المؤيدة للكيان الصهيوني، غير أنه من الضروري التأكيد على أن هذا الخلاف، لا ينفي أن ثمة "لوبي" أيا كانت هويته (إثنية أو دينية أو مصلحية" حاضر بالتأكيد في قنوات صنع القرارات السيادية الكبرى في الغرب.

ولكن هذا لا يقطع بأنه "المؤثر" الوحيد أو الأساسي في اتجاهات الرأي العام الرسمي الأمريكي أو الغربي تجاه أزمات الشرق الأوسط وعلاقتها بممارسات الكيان الصهيوني.. أو بالأدق يخدَّم على الأجندة الإسرائيلية من أجل إسرائيل كإسرائيل في ذاتها.

حتى وإن كان هذا صحيحا، فإن ثمة تغييرات كبيرة وتاريخية في التركيبة الديموغرافية والدينية والإثنية داخل المجتمعات الغربية: اليهود في العالم لا يتخطون 15 مليون يهوي.. بينما مثلا المسلمون في الغرب الآن يتجاوزون الـ 100 مليون مسلم: في أمريكا الفرق بين الوجود الإسلامي (5 مليون مسلم) واليهودي (5.5 مليون يهودي) ليس كبيرا.. هذا تحول كبير فيما يوجد أكثر من 1.5 مليون مسلم لهم أصوات انتخابية في الانتخابات الأمريكية.

وبحسب مكتب الإحصاء المركزي، فإن عدد اليهود في العالم بلغ حتى نهاية عام 2019، نحو 14 مليونا و800 ألف، وهو نفس العدد الذي كان عليه عام 1925، على ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

(لا حظ هنا أن عدد المسلمين في فرنسا وحدها 13.5 مليون شخص بحسب تعداد 2017 .. أي ما يعادل الوجود اليهودي في العالم كله تقريبا)!!

وتظهر البيانات أيضا أنه في عام 1939، عشية الحرب العالمية الثانية، كان عدد اليهود في العالم 16.6 مليون، وفي عام 1948، عشية قيام دولة إسرائيل، كان عدد اليهود في العالم 11.5 مليون، منهم 650.000 يعيشون في إسرائيل (6%).

وحول خارطة توزيع اليهود في العالم الآن، كشف مكتب الإحصاء أن 12.3 مليون منهم (أكثر من 83%) يعيشون في دولتين - إسرائيل والولايات المتحدة. ويبلغ عدد اليهود في إسرائيل 6.8 مليون وفي الولايات المتحدة 5.7 مليون.

كما يعيش 448 ألف يهودي في فرنسا، و393 ألفا في كندا، و292 ألفا في بريطانيا، و180 ألفا في الأرجنتين، و155 ألفا في روسيا، و118 ألفا في ألمانيا، و118 ألفا في أستراليا.

إذا قورنت هذه الأرقام لليهود بأعداد المسلمين في كل دولة ذكرت في الخارطة التي وردت في التقرير الإسرائيلي، سنجد أن ثمة فارقا لا يقارن وأن هِوة التغيرات في التركيبة الديمغرافية للطائفتين اليهودية والمسلمة ستجدها كبيرة وعميقة جدا، وهو التحول الذي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ حمل رؤساء أكبر دولة في العالم أمريكا، يشاركون المسلمين الأمريكيين ـ وفي العالم أيضا ـ أعيادهم.

مع بداية شهر رمضان الكريم، استعان الرئيس الأمريكي جو بايدن، بآية قرآنية لتهنئة ما يزيد على ستة ملايين أمريكي مسلم، بالإضافة إلى المسلمين في شتى بقاع الأرض بهذه المناسبة.

وفى بيان صدر عن البيت الأبيض، قال بايدن إن القرآن الكريم يعلمنا "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"، وأضاف "نسمع كل يوم روايات مفجعة عن أرواح فقدت ونرى صور عائلات وأطفال يكافحون للبقاء، وتذكرنا هذه المآسي بإنسانيتنا المشتركة والتعاليم المشتركة لكافة الأديان العظيمة، بما في ذلك الإسلام، وأهمها أن نعامل الآخرين دائما كما نرغب في أن يعاملونا".

وفى نهاية شهر رمضان أصبح تقليديا أن يصدر بيان عن البيت الأبيض يهنئ فيه الرئيس وزوجته المسلمين داخل وخارج الولايات المتحدة.

وقبل عام هنأ بايدن على صفحته الرسمية على فيسبوك المسلمين بمناسبة حلول عيد الفطر وقال: "نرسل أنا وجيل أحر تحياتنا إلى جميع من يحتفلون بالعيد، أتمنى أن تكونوا بصحة جيدة طوال العام.. عيد مبارك".

يبقى أن أشير ـ هنا ـ إلى أن المثقفين العرب، لم ينتبهوا إلى أخطر تصريحات الرئيس الأمريكي الحالي، في زيارته الأخيرة لإسرائيل بعد 7/10/2023، وهي الأخطر على الإطلاق وتعتبر مفتاح لما استغلق علينا في فهم العقلية الأمريكية وموقفها من منطقة الشرق الأوسط وقالها بشكل لا يخلو من الصراحة الفجة والتحدي ولخصت كل ما يتعلق بأسرار العلاقة بين تل أبيب وواشنطن.

عندما قال صراحة: "إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعها" المسألة ـ هنا ـ لا تتعلق بـ"العقيدة/الطائفة/ اليهودية" وما ترتب عليها من "وهم /أساطير اللوبي اليهودي" وإنما تتعلق بالوظيفة والأداة المدرجة على أجندة صناع السياسات الكبرى في الدول الغربية (المصالح)، ولذا ربما يكون قد خلص الجدل والنقاش ـ في العالم الغربي ـ إلى تحرير جديد للمصطلح "اللوبي الإسرائيلي" فهو الأكثر دقة الذي يجمع اليهود وغير اليهود والمسيحيين الصهيونيين وسياسيين وصحافيين وكتاب رأي ورجال أعمال وما شابه.

المعادل العربي هنا يمكن توقعه أو تخيله، حال حلّت "الديمقراطيات العربية " محل "الديكتاتوريات الحالية" التي أماتت الرأي العام فيها، الذي لم يعد يحترمه أحد.. والثابت والمستقر أن العالم لا يحترم إلا الدول التي بها رأي عام قوي وتخشاه.. فهي ـ والحال كذلك ـ تؤسس لـ"لوبي" حقيقي ومؤثر في قنوات وأوعية تمرير القرارات الدولية والإقليمية الكبرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى