محمد محمود غدية - تداعيات الوجع

كل يوم يقصد البحر، يحاكيه يبحر معه بعين دامعة، يسترجع الماضى حيث طيور النورس والفراشات الملونة الجميلة، ورود حبيبته مازالت مزروعة فوق وسادته، ورائحة ضفائرها موغلة بذاكرته، أغلق قلبه حين أوشكت روحه على الغروب، بعد غيابها المفاجيء دون سبب، إستقبل النقاد ديوانه الأول بحفاوة لأنه لم يتاجر بآلامه،
فى حفل توقيع ديوانه، إقتربت منه أربعينية طويلة القامة، بشرتها فى صفاء الصبح، تطلب منه التوقيع على ديوانه، وتسأله كيف إستطاع خلق نسائم رقيقة، رغم الحكايات شتائية الطقوس، كتب لها فى الإهداء :
إلى الهبة السماوية فى هذا الصباح الجديد،
إمتد بينهما الحوار وإستطاعت أن تفك شفرات قلبه والديوان،
يحمل الإنسان بداخله تناقضات صارخة، تبلغ أحيانا الجمع بين الأضداد، كالحب والكراهية، الصدق والكذب، الغموض والوضوح، النبالة والخسة، إمتد بينهما الحوار وتشعب كشجر اللبلاب، فوق سقيفة من الراحة والهدوء، فجرت صمته وضغطت جرحه، لمحت فى عينيه دموع مكابرة ترفض الهطول، كم كانت ضرورية لترطيب قسوة اللحظة، إنفرجت شفتاها عن إبتسامة واسعة وهى تخبره، أن آدم أنس فى نفسه وحشة، فخلق الله له حواء،
إبتسم وهو يراها المرأة المشتهاة، قفز قلبه بين ضلوعه كجرو صغير، نجحت الأربعينية فى تحريك ردراته نحوها، مع آخر رشفة من فنجان قهوته، إستكانت كآبته،
حدثته عن تجربتها الصادمة فى الحب والتي زلزلتها،
تبادلا أرقام الهاتف،
كانت هناك شجرة عجوز يراها كل يوم فى طريق عودته للمنزل،
كيف نمت وإزدادت إخضرارا ونضجت ثمارها، وتهيأت وتجملت لقاطفيها ؟
إنه الحب الذى يفتح أفاق الخصوبة، ويروى ظمأ القلب، لم يكن يمشى على الأرض وإنما يقفز طربا، إشترى كارت شحن لهاتفه، لأنه يدرك أن الحديث بينهما سيطول ويتشعب ويتمدد، طلب هاتفها .. باغته صوت ثلجي جنائزي، يردد فى آلية بليدة :
الرقم المطلوب غير موجود بالخدمة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى