د. خالد محمد عبدالغني - النقد النفسي للأدب

يتميز النقد الأدبي حاليا بتعدد مناهله بيد أن القاسم المشترك في هذه التعددية هو العمل الأدبي فمهما اختلفت دوافع النقاد فالأدب هو الجامع لهم ( )، ويشير النقد النفسي للأدب إلى ذلك المنهج الذي يخضع النص الأدبي لنتائج البحوث النفسية، ويحاول الإفادة من النظريات النفسية في تفسير الظواهر الأدبية، والكشف عن عللها ومنابعها الخفية العميقة أو السطحية المعاصرة، وما لها من أعماق وأبعاد وآثار ممتدة سواء في حياة المبدع أو أبطاله. وتكمن أهميته بالنسبة للنقد الأدبي في أنه مظلة واسعة تندرج تحتها عدة مسارات هامة، منها: النمو الإنساني من الطفولة إلى الرشد، وعملية التأويل والتحليل، وكذلك فاعلية الاستشفاء والعلاج، وعلى الرغم من إمكانية فصل هذه المسارات؛ فإنها تعود فتجتمع وتشتبك الشخصية الفردية بالإطار الثقافي والاجتماعي ومراحل النمو المختلفة( ).
وللمنهج النفسي في النقد الأدبي ارهاصات بعيدة، تمثلت في تلك الملاحظات التي ترد في بعض ظواهر الإبداع، فيمكننا أن نجدها في نظريات أفلاطون عن أثر الشعر على العواطف الإنسانية، وما لذلك من ضرر اجتماعي؛ طَرد لأجله الشعراء من مدينته الفاضلة، كذلك نلاحظ أن "نظرية التطهير" عند أرسطو إنما تربط الإبداع الأدبي بوظائفه النفسية من خلال استثارة عاطفتي الخوف والشفقة. ، ولم يكن التراث النقدي العربي القديم ليخلو من تلك النظرات الحاذقة التي تدل على عميق خبرة بالنفس الإنسانية ومدى تأثرها بالأدب، وعن الروابط المتشابكة والمعقدة التي يمكن أن يقيمها الناقد بين النصوص الأدبية من جانب، وبين بواعثها وأهدافها ووظائفها النفسية لدى المبدع ولدى المتلقي من جانب آخر. فكان ابن قتيبة من أوائل من تلمس البواعث النفسية في الشعر بين النقاد، فنراه يطرح العوامل النفسية التي تختفي وراء العمل الأدبي والمنحصرة في إطار الباعث الشعوري كالغضب والطرب والشوق والحالات الشعورية الأخرى ، أما القاضي الجرجاني فقد ذهب إلى أبعد من هذا في تحليله الملكة الشعرية وإرجاعه إياها إلى عواملها المختلفة من طبع ورؤية وذكاء، وأن اختلاف الشعر يرجع إلى اختلاف طبائع الشعراء أنفسهم، فلابد لدمث الخلق من أن يكون سلسَ الكلام، وإنما ذلك بحسَبِ اختلاف الطبائع، وتركيب الخلْق؛ فإن سلامةَ اللفظ تتبعُ سلامة الطبع، ودماثة الكلام بقدر دماثة الخِلقة» . ولعبد القاهر الجرجاني وقفات ونظرات في أثر الشعر على النفس، من ذلك ربطه بين مزية النص ولطفه وبين ما يتسم به من غموض وبعد عن المباشرة يبعثان في النفس دواعي الحنين إليه والرغبة في نيله، لا لشيء إلا لتمنعه عن الانكشاف السهل المباشر. أما ابن طباطبا العلوي فيربط ربطاً نفسياً بين ارتياح القارئ للنص واهتزازه له، وبين عاملي الموافقة والمخالفة أو الألفة والغرابة، وفي ذلك جانب من الكشف عن القوانين المتحكمة بحالة المتلقي والمحددة لمواقفه وردود أفعاله ( ).
ولقد بدأ النقد النفسي بشكل علمي منظم مع بداية علم النفس ذاته منذ مائة عام على وجه التحديد في نهاية القرن التاسع عشر بصدور مؤلفات سيجموند فرويد في التحليل النفسي واستعان في هذا التأسيس بدراسة ظواهر الإبداع في الأدب والفن كتجليات للظواهر النفسية، من هنا يمكن أن نعتبر ما قبل «فرويد» من قبيل الملاحظات العامة التي لا تؤسس لمنهج نفسي بقدر ما تعتبر إرهاصاً وتوطئة له . فقد رأى فرويد أن العمل الأدبي موقع أثري له دلالة واسعة، ولابد من كشف غوامضه وأسراره، فالإنسان يبني واقعه في علاقة أساسية مع رغباته المكبوتة ومخاوفه، ويعبر عنها في صورة سلوك أو لغة أو خيال ، ويرى أن "اللاشعور" أو "العقل الباطن"، فهو مستودع للرغبات والدوافع المكبوتة التي تتفاعل في الأعماق بشكل متواصل ولكن لا تطفو إلى مستوى الشعور إلا إذا توفرت لها الظروف المحفزة لظهورها، فالأدب والفن عنده ما هما إلا تعبير عن اللاوعي الفردي، ( ). وقد كان الاهتمام منصبا على تفسير الأحلام؛ باعتباره النافذة التي يطل منها اللاشعور، والطريقة التي تعبر بها الشخصية عن ذاتها، فكان التناظر بين الأحلام من ناحية والفن والأدب من ناحية ثانية مغرياً لاعتبار الفن مظهراً آخر من مظاهر تجلي العوامل الخفية في الشخصية الإنسانية، فقد حدد فرويد خصائص الحلم بمجموعة من الأوصاف، منها: التكثيف ، والإزاحة ، والرمز ، ثم أدرك أنها هي التي تحكم ـ أيضاً ـ طبيعة الأعمال الفنية والأدبية على وجه الخصوص . فالعمل الفني والأدبي عند فرويد يتكون من محاولة إشباع رغبات أساسية، ولا تكون الرغبةُ رغبةً ما لم يحل بينها وبين الإشباع عائق ما: كالتحريم الديني والحظر الاجتماعي أو السياسي، ولهذا تكون الرغبة حبيسةً تستقر في اللاوعي من عقل الفنان أو الأديب، لكنها تجد لنفسها متنفساً من خلال صيغ محرفة وأقنعة من شأنها أن تخفي طبيعتها الحقيقية ، فالرغبات المقنعة أو المحرفة التي تتضح للوعي تُشكل"المحتوى الظاهر"، أما الرغبات اللاواعية التي تعبر عنها الصيغ المحرفة أو المقنعة فتُشكل"المحتوى الخافي"، فما ينجم - مثلاً - عن النمو الجنسي في مرحلة الطفولة من "ولع أو هاجس" قار، يتجاوزه الطفل حينما يصل مرحلة الرشد، لكنه يبقى في شكل "ثوابت" مستقرة أو محاور كامنة في اللاوعي تثيرها أحداث معينة فيما بعد فتتحقق في صيغ تعبيرية محرفة أو مقنعة ( ).
ويؤكد فرويد على أن مرحلة الطفولة بكل انفعالاتها واضطراباتها تتفاعل في الداخل، وهي التي تحدد سمات شخصية الإنسان، فإذا عانى الطفل شيئاً من الحرمان في هذه المرحلة؛ كانت هي المشكلة لأهم ملامح طريقته في السلوك وفي التصور، فإذا كان هذا الإنسان فيما بعد مبدعاً وشاعراً؛ أصبح محكوماً بجملة تجاربه الطفولية تلك، والمرجعية الحقيقية لما يستخدمه من رموز يوظفها في عمله الإبداعي، وهذا يدفع فرويد إلى القول بأن اللاشعور هو مصدر العملية الإبداعية، والأعمال الإبداعية هي ترجمة لمحتوى مستودع اللاشعور من الرغبات غير المشبعة (عادةً هي بقايا من الدوافع والغرائز الطفولية)، فيعبر عنها بطريقة تتواءم مع أعراف وقوانين المجتمع عن طريق آليات الدفاع من تكثيف وإزاحة ورمز . وقد عمد فرويد إلى تاريخ الأدب يستمد منه كثيراً من مقولاته ومصطلحاته في التحليل النفسي، فسمى بعض ظواهر العقد النفسية - مثلاً - بأسماء شخصيات أدبية، مثل عقدة "أوديب"، وغيرها، كما لجأ إلى تحليل بعض اللوحات الفنية التشكيلية، وبعض الأعمال الأدبية والشعرية للتدليل على نظرياته في التحليل النفسي. ولعل فرويد بالغ حينما وصف الأديب بأنه مريض نفسياً، وعمله يعكس عقده الجنسية وأمراضه النفسية، وهو هنا يُرجِع العملية الأدبية الإبداعية إلى حالة مرضية، كالعُصاب وانفصام الشخصية وغيرها، ولذلك ظهر علم "نفس الإبداع" في الدراسات النفسية، إذ يجعل التفوق في الإبداع نظير لنوع من العبقرية، ثم يقرن هذه العبقرية بلون من ألوان الجنون، فذروة التفوق في الإبداع توازي ذروة الشذوذ عن النسق السوي للحياة النفسية، ولا يعتمد علم الإبداع على الفروض النظرية البحتة، وإنما يحاول إخضاع المبدعين لمجموعة من الاختبارات والأسئلة المصممة بطريقة منهجية وعلمية، كما يتم إخضاع مسودات الأعمال الإبداعية ذاتها لهذا النوع من التحليل( ).
وفي ثقافتنا العربية نشأت مدرسة علم "نفس الإبداع"، أسسها "مصطفى سويف" ، صاحب كتاب :"الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة"، وقد كان كتابه هذا بمثابة نقطة الارتكاز الجوهرية لأعمال هذه المدرسة التي تشعبت وتناول تلاميذها باقي الأجناس الأدبية، ولم تلبث مدارس علم النفس أن تطورت، ونشأت اتجاهات أخرى كان لها أثرها البالغ في اكتشاف جوانب غير فردية لربط العالم الداخلي بالإبداع الأدبي، من أهمها مدرسة "كارل يونج" الذي نقل بحثه من اللاشعور الفردي إلى اللاشعور الجماعي، فالشخصية الإنسانية -في نظره -لا تقتصر على حدود تجربتها الفردية، بل تمتد لتستوعب التجربة الإنسانية للجماعة الموغلة في القدم، وأن هذه الشخصية تحتفظ في قرارتها بالنماذج والأنماط العليا التي تختمر في الثقافة الإنسانية عبر الأجيال المختلفة، وتنتقل على شكل رواسب نفسية موروثة عن تجارب الأسلاف، وتدخل هذه النماذج والأنماط في تركيب طريقة التخيل الإنساني، وطريقة الشعور، وفي منظومة القيم، والفاعلية النفسية الإنسانية ( ).
ففي الوقت الذي يتفق فيه "يونج" مع أستاذه "فرويد" في فكرة اللاشعور؛ نجده يرفض مغالاة أستاذه في تفسير الإبداع الفني في ضوء العقد النفسية، وإيلائها الأهمية الكبرى في حياة الفنان والسلوك الإنساني عامة، فيونج يرى أن الفنان أهم بكثير، بل ربما لا يمكن مقارنته بمريض الأعصاب، مما أتاح الفرصة لظهور تحليل نفسي جديد للأدب، فقد جنحت الدراسات التي اعتنقت نظرية "يونج" في اللاشعور الجمعي نحو تقصي مظاهر النماذج العليا، في الأدب، والفن، والأساطير، والصور الشعرية والأدبية التي يعكسها إبداع هؤلاء الأدباء والفنانين في أعمالهم، بواسطة تلك الرواسب المنحدرة إليهم من أسلافهم، ومحاولة فهمها وتفسيرها في ضوء معرفتها للنماذج الأسطورية والشعائرية للأمم والشعوب( ).
وكان من أهم النقاد الذين وظفوا نظريات "يونج" في علم النفس الجماعي في تحليل الأدب: "نورثروب فراي"، فقد عرض في كتابه "تشريح النقد" نظرية إمكانية تفسير الأدب العالمي خاصة في تجلياته في الثقافة الغربية بلغاتها المتعددة، ثم ظهر تيار نفسي آخر كانت له أهمية خاصة في تحليل الإبداع الأدبي، وهو المتمثل في مدرسة "أدلر" الرمزية، وهي مدرسة تقرن بين الأحلام والرموز بشكل باهر . وقد رفض "أدلر" تفسير أستاذه "فرويد" للإبداع تعويضاً مقنَّعاً عن كبت جنسي يعاني منه المبدع، وضرباً من ضروب التنفيس في محاولة للتواؤم مع العالم وتفادياً للمرض، مع عدم رفضه لفكرة الدافع الغريزي للإبداع فقد كان "أدلر" يرى أن التعلق بالحركة لإثبات الذات هي الدافع والينبوع الأصيل في كل نفسٍ بشرية؛ لأن ذات الإنسان ألصق به من جنسه، وقد طبَّق علماء النفس هذه النظرية على "أدلر" نفسه، فباتوا يراجعون فصول حياته فظهر لهم أنه كان يعاني في طفولته المبكرة آلاماً شديدة من مرض "لين العظام" المعوق للحركة، وكانت آلامه النفسية أشد فأدرك أهمية الجانب الحركي في حياة الإنسان إلى الحد الذي جعله يتخذها مذهباً يدعو إليه . لقد أتاحت نظرية "أدلر" المجال للدارسين والنقاد الذين تأثروا بها النظر في عاهات المبدعين وعقدهم ونواقصهم، والربط فيما بينها وبين إبداعهم وتفسيرها في ضوء المعرفة المتحصلة عن الأديب أو الفنان ( ).
وكانت مدرسة (الجشتالت) أحد الاتجاهات التي بلورت ملامح نظرية متميزة من مدرسة التحليل النفسي الفرويدي، حين قدمت هذه النظرية نفسها في طروحاتها النظرية الأساسية بديلاً منهجياً واضحاً، لاسيما عند ممثلها "هربرت ويلز" . ولقد سعى الاتجاه الجشتالتي إلى البحث في الكيفية التي يحدث بها العمل الفني، وفي الأثر الكلي الذي يتركه في إدراك متلقي العمل ومتذوقه ، وتجدر الإشارة إلى تيار نفسي آخر أسسه الناقد "شارل مورون" انتهى فيه إلى مصطلح "النقد النفسي"، من خلال تفسير النصوص بعضها ببعض، عن طريق وضع أعمال الأديب فوق بعضها، بغية الكشف عن جمالياتها، فيدرس الناقد هذه الأعمال وتجمعاتها وتطورها حتى يستطيع الوصول إلى الشخصية اللاشعورية للأديب، ثم التأكد من هذه النتائج من خلال حياته ( ).، ثم أعلن "جاك لاكان" المحلل النفسي الفرنسي وأحد رواد الفكر البنيوي الربط عبر اللغة بين علم النفس والأدب في منهج شديد التماسك، واعتبر أن اللاشعور مبني بطريقة لغوية، وبذلك يعتبر الأدب أقرب التجليات اللغوية إلى تمثيل هذا اللاوعي، فتصبح بنية اللغة هي المدخل الصحيح للنقد النفسي وقدم تحليلا نفسيا لقصة الخطاب المسروق لادجار ألن بو ( ).
وكتب فرويد عن الهذيان والأحلام في قصة غراديفا لـ جنسن وجريمة قتل الأب في رواية الإخوة كرامازوف لـ ديستوفسكي وتحليل أعمال ليوناردو دافنشي ، وكتب إريك فروم عن هاملت والقبعة الحمراء . وكتب جونز عن دور الصراع الأوديبي في شخصية هاملت. وهناك دراسة سامي علي بعنوان: الحلاج "شعرية التصوف". وكتب كل من يحيى الرخاوي قراءات في نجيب محفوظ تناول عدداً من الروايات كالحرافيش وليالي ألف ليلة وليلة والشحاذ والسراب. وفرج أحمد فرج التحليل النفسي والقصة القصيرة عند نجيب محفوظ. والتحليل النفسي والأدب لأعمال غادة السمان. والتحليل النفسي لرواية طوبى للخائفين لـ يائيل دايان. والتحليل النفسي وألف ليلة وليلة دراسة تمهيدية. وكتب عبد الله عسكر غياب الأب الرمزي في رواية الطريق، والصدام الايديولوجي وهوية الذات في رواية قلب الليل لنجيب محفوظ. وكتب أحمد خيري حافظ الأنا والآخر في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ ، كما حاول بعض الباحثين من أنصار التيار الموضوعي في مرحلة مبكرة من الدراسة النفسية وضع تصور عن خصائص نفسية محددة لكل نوع من أنواع المبدعين في القصة القصيرة والشعر والمسرحية والرواية. فدراسة مصطفى سويف حول الأسس النفسية للشعر ولعملية الإبداع عامة. ومصري حنورة كتب الأسس النفسية للإبداع الفني في الرواية. والأسس النفسية للإبداع الفني في المسرحية. وكتب شاكر عبد الحميد الأسس النفسية للإبداع الفني في القصة القصيرة. كما قدم شاكر عبد الحميد مسيرة طويلة من القراءة النفسية للعديد من الأعمال الروائية والقصصية والشعرية ( ).
والحق أن تراث الدراسات النفسية للنثر والشعر العربي قليل، وهناك بداية مبكرة كانت مع محمد أحمد خلف الله عام 1948 في كتابه "من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده "، وبعده جاءت دراسة مصطفىِ سويف 1949 لدرجة الماجستير حول الأسس النفسية للشعر ولعملية الإبداع عامة وتناول بالشرح والإيضاح مشكلة الإلهام والتسامي أو الإعلاء عند فرويد، والإسقاط عند يونح والحدس عند برجسون وبين نقصها في فهم عملية الإبداع الشعري وذلك لأنهم لم يدرسوا الظاهرة بالمنهج التجريبي المدقق بقدر ما اعتمدوا على بعض الملاحظات الاستنباطية العابرة،. وشهدت فترة الثمانينيات طفرة في دراسة الإبداع الأدبي والفني من خلال المنهج التكاملي الذي أسس لها يوسف مراد، وبالنسبة للشعر على وجه الدقة كانت دراسة مصري حنورة عام 1985 "الدراسة النفسية للإبداع الفني منهج في تقويم الشعر" وهدفت لمعرفة أربعة جوانب كمحكات لدراسة الشعر، وهي: المحور الاجتماعي متضمنا السياق الاجتماعي للمبدع والعمل. والمحور المعرفي متضمنا الأصالة والمرونة والطلاقة ومواصلة الاتجاه والمحور الوجداني متضمنا الدوافع والعواطف والانفعالات والمحور التشكيلي الجمالي للعمل الفني. وتم تطبيق تلك المحاور على قصيدة " شنق زهران" لصلاح عبد الصبور( ).
والكتاب الحالي يعنى بدراسة نماذج من الشخصيات "الأبطال" الموجودين في عدد من الروايات والقصص والأشعار لمؤلفين من مصر وبعض البلاد العربية تتأرجح تلك الشخصيات بين السواء والمرض النفسي سواء كان في درجته القصوى حيث اضطراب التفكير والإدارك وشيوع الهلاوس والمعتقدات الخاطئة والابتعاد عن المجتمع والانفصال عن الواقع، أو في درجته المتوسطة من حيث المعاناة النفسية والشعور بالحزن والاغتراب عن عالمه وما يشبه مثل تلك الحالة، ودرجة الاضطراب البسيطة التي يعيشها كل منا في أوقات مختلفة من حياته كاستجابة سريعة للضغوط الحياتية اليومية ، إذ أن القناعة في التحليل النفسي بأن السواء خرافة وأننا جميعا مرضى نفسيون ولكن الفرق في درجة الإضطراب وليس في نوع الإضطراب، والحق أن الكتاب مشغول بالشخصية الحائرة بين الشعور بالوجود والعدم وبين السواء والمرض النفسي وبين العدالة والظلم وبين الخير والشر وبين الاستبداد والديمقراطية وبين العلم والخرافة، وذلك هو جوهر الوجود الإنساني الحائر. وفي اهتمام آخر من الكتاب جاء الاهتمام بإثبات العلاقة القائمة بين ذات المبدع والقضايا الاجتماعية التي يتناولها في ابداعه بحيث يتداخل ما هو ذاتي خاص بالمبدع مع ما هو موضوعي مستقل عنه، حيث نجد المبدع مهتما بما يشغله هو شخصيا وذاتيا ولاشعوريا يقوم بإسقط ذلك الانشغال الذاتي على اختياره لبعض القضايا المجتمعية دون غيرها أيضا مما يظهر جليا وبوضوح في النص سواء كان نثرا أم شعرا.



1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى