زينب هاشم شرف - فلاش ميموري

حملتُ ذراعي المبتورة وركضتُ نحو الركام
كان الليلُ أبيضَ وكنتُ في فستانٍ سُكَرِيٍّ
أمي تحملُ حفيدها اليتيم راكضةً نحو المشفى تمدُّ يدها:
- عودي يا روان!

أنا لن أعود يا أمي لأني نسيتُ صندوق الأسرار الخشبي في الدار
أنا سأعود إلى الدار..

ماذا حلَّ بنا يا حبيبي الأسمر يا ذا العين العسلية والشعر الفحمي؟

أحملُكَ مع ذراعي المبتورة من الكوع وأركضُ نحو الغرفة المطوية تحت إبط القذيفة.

تقول ماما أنك استشهدتَ يا حبيبي، لكنني أظل أؤكد لها أنكَ ستقومُ وتمدُّ يدَك من ركامٍ ودمٍ وفحمٍ ونارٍ ومطر، ستنهض لعرسنا، فأنا اليوم بالفستان السكري أركض نحو الدار.

كان صندوقنا الخشبي معلقا على أنف غيمة بيضاء في ليل أبيض، فلماذا حين مددتُ ذراعي لأستعيدَه لم تطاوعني أصابعي؟

بخصلاتي المجعدةِ الشقراء قبضتُ على صندوقنا يا حبيبي أنزلته من فوق عرش أبوللو وبصقت في وجه "هيفستوس".

قل لي الآن من يستطيع تأجيل زفافنا وأنا أحتضن كل رسائلنا في قعر الصندوق؟ من يستطيع اغتيال النشوة وأنا قد حنطتُ أعضاءنا التكاثرية بين رسالتين؟

الفلاش ميموري الأحمر بملمسه المعدني وغلافه البلاستيكي لا يدري أنه كتابٌ للمستقبل وأن كلمة "أحبكِ" التي لم تستطع أن تنطقَها بلسانِكَ فَتفوهْتَ بها بأطرافِ أصابعكَ، تعيش هناك في السكرينشوت الأول في الفلاش ميموري الأحمر.

من ينطق " أحبكِ" أولَ مرةٍ على ماسنجر الفيسبوك هو عاشقٌ يحلم بتخليد الحكاية وأنا أحتضن الخلود الآن وأنتظر أن تنهض يا حبيبي من تحت سبعةِ طوابقَ لتقول لي تلك "الأحبكِ" التي خجلتَ أن تحررها من براثن حبالك الصوتية ومن قضبان شفتيك..

كل شيء في هذا الصندوق الخشبي الصغير كل شيء محفوظٌ أبدا حتى ذراعي المبتورة وجديلة أختي الكستنائية التي استخرجتُها من الكفن الجماعي خلسة، فلعنتني أمي!

أمي الآن في المشفى تحتضن حفيدها اليتيم وتترقبُ الاقتحامَ الأخير:

المسخُ قادمٌ إلى كل طبيبٍ
ممرضٍ
جريحٍ
وجثة

المسخُ ذو رأس الضبع وجسد التمساح زاحفٌ أمام العالم نحو أمي
ونحو شعراء المدينة
يزعجه الشعراء
يخشى عقربَ الكلامِ في الليل الأبيض
وأنا يا حبيبي أركض
أركض
أركض
في غابةٍ من الركام

إلى ما لا نهاية

______

زينب هاشم شرف
١٥ نوفمبر ٢٠٢٣
البحرين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى