أحمد القنديلي - جنوب الأرض.. شمال السماء

أنأى عني
أنأى عن يدي
أنسى كلّ الأسئلهْ
أتزوْبَع في فنجان أسود لا بنَّ فيه
أشرب النأي وحدي
وأنأى عن صوتي.
حين يهتز صوتكَ وحدك في بحر الظلماتْ
أنت لا أحدُ
أنت غودو الغبيّ
ستعود إلينا بخفي حنين
ستلاقي الفراغ الأسود
في ليل ألْيَلَ يخبو في فوهة سوداء.
كن إذن فوضى
وابتعد عن خضراء الدمنِ
تلك هاوية ملساءُ
تزحلق مرتاديها نحو مغارات
يستأسد فيها الهباء.
أنأى عني
أنأى عن يدي
أنسى كل الأسئلهْ
أتكوم مثل يتيم منسيّ
هزّه هوْل زلزال خضّ الأرض في برهة عرجاءْ
وانتشى
قال للأرض انتحري
فانحنت مثل امرأة حبلى
كي يسيح دم
يتلوه دم
يتلوه دم
في نهر من حمإ
ينجرّ
بعيدا
جنوب الأرض،
شمال السماء
ياهذا انتحر كي ترى.
أنأى عني
أنأى عن يدي
أنسى كل الأسئلهْ
مثلَ بلّورة
يستنير الوقت الأسود
من ضوئها المتلألئ
في أضلعي
تلك زيْن النساء
وزين القوم
انمحت فجأة في الهواء
في هدوء وسيم
كأي سنونو حزينٍ
ترنّم ثم اختفى
لكأن الموت تضرّع حين أتى
ليصافحها،
لم يحدث أكثر من همس
انسل من الباب الخلفي
وطاف قليلا
ثم تسلل سما زعافا في سُرَّتي
كارتجافة زلزال
هز قِحْفَ الرأس
مرارا
ثم انتثرْ
ولول أيها الوقت المتقلّب في الفحم والوحل والقَطِرانْ
إنني قاب قوسين أو أدنى من رؤية هذا الوحش العتيد
جسدا يتجول في الطرقاتِ
وفي يده قضبان من نار
تلفح الأفئدهْ
واحدا
تلو الآخر
ولولْ
وانتظر كي ترى كيف يسّاقط
الورق الأخضرُ
واحدا
تلو الآخر.
غيمةٌ ملأى
تتدلى
لي وحدي
تهمي برذاذ شفيفٍ
يبلّ الحلق
يقي من نار
أجّجها زلزال هدّ القفص الصدري.
لم يعد في فيك
رذاذ
أيتها الزنبقهْ
فلتحترقي بشواظ
من نار
ونحاس
ولتنتثري
حطبا ورمادا
تداعبه الريح في كل ناحية من هذا الفضاء.
أيها المندسّون غدرا
تحت الرمل
وتحت الحجر
أيها الشهداءْ
عودوا
حتى لو ناولَكم أصدقائي هناك كؤوسا من شاي البرزخ العلويّ
عودوا
فلتعودوا إليّْ
وهجا
ودما
دافئا
يترقرق
كي يلذع النجمة الزرقاء
بومة نفذت من دم
تتجشّأ سمّا أبيض
يسري في جسدي
برَصا باردا
يسلق الوجه والأخدعين
تتثعلب
تبكي
ليل
نهار
حين يلكُزها شبل غزة
تبكي
ليل
نهار
سرطان
يسوِّس كل الحواس.
لكأني
أشم
بياض الفسفور
في كل زاوية
لكاني أراني هناك
خلف الأكمهْ
ملقى مثل مكنسة خرساء
هبوا أيها السفهاء
زادنا المتبقي
دم
يستشهد
يدحونا
كي نرى
ضوءا
يأوي
ضوءا
يأوي أنجما
تتلألأ في كل ركن
جنوب الأرض
شمال السماء.


أحمد القنديلي



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى