محمد عبدالعزيز أحمد (محمد ود عزوز) - كصبارة وحيدة يدعكها الشتاء

كصبارة وحيدة
يدعكها الشتاء
ولا صدر يضمها
يبتلع صرخاتها الصدى
وتتفتت احزانها في نهاية الرمل
هكذا ابدو لي
وانا اتسلل خلسة كقط
الى مطبخ الذاكرة
التهم الحمام المنسي خارج القفص
استلف قطة جارة لمضاجعة
وانسى أنني مجرد قط رث
لكنني
في النهاية
حين اشبه القط الرث
او اشبه برتقالة مفعمة بالنعومة
او اشبه حتى بدلة جندي
انا انتمي لهذه البلاد
لي حصة من ارصفتها
ومن نسائها المتشحمات
ولي حصة من قتلاها ، جُثة على الاقل في اليوم
ولي حصة من امهاتها
حلمة للنوم على الاقل
ولي حصة من قمعها
زنزانة
كل عدة صرخات
ولكن حين يكون الوقت للحب
لامرأة ريفية
تُربي اغنامها جوار الحقل
وتغني للجدول
تعلم القمح التأدب امام الجوعى
وتهذب ظلال الظهيرة
اكون اجنبياً
اكون غجريا جرفته السيول القديمة للهويات
اكون يهوديا جاء ليسرق زنوجها ويبيعهم لمزارع التبغ
اكون الشيطان الذي سكب الزيت الحار
ليسود ارصفتها وبشرة فتياتها الجميلات
ايتها البلاد التي تشبه فينا كل شيء
سوى السلام
ايتها البلاد التي تبدو في الصباح كامرأة سمراء تلقن اطفالها كيفية القتل
تجرب على اصابعهم نصالها لكي يفهموا الدرس
ايتها البلاد التي تبدو كعجوز شمطاء
تتعرف على احفادها من جُثثهم
تعرف فقط البكاء
البكاء ورائحة الموتى
و دموع العشاق الذين جرفهم بول السكارى ليلاً
الى منزلق انفكاك
قطارات من العبيد والزنوج يزحفون على صدرك
انتِ الطافحة بالجنس والغواية
الآ تملكين متسعا لنلعب على ظهرك الغميضة من جديد
ولكي نختبئ فيكِ للابد
الآ تملكين
نهدين سمراوين منتفخين كالقبور
لنُدفن فيكِ سالمين من كل برد
الآ تملكين ردفين يسيران امامنا ، لنختلي بالانثى فيكِ سراً
ونتشاجر بحميمية حول حصتنا من الفرح
ايجب أن يكون الجوعى
نشرات اخبارك الاكثر بوحاً
ايجب أن نُحمل في اكياس الزبالة هكذا
لتصرخي من البعيد
من هؤلاء اللقطاء
نحن الذين تكاثر اباؤنا كالجذام على اوراقنا الثبوتية
وتكاثرت امهاتنا على فمنا للإرضاع ، كحفل حلمات
ارضعونا كل القذارات الممكنة سوى الحليب
اُرضعننا التخفي من الليل ، حين يطاردنا في الغروب ، كحارس بستان
ونحن صبية الحي الاشقياء
ارضعتنا الاختباء كل ما عبثت الريح بالأبواب
ارضعتنا أن نمشي ورؤوسنا للأرض
مخافة أن تشتبه فينا مناجلك مشهد يلائم مائدة الجنرال
اكل هذا الموت
لأنك قلتِ جائعة
كل هذه الذرة لم تكن كافية
كل هذا القمح والدم ، والجوع الاباحي على مشاجب الاتفاقيات لم يكن كافيا
كل هذه السيقان المرفوعة تدعوكِ لمائدة فراش لم تكن كافية
كل هذه البنوك التي تصل خراطيمها بالأوردة ، لتنهب الدم وذاكرة نسائنا لم تكن كافية
أكان ينبغي للرؤوس ايضاً أن تعبر بأصابعك القاسية ، كحبال المشنقة
ارتبكِي قليلاً
لنشعر بأنك مثلنا
تشتهين النساء والسلام
والبيوت المرحة
ارتبكِي قليلاً ، لنرى في وجهك شيئاً جديد
وليس لصوصا يأكلون الاطفال بالملاعق
ويرمون العظام في حقائبنا
نحن الجوعى المتهمين بالتهام البلاد
كفي شرك قليلاً يا بلاد
ليتسع فراشنا لداعرة
كفي شرك لنسرق من نافذة الجارة ازهارها
ونلفت انتباه الحنين
الى لحظةِ حُنطت في ميدانٍ بعيد
كفي شرك قليلاً
لنرى ابعد من خوذة الجند
و الجوع الذي يتسلل كقوانين الله الى فراشاتنا
كفي شرك
لنتنزه بأصابع تغادر جيوبنا اخيراً
وتصافح غيرها
دون أن تنسى اصبعا في تمام الهلع
انتِ
اضخم من كل تلك القبور
واكثر طيبة
انتِ اقل قليلاً من الموتِ شفقة
واكثر من الموتِ على راي
اعطي الجنرالات ما تُعطي
اعطهم دمنا ، قوت يومنا ، سيقان نسائنا ، ومشاويرنا الطافحات بالبيوت
اعطهم بطاقات الهوية
و صدر امهاتنا والحليب
اعطهم اسماءنا الناقصة على البطاقات الرسمية
وصورنا المرتجفة كذلك
اعطهم حتى افراحنا الساخنة
ودعي لنا
الدفء
والحزن
دعينا نحزن ككل الذين نجوا بنصف اصدقاء
وبنصف حلمات
وبنصف ارصفة
دعينا ننصب مخيمات العزاء
على وجوهنا التي باعت ضحكاتها لتشتري كل هذا الصمت الانيق
خذي كل شيء يا بلاد
فنحن ابناؤك في اخر الحزن
ولكن دعينا نرضع قليلاً
لنكبر قليلاً
وليكون لحمنا أكثر اخضرارا
حين ترمينا في المحرقة

عزوز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى