إبراهيم أصلان ـ آخر النهار

ازيك يابابا، كل سنة وأنت طيب
هكذا قالت زوجة ابنه وهي تضع علبة الكعك على منضدة السفرة، واتجهت الى الحجرة الداخلية لكي تسلم على الحاجة، بينما كان الابن قد أغلق باب الشقة، ثم استدار الى ابيه وقال مبتسماً:
ازيك ياعم ابوسليمان
وابتسم ابوسليمان وقال: أهلا ياسليمان
كل سنة وانت طيب
وأنت طيب،
ولاحظ أن سليمان ازداد طولا وهو واقف امامه بعدما كان يماثله في الطول حتى الأيام القريبة، والآن كان يرفع وجهه الى وجه الولد لكي يراه جيداً، وتراجع على نحو غير ملموس ونظر الى قدميه ورأى انه يلبس حذاءً عاديا وليس له كعب عال، والحاجة خرجت من الحجرة وهي تضبط طرحتها وقعدت في الصالة والزوجة الشابة فتحت العلبة ووضعت الكعك في الطبق وعملت الشاي وجلسوا يتكلمون ويتذكرون ويضحكون، وسليمان وزوجته انصرفا وعادت الحاجة الى حجرتها، ابوسليمان ذهب وراءها وقال: هو الواد سليمان طول؟.
رفعت وجهها وهي قاعدة على السرير وقالت: سليمان مين؟.
سليمان ابنك
ماله؟
هو طول؟
طول أزاي يعني؟
يعني بقى اطول من الأول.
الأول امتي؟ وهو صغير؟.
لأ.. طول عن الشهر اللي فات مثلاً.
ليه. هو في حد بيطول وعنده تلاتين سنة.
أبوسليمان تأمل هذه الفكرة ووجدها معقولة جداً، ثم سألها:
أمال انا اللي قصرت والا ايه؟.
وهي قاسته بعينيها من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل الى أعلى، وقالت: انا عارفه.
مش عارفه اذا كنت انا اللي قصرت والا هو اللي طول؟.
طيب وانا حاعرف ازاي.
يعني، من وجهة نظرك كده واستقام في وقفته انا زي ما انا، ولا قصرت عن الأول؟.
يمكن..
تغيرت نبرة صوته وهو يقول: يمكن؟.
الله، مش انت اللي بتقول.
استدار وغادر مدخل الحجرة، وهي قالت وراءه:
أبقى هات لي متر، علشان كل شويه اقيسك وأقيسه.
كان وصل الصالة وهو يشعر بمنتهى الاستغراب من هذه الطريقة في الكلام، وقعد امام التليفزيون دون ان يلعب في الريموت، بعد فترة قام واتجه الى الحجرة وتجاهل وجودها على السرير، نظر سريعاً الى الدولاب وفوجئ بالعجوز ضئيل الحجم الذي يتطلع اليه من عمق المرآة المعتمة المصقولة، وعندما مد يده يفتح ضلفة الدولاب رآه يسرع بالانصراف، ظل واقفاً يتطلع الى الهدوم المرصوصة كأنه يبحث عن شيء ما، وبينما كان يغلق الدولاب لمح العجوز وهو يأتي مرة أخرى مع حركة المرآة وينظر اليه غاضباً، حينئذ غادر المكان وعبر الصالة الى المطبخ، فتح الثلاجة وأغلقها، ورفع غطاء الحلة الموجودة على البوتاجاز ووضعه، ثم ترك المطبخ ودخل الشرفة الصغيرة واستند بجسده الى سورها الحجري القصير، ورأى اسطح البيوت الخالية، وهناك، كانت الشمس تغيب، مع ارتجافة أخيرة من ضوء النهار في الأفق البعيد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى