محمد زايد الألمعي - بكــــاءٌ غـــــامض

لمن سوف تنوي انتظارك هذا المساء؟
مساء حديدٌ،
ومطرقة من كلامْ،
ومقهى ينسق فوضى التشرذمِ
أو يتعرى لعرس الجذامْ،
وقافلة التائهين تطلُّ سراباً،
وتنسج للوهم تفاحة من رخامْ
وأنت على القيد
تحمل همّ السنين العجاف
تريهم
- إذا انكسر الحرف في حدقاتك-
أنك أعمى بهم
ثم تلقي بأيام حزنك نذرا لهذا الظلام
..........................................
لمن سوف تنوي انتظاََرك هذا المساء؟
كنت أذكر وجهك، وهو يجانبنا حائط الصمت،
كنت أذكره،
وأنا الآن لا أستبين ملامحه،
صار أبرد من لحظة الموت،
أبعد من لحظة الموت،
صار وجها تعودته
لا يقول جديدا
سوى إنه حجر في الفراغْ
.......................................
لمن سوف تنوي انتظارك هذا المساء؟
هي؟
- في آخر العمر تأتي إليك،
وفي ثغرها وردة من ربيع جديد،
وفي قلبك الصلب
صلصلةٌ للسنين الحديد
هي الآن عندك،
لا شيء بين يديك وبينك إلاك
فاحمل لظاك إليها
وصوّر دمك
واتخذ في مداراتها موسمك
........................................
لمن سوف تنوي انتظارك هذا المساء؟
ليس إلاّك تنهض
من كل مقهى جلست عليه
تغادرهم
وتقابل بعضك في فلوات طريقك
تسأل عنك كلامك
هل قلت شيئا؟!
تجيب النوافذ لا!
وهل كنت شيئا؟!
تجيب المقابر لا!
وهل صرت شيئا؟
تجيب الموائد لا!
تمر عليك وأنت على حافة العمر
ترقب قوس انطفائك
والذاهبون إلى دهرهم
حملوا للخلود مواسمك البكر
وارتحلوا نحو آفاقهم
يرضعون كلامك
ثم يقولون ما قلت
يتفقون ويختلفون عليك،
تسير على حافة العمر،
ترفو فتات طريقك
من سحب الذاكرة
وتعود إلى طين أمك
تبذر فيه الشموس القديمة
ثم تمر على وتد كان يرسن دارك
تقرئه وحشة الروح،
حين تطير على غصن موتك،
تخضرّ دهرا،
وتذبل دهرا،
وتمضي إلى كل شيء
سواك
وحين تدير مراياك
ترفض وجهك فيها
وتعلن:
أنك لست الذي مر ذات مساء على حزنهم
فَتَنَكَّبـَهُ وحده
ومضى
حاملا همهم
ناهضا ببلاهته بين أنقاضهم
يتلمسهم ويهيل عليهم وصاياه
يقرضهم ما تورد في العمر من قلبه
ويرتب آلامهم كي يروها...
..............................
تؤجل هذا المساء بكاءك،
تلقي عليك التحية،
توهم ذاتك بك،
تؤجل قهوة روحك،
تعلن لك،
وتعلن عنك،
وتعلن منك،
وتشطب صفحة عمرك،
ثم تعيد ترابك فيك،
تدون فيك محاذير عمرك
تكتب لك:
قد ترى شجرا ليس لك،
وترى حلما ليس لك،
وترى وطنا يدَّعيك ولا يعرفك،
وترى طفلة تتمثل فيك أبوتها
وتسمى بغيرك!!
سترى الأرض تفطر خصبا،
وتطعم أبناءها للكلاب
سترى أمما
يحرثون على قوس صدرك وشم العذاب
سترى الماء،
والنار،
والطين،
والناس،
حتى إذا ما انتبذت قليلا،
تلاشوا
وضاعت ملامحهم كالسراب
ترى روحك المستريب،
وأنت تراقب ركب الفراشات،
يحملن قوس انحنائك للدهر،
تنهض في خدرٍ
نحو وحدتك المرعبة
تهيم بنبضٍٍ،
تطارده في فتات جراحك،
تغرسه في جذاذات قلبك،
- أعمى- وتهذي بلا لغة؟!!
تسأل الناس عنك،
وتلصق فوق تبلدهم
وهم رؤياك !!!
ترشقهم بالكلام الرمادي،
تدري بغفوتهم
عن تهجي الخناجر والدم
ترفض
هذا الوضوح/ الغموض
وهذا الشموخ/ الخنوع
وترفض
أن تتهجى الذي يتهجاك
تسجر سيرة روحك
في أبجدياتك القادمة
تسير وتحمل إرثك
من ضجر العمر،
تسأل:
كيف تدهلزت في ليل أقبية الذاكرة؟؟
ثم تعبر من جسد الأرض
أعرى من الذكريات الكسيرة،
تعبر أعمى،
ترى ما ترى:
عيونا، على غسق،
تستلذ بظلمتها،
ووجوها مضرّجة بالمحابر
قوما يديرون أصفادهم بيديهم
ويأوون فيك
بغربتهم عنك
يدنون قلبك منك
لتبصر نبضك!
يقولون إنك وحدك
سيّد أحلامهم،
وجبلّتهم في سراديب أزمنة
لا تسيجها الكلمات
وإنك تبني حدودا لسطو النساء
فتجعل واحدة للكلام،
وواحدة لاكتمال الشقاء،
وثالثة لوميض السلالات،
حين يهدهدك الدهر،
فوق سرير البكاء
......................
ترى ما ترى....
وبين وجوه النساء
ووجه الزمان الكنود
تشاهد تفاحةً،
تتأرجح ما بين قضبان صدرك
تسأل:
عن أي ضلع سيعوجّ ثم يقندل أجراسه فوق روحك؟؟
يملي عليك اكتمالك حدّ الألوهةِ،
يكمل فيك اتساقك في الهذيان البهي؛
فتصبح سهما من النار
تدخل أزمنة لا تكون لغيرك
تشعل هاجسك الصعب
تطلق روحك
في أبجدياتك القادمة
تكون سواكَ
وتصبح أوضح من صرخة الشمس
في غضب الهاجرة..

جدة 20/10/1988

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى