إبراهيم الديب - الأم..

توفى زوجها وترك لها ستة أولاد خمسة من الصبية ،وبنت لا يتعدى عمر أكبرهم خمسة عشر عاما. ما زالت الأمة شابة رفضت الزواج ، ليس هذا فقط بل وهبتهم كل حياتها، كانت تنظر فى ملامح وجهه ابنتها بارعة الجمال التي تذكرها بشبابها الباكر وكأنها تشاهد نفسها فى المرآة فلا فرق كبير بين صورة الأم ووجه أبنتها التي تزيدها الأيام بهاء وسحرا حسنا وجمالا ، بعد أن تمعن النظر وجوه أولادها الذكور، وكأنها من تتمتع بكل هذه القوة و الشباب التي تزيدهم : حيوية وأملا ونشاطا واقبالا على الحياة ، لم تعد تعيش لحسابها الخاص فقد تسللت روحها بداخل نفسهم أصبحت تسعد لفرحهم، تشقى لحزنهم، وتشبع لطعامهم تسعد، ترفرف وتنطلق روحها منطلقة تحلق فى سماء السعادة، عند سماعها من يثنى ،على أدب أولادها، وجميل خلقهم وحسن ،تربيتهم .
الصبية أصبحوا رجالا ،ابنتها يطلبها يقف على بابها الخطاب زال عنها كل ما كابدته في السابق من ألم ومشقة، فنظرة واحدة تستمدها من أحدهم كفيلة تحول ألم الحياة بأكملها للذة مضاعفة.
عرف بيتها السعادة بخطبة ابنتها وظنت الأم أن الحياة بدأت تبتسم لها ، لم يمر وقتا طويلاً قبل أن يخبرها ابنها الكبير إحساسه بألم يداهمه على فترات متقطعة، غيب الموت قبلها إثنين من إخوته. الأم صابرة بعد أن اخبرها الطبيب أن مرض ابنها خطير وغريب في الوقت ذاته ، انطفأ بريق عينيها، زادها، اما الرضا والإيمان ومعهما الصمت، وكساها ثوباً من المهابة والوقار. لم يستطع الأطباء إلى الان الأطباء تشخيص مرض ابنها اللعين والوقوف على سره.
هل ذكرت لك أننا فى نهاية ستينات القرن الماضي لم يكن الطب وقتها متقدما كما هو الآن، أقترب زفاف أخته الوحيدة، اشتد عليه المرض أكثر من ذي قبل، والأم فى حيرة من أمرها من خوف على ابنها المريض ، ومن عدم إتمام الزواج الحزن يخيم على البيت. أخذت حالة الأبن تسوء يوما بعد يوم حتى لازم الفراش قبل موعد الزفاف بعدة أيام تعد على أصابع اليد الواحدة، طلبت البنت من والدتها تأجيل الزفاف و ألحت فى ذلك.. حتى يشفى شقيقيها لم تكف عن الدفع فب هذا الاتجاه أكثر ، لتنزل الأم على رغبة ابنتها ،وهى تحتضنها قبل أن ينطلقوا سويا فى نوبة بكاء شديدة استمرت فترة طويلة من الوقت ، الابن المريض كان ينصت لكل ما دار بينهما .
الذي تحامل على نفسه مستندا على الحائط حتى يصل لوالدته فيسقط بجوارها من شدة الإعياء فتحضنه ،وهي تجهش في البكاء ثم يطلب منها بصوت متهدج متقطع ، لفترة أمنيتي الوحيدة هو اقامة حفل زفاف أختي في موعده واشاهد فى بيتنا فرح قبل مفارقتي الحياة ، حاولت الأم أن تثنيه عن بكاءه المتواصل بعدها ،فوافق بشرط بأن تقطع على نفسها وعدا بعدم :تأجيل حفل الزفاف فوافقت ...
يوم الزفاف أشد الايام التي قاسى فيها المرض ، بدأت مراسم الزفاف ،أما الحضور فيعتقدون بأن دموع الأم والبنت تعبيراً عن سعادتهم .الأم تذهب لغرفة ابنتها وتقبلها وتهنئها على الزفاف ، ثم تنتقل لغرفة الابن الذى تأكدت تماما أنه يحتضر، يأتي العريس الذي ترافقه زوجته ووالدتها في نفس السيارة ، وبعد وصولهما لبيت الزوجية وعودة الام لبيتها قام الأهل والجيران بتشييع جنازة ابنها لمثواه الأخير غالبية من ساروا خلفها ، من حضر الزفاف...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى