قال الحاج محسن لولده الوحيد جابر، الذي حصل على بكالوريوس التجارة منذ خمس سنوات، ويفلح الأرض ـ بمساعدة أبيه ـ حتى يجد وظيفة ملائمة، فالدولة لم تعدْ معنية بتوظيف الخريجين:
ـ متى ستهتدي؟
ـ الله قادر على كل شيء!
صمت الحاج محسن، وتنحنح، وأضاف بعد هنيهة:
ـ ... عشتُ في هذه القرية ستا وستين سنة لم يمس أحد طرفي بسوء.
ـ لا أفهم!
قال الأب وقد نفد صبره:
ـ متى ستكف عن مقابلة الأرملة نجوى؟
ـ أنا أريد أن أتزوجها على سنة الله ورسوله.
ـ وهل عدمت القريةُ الفتاةَ البكرَ حتى تتزوج هذه الأرملة؟
ـ وهل زواج الأرملة حرام يا أبي؟!!
ـ ليس حراماً .. لكن من المعتاد في القرية أن يتزوج الفتى بنتاً بكراً لم يسبق لها الزواج!
ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تروج خديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي أرملة، وكانت زوجته الأولى!
ضحك الأب ساخراً:
ـ وفقيه أيضاً يا شيخ جابر؟!!
ـ أنا أرد فقط على ما تقوله!
سكت الأب هنيهة، ثم أضاف:
ـ وما الذي يؤخرك عن طلب الزواج منها .. مادمت مصمما على ذلك؟
لم يرد الابن، فقال الأب:
ـ أنت جاوزت السابعة والعشرين منذ شهرين .. فمتى تتزوّج يا بني؟! .. لقد تزوجتُ أمَّك وأنا في الثامنة عشرةَ.
ـ قريباً .. ربنا يسهل، وترضى أمي!
بصق الأب في منديله الذي طواه ووضعه في جيبه، وقال كالمعتذر:
ـ يا شيخ جابر .. أنت شاب متدين ومستقيم إن شاء الله، ولا شك في سلوكك؛ فأنت تخشى ربنا. وهي من أسرة محترمة .. لكن الفكرة غير مألوفة في قريتنا!
صمت جابر، ولم يُعلق.
خرجت الأم من الحجرة الملاصقة للصالة، تفرك عينيها في توتر، كأنها تُبعد عنهما آثار النوم:
ـ لن يتزوج جابر نجوى إلى يوم القيامة!
صرخ الحاج محسن:
ـ ماذا تقولين يا امرأة؟
ـ ابني لن يبدأ حياته الزوجية مع أرملة!، وإذا تزوجها فسأترك لكم البيت.. وأمشي في بلاد الله!
انسحب الأب.. وهو يقول بصوت خفيض:
ـ عمتي زين تزوجت وهي أرملة، وأنجبت أبناءها الثلاثة من زوجها الثاني! .. وهي عمتك أيضاً، فأنت ابنة عمي!
لم تعقب الأم!
تثاءب جابر ..
سأحزم أمتعة روحي وأذهب إلى بيت صديقي علي في القرية المُجاورة ..
سألتجئ إليه، حتى يرق هذا التمثال الحجري القديم.. الذي يعود إلى عصور حتشبسوت!
والذي يزعم دائماً أنه يحبني، ويحب الخير لي!!
أين أنا..؟!
في واقع حي يتغير كل يوم .. أم أنا في متحف متخلف من متاحف التاريخ؟!!
...
أبعد فكرة الذهاب إلى صديقه علي عن اختياراته ..
وانجرَّ كئيباً إلى حجرته .. مصمماً على مُعاودة الحوار مع أمه في أمر زواجه من نجوى .. بعد صلاة الفجر .. لعلَّ .. وعسى!
الرياض 3/11/2005م
* من مجموعة «عندما تكلم عبد الله الصامت!» لحسين علي محمد
ـ متى ستهتدي؟
ـ الله قادر على كل شيء!
صمت الحاج محسن، وتنحنح، وأضاف بعد هنيهة:
ـ ... عشتُ في هذه القرية ستا وستين سنة لم يمس أحد طرفي بسوء.
ـ لا أفهم!
قال الأب وقد نفد صبره:
ـ متى ستكف عن مقابلة الأرملة نجوى؟
ـ أنا أريد أن أتزوجها على سنة الله ورسوله.
ـ وهل عدمت القريةُ الفتاةَ البكرَ حتى تتزوج هذه الأرملة؟
ـ وهل زواج الأرملة حرام يا أبي؟!!
ـ ليس حراماً .. لكن من المعتاد في القرية أن يتزوج الفتى بنتاً بكراً لم يسبق لها الزواج!
ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تروج خديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي أرملة، وكانت زوجته الأولى!
ضحك الأب ساخراً:
ـ وفقيه أيضاً يا شيخ جابر؟!!
ـ أنا أرد فقط على ما تقوله!
سكت الأب هنيهة، ثم أضاف:
ـ وما الذي يؤخرك عن طلب الزواج منها .. مادمت مصمما على ذلك؟
لم يرد الابن، فقال الأب:
ـ أنت جاوزت السابعة والعشرين منذ شهرين .. فمتى تتزوّج يا بني؟! .. لقد تزوجتُ أمَّك وأنا في الثامنة عشرةَ.
ـ قريباً .. ربنا يسهل، وترضى أمي!
بصق الأب في منديله الذي طواه ووضعه في جيبه، وقال كالمعتذر:
ـ يا شيخ جابر .. أنت شاب متدين ومستقيم إن شاء الله، ولا شك في سلوكك؛ فأنت تخشى ربنا. وهي من أسرة محترمة .. لكن الفكرة غير مألوفة في قريتنا!
صمت جابر، ولم يُعلق.
خرجت الأم من الحجرة الملاصقة للصالة، تفرك عينيها في توتر، كأنها تُبعد عنهما آثار النوم:
ـ لن يتزوج جابر نجوى إلى يوم القيامة!
صرخ الحاج محسن:
ـ ماذا تقولين يا امرأة؟
ـ ابني لن يبدأ حياته الزوجية مع أرملة!، وإذا تزوجها فسأترك لكم البيت.. وأمشي في بلاد الله!
انسحب الأب.. وهو يقول بصوت خفيض:
ـ عمتي زين تزوجت وهي أرملة، وأنجبت أبناءها الثلاثة من زوجها الثاني! .. وهي عمتك أيضاً، فأنت ابنة عمي!
لم تعقب الأم!
تثاءب جابر ..
سأحزم أمتعة روحي وأذهب إلى بيت صديقي علي في القرية المُجاورة ..
سألتجئ إليه، حتى يرق هذا التمثال الحجري القديم.. الذي يعود إلى عصور حتشبسوت!
والذي يزعم دائماً أنه يحبني، ويحب الخير لي!!
أين أنا..؟!
في واقع حي يتغير كل يوم .. أم أنا في متحف متخلف من متاحف التاريخ؟!!
...
أبعد فكرة الذهاب إلى صديقه علي عن اختياراته ..
وانجرَّ كئيباً إلى حجرته .. مصمماً على مُعاودة الحوار مع أمه في أمر زواجه من نجوى .. بعد صلاة الفجر .. لعلَّ .. وعسى!
الرياض 3/11/2005م
* من مجموعة «عندما تكلم عبد الله الصامت!» لحسين علي محمد