إبراهيم الديب - الغجرية تسرق القمر..

الرعب والخوف يسيطران على نفس الصبي الصغير ، الذي حدد نظره في نقطة بفضاء الكون شاخصا إليها في المنطقة التي يتوسطها القمر في صفحة السماء؛ وقت خسوفه ، بعد أن سحرته الغجرية و استولت علي نوره وبهائه بأعمال سحر؛ تتقنها لأنها في حاجة شديدة لنوره وبهائه ليحل على وجه ابنتها القبيحة فالليلة خطبتها حتى تبدو جميلة في عين كل من يشاهدها من الحضور وخاصة خطيبها .
وهذا ما تسبب في خسوف القمر، بعد أن أجمعت على ذلك نساء القرية شديدي الحنق والغضب على الغجرية الساحرة الشريرة أثناء تناولهن سيرتها منذ أن وضعت قدمها في قريتهن في الماضي البعيد، تجمع كالعادة عندما يحدث الخسوف، أو سرقة القمر من الغجرية عددا غفيرا من الأطفال الأكثر شجاعة من الصبي هش النفس شديد الخوف وجاءوا بعلب صفيح قديم فارغ وظلوا يخبطون عليها بطريقة مجنونة أقرب للهيستريا ليخلف هذا الخبط المتواصل ضجيجاً شديدا متواصلا مصحوبا بسب ولعن من جميع الأطفال للغجرية الساحرة تتخللها تمتمات وهمهمات غير مفهومة تطلقها الحناجر الصارخة باتجاه قبة السماء راجية الله متوسلة اليه من أعماق نفسها أن يعيد إليهم القمر بدرا كاملاً على نفس هيئته قبل أن تستحوذ الغجرية على نوره وتضعه على وجه ابنتها القبيحة .
ما زال الخبط والضجيج يشق سكون القرية وليلها الخائف المذعور وما زال القمر الحائر ببن سكان الأرض والغجرية يختبئ خلف الظلام بإصرار من الأرواح الشريرة التي اجتمعت بأمر من الغجرية تقف حائلا بين بني البشر ونور القمر، الذي طل بدرا بهيا جميلاً ساطعا في المساء ثم اختفى ، النساء أيضاً تشارك في معركة الاسترداد الحامية الوطيس من جانبها، بكل ما أوتيت من قوة اللفظ والمعنى يعتلون الأسطح و النوافذ لم يعد يكن هناك من أهل القرية إلا بعض الاستثناءات تخلفت عن المشاركة وهي مجموعة قليلة وقفت على الحياد تنظر وتتابع وكأن الأمر شيء عادي فلا شعور بخوف أو فزع مثل الأغلبية وكأنهم يشاهدون مباراة لكرة وهذا كان أكثر شئء تعجب له الصبي ، فكيف يجد من لا يخاف ذهاب ومغادرة القمر صفحة الكون، أما أمر الصبي من الصغار والنساء فكان أشد عجباً لأنهم يسبونها صراحة وبجرأة يقول في نفسه: ألا يخشون عقابها فالغجرية لها قدرات خاصة ولابد أنها بطريقة ما على علم بكل ما اعتدي عليها لفظيا ولذلك رفض الفتي الصغير مشاركتهم في سبها أو في عملية استعادة القمر المسروق منها .
اشتدت ملحمة السب والقذف للغجرية عن، النساء اللاتي بدتن أقدر من الصبية فى ذلك ،! لأن الغجرية أنثى مثلهن وهن أعلم من الرجال والصبية بمواطن ضعفها وما يغضبها كامرأة ويسبب لها ألما شديدا يشعر من يستمع لسب وقذف النساء للغجرية أن هناك بينهن وبينها ثأرا قديما ليست مسألة سرقة القمر فقط؟ إحساس بأنه ثأر قديم متجذر في نفوس النساء... قد يكون سببه شعورهن نحوها : بعقدة نقص تجاهها فهي قادرة على إلحاق الأذى بمن تريد من وجهة نظرهن، وتتمتع بقدرات تميزها عن نساء قريتنا، إحساس بأن الرجال: يخافونها فكانوا يحفزون النساء لمزيد من الحشد ضدها حتى اقتربت مشاعر القرية بكاملها أن تكون على نفس واحدة تطلقها ضد الغجرية الساحرة االشريرة,والنساء تنشط من أجل التخلص من عقدة النقص التي تلاحقهن عند مقارتهن بالغجربة.
طال السب والقذف فى تلك الليلة الغجر جميعا فى كل مكان من أرض الله، فهم سبب فسادها ...كان حديث النساء يبدو أحيانا معقداً حكيما مبهما ولكنه كان ينطوي في جزء منه على رسالة طمأنينة تسللت لداخل الفتى قد يكون سببه أن جيش القرية استعاد جزء من القمر فبدد به جزءًا من ظلامها وانتزع به خوفاً من الصدور، وفزعا من النفوس ، وهذا ما حفز الصبي الصغير التخلي عن خوفه ووقوفه على الحياد وأخذ يحفز النساء والأطفال بعقله ونفسه في أول الأمر، لينال من الغجرية صراحة بعد استعادة جزءا آخر من القمر ألقى هذا النور الذي يشق لنفسه مسارات بين السحب والظلام غلالة من ضياء ممزوج بجلال مهيب انتشر في فضاء الكون ، تشجع الصبي أكثر فلم بعد هناك إلا مساحة صغيرة من القمر تسيطر عليها الغجرية، وأخذ بالخبط على الصفيح طاردا الخوف من نفسه غير عابئا بالغجرية و بقدراتها الخاصةً أنها تستطيع أن تعرف أنه شارك ضدها في معركة الاستعادة
فهو منذ أن شاهدها لم يستطع أن يخرج صورتها من ذهنه وهي تتجول في طرقات القرية برشاقة يساعدها على ذلك جسدها النحيل الخالي من التضاريس تحمل بقجتها على رأسها ، تخنق خصرها بحبل فبدت من شدة النحولة ،كأنه لطفلة صغيرة وعلى وجهها الذي ترك الزمن عليه كرمشات وتغضنات وخطوط زرقاء وخضراء ، لكل خط منه قصة تستحق أن تروى، وفي عينيها المتحدتين المقتحمتين لمن ينظر إليها، كحل ثقيل يزيد من قبحها ،لا تفارق السيجارة أصابعها إلا نادراً...صورتها محفورة في ذهنه ولكنه أعلن الحرب عليها و شارك ضدها بضجيج داخلي وأمنيات في أول الأمر ليعلنها حربا صريحة عليها ولم يعد .
انقشع غشاوة عن قطعة من وجه القمر فبدت هذه القطعة بعدها أجمل وابهى مما كانت عليه قبل سحر الغجرية ... يعلو صوت الخبط على الصفيح هذه المرة ليعلن عن ابتهاج أهل القرية بالنصر على الغجرية ، أتفق الجميع أن الغجرية لم يعد في مقدورها أن تستطيع استرداد عافيته هذه الليلة، أو أن تعدل من خططها لتوظيف ما تبقى من قوتها التي بدت عاجزة على المحافظة على نور القمر في حوزتها مستقراً وجه ابنتها، ومن رأي الجميع وخاصة النساء أن المعركة لم تكن على مصير القمر فقط أو بين الأطفال والغجرية، بل هي بين الخير ، والشر وكانت سعادة النساء كبيرة لأن ابنة الغجرية بدت قبيحة على حقيقتها أمام خطيبها فيكفي فضيحة الشريرة أمام الأشهاد لا يدري الصبي كم مر من: الوقت وهم على تلك الحالة .وجد الصبي أمامه وهو يجلس مع والدته على عتبة البيت كوبا من الشاي وبيده كعكة يغمسها في الكوب ثم لفمه هل كانت لذيذة لأنهم انتصروا ...أم هي كذلك بالفعل أصبح كل شيء واضح تماما على ضوء القمر بعد أن أعلن عن نفسه بدرا كاملا ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى