عبق الروح.. (دراسات وحوارات أدبيّة).. كوكبة من نخبة الأدباء والنقاد - كتبوا عن تجربتي في الشعر والقصة.. مصطفى الحاج حسين.

الدكتورة (سليمة فريندي)..
تلتقي وتحاور: الشاعر والأديب السوري
(مصطفى الحاج حسين).
في ظلّ ما قبل وما بعد زلزال الشّرق الأوسط:
الدكتورة: سليمة فريندي.
1/ شعرك تغلب عليه مسحة من الحزن ونبرة وجع دفين فما هو السبب؟.
** الشّعر توأم الحزن، وشقيق الصرخة، وبوّابة القلق، ونافذة الشّكوى، ومدفن الانتظار، وما الفرح والسّعادة في حياة الإنسان، إلّا سحابة صيف عابرة، والحزن هو هاجس الحياة، ولولاه ماكنّا تطوّرنا، وتحضّرنا، واخترعنا، وأبدعنا.. الحزن هو مشيمة أحاسيسنا، ومركب أحلامنا،وشراعُ أمانينا، وأزاهير جراحَنا وأوجاعنا.
2/ ماهي المواضيع التي كانت تستهوي قلمك في ظل إكراهات ما قبل الزلزال المشؤوم؟.
** ( الحبّ ).. وزلزالنا الأكبر ، فنحن في سورية، نعيش منذ سنوات طويلة
الزّلزال تلوَ الزلزال، والهزّات الإرتداديّة
التي تزداد ولا تتوقّف.
قتلوا الأبيض.. وكلّ ما يشبه الأبيض، والأَسْوَدَ.. وكلّ ما يشبه الأسود.. دمّروا الكوخ والمنزل والعمارة، أحرقوا الشّجر والغصن، والجذور، والبذور.. وقاموا بتصغير رغيف الخبز، إلى أن أصبح أقلّ من اللقيّمة.. وهجّروا العصافير إلى كلَّ بقاع الأرض.
3/ الزلزال الأخير كان له وقع كبير عليك، حيث كتبت قصائد قويّة مثل" برزخ النار" / "عويل النّشيد"... فهل أحدث الزّلزال تغييراً في مسارك الشّعري؟.
** الأحداث كثيرة، وكبيرة، وعظيمة وهائلة، ومفاجأة، وصاعقة، ومؤلمة، وصادمة، ومبكية، ومميتة.
والزّلزال الإجتماعي هو الذي أحدث التّغير في حياتي، ومسار كتاباتي، من شعر، وقصّة قصيرة، وربَّما رواية أيضاً.
كنتُ متوقّف عن الكتابة، بل والمتابعة،
حتّى إنّي قطعت علاقتي بالوسط الأدبيّ.. ودام هذا لمدّة طويلة، منذ عام ١٩٩٥ حتى هجرتي القسريَّةِ إلى تركيا، في منتصف عام ٢٠١٤م.
الغربة من أعادتني للكتابة، ما حصل، ويحدث حتى الآن في بلدي، هو ما يدفعني بل ويفجر الكتابة عندي.
تزلزلت حياتنا جميعنا، صار الموت والقتل، والإعتقال، والخطف، والجرح، والنّزف، والإغتصاب، والتّرمّل، واليتم، والتّشرد، الجوع، والعوز، واللجوء، والنّزوح، والتّشتت، والضّياع، والفقر، والحاجة، والخراب، والدّمار، الأنقاض، والقصف، والقنص، والغدر، والخيانة، والمطاردة، والملاحقة، والحواجز، ونقاط التّفتيش، والسّرق، والنّهب، والتّشليح، والتّشبيح، والتّجويل، والإعدام، والتّصفية، والإغتيالات.. والإتّهامات بالكفر، والإلحاد، والمرتدّ، والزّندقة، والمرتزق، والعهر، والزّاني، والعميل، والموالي، والمعارض، والرّمادي، والمتلوّن، والمندسّ، والطائفيّ، والمذهبيّ، هكذا صارت كلماتنا اليوميّة.. وتغيّرت حياتنا، ومفاهيمنا، وأحاديثنا.. ولهذا كان عليّ أن أعود لقلمي، فلا سلاح أؤمن به، إلّا القلم، والكلمة.
4/ وماذا تقول لنا عن متغيرات أدبك ما بين قبل الزلزال وبعده.
** بدأت الأن أعود لكتابة القصّة، وربَّما الرّواية.. لأن الشّعر عادة يكون من أكثر الأجناس الأدبيّة، إستجابة، وتلبيّة، مع التّفاعل ، والمواجهة، والتّصدي.. وهذا ليس بالغريب عن الشعر.. لذلك قيل عن الشعر، هو ديوان العرب، وهو في الحقيقة ، ديوان البشريَّةِ، في كلّ زمان، ومكان، ولغة.
حاورته الدكتورة : سليمة فريندي.
## الكاتب والقاص “محمد الطايع” وقهقهات الشيطان للأديب السوري “مصطفى الحاج حسين”
يقول الكاتب والقاص “محمد الطايع”:
موضوع هذه المقالة، عبارة عن كلمة في حق علم من أعلام الأدب العربي المعاصر، إنه القلب النابض بمحبة الحرف الحي الناطق ببهاء لغتنا بيننا. أديب حق لنا شرف معاصرته، وكم هو وافر حظنا بالقرب منه، والسير تحت ظلاله، وكم تبدو الكتابة مجرد لغو، مالم تعلن شهادتها، بحقٍ في حقِّ الذين أعطوا الكثير من وقتهم وجهدهم، للكتابة.. ولازالوا على العهد..
إنه الأديب السوري، الظاهرة الأدبية:
مصطفى الحاج حسين،
أستاذي ومثلي الأعلى.. وبعد..
قبل بضع سنين.. وفي هذا العالم الأزرق.. ذات صدفة رائعة.. أو حسب تأويلي أقول: ذات قدر كريم.. وقع بصري على نص قصة قصيرة بعنوان (قهقهات الشيطان) ومنذ سطورها الأولى.. لم أتمالك نفسي، من فرط الإعجاب بأسلوب الكاتب، الشديد التركيز، والمعتمد بلسان عربي فصيح، وخطاب أورسالة تفوق حاجتنا للعبرة، وتتعداها إلى تحقيق قيمة الجمال، وخلق الدهشة، وتحقيق الامتاع، لأنها وكما قلت، تمكنت مني بشكل غير مسبوق.. فكنت أتوقف بين الفقرة والأخرى، أسترق النظر إلى اسم الكاتب، وأعود لاتمام قراءة النص.
في حياتي اطلعت على نصوص كثيرة، من جنس القصة القصيرة، وكنت شغوفا ومازلت، بهذا النوع الأدبي، الذي أعتبره فرصتنا لكي نعيش حياتنا بما هي أهل له من تنوع ووعي ونضج.. وقبل أن أقرأ قصة (قهقهات الشيطان) كنت قد قرأت الكثير، من القصص القصيرة، لأدباء بارعين في هذا الجنس الأدبي، وتلك قائمة أسماء الكتاب، طويلة طول خارطة الوطن العربي. وكانت لي أيضا قراءات أخرى متنوعة، للادب العالمي، وذلك عبر ماترجم إلى العربية، ومانشر من كتب، وعلى صفحات الجرائد، والمجلات، والملاحق الأدبية، لكتاب كبار من أمريكا وفرنسا وروسيا، والهند واليابان.. وأميركا اللاتينية..
إنما من الأكيد أن للقصة القصيرة العربية، مايميزها عن غيرها، وللقصة في الوطن الواحد بصمات تختلف بين التمازج والتباين، فتلك المفارقات قد تكبر في تجربة، وتظل بيسطة في أخرى، لكننا حتما نلاحظها، بين قصاص من المغرب مثلا، وقصاص من مصر، رغم التأثر العابر للحدود، والتقليد والتناص الظاهر في مجمل الابداعات، مع القواسم اللغوية المشتركة، وما تتفرد به اللهجات العامية من
خصوصيات، ثم يحضر جليا، ذلك الهم الاجتماعي والثقافي والبعد السياسي، والأثر التاريخي، الذي يوحد بينها ويجعلها إضافات ذات طعم متشابه حينا، وحينا متفرد..
وبالنسبة لأدب القصة القصيرة العالمي، يغدو من واجب المهتم أن يكون أكثر إحاطة بالتجارب وتنوعها، ليميز بعين واعية، تقنيات القص القصير ومدارسه، وهي تتشكل بين واقعي، وفاتنازي، تاريخي، وخيالي، ومن ذلك قصص شديدة الارتباط بكتابها، فهي أشبه بمقتطفات من السيرة الذاتية. وأخرى شديدة النأي عن ذاتية المؤلف، ومنها ما تمت صياغته في قالب من الرمزية والتجريدية اللغوية. و أخرى جنحت لصناعة توليفة عجيبة تمتح مادتها الحكائية من الواقع والخرافة معا، كشأن قصص الواقعية السحرية. هذا وليس الأدب العربي بمعزل عن هذه التيارات والمناهج التي تتيح للكتاب، آفاق أوسع للتجريب والتجديد، في خضم حياة يشق على الكتاب تطويعها بكلماتهم، مالم يكونوا موهوبين بالفطرة، قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة صقل الموهبة.
ومما تعوده القارىء عموما، عن جنس القصة القصيرة، أنها ذات حبكة تتسم بالتكثيف والاختصار، والاقتصاد في الوقائع والشخوص، حتى أنها ستبدو أجمل كلما أمكن لكاتبها أن يزيح عنه الكثير من الأحداث الجانبية والأشخاص الثانويين، مركزا على حدث معين، فهي تخاطب ذكاء القارىء قبل عاطفته، اللهم إن اعتمدت اسلوبا شاعريا، وهي أيضا أشبه بمسرحية من فصل واحد، تنتقل بين تقنية السرد والحوار، وحديث النفس، مع اقتضاب ظاهر في الوصف، وبالنسبة للمونولوج الداخلي، فللقصة القصيرة عميق الأثر بهذا الشأن، لأن العديد من التجارب الرائدة، لم تتمكن من شد انتباه القراء، إلا من خلال غوصها العميق في قلب احساس البطل، سواء كان النص مكتوبا بضمير المتكلم، أو الغائب، أو المخاطب..
وهنا وعند هذه النقطة تحديدا، تبرز قيمة العمل القصصي القصير، وهي تمنح المتلقي تلك القبضة من البوح/مرآةً.. تعكس وجهات نظر وأحاسيس الشخوص المتشابهين مع سائر البشر، تجاه ما يتم عرضه من وقائع ومجريات سردية، وذلك مايدفع جل القراء، للاعتقاد أن كاتب القصة القصيرة في الغالب، هو أشبه بطبيب نفسي بارع، والحق أن الامكانات التي تتيحها اللغة، حين تجد مبدعا محترفا، تغدو هي الوسلية الأسرع، لتحقيق هذا النوع من الانسجام، والتفاعل بين النص وبين القراء..
وأنا أقرأ قصة (قهقهات الشيطان) للكاتب العربي السوري (مصطفى الحاج حسين).. شعرت بشكل تلقائي، أنه قد نفذ إلى أعماقي، وهو يحكي على لسان بطل قصته، رضوان، من خلال اطلالة من داخل نفس هذا الرواي، عن علاقته الوجدانية والفكرية، بحادثة موت الأب
. اندهشت لقدرة هذا العبقري، وهو يضعنا وجها لوجه أمام حقيقة نعيشها جميعا، والمتمثلة في صراعنا الداخلي، بيننا وبين أنفسنا، حين يحدث أن يكون الظاهر من ملامح وجوهنا، متمردا على إملاءات الضمير، فليس للعقل على الملامح سلطان، الا سلطان المشاعر، وحدها القادرة على رسم تعابير الوجه، سواء تعلق الأمر بالحب او الكراهية، الرفض أو الموافقة، الفرح أو الحزن،وفي قصة(قهقهات الشيطان) نعرف ومنذ الوهلة الأولى، أننا أمام حالة من التأثر البالغ، لأن موت الأب صدمة كبيرة، والمفترض فيها البكاء، مما يعرضنا مباشرة الى المحاكمة الفعلية، من طرف سلطة المجتمع والعرف، حين يفضح الوجه منا، نزوعنا نحو الطمأنينة، أو شعورنا بالفرح بدل الحزن..
منذ تلك القراءة التي لامست أعماقي، أصبحت تواقا للمزيد والمزيد من إبداع هذا الرجل الظاهرة، وأيضا كان لابد من التعرف عليه مباشرة، قصد التزود منه، والتآلف معه، فكانت لي قراءات لاحقة لعشرات القصص المميزة، لأكتشف أن كاتبنا هو شاعر كبير أيضا، وتلك قصائده تتحدث عنه، وعن محبته لوطنه، وشعوره بالألم، ألم الغربة والحزن على أحوال بلاده المنهكة بالحروب. وكيف عبر في جل قصائده عن موقفه المناهض للنفاق والمتاجرة بالوطن والثقافة. ثم وقفت على سيرته وهو الملقب في الأوساط الثقافية بعقاد هذا العصر، نسبة إلى الكاتب والمفكر العصامي العربي الشهير، مصطفى محمود العقاد..
ثم كانت هذه الورقة التعريفة المفصلة، والتي تجيب السائل.. من هو أديبنا
(مصطفى الحاج حسين)؟
1 – بطاقة تعريف بالأديب والشاعر العربي السوري: (مصطفى الحاج حسين).
(مصطفى الحاج حسين).. كاتب سوري من مواليد، حلب – الباب ، عام 1961 م.درس الإبتدائية في الباب ولم يكمل الصف السادس.ثم انقطع عن متابعة الدراسة ، عندما الحقه والده بالعمل بمهنة البناء – مهنته – عندما اضطرت الأسرة للهجرة الدائمة إلى حلب بسبب العمل.في مرحلة المراهقة بدأت تتّضح موهبته الأدبية من خلال شغفه بقراءة القصص والروايات والشعر والتاريخ.ثمّ بدأت تجربته الإبداعية بمحاولات لم تعد تتوقّف من كتابة الشعر والقصة القصيرة والأغنية، ثم بدأ النشر في المجلات الأدبية والصحف.وصار له حضور في الملتقيات الأدبية والأمسيات والمحاضرات العامة في أغلب منابر الأدب والثقافة في حلب والمحافظات السورية.ثم صار يشارك في المسابقات بين الأدباء الشباب.وممّا حفّزه على الاستمرار في الكتابة ، هو رأي الأصدقاء من الكتاب والشعراء والنقاد ، والجمهور الذي كان يتفاعل معه ويشجّعه.وقد تعزّزت موهبة الكتابة عنده بإحرازه على عدد من الجّوائز الأدبية بالمركز الأول على مستوى محلي وقطري ، ثم مستوى عربي.وأهمها كانت جائزة الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح، في دولة الكويت، عن مجموعته القصصية ( قهقهات الشيطان ) عام 1995 م ، حيث كان هو الكاتب السوري الوحيد الذي نال الجائزة دون أن يقاسمه أحد بها، كما حصل مع غيره من الأدباء.ونال قبلها جوائز متعدّدة من إتحاد الكتاب العرب بحلب ودمشق والمراكز الثقافية وبعض المنابر كالنادي العربي الفلسطيني.صدر له الكتب الآتية :
1- قهقهات الشيطان.. مجموعة قصصية طبعة ورقية.
2- قهقهات الشيطان.. مجموعة قصصية الطبعة الثانية.
3- قبل أن يستفيق الضوء ، ديوان شعر طبعة ورقية.
4- راية الندى.. ديوان شعر.. طبعة ورقية
5 – تلابيب الرّجاء.. ديوان شعر.. طبعة ورقية.
6 – أصابع الرّكام.. ديوان شعر ..طبعة ورقية.
7 – المبدع ذو الضّفتين.. مجموعة قصصية طبعة ورقية.
8 – فشّة خلق.. مجموعة قصصية طبعة ورقية.
9 – نوافذ على الجرح.. ديوان شعر.
10 تابوت العدم ديوان شعر طباعة الكترونية.
11 أجنحة الجمر ديوان شعر طباعة الكترونية.
12 قصيدتي مقبرتي ديوان شعر طباعة الكترونية.
13 أبجدية القبلات ديوان شعر طباعة الكترونية.
14 ذبيح الجهات ديوان شعر طباعة الكترونية.
15سعف السراب ديوان شعر طباعة الكترونية.
16 رواية ( ملح السراب ) طباعة الكترونية.
17 شقوق الماء.. شعر طباعة الكترونية.
18 شرف العائلة..مجموعة قصص.. طبعة الكترونية.
19 عسل القلوب.. أدباء و نقاد كتبوا عن الاديب مصطفى الحاج حسين.
20 أخاديد الظلام.. ديوان شعر.
21 تكايا السعير.. ديوان شعر قيد التحضير.
وهناك كتب مشتركة مع أدباء من سوريا والوطن العربي مطبوعة وموزعة.
1- الساخرون.. نماذج من القصة الساخرة في سورية.. إعداد خطيب بدلة.
2- ديوان شعر مشترك طبع في الأردن..
وهكذا نكتشف مدى اجتهاد هذا المبدع، وخصوبة عالمه الإبداعي وثراؤها المشهود..
وهكذا.. وطوال سنوات معرفتي بالأديب مصطفى الحاج حسين، كانت لي معه حوارات عديدة، استفدت منها الكثير، ومنه تعلمت وبفضل توجيهاته الكريمة: عدم إخضاع الأسلوب القصصي السردي للموسيقى الشعرية، وأيضا عدم إهمال الحوار، حين يكون خط السرد مهيمنا على النص..
أما الدافع وراء كتابتي لهذه المقالة، فهو لايختلف كثيرا، عن خلفية تأثري بقصته (قهقهات الشيطان) وذاك أني قرأت له مؤخرا قصة جديدة بعنوان (التحدي) هذه القصة المميزة، ألزمتني بتدوين هذه الشهادة، والتي لاتندرج تحت جنس النقد ولا الإضاءة، ولا القراءة العاشقة، ولا أدب السيرة، فهي شهادة عرفان لهذا الصرح الأدبي المجيد، وذاك أني أرى أن من تقييد الأدب وما يكتب عموما، أن يختصر على النقد مقابل الابداع، وكأن الأمر خاضع، لقوانين لايجوز التمرد عليها، فليس شرطا على من يزعم انتسابه للأدب، ألا يكتب خارج التصنيف، إلا أن يكون ناقدا، فتلك بالفعل مهمة النقاد، أما الأديب فمن باب الانفتاح أن يكتب شهادات، وينشر رسائل وأنواع أخرى من الكتابة التي لاتحتاج في بعض نزوعها للمزيد من التحرر، إلى تصنيف أو تجنيس. اللهم إن لقيت بعض اهتمام من طرف الراسخين في النقد، فأوجدوا لها صيغا وتصنيفات مناسبة.
جادا.. أزعم أن قصة الكاتب مصطفى الحاج حسين، القصيرة والتي عنوانها (التحدي) تحفة أدبية نادرة، وذلك لما بنيت عليه من فنية مدهشة، اعتمدت أسلوب التصاعد الدرامي، وكيف أن صراعا بسيطا بين الأطفال، تحركهم نوازع العنف، واثبات الذات، ورغبة أحدهم في تعلم الكتابة، واستغلال آخر لهذه الرغبة بشكل رخيص، سوف يؤدي في النهاية إلى كارثة حقيقية، تغير مصير الجميع صغارا وكبارا، مما يدفعني بعد هذا إلى التأكيد على القيمة الثقافية التي تضمها جميع قصص كاتبنا، فهو من ناحية يستوحي الكثير من المواقف، من سيرته الذاتية، مع بعض التمويه في الأسماء، لكنه وبشكل بالغ المرونة، يتنازل عن بعض مفاتيحه للقارىء المتابع لتجربته، منها وكما هو ملاحظ، بين أول قصة قرأتها وآخر قصة، تكرار أسماء إناث مثل مريم وسميرة، ثم تأتي شخصية الأب لتربط بين قصة (قهقهات الشيطان) وقصة أخرى، أعتبرها من أعظم ما كتب في تاريخ القصة القصيرة العربية، وعنوانها (شرف العائلة) هذا ولم يكن اختياري لهذه النماذج القصصية الثلاثة عفويا، إنما هي غاية في نفسي، بينما تنازعني عن مقالتي هذه، قصص أخرى لنفس الكاتب، سبق أن تفاعلت معها بالرأي والتعليق، وكانت جلها تتحدث عن حياة المواطن العربي البسيط، وعلاقته بالبيت وبالعمل، وعلاقته بالسلطة، وقصص ركزت على فساد المجال الثقافي في العالم العربي، لكنني أبعدها الآن، بلين ورفق، حتى لاتكون المقالة أطول من المفترض..
يكفي أن يطلع القارىء على قصة (شرف العائلة) لكي يكتشف البعد الواقعي والبعدين الرمزي والثقافي، لنوع الفكر السلطوي الجائر، الذي هيمن ولعهود طويلة على المجتمع العربي، حيث يسود العنف، والاستغلال، وترفع في العلن قيم الشجاعة والأخلاق، بينما الحقيقة أن كل هذه المبادىء ليست سوى غطاء، للكثير من المصالح الشخصية الدنيئة، التي تحمل معها الصورة الحقيقية للجبن، والخسة.
بين سطور قصة (شرف العائلة) يخبرنا الكاتب مصطفى الحاج حسين، عن نمط التفكير الشرقي الظالم، حيث يتفق الرجال على ضرورة تصفية امرأة فاسدة، تلصق العار بشرفهم – شرف العائلة – بينما سوف تسفر الاحداث المتوالية وبشكل لم أقرأ ما هو أذكى منه، عن دناءة هؤلاء المتشدقين بمعاني الشرف، بينما هم في الحقيقة ليسوا سوى أوغاد جبناء، لاعلاقة لهم بالشرف ولا الكرامة..
هكذا يطيب لي أن أقرأ كتابات أستاذي مصطفى الحاج حسين الذي جمعني به العالم الافتراضي، وكم حزنت لأننا لم نتلق على أرض الواقع، وبالمقابل، أنا جد شاكر للظروف والوسائط التي ألفت بين عقولنا وأرواحنا، وجمعت بين تلميذ وأستاذه.. وألغت المسافة بينهما. حقيقة أنا أحب هذا الرجل، هذا الكبير أدبا ومكانة، وأعتبر نفسي أكبر محظوظ لأني غنمت أستاذا وموجها شملني بكريم رضاه، ثم إن ما أكتبه الساعة لهو قاصر جدا، أمام كم العرفان والامتنان الذي أخفيه وأبديه لشخصه الكريم..
أخفيه طوال الوقت، مرفوقا بالدعاء له أن يطيل الله عمره حتى نغرف من بحر حكمته وعلمه وأدبه المزيد. وأجهر به، مرددا دائما وأبدا، ما أضيع قارىء لم يطلع على ابداع للكاتب الشاعر مصطفى الحاج حسين، عقاد هذا العصر، كما يلقبونه، وإني أرى أن هذا اللقب مجرد تسمية للفصل بينه وبين أدباء آخرين، لأنه يحدث ويحدث دائما.. أن يتساوى الشبيه بالمشبه به، وقد يتجاوزه والله أعلم.. مما يضعف أثر مثل هذه التسميات، على الاقل بالنسبة لي أنا، فكلما رفعت وجهي أستشرف هذا الأديب الهَرَم، وضعت كفي فوق جبيني حذر النور الساطع الذي يغمرني وأنا على أعتاب بهائه، وإبداعه المتفرد.
محمد الطايع ..
المغرب .
## الأستاذ الأديب والناقد:
(عادل نايف البعيني).
في قراءة لقصيدة (في بلادي)..
للشاعر والأديب السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
سأنطلق من قراءتي من العتبة الأولى وهي العنوان.. (في بلادي) فالشاعر لا يحتاج للزمان وكأني بهذا الزمان له أول ولا آخر له. أما المكان فثابت هو بلاده. حيث يثبت الشاعر بحنكته الشعرية وقائع حدثت وتحدث في بلاده. فلجأ للفعل المضارع الفعل الحاضر ليقول ويعرض ما في بلاده:
(في بلادي
يحصدُ الفقراءُ
غلالَ الدّمِ
وتقطفُ النّساءُ
سِلالَ الدّمعِ
ويرضعُ الأطفالُ
حليبَ الانفجاراتِ
وتتزيّنُ الفتياتُ
بالشّحوبِ والارتجافِ
ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ
جثَّةَ الخرابِ).
أحداث متوالية بأفعال حاضرة (يحصد ، تقطف، يرضع، تتزين) لكن ماذا يحصد الفقراء إنه الدم، وتقطف النساء سلال الدمع، والأطفال يرضعون حليب الانفجارات...
هكذا بدأ الشاعر نصّه فوضع القارئ أمام واقع مأساوي تحياه بلاده إنه الموت الرخيص والدمع السخي والرعب والخوف.
يتابع الكاتب توصيف ما يجري على هذا المنوال حتى تتفاقم الأمور فيذبح الأخ أخاه بتهمة الخيانة وتمتد يد الغريب تعيث في البلاد فسادا حتى الأشجار باتت تورق جثثا... وتفحّم الهواء وعمّ الانهيار..
ويتابع حتى آخر القصيدة لتجفّ الخطوات ويتعثر التقدم، وتكبّل النفوس، حتى النبض يتيبس، والدم يتوقف عن الجريان.
(في بلادي
صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً
وصارَ النّهارُ يُطِلُّ
على الفاجعةِ
وغدا النّدى
قطرانَ السّرابِ
في بلادي
تفحَّمَ الهواءُ
وصارَ السّلامُ
رماداً
وعمَّ الانهيارُ
وتراكمَ السّخطُ
في صدرِ الغمامِ
في بلادي
جفَّتْ خطواتُنا
وتحوَّلَ نبضُنا يباساً).
ليختم القصيدة دون بارقة أمل، ولا كوة أمل! من خلاص، وكأنّي به يختم الحياة بجفاف التقدم نحو فضاء أوسع، وتوقف النبض عن دفع دماء الحياة. كل هذا من ويلات ما يعانيه شعبه في خضم مأساة تكالب عليه الداخل والخارج تمزيقا وتخريبا وتدميرا.
استطاع الشاعر من خلال معاناته الشخصية، ومعاناة من حوله أن يتمثّل المأساة بعين الخبير القدير فأفلح في تصوير وتوصيف المأساة تاركا الأحداث تتفاقم حتى الخمود. لكنه لم يضع حلولا ولم يترك بارقة أمل، ولم يحاول إنهاض الشعب فيما يجري، وتركه محبطا مليئا بالخيبات.
من الناحية الفنية أبدع الكاتب في تقديم نص مختصر مكثّف بتسلسل أحداث متعاقبة كل ذلك في سلاسة ومقدرة عاليين. ويعود ذلك إلى صدق العاطفة و جيشان الإحساس تجاه وطنٍ هجره مرغما وفيه جزءا من روحه وقلبه.
من حيث الصور البيانية قلما مرت جملة بلا صورة فنية منها المبتكر:
(ويرضعُ الأطفالُ
حليبَ الانفجاراتِ
......).
غدا الندى
قطران السراب
... ومنها الصور العادية ولكنها ملائمة ومتوافقة مع الواقع والحدث.
أكتفي بتلك الإضاءة شاكرا الأستاذ الشاعر (مصطفى الحاج حسين) على ما قدمه، من عمل مبدع ومتقن، متمنيا له النجاح والإبداع وعودة الأمن والأمان لربوع بلاده.
عادل نايف البعيني.
* في بلادي..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
في بلادي
يحصدُ الفقراءُ
غلالَ الدّمِ
وتقطفُ النّساءُ
سِلالَ الدّمعِ
ويرضعُ الأطفالُ
ُحليبَ الانفجاراتِ
وتتزيّنُ الفتياتُ
بالشّحوبِ والارتجافِ
ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ
جثَّةَ الخرابِ
في بلادي
ترسلُ الشَّمسُ أشعَةَ الهلاكِ
وتتمترسُ الجبالُ
خلفَ المدافعِ
وتأوي العصافيرُ
إلى حجرِ النّارِ
في بلادي
ننصبُ فخاً للقمرِ
نعلّقُهُ على عَمودِ الحقدِ
ونسلخُ عنهُ الضّوءَ
في بلادي
يذبحُ الأخُ أخاهُ
بتهمةِ الخيانةِ
وتكونُ سكّينُهُ
يدَ الغريبِ
في بلادي
صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً
وصارَ النّهارُ يُطِلُّ
على الفاجعةِ
وغدا النّدى
قطرانَ السّرابِ
في بلادي
تفحَّمَ الهواءُ
وصارَ السّلامُ
رماداً
وعمَّ الانهيارُ
وتراكمَ السّخطُ
في صدرِ الغمامِ
في بلادي
جفَّتْ خطواتُنا
وتحوَّلَ نبضُنا يباساً.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
## ( المبدع ذو الضفتين )..
للأديب والشاعر السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
بقلم الأديبة والناقدة:
(بسمة الحاج يحيى)..
للنخيل ظلالها، باسقات، شامخات تنافس الطيور المحلقة بالسماء، جذورها تُسقى من نبع رقراق سلسبيل.. تُلقي ظلالها حيثما طاب السّمر و اللقاء
..
ذلك هو الأديب الأستاذ (مصطفى الحاج حسين)أو... (المبدع ذو الضّفّتين) كما سمّاه بعض الكتاب و
النقّاد. فقد لَانَ الحرفُ بين أصابعه، فكتب الشعر منذ نعومة أظافره، متناولا بذلك قضايا متعدّدة؛ فسلّط الأضواء على القضايا الإجتماعية كما اهتم بتفاصيل الحياة العامة ببلدته و لم يستثن الشأن السياسيي اثناء تناوله لكل ما يهم حياة الفرد، كما عطّر دواوينه الشعرية بأجمل القصائد التي ألهمها أحاسيسه الصادقة، فنكهة العشق الشرقي تفوح من خلال رسمه للكلمات و المعاني..
كما أبدع بكتابة القصة القصيرة
، و بهذا المجال فقد تميّزت كتاباته بالشفافية و المصداقية إذ استدعى شخوصا من أرض الواقع لتستمدّ الأحاديثُ شفافيَتَها من كاتب النص نفسه الذي عكست كتاباته الحياة المتداولة و اليومية و خاصة تلك التي عايشها بنفسه أو عاشها منذ طفولته القاسية وصولا إلى حيث برز في مجال الكتابة.
لذلك فقد اتسمت نصوصه بكشف صريح لهمومه خاصة منها ما يتعلق بالدراسة الّتي حُرم منها منذ سنواته الصغرى لمّا كان بالابتدائي، ممّا دفع فيه أملاً و إصراراً عظيمين لتثقيف نفسه بنفسه، فتعلّقت همّته بما وراء المعاهد و الجامعات من علوم، فنافس روّاد العلم و تفوّق عليهم و الطموح يحذوه لطلب المزيد و دون توقف.. نهل من العلم ما لذّ و طاب، لم تساوره القناعة و ما أصابه الغرور قطّ. بل كان كلما زادت معرفته زاد معها شغفه لطلب المزيد...و أجمل ما يؤثّث قصصه تلك الملامح الشفافة للأحداث و السّرد السّلس للمشاهد و ما تتخلّله من حوارات أكثر صدقا من الواقع حيث يتوغّل بأغوار النفس ليزيدها شفافية أثناء السرد..
الكاتب و الشاعر العصامي التكوين هو من مواليد/1961/ و من سكان حلب، انقطع عن الدراسة مبكراً، و اضطرّ للعمل بميادين عدة مكنته من الاختلاط بفئات متنوعة من الناس كما خولت له التعرف إلى قضايا المجتمع بمختلف أصنافها، ممّا اكسبه معرفة و فطنة لأنواع الفساد المستفحل بالعديد من المؤسسات الحكومية؛ من ذلك الفساد المالي و المحسوبية و عدم الجدية أو غياب الإخلاص بالعمل. و هذا ما أثار غيضه و زاد من شغفه للمطالعة أكثر للإرتقاء بنفسه و فكره عن ذي عالم. فسعى إلى أن يحول كل هذه الملامح على صفحات قصصه التي طوّع، أثناء سردها، قلمه فانسابت كتاباته بلهجة ساخرة، متهكمة على الشخوص الذين كان سخيّا معهم لدرجة منحهم أدوار البطولة، بل و مكنهم من دور الراوي حيث جاء السرد على ألسنتهم، فكانت قمة السخرية إذ يضع البطل في موقف لا يُحسد عليه فيعترف بنفسه عمّا يجول بفكره من حقد و أنانية أو نوايا تعفّنت بأعماقه..
الكاتب و الأديب (مصطفى الحاج حسين)، رجل قلّما تجود به الساحة الأدبية، فبرغم القسوة التي غلبت على تفاصيل حياته من داخل الأسرة أو خارجها، فقد جعلت منه إنسانا مسالما، يرفض الظلم للغير و يدافع عن الفئات التي قست عليها الظروف كما قسى عليها المجتمع، فأوْلى هؤلاء حيزاً لابأس به من مساحة ما نقله في كتاباته، فأقحم بقصصه ابطالا واقعيّين قست عليهم الحياة و المجتمع على حد السواء.. و من هنا تأتي مجموعته القصصية هذه لتشهد ميلاد ملحمة
أبطالها شخصيات متواجدة بكل زمان و مكان؛ هم الإخوة و الاقارب، هم الأصدقاء و الزملاء بالعمل، هم المسؤولون و العمال بمختلف القطاعات
..
المبدع و الكاتب ذو القلم الجريء، لم يدّخر تفصيلة واحدة ليغوص بأعماق الأحداث، فكتب بكل عفوية و شجاعة مميّزين.
و هذه المجموعة القصصية تحوي خمس عشرة قصة لا يخلو أغلبها من الرّمزيّة، فقد ترك الأديب مجالاً للقارئ
ليكمل ما بين السّطور، فاسِحًا له مجال التأويل بحيث لا يصعب عليه، خلال قراءته للأحداث، أن يلحظ البعد الثاني لكل قضية قيْد الدّرس، خاصّة لما تكون البطلة امرأة أو مستضعفةو ينهش لحمها القريب قبل البعيد، أو لمّا يقف الجيران مكتوفي الأيدي، فحتما أنّ تلك الأرملة أو الثكلى بائسة الحال لن تكون، بمواصفاتها تلك والشبيهة جدا للمضطهدة و السّبيّة، إلا رمزا لدولة عربية استخف بها ربّ العائلة قبل ان يفسح المجال واسعاً للأجوار كي يكملوا رسم عنفهم بجدارة فتكتمل المأساة..
هذه المجموعة القصصية هي نافذة للآخر، للقارئ لكل من شعر بالظلم بأي مرحلة من مراحل حياته وخلال صيرورة البقاء من أجل الحياة، و لم يسعفه خياله و لا قلمه ليعبر عمّا يودّ كشفه علنًا.
فهذا الكتاب هو بمثابة صرخة عالية، آهة شاهقة التردد ليعود إليه صدى صوته من خلالها. هي نفحة يتنفس عبرها القارئ ليسمع أنينه لمّا يصير الألم لذاذة نكتبها لتُقْرَأ، لمّا يصير الشجن وليدا نحضنه و نطبق عليه فنحويه داخل أضلاعنا، نلفّه كما تلف الأم وليدها، نلفّ أحزاننا حتى تصير جزءً منّا، حتى تتشابه ملامحنا به، فنراها منعكسة بمرآة الحروف تتكاثف و تتراصّ، تتسع و تتمدّد، تتوغل بأعماق النفس ثم تسبح بفضاء الخيال
لتكتشف أنك تقرأ للأستاذ (مصطفى الحاج حسين). فتعجب كيف أمكن له مسك كل تلك التفاصيل الصغيرة و التي ساهمت و إلى حد كبير في بناء شديد الارتفاع استدرج خلاله كل التفاصيل؛ ذوات ، فواعل، شخوص، جميعها تحضر لتنسج كل المعاني، فيحضر السرد والخطاب منسجمين إلى حدّ الجمالية بلغة سلسة مستساغة
، لكن لا تخلو من إبهار القارئ الذي يمسك بتلابيب الصورة والمشهدية حتى النهاية، فلا نقف معه كــقرّاء، على فواصل، إذ الكتابة فيض من التشويق، يأخذ بنا إلى ظلال الحدث، فلا نتوقف حتى نبلغ النهاية.. كالمياه تنساب الكلمات مسترسلة و الحبكة مكتملة الجمالية، عذبة الخرير، فلا تشعر و أنت تقرأ للأستاذ (مصطفى) بالملل، بل هي تأخذك الى عمق الحدث و بكل نعومة الاسترسال.. قلم جريء و معطاء، بجرة يأخذنا إلى عوالم قصصية تشير إلينا بإحكام ربط حزام الأمان، لنسافر عبر الكلمة الحرة و الصادقة بأجواء يغلب عليها طابع الواقعية فتُجنّد الخيال فقط لخلق
مسامرة بين هذا و ذاك، بين نفسك تراها بمواقف وحالك لو استفدت ممّا هو مغاير، لتحصل تلك الإضافة من خبرات الكاتب، فيحصل ما يسمى بالمساهمة خلال عمل تشاركي بين الكاتب و القارئ، تسهم بها في تطوير ذاتك، و إلا فما نفع المطالعة لو لم تضف للقارئ فيتمكن من تطوير فكره عبر تجارب الكاتب؟
قصص تحمل أكثر من دلالة بهذه المجموعة.. نصوص تحملنا إلى ضفاف النهاية بمهارة ربّان يحمل أفكاره و تجاربه و بعض خصوصياته مرتسمة ببعض أركان النصوص..
قلم مشبع بالسخاء حدّ الاكتفاء، بل و يحملنا إلى ارتفاعات شاهقة من الجمالية و ارتفاعات أخرى تفسح
مجال التأويلات المتاحة فيكتسي النص،على يد المبدع تأشيرة للسفر و التوغل داخل خبايا شخوص القصة..
مجموعته القصصية هذه، جاءت لتلخص مسير حياته و مسارها، فكان كاتبنا (مصطفى)"العقاد"، و هذه تسمية أطلقها عليه الأديب و الناقد الأستاذ (محمد بن يوسف كرزون)، الكاتب والناقد السوري الأصل، فكان أنموذجا حيّا للإنسان الذي عمل على تغيير الوضع السلبي بمحيطه وبمجتمعه ككل ، لإيمانه بأن الكلمة و الأدب إن لم يغيرا الشعوب فلا جدوى من الكتابة أصلا..
فإن لم نستظل تحت أغصانها وارفة ،فلن تكون غابات كثيفة بما تحمله من معان و عبره ترفرف بأجمل الكلم و تهدينا رفيفا عذبا لكل معنى ينساب عند كل نسائمها المنكهة أدبيات؛ من قصص و شعر..
تلك هي الظلال، و تلك هي النخيل الباسقات تحملنا إلى عوالم قصصية، ترفعنا إلى التحليق عبر مجموعة « المبدع ذو الضّفّتين» بقلم الأستاذ (مصطفى الحاج حسين).. قراءة ممتعة.
بسمة الحاج يحيى
تونس.
## الشاعر اليمني: (رامي ردمان).
شاعر جاء من زمن أصيل، وجميل، ورائع بديع، جميل الحرف، يجيد هندسه العبارة، ويجيد كتابة الحرف بالحرف.. وأحياناً بالورق وأحياناً بالحطب.. واحياناً بالحب والورد والنسيم.. يكتب للأرض بالأرض.. ويتدافع أحياناً حباً وشجناً وحزناً نحو السماء، يبحث عن مراسي القصيدة.. فيجد نفسه، يبحث في أرض وجوده وغصته وقدره،، يلمّ شتات تنفسه في الحرف، فيجيد رسم الصور الجزئية.. ويلف في مشاعره واحساسه ووجدانه، فيجد نفسه يستكمل الصورة الكلية.. يقول القدر وأنا وجهان، نتدافع بقوة نتخاصم ثم يتصالحا.. حتى لغة الحطب، التي تستقر في حلقه.. يرى مرافئ الغربة البعيدة.. والكنه يجد نفسه في مرافئ غربة وطنية حزينة تخنق انفاسه.. ويعود يستخدم وسائل الطبيعة الحلم في ذاته الوطنية الخلاقة فتنهار في أقبية الظلم.. هذا الرجل شاعر جاء من زمن أصلي.. غير تقليدي.. يمتلك مشاعره واحساسه، وذاته ويصف من خلالها عباراته وصوره وإيحائته الجميلة.. ويضحك على زمنه الخيب لكنه. يريد ان يحلم بحلم المجد والوطن.. المجد والبلد.. المجد والمجد والوطن الكريم.. ويحلم بورد الوطن عندما نرتب على الجماجم خرئط البلاد المشرذمه،،
هذا التمزق البوحي والتشرذم الوطني الوجداني صورة رائعة للواقع المرير في زمن الخيبة.
الف شكر لك ايها المبدع الرائع..لك ألف تحية لإبداعك.. قد أكون قصرت في حقك لكن حتماً ستعذرني.. هذا المكان ضيق في النقد وليس على مقاسك.
رامي ردمان.
صنعاء
## الدكتور السيد محمد السيد..
قراءة لقصة: (القصيدة الميتة)..
للقاص الشاعر:(مصطفى الحاج حسين)
ثلاث خطوط درامية في خطاب سردي متماسك ينطلق من لحظة تختبر الذات التي تدير الحياة دون أن تتحرر من تنازع إرادات منظومة من التوجّهات المتحكّمة في الاختيار: التجربة الاقتصادية المهنية، التجربة العاطفية الاجتماعية، التجربة الإبداعية التي تعد بتحقيق الوجود الفعلي، يقص السارد الحكايات منطلقا من العرض إلى المشهد، ومن اللحظة الممتدة المنفتحة على إشباع لا يكتمل، إلى الذاكرة التي تأسرها حياة أخرى خرجت من مجال التحقق، مشكلة الوقوع في صخب أصوات تدفع الراوي في اتجاهات متباينة، لا يكتب في القصة، لكنه يكتب في الخطاب، وتأتي القصة صورة حياة مغتربة تتضام في كتابة متخيّلة لا يدركها الراوي الشاعر ولكنها تصل من صوته إلى المتلقي، لقد حلت القصة مكان القصيدة، والسرد مكان الشعر، وهيفاء مكان ناديا، وظل الراوي مغتربا محاولا اقتناص لحظة تحقق لا يمنحها له الواقع، لكن صوته انطبع في السرد.
د. سيد محمد السيد
/// القصيدة الميّتة...
قصة: مصطفى الحاج حسين.
لم أكتب من شهرين، ليس من عادتي ذلك. كان لا يمرّ اسبوع، دون أن أكتب قصيدة أو أثنتين.. ولكن لا عجب
، فما يحدث يبعدني عن الحياة كلها، يخيّل إليّ أنّ قدوم الموت خير منقذ لي.. مشاكل كثيرة.. في كلّ جانب من حياتي، تتطاول مشكلة وتكبر.. هل الموت هو الخلاص، يبدو لي ذلك، وبخاصة حين أرى أهلي الذين ترشحهم آمالي لمساعدتي، يشكلون
عصابة على زوجتي، وحين تشكو أصبّرها وأواسيها:
- اصبري ياهيفاء.. تعرفين أنني لا أستطيع أن أتحداهم.
- ولكن إلى متى؟.. بعد أن أجن!؟.
- وماذا تريدينني أن أفعل، هل تريدين أن نطرد من الببت ، وتعرفين أنّ لا مال لديّ؟!؟
- ومتى سيصبح عندك مالاً ؟..وأحوالك
تزداد سوءاً..؟
أبتلع غصتي بصمتٍ:
- لا ذنب لي ياهيفاء، حظّي سيء، ألا ترين أنّ الفشل يتربّص لي وراء كلّ مشروع.
- أنتَ طوال عمرك ستبقى فاشلاً.. لأنّكَ لا تسمع كلامي.
- اسكتي يا هيفاء.. اسكتي.. كيف أسمع كلامك؟!.. أترين أن أبقى أجيراً عند الناس؟.
- على الأقل أفضل، من كلّ مشاريعك ومخطّطاتك.
وهنا أكاد أفقد صوابي.. وأصرخ:
- مابها مشاريعي؟!.. إنها ليست فاشلة، اسألي أيّ غبيّ في العالم، هل يفضّل أن يبقى أجيراً، أم يفتح دكاناً على حسابه
؟..ليس ذنبي أنا إذا الدكان لم تنطلق.. حولتها من عملٍ إلى آخر، صرت
"مسبّع كارات"، تصليح غازات، بيع أدوات كهربائية، دهانات استدنت من التجار، دينت الزبائن.. وصرت أعوي
وراءهم، ولا أحد يدفع لي.. والتجار يطالبونني بمالهم.
حتى بيع الخضار لم أنسه.. وماذا كانت النتيجة؟.. خسارة كبيرة خلال أسبوع واحد.
ويستمر الحديث، وغصّة ملء الحياة تُنشب أظفارها في حنجرتي، ومرارة تكبر في حلقي. حينها تنسحب هيفاء من الحديث.. فأشعل سيجارة وأطلب كأس شاي.
فجأة تعود هيفاء للكلام.. وكأنها سكتت لتستريح:
- هنا شطارتك فقط.. شاي ودخان وقراءة كتب.
أشتم الشاي والكتب:
- أنتِ تعرفين من قبل الزواج حبّي للشاي، وتعرفين أنّي شاعر ، وهل هناك شاعر لا يقرأ..؟!، يكفي أنّ قراءاتي تكاد تنعدم، ويكفي أنني منذ أكثر من شهرين لم أكتب أية قصيدة.
- حمّلني السبب أيضاً.
- نعم أنت السبب.. عشرة أشهر ونحن متزوجان، ماذا كتبت؟؟!!.. ثلاث قصائد
؟.. كنت أكتب أكثر من خمس قصائد في الشهر الواحد.
وهنا يلذ لهيفاء أن تعيد أسطوانة السخرية:
- وماذا استفدنا من شعرك؟؟.. أعرض كلّ قصائدك للبيع.. لن يدفعوا لك قرشاً واحداً.
وأعود لأصرخ:
- هيفاء.. لم أعد أحتمل، إذهبي وأحضري إبريق الشاي.
تذهب هيفاء، وأبقى وحدي ، في غرفتي اليتيمة، المفروشة بسرير وأريكة وخزانة وماكينة خياطة لهيفاء.. ومسجلة صغيرة. وأسأل نفسي:
- هل أخطأت في زواجي من هيفاء ياترى؟.. أكانت ' ناديا " أفضل؟.
وأتذكر "ناديا"، أمدّ يدي للدرج، أستخرج جريدة، فيها قصيدة لها، مع صورتها.. أتأملها ملياً، وأقرأ القصيدة بتلذذ وأغوص في الذكريات:
- ناديا.. أحبّكِ ، كتبتُ عنكِ أكثر من مائة قصيدة، لقد خلّدتكِ، أصبحتِ
"ماتيلدا" أو " إلزا ".
وتبقى'ناديا" صامتة.
- ناديا.. أحبّكِ.. أرجوكِ تكلمي.
ترفع رأسها، أبصر في عينيها قرارها النهائي:
- شادي.. أنتَ تعلم أنّي مهندسة، وأنتَ عامل، وأهلي..
فأضع يدي على فمها، أرجوكِ فهمت.. نفترق، وجرحٌ بمسافة الأرض يفترشني:
- ستندمين يا ناديا.. لن يكتب عنكِ سواي.
وأحتسي الشاي وأنا أفكر:
- هل أحبّ هيفاء حقاً؟. نعم.. ويجب عليّ أن أحبّها.. لقد رفضت الكثيرين من أجلي، منذ طفولتها وهي تحبني، وظلّت تنتظر حتّى طلبتها.. هيفاء
جميلة، أجمل من نادية...وأكثر طولاً، لكن لو كانت تكتب الشعر، أو تحبه على أقل تقدير.
وتنام هيفاء.. أعرف أنها تضيق بنور المصباح.. ولكنّ رغبة شديدة في الكتابة تتملّكني.. هل سأفلح؟.. بتّ أخجل من أصدقائي، كلّما سألوني :
- هل من جديد ؟!.
لكن مشكلة من نوع آخر، تنبثق من داخلي، صرت أخاف الكتابة.. إنّي حزين ولو كتبت قصيدة ، فسيأتي ناقد ويقول:
- لماذا هذا الحزن والتشاؤم؟!.. أكتب عن الفرح، والأمل، والوطن.
ولكن أين الفرح؟.. لا أستطيع أن أكتب إلّا عن تجربتي.. وسيأتي آخر يقول:
- هذه قصيدة غنائية، فلماذا لا تتحوّل إلى الكتابة الواقعية؟!.
ما أكثر توجيهات النقاد واقتراحاتهم؟
هذا يطالب بالواقعية.. وهذا بالغنائيّة.. وهذا بالبنيويّة.. وآخر بالسرياليّة، وهذا
يريد البساطة، والثاني يريدالتّصوير، وسواه يطالب بالتّرميز، ولا بخلو الأمر ممن يطالب باستخدام الأسطورة، هذا يقول:
- لماذا تهجر شعر التفعيلة؟!.
كلّهم متناقضون.. والكلّ يطالب ويتّهم.
- أكتب قصيدة طويلة.. فهي تساعدك على سبر أغوارك، القصيرة سهلة.
- أكتب بحساسيّة الثمانينات..
- تحدّث عن الجزئيات..
- لا.. بل عن الكليات..
- ضع الجمهور في حسبانك..
- ارتفع عن الجمهور..
- لا.. تتخلّ عن القافية..
- لا.. تقع في المباشرة..
- أكتب مثلي تكن شاعراً..
- لا تخالفني تنل النجاح..
كيف لي أن أكتب؟.. وكلّ هذه الأمور تدور في رأسي؟!.
هيفاء.. تتقلّب على السّرير، ترفع رأسها بعض الشيء.. تفتح عينيها قليلاً.. وتسأل:
- هل انتهيت من الكتابة؟
- لم أكتب بعد.
- شادي.. أرجوك أن تطفئ النور.. ألن تذهب إلى الدكان باكراً؟.
- حسناً لن أكتب بعد اليوم.
ينطفئ المصباح، تنطفئ رغبتي في الكتابة.. ونشتعل أنا وهيفاء..وتلوح
لي ناديا.. فأذهب.. وأذهب بعيداً.. ولا أصل.
مصطفى الحاج حسين.
حلب 1989 م
## أضواء على قصيدة(وطن الفرح)..
للشاعر (مصطفى الحاج حسين).
بقلم الإديب والشاعر و الناقد:
(عبده مرقص عبد الملاك سلامة).
لقد أختار الشاعر عنوانا متفائلاً لنصه الذى يعبر عن مأساة الإنسانية و الوطن المحترق بنار الفتنة التي أتت على الأبرياء من المواطنين (أطفالاً و شيوخاً و نساء)، نار فشل من أشعلها فى إخمادها، و إذا بالشاعر يحلم بصوت عال من عمق المأساة و يخيل له فى الأفق وطناً غير الذى يعيش فيه و يشاطره فى ذلك الفراغ الذي يناجيه بدموع من عيون حالمة و ذابلة و يربت على كتفيه و هو غارق فى أحزان لا نهاية لها و يخاطبه بأنه فى إحتياج لوطن إن لم يسعد بالعيش فيه فهو فى حاجة إلى تراب الوطن ليحتوي رفاته، محتاج لوطن كله ضجيج، ضجيج أهازيج الطير والحب و شمسه تهب كل من على أرضه الحياة و السعادة.. و قد وفق الشاعر فى إختيار مفردات تعبر عن التجربة الشعرية التى يعانيها (يصيخ السّمع لدمعتي)، (يجسّ تجاعيد أنفاسي) (أشجاره تثمر القبلات) و إلى أخر ما ورد بالنص.. و بالرغم من الموسيقيى الداخلية فى النص فقد راوغ كما يراوغ الثعلب للهرب من الإلتزام بالقافية و صار يقفز قفزات سريعة لتجنب القافية وتلك الصور المتحركة قد لا تجعل القارىء يعي ذلك.. وعموما النص يتمتع بإحساس مرهف و شعور مفرط فى الحزن المختلط بالأمل فى غد يأتى بوطن مثل باقي الأوطان، بل أفضل تحياتي.
عبده مرقص عبد الملاك سلامة..
* وطن الفرح..
أحاسيس : مصطفى الحاج حسين.
يتأملني الفراغ
يحدق في زحمة اختناقي
يقترب من انهزامي
يجسّ تجاعيد أنفاسي
يصيخ السّمع لدّمعتي
يمسّد أصابع لوعتي
ويربت على أكتاف أوجاعي
يسقي صمتي جرعة
من تراتيله
ثم..
يجهش ببكاء محترق
ويدمدم..
بصوت متهدّج النظرات
أنتَ..
محتاج لوطنٍ يضمّ رفاتكَ
وطن..
يزخرُ بغبارِ الضّجيج
تعلو سماءه غيوم
من الضّحكات
وتكون..
شمسه مجدولة الدّفء
أشجاره تثمر القبلات
طيوره..
من همسات الخبز
أحجاره..
تشيدها الموسيقا
شبابيكه من شهوة النّدى
وطن..
ترفرف على أسطحته
مكاتيب الغرام
شوارعه تكتظ بالنّجوى
وأبوابه من ضوء
القمر.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
## قصيدة: (حائط السَّراب)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم الناقد والأديب:
محمد بن بوسف كرزون.
يبدأ الشاعرُ نصّه الشعريّ بمعاتبةٍ
شديدة لليلِ الصامتِ الذي يزيدُ من أوجاعه أوجاعاً في هذا الصمتِ المخيف، الذي يترافقُ مع أسىً متصاعد.
ويريدُ الشاعر أن يدخلُ في ساحةِ البَوْحِ ليعبّرَ عن آلامِهِ، يهدهدها، يهادنها
، ويعترف بأنّ الآلام قد تعاظمَتْ، حتّى إنّ دمعتَهُ صارتْ تبحثُ عن مخبأ تلوذُ به، فسقوطهُ قادمٌ لا محالةَ، وهي صورةٌ مأساويّة ظهرتْ نتيجةَ ما حلَّ في الوطنِ كلّه، ذلك الوطن الجريح، الذي ما زال ينزفُ منذ سنين، ويستمرّ
النزيف بحرقةٍ، نزيفُ أرواحٍ ونزيفُ
دمار وخرابٍ وتشتُّت.. فكيفَ لا تنعكس
تلك الحالات على نفسِ الشاعرِ، فيعاتبُ
الليلَ الذي أبعدَهُ عن وطنِهِ، فباتت همومه أضعافَ ما كانتْ عندما كان يعيشُ الحربَ وهو في وطنِهِ؟!.
تلك الهموم التي أمستْ صديقَتَهُ التي يتعايش معها وتتعايش معه،
لتنهالُ في قصيدتِهِ صورٌ فنّيّةٌ غايةً في الطّرافةِ والجدّة.
وتتدفّقُ الصور المعبّرة عن معاناةِ الشاعر، فالسّماءُ تُمْطِرُ عويلَ هروبه، وهذه صورة مبتكرة بديعة، لم يسبقْ أحدٌ أن لمَّحَ إلى أيِّ جزئيّةٍ منها.
ونراهُ يتابع الصورَ المبتكرةَ، فيقول:
(خُذْ منّي خطواتي يا ليلُ
تعكَّزْ علىٰ لهبِ نزيفي
وانطلقْ
صوبَ ضحكةٍ تكسّرَتْ فوقَ سهوبي.)
وهنا صورتان بديعتان طريفتان غايةً في الطرافة والإبداع، (تعكَّزْ على لهيبِ نزيفي)،
والثانية تلك الضحكةُ التي تكسَّرَتْ فوقَ سهوبِ قلب الشاعر، بل فوَق ترابِ الوطنِ، إلى أن حوّلَتْهُ خراباً...
ما أقسى هذا الخراب الذي يعاني منه الشاعرُ في كينونةِ نفسِهِ، ألماً على الوطنِ ممّا يحدثُ له، وألماً في نفسِهِ ممّا يحدثُ للوطن العزيز الجريح!
ونرى في الصورتين اللتين سقناهما قبلَ قليل نسيجاً عجيباً من التناسقِ والإبداع، فهما تنضمّانِ إلى نسيج النصّ الصُّوَريّ، وتتماسكان تماسكاً نادرَ الحدوثِ في القصيدة العربية المعاصرة.
وتأتي بعد تلكما الصورتين صورٌ أخرى
لا تقلُّ طرافةً وانسجاماً مع النصّ، بل قطار متماسكٌ من الصور التي ترتقي بالنص وتشدُّ القارئَ إلى التحليقِ في معانيه العميقة.
يقول بعدها:
(سلِّمْ لي على نافذةٍ
فرَّتْ من كوّةِ اختناقي
صافحْ رائحةَ النّدىٰ
عانقْ رقصةَ الرّؤىٰ
واحتضنْ
دفاترَ العُشْبِ الرّهيفِ
لتنامَ أعينُ الجوعِ
في وريدي.)
وما أبدعَ ما ختم به صورَهُ ونصّهُ:
(لتنامَ أعينُ الجوعِ
في وريدي).
على أنّ القارئَ الحصيف يرى اللغة
المتماسكة التي سعى الشاعرُ إلى ربط
مفرداتِهِ وجمله بها، حتى يجعلَكَ لا ترى أيَّ انقطاعٍ في نصّهِ المتواصل المتواثب الكئيب... هذا النصّ الذي يعلنُ تمرّدهُ على النصوصِ التقليديّة، باستخدامه المناسب لجميع قواعد السرد الشعريّ بتلقائيّة عجيبة تفعلُ فعلَها في القارئ، وتتركُ بصمةًلا تُمحى في ذاكرتِهِ... لقد قرأ شعر الشاعر (مصطفى الحاج حسين) الذي لن يُنسى.
وفي المجملِ، ترى القصيدةَ نصّاً متماساً لا ينفصلُ منه جزءٌ عن جزءٍ، وعلى هذا فالنصُّ عمارةٌ شعريّة متراصّة، تقدّمُ مضموناً متماسكاً، في نسيج من الصور الشعريّة المتفوّقة.
تلكَ هي قصيدةُ شاعرنا (مصطفى الحاج حسين)، وهي لا تختلفُ عن لغتِهِ الشعريّة عموماً في دواوينه المتعدّدة، والتي كان لي الشرف في قراءة أغلبها، بل لا أتحرّجُ في
أن أقول كلّها.
محمد بن يوسف كرزون.
* (حائط السّراب)..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
أسرفتَ في صمتكَ
أيّها الليل المتهالك
فوقَ غربتي
نزيفكَ أغرقَ أنفاسي
وصارت دمعتي تبحثُ عن مخبئٍ
لسقوطي
وحروفي ماعادت تنبثُ
برفيفِ أحلامي
عن ماذا تفتش في جيوبِ نبضي؟!
وقلبي تتداعى منهُ الجّهات
ياليلُ دثّرني بأمواجِ راحتيكَ
وهدهد لي اشتعالي
وزّع على أجنحتي همس الغيم
وأَقم في يباسِ ظلِّي
بعضَ المدى
حائطٌ من سرابٍ
ينهارُ فوقَ دهشتي!
والسّماء تمطرُ عويلَ هروبي!
خُذ منّي خطواتي ياليل
تعكَّز على لهبِ نزيفي
وانطلق
صوبَ ضحكة تكسّرت فوقَ سهوبي
سلّم لي على نافذةٍ
فرَّت من كوّةِ اختناقي
صافح رائحةَ النّدى
عانق رقصةَ الرؤى
واحتضن
دفاترَ العشب الرّهيف
لتنامَ أعين الجّوع
في وريدي.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
## (الدكتورة هيام علامة):
من بيروت تحاور:
الأديب والشاعر السوري :
(مصطفى الحاج حسين).
من إسطنبول
* هو ابن سوريا، يغلب على قصائده طابع محبته
لأرضه التي غاب عنها، في قصائده مشاعرٌ جميلة، ووصف دقيق، هو الشاعر الأستاذ (مصطفى الحاج حسين) لنا معه هذا الحوار .
** بدايةً نرحِّب بك أستاذ مصطفى في لقائنا معك
.. فأهلاً وسهلاً بكم ولكم الشكر والترحيب بقبولكم لهذا اللقاء .
// مساء الخير دكتورة هيام علامة المبدعة الراقية..
ولي عظيم الشرف في لقائي معكم اليوم .
** س١ :
_نأخذ الحوار معك من البدايات الى الآن ؛ حدِّثنا عن طفولتك ونشأتك ودراستك ؟.
// ج١ :
طفولتي ليست طفولةَ أديبٍ أو شاعرٍ على الإطلاق .. ومن يعرف طفولتي يستغرب ويُدْهَش وربَّما يحتجُّ.. لأنَّه سيعرف أنِّي كم كنتُ قاسياً وشقيَّاً وشرساً وعنيفاً ومشاكساً، فقد كنتُ رئيساً لعصابةِ أشرارٍ، نعتدي على الأولاد والفتيات والنساء، وعلى الرجال الكبار في الأزقَّة المجاورة لزقاقنا، ولعلَّ معظم رفاق طفولتي قد دخلوا السجن حين كبروا؛ بسبب المخالفات والجرائم التي قاموا بارتكابها، ولولا انتقال عائلتي من بلدتي مدينة الباب إلى حلب، لكانت نهايتي أبشعَ من نهايات رفاق طفولتي .
وفي حلب بدأت أعيش سن المراهقة، فانطلقت إلى السينما أولاً، ثم لقراءة المجلات، وبعدها لمطالعة الكتب، وكان لتأثير نزار قباني أول أثرٍ في التغيير بشخصيتي وطبعي،ثم صقلتني قراءاتي لنجيب محفوظ، فبدأت أدرك أن غيري مثلي يفرح وبتألم ويجوع ويشبع ويحب ويكره، فسابقاً كنت أظن أنَّ غيري مصنوع من مطاط لذلك كنت لا أشفق عليه .
أحببت الشعر والقصة والرواية، وقرَّرت أن أكون كاتباً رغم فظاعة ظروفي وعملي في مهنة البناء الشاقة، فأخذت أعمل في النهار وأقرأ الكتب والدواوين في الليل، ومما هو جديرٌ ذكرُه أنَّ الحبَّ المبكر الذي عشته بلا أملٍ يُرتجى من تتويجه بالزواج كان قد فجَّر عندي موهبة الكتابة، وهكذا بدأت أكتب الشعر، وأتلقى التشجيع ممن هم حولي؛ وبخاصةٍ من أخي الذي يكبرني بسنتين ونصف .
لكن سرعان ما سرقتني السياسة، ولو لا أخي لدخلت المعتقل كما حدث مع رفاقي.
** س٢ :
لكلِّ شاعر مفكرتُه الشخصيَّةُ الخاصة به، ما هي معالِمُ مفكرتِك الشعريَّة؟ وأين يقع الإنسان فيها؟.
// ج٢ :
معالم مفكرتي الشعرية غنيَّةٌ ومتزاحمة .. الشعر التراثي، والشعر المعاصر، والشعر المترجَم، وكذلك القصةُ، والروايةُ، والمسرح، والنقد، والمذكرات، والسير الذاتية، فأنا أدرس باهتمامٍ حياة العباقرة والمشاهير .. والإنسان دائما محور الأدب والفن والفكر،فما قيمة ما ننجز بدون الإنسان ؟ .
** س٣ :
ماذا لو أن القصيدة استعصت عليك وأنت في موقفٍ لا تُحسَد عليه؟.
// ج٣ :
في هذه المواقف أنا أبدع،أحب التحدي ، أحب المواقف الحرجة،بل أتمناها وأبحث عنها،أنا شخصٌ غيور، فحين ينجح شخصٌ حولي، أسارع لمنافسته، والتفوق عليه ، ولكن منافستي له تبقى ضمن المنافسة الشريفة، أبارك له نجاحه، وأعمل على نجاح لي أكبر، حين يكتب أحدٌ من أصدقائي قصيدةً جميلةً فإنَّه يفجِّرني شعراً، فأجدني أكتب أكثر من عشر قصائد مقابل قصيدته.ولهذا فأنا غزير الكتابة مادام أصدقائي جداً مبدعين .
** س٤ :
بين الأدباء و النقاد صراعات عميقة لا يمكن أن تندمل جراحها فما موقف النقد من الأدب ؟.
// ج٤ :
النقد تابع للأدب.. يمشي خلفه ولا يستطيع تجاوزه
..ولاأعتقد أنَّ هناك نقد حيادي لأن الناقد غالباً ماينحاز حسب عاطفته نحو المبدع، أو بحسب مصالحه،لكن النقد الذي ينطلق بدافع مصلحة يبقى نقداً هزيلاً لا قيمة له،ويسقط مع مرور الوقت. هناك نقاد يمارسون الكتابة الإبداعية، فلا يمكنهم أن ينقدوا بموضوعية،إذ ينحازون إلى تجربتهم أو تجارب تشبه تجربتهم،وهناك نقاد تصفية حسابات
أعرف بعضهم،فإن كنتَ من شلتِه أنت في الأعلى
وإن كنت من شلة معارضة فأنت في الأسفل،لذلك أرى أن النقد الصادق والموضوعي والجاد والقيم،قد يأتي بعد أجيال ثلاتة،حيث تكون الضغائن والمصالح قد مرّ عليها الزمن،أما أنا فأراهن على ذوق القارئ العادي المتذوق .
** س٥ :
وما رأيك بالناقد الذي انتقد بعض من قصائدك؟؟.
// ج٥ :
هناك نقاد كتبوا عني من منطلق محبتهم الشخصية لي،ثم بالتالي هم يحبون كتاباتي،وهناك نقاد كتبوا عني من منطلق بغضهم الشخصي لي وغيرتهم من كتاباتي،فهناك من يريدني أن أبرز وأجلس في الضوء، وهناك من يريد خنقي ورمي وسط الظلام،إبراهيم محمد كسار كتب عني أجمل دراسة أدبية،ولكن حبه لي كان واضحاً،وهناك من كتب عني- ولا أريد ذكر إسمه- كتب عني واتهمني بسرقة قصصي منه،مع أنه لا يرقى لأن يكتب سطراً مثل كتاباتي لو كرس عمره لهذا الحلم،فهاجمني واتهمني بسرقة أفكاره،لأن بيني وبينه خلاف حول نقود .
ولعل أكثر من أنصف أدبي هم نقادٌ كبار كانوا من أقطار عربية غير بلدي، فدائماً - بنت الدار عوراء - حتى يأتي ولايطلب يدها إلا شابٌ من حارةٍ أخرى .
** س٦ :
النص الأدبي أفقٌ واسعٌ يحمل أبعاداً إنسانيةً و فنيةً،ما شروط خلود النص الأدبي ؟؟ و كــيف للأديب أن يوقع بقلمه في سجـل الـخـالديــن ؟؟؟.
// ج٦ :
الأسلوب الجميل والجديد وغير المسبوق والحرارة والصدق والإلتزام تلك هي شروط النص الخالد،أنا لا أكتب تاريخ كتابة قصيدتي، لأني مؤمنٌ بأنها باقية
ٌولن تصنَّف ضمن تاريخ كتابتها،وإن قصائد المناسبات لن تبقى،وستنسى،فالشعر لغة وعلى الشاعر أن يبتكر لغته،وإنَّ كلَّ مُقلِّدٍ ومكرِّرٍ فكتاباته إلى مزبلة الأدب حتماً .
** س٧ :
الشعر هو الفنُّ المدلَّل الذي رَبا عمُرُه على خمسةِ آلاف عامٍ،هل يتحوَّل إلى حمَلٍ صغيرٍ، لا يأبَهُ له
القطيعُ في الأيام القادمة ؟؟؟.
// ج٧ :
الشعر لغةٌ،بل لغةٌ عالية، راقية، مكثفة، متجددة، ونحن منذ زمنٍ طويلٍ لا نستخدمُ اللغة الأم،اللغة الفصحى، وبالتالي فنحن متوقفون عن التحضُّر والفكر والنبوغ والإبداع، وإن خريجاً جامعيَّاً،ذا إختصاصٍ علميٍّ لا يكاد يفهم قصَّةً أو روايةً، فما بالك بقصيدةٍ ؟!..وسأسرد لك تجربةً مرّةً وقاسية ًلي
مع قريبٍ كان صديقَ طفولتي وهو اليوم مهندسٌ مدنيٌّ. أرسلت له نسخةً من أوَّل مجموعةٍ قصصيَّةٍ طبعتها بعد أن فازت بجائزةٍ عربيَّة،فأبى أن يأخذَ المجموعة، ضاحكَاً وهو يقول: ماذا أفعل بها؟هل ألفُّ بها صندويشةً...؟ لم يأخذها لأنه سوف لن يقرأ،أو بالأحرى هو لايستطيع أن يقرأ،ولا يفهم ماذا يقرأ،وهو مهندس !! .. لم يدفعْه فضوله لأن يقرأ ما كتَب قريبُه ونال جائزةً على المستوى العربي، اكتفي بالسخرية من هموم الناس ولعب الورق، فكيف يكون القطيع..؟!! لكن لكل زمن مبدعوه ومحبوه ولا خوف على الشعر والإبداع، رغم صعوبة المعيشة وضيق الحال والوقت .
// الشعر لا علاقة له بالبحور ولا بالوزن ولا بالتفعيلة ولا بالنثر.. الشعر إبداع جمال ذوق عذوبة .. يمكن أن يأتي عبر الصمت .
// الشعر موجود بالهمسة بالنظرة باللمسة بالصرخة بالدمعة بالضحكة بالوردة بقطرة الندى .
** س٨ :
هل تكونت لدى العرب نظريةٌ في الشعر و النقد على مرِّ العصور ؟؟ ومَن برأيك من النقاد يستحقُّ
الإعتزاز و التقدير ؟؟؟؟.
// ج٨ :
الذائقة الأدبية والفنية والجمالية ما زالت تحكمنا حتى اليوم، وأنا لست ضد الذائقة، لأنها عفوية فطرية نقية صافية غير مشوهة أو خبيثة،لأن بعض النظريات جاءت لتشوِّه الذوق العام ، وتشتتنا وتضيّعنا، وتخلط الأمور،وأنا أحب نظريات توفيق الحكيم، والناقد محي الدين صبحي، الذي أبدع بكتابته عن نزار قباني، طبعاً وهناك كثر من النقاد .
** س٩ :
من أين اقتبستَ روايةَ (ملح السراب) .
// ج٩ :
اقتبستُ أحداثَ روايةِ ملح السراب من تجربتي، من عائلتي، من أبي وأمي،من أخي وابن عمي ، من جيراننا، من حارتي، من بلدتي الصغيرة المغلقة، من الجهل، من الفقر،من الظلم والإستبداد.. من معلمي المدارس، من المشايخ، من الدجالين، من المنحرفين، من الشاذين جنسياً ، من عمال البناء ، من دمعي وقهري وحرماني من الحب والتعليم .
حاوره : الدكتورة هيام علامة
فهرس: عبق الروح..
-------------------------------------------------
1 - حوار: د. سليمة فريندي
2 - الأستاذ: محمد الطايع
3 - الأستاذ: عادل نايف البعيني
4 - الأستاذة: بسمة حاج يحيى
5 - الأستاذ: رامي ردمان
6 - د. السيد محمد السيد..
7 - عبده المرقص عبد اللطيف
8 - الأستاذ: محمد بن يوسف كرزون..
9 -. حوار: د. هيام علامة..
======================

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى