شهادات خاصة المصطفى اجماهري - كولمبو في مازغان

تعرّفتُ شخصيا على الكاتب الميلودي حمدوشي المدعو بالمفتش كولمبو، في إطار اتحاد كتاب المغرب الذي انتمى له الراحل، في فترة من الفترات، حين أصبح كاتبا ونشر مجموعة من الأعمال الإبداعية. وبعدما غادر وظيفته في سلك في الشرطة، التقيته، في إحدى الأنشطة الثقافية بالدار البيضاء التي نظّمها المعهد الفرنسي، بشارع الزرقطوني، حول الرواية البوليسية وشارك فيها إلى جانبه الكاتب المعروف ياسمينة خضرا. في تلك الجلسة، التي جرتْ قبل عدة سنوات، أطلعْته على قراءتي لروايته البوليسية “دموع الندم” ، والتي نشرتُها أياما بعد ذلك في جريدة “القدس العربي” اللندنية. وكان الميلودي حمدوشي هو من هاتفني ليخبرني بنشر مقالتي هاته في ذلك اليوم الذي صدرت فيه.

وفي وقت سابق يعود إلى النصف الثاني من السبعينيات، عرفتُ الرجل، لكن عن بعد، كنت حينها قد غادرت محطة إذاعة عين الشق وانتقلت للعمل إلى مدينة الجديدة، وعُين هو عميد شرطة في نفس المدينة. فكنتُ، حتى أذهب إلى عملي، أمر يوميا بدراجتي النارية أمام الفيلا الوظيفية التي كان يقطن بها في حي البلاطو. إذ كان مسكنه معروفا بحكم وجود حراسة أمام المدخل بشكل دائم. حينها لم يكن حمدوشي قد بدأ النشر ، وكلّ ما عرفت عنه وقتها، من خلال صديقنا المشترك الكاتب محمد زفزاف الذي عمل إلى جانبه في حقل التعليم، أنه كان أستاذا سابقا بالإعدادي، وأنه رأى النور في سيدي بنور بمنطقة دكالة.

1.jpg


في هذه الفترة بالذات بدأ نجم الميلودي حمدوشي كعميد شرطة يلمع في مدينة الجديدة. والحال أن مدينة الجديدة وقتها كانت مدينة صغيرة محدودة الساكنة والإمكانيات، فكان جميع المسؤولين الإداريين معروفين ومعدودين على رؤوس الأصابع. بل يمكن القول إن بداية شهرة حمدوشي أو كولمبو قد انطلقت من هذه المدينة الشاطئية. والصغيرة آنئذ، وذلك نتيجة عمله الدؤوب وكفاءته المهنية. فهو سرعان ما جفّف منابع الجريمة، وحارب اللصوص بلا هوادة، بل إنه كان يتقدم الدوريات الأمنية في سيارته الخاصة ويعطي الأوامر ، عن طريق الراديو، لفريق الشرطة الذي يتبعه من شارع إلى آخر، و”زنكة زنكة” كما قال يوما الراحل العقيد معمر القذافي.

وأذكر بأنه في تلك الفترة من السبعينيات كانت تنطلق في بداية كل سنة حملات موسمية لمراقبة أوراق التأمين بالنسبة للدراجات النارية، فتنصب بعض الحواجز المفاجئة في الشوارع الرئيسية ليتأكد المراقبون من توفّر هذه الوثيقة الضرورية لدى مستعملي الدراجات النارية، فما كان من الميلودي حمدوشي، كما قال لنا أحد أفراد فريقه وقتها، إلا أن فاجأ العاملين معه بمفوضية الشرطة الذين يتنقلون على دراجات نارية بأن طلب من كل واحد منهم أن يدلي له بوثيقة التأمين. هكذا كان أسلوب حمدوشي المدعو كولمبو في العمل : تطبيق القانون بلا تمييز على الجميع، عملا بالقاعدة القانونية “المغاربة سواسية أمام القانون”.

وكان من المعروف عنه أيضا أنه كان يتجوّل ليلا بسيارته الخاصة ليرصد التحركات التي تبدو له مشبوهة، حتى البسيطة منها. وإذا ما استرعى انتباهه أمر ما كان يستدعي دورية الشرطة للتحقق منه. وبهذه الطريقة استطاع أن يحدّ من تفشي بعض الممارسات السيئة التي كان يقوم بها بعض رواد الليل. من متسكعين، وبنات الهوى والمتعاطين للمشروبات الكحولية في الشارع العام.

ويمكن القول بأنه في مدينة الجديدة أُطلق لقب “كولمبو” على الميلودي حمدوشي اعترافا بكفاءته المهنية ونبوغه في إنجاز التحريات الأمنية ومحاربته للخارجين عن القانون وكذا في فك لغز كثير من الجرائم. وسيرتفع نجمه أكثر في التسعينيات بمدينة البوغاز، طنجة. وطبعا، وللتذكير، فلقب الشهرة “كولمبو”، الذي عُرف به، يحيل بشكل مباشر على المحقق الأمريكي في سلسلة أفلام كولمبو ، والتي كان يقوم بالدور الأول فيها الممثل المعروف بيتر فالك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى