* مَا بَعدَ المَوتِ..
...وَاترُكْ عَينَيكَ بِلا نَومٍ
تَسَلَّلْ على أطرَافِ صَحوِكَ
إلى فَيضَانِ نَبضِكَ
حَدِّد مَكانَ وِلادَةِ النَّجمَةِ
في أقاصي عتمَتِكَ
ولا تَدُقَّ أبوابَ الظَّلامِ
قَد يَنهضُ الإثمُ مِنْ مَرقَدِهِ
قَد يَثِبُ الدَّهاءُ على غَفوتِكَ
تَأَمَّلْ نَارَ الحَنينِ
والكلماتُ تَتَأَجَّجُ في ارتحَالِكَ
الدَّمعَةُ حَفَرَتْ بِلا محراثٍ آهتي
الأصَابعُ رَسَمَتْ صَلابةَ التَّنفسِ
كلُّ شَيءٍ لا يَدِلُّ على شَيءٍ كانَ
كأنَّما النَّسمَةُ التَصَقَتْ بالرُّوحِ
كأنَّما الرُّوحُ تَفَتَّقَ فِيهَا الرَّمَادُ
وَأَرَى دُرُوباً تَنطَلِقُ مِنْ دَمِي
وَقَلبي يَشرُدُ عَنْ عَذَاباتِهِ
يُرِيدُ أنْ يُعطيَ دَرسَاً لِلحَنينِ
هِيَ لَمْ تُشَاركْنِي الوَقفَةَ
لأطيلَ التَّغزّلَ بِهَفِيفِ بَسمَتِها
وَأُداعِبَ خَصَلاتِ رَحِيقِها
قالتْ لَمْ أحُبَّكَ وَتَهَاوتِ القَصِيدَةُ
بَكَى النَّبضُ وارتمى
تَجَمَّدَ السَّحابُ في سَماءِ لَوْعَتِي
وَتَهَاطَلَ الوَجَعُ في أوْردةِ الرُّؤى
إنِّي أكتبُ عَنْ مَوتِ الضَّوءِ
عَنِ انتحارِ النَّدى في غُصُونِي
عَنْ سَرَابٍ يَعدُو نَحوَ مُستَقبَلِي
لماذا وَقَفتُ عندَ نبعٍ لا يَنبعُ إلَّا الحُطَامَ؟!
لماذا أخَذَتْ مِنِّي كلَّ ما كانَ سَيَأتِي؟
صَارَتْ أيَّامِي بِلا أسوَارٍ
وَتَحَوَّلَ مَوجِي إلى كَفَنٍ غَطَّى أَشْرعَتِي
إنِّي أسأَلُ صَمتَها عَنْ نَكهَةِ صَوتِها
أسألُ عَنْ وَردِها القَابعِ في العَرَاءِ
نَدَى عَاشَتْ مَنكُوبَةَ الوجدَانِ
نَدَى مَرَّتْ على قلبي سَجّاناً شَرِسَ السُّوطِ
والمعتقلُ كانَ متراصَّ البُنيَانِ
نَدَى شَكلُ مَوتِي حِينَ يُغتَالُ الإنسَانُ.*
إسطنبول
* حَافَةُ الصَّهيلِ..
عَلى حَافَّةِ الصَّهِيْلِ
جَلَسَ الدَّربُ يَنتَظِرُ حُصَانِي
كانَ اللَّيلُ يَتَلَعثَمُ بِمُرُورِهِ
السَّماءُ تَمنَعُ أنجُمَها مِنَ التَّجَمُّعِ
والغيومُ لاحَقَهَا التَّشَرُّدُ
بَكَى القَمَرُ لَمَّا اقْتِيْدَ لِلْمَنْفَى
الظَّلامُ وَحدُهُ سَيِّدُ المُوقِفِ
والهَواءُ جَفّتِ نَسَائِمُهُ
قِيْلَ لِي:
- تَعَقَّلْ يا غَرِيْبَاً
فَمَا أنتَ سَيَّدُ خُطوَتِكَ
تَدَمَّرَ البَلَدُ الذي سَاهَمْتَ في اِعمَارِهِ
احتَرَقَ الشَّجَرُ الذي نَبَتَ في شَاسِعَاتِ حُلْمِكَ
أنتَ الآنَ طريدةٌ يُطَارِدُهَا العَمَاءُ
وَقَعْتَ في مِصيَدَةِ الأُمَمِ
يُرِيْدُونَ دَمَكَ وَيَتَأَفَّفُونَ منْ نَبْضِكَ
يَطمَعُون بِرَأسِكَ
وَيَخَافُونَ مِنْ عُيُونِكَ
هُمْ سَيَسْرُقُونَ مِنْكَ جُذُوْرَكَ
وَيُعطُوْنَكَ مَا كُنْتَ قَد حَرَّمْتَهُ
على مَرَاكِبِِكَ
سَيَخْطُفُونَ مِنْكَ نَقَاءَ السَّرِيْرَةِ
وَيَتْرِكُوْنَكَ مُلَوَّثَاً عِنْدَ أبوَابِ الرَّذِيْلَةِ
تَارِيْخُكَ سَيَتَقَلَّدُونَ أدرَاجَهُ
وَيَعتَلُونَ فوقَ قِلاعِ كَرَامَتِكَ
أخَذُوا مِنكَ طَرِيْقَ النَّدَى
وَأَعطُوكَ لِمَدفَنِ السَّرَابِ
لا تَتَرُكْ لُغَتَكَ تَنصَاعُ لِفَقْرِ أبجَدِيَّتِهِمْ
لا تَرضَى بأحَلامٍ صُنِعَتْ مِنْ مَعدَنٍ
لا تَسْبَحْ في بَحرِ أموَاجُهُ مِنْ ضَغِيْنَةٍ
قَاوِمْ وَسَيَنْهَارُ الجِدَارُ
قَاوِمْ وَسَيَنْدَثِرُ الحِصَارُ
قَاوِمْ وَسَتَنْدًلِعُ النَّارُ
قَاوِمْ وَسَيَزُوْلُ الدَّمَارُ
فَأَنْتَ بُركَانُ التَّجَدُّدِ
تَجِيءُ وَتًأتِي مِنْ أَقَاصِي
التَّحَدِّي والانْصِهَارِ.*
إسطنبول
* الطَّاغِيَةُ..
يَقْتلُ كُلَّ مَنْ يَقتَربُ مِنهُ
يَغتالُ كُلَّ مَنْ يَبتَعِدُ عنهُ
يُهاجِمُ مَنْ يَتَحَاشَاهُ
يَخَافُ مِمَّنْ يُصَفِّقُ لَهُ
يَشُكُّ بِكُلِّ مَنْ يَمتَدِحُهُ
يُمْكُرُ لِمَنْ يُخلِصُ لَهُ
يَعتَقِلُ مَنْ يُخَالفُهُ الرَّأيَ
يَبطُشُ بِمَنْ يُعَارِضُهُ
يَسرُقُ مَنْ يأتمِنُهُ
يَخُونُ مَنْ يَمشِي خَلفَهُ
يَنفِي مَنْ يُفَكِّرُ وَيَتَطَلَّعُ
يَنتَقِمُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُسَلِّمُهُ أَمْرَهُ
يَحرُقُ كُلَّ مَنْ يَنبَثِقُ أو يَنبِتُ أويُثمِرُ
يُعَطِّشُ الحَنَاجرَ التي لا تَهتُفُ لَهُ
يَبِيعُ الوَطَنَ
يَرهِنُ الثَّرَواتِ
يَتَخلَّى عَنِ السِّيادةِ
يُمزِّقُ الخَريطةَ
يُلَوِّثُ العَلَمَ
يُدمِّرُ المَدائنَ
يَخنُقُ البَحرَ
يُقَيِّدُ البَرَّ
يُغلقُ السَّماءَ
يُحَوِّرُ النَّشيدَ الوَطنيَّ
يُعَطِّلُ الدَّستُورَ أو يَجعَلُهُ على مَقَاسِهِ
وَيُحوِّلُ مَجلسَ النُّوَّابِ إلى حَظِيرَةٍ
وَمَجلِسَ الوزراءِ إلى مَبوَلَةٍ عَامَّةٍ.*
إسطنبول
* تَدَاعِيَّاتٌ..
وَجَدْتُ نَفسِي أعُومُ على جَبَلٍ
مِنَ الهَوَاجسِ
والبَحرُ يُحِيطُني بأمواجِ القَلَقِ
الأرضُ تُسَابقُ مَخَاوفي
وَكَوكَبُ الذُّكرياتِ قادمٌ
صَادَفتُ صَرخَتي تَشْتَبِكُ مَعَ الرِّيحِ
لاقَيتُ ضُحكَتِي تُسَاوِمُ الألمَ
وَكَانَتْ دَمعَتي تَستَجِيرُ بالتَّمَاسُكِ
النَّارُ تَدخُلُ مَفَاصِلَ الشَّهقَةِ
المَاءُ يَتَدَفَّقُ مِنْ يَبَاسِ الأمَلِ
كُلُّ ماكانَ لا دَخْلَ لِخَيالاتِي فِيهِ
كُلُّ ما سَيَأتي أنا لَمْ أُوَجِّهْ لَهُ دَعوَةً
لَمْ أختَرْ لِلَّيلِ لَونَ بُشرَتِهِ
ولا لِلْنَهارِ قَتَامَةَ قَسوَتِهِ
كُنتُ أرْقُبُ الظِّلَّ حِينَ يَكبُرُ
لَمَّا تُصْبِحْ لِلْحَقِيقةِ عِدَّةُ جوانبٍ؟!!
المَكَانُ يَتَبَدَّلُ
الزَّمَانُ يَتَحَوَّلُ
والأرضُ تَدُورُ حَولَ البُؤسِ
مِثلَ ثَورٍ مَعصُوبِ البَصِيرَةِ
أنادي على مَنْ راحَ
فلا يَستَجِيْبُ
وَعَلَى مَا سَيَأتِي فلا يَهتَمُّ
أنا مُلْكُ اللاشَيءِ
قَشَّةٌ تَتَقَاذَفُهَا سُخريَّةُ العَدَمِ
أمشِي والأرضُ تَتَمَحوَرُ
أنْهَضُ والأرضُ تَتَهَاوَى
أركُضُ والعَالَمُ يَتَدَاعى
النَّسمَةُ مَمْسُوكَةٌ مِنْ أطرَافِها
العُمرُ مُقيَّدُ الجَنَاحِيْنِ
والحُلُمُ تآكلَتْ أطرَافُهُ
اليَدُ خانتْها أصَابِعُها
والأصَابعُ تَتَشَابَكُ مَعَ الزَّوالِ
وأنا عَليَّ أنْ أحَيَا وَأَكُونَ!*
إسطنبول
* وميضُ المطرِ..
كانتْ قصائدي تخبُزُ الحُلُمَ للمتعبينَ
الَّذينَ تهدَّمتِ ابتساماتُهُمْ في ساحةِ الدهشةِ
وكنتُ أطعِمُهمْ أدغالَ صرختي الجذلى
وأنا أحُثُّ النارَ على الاغتسالِ من كُلِّ دَنَسٍ رجيمٍ
الماءُ يُشبِهُ مُرتفعاتِ الجبالِ الجامحةِ
الدَّربُ كأنَّهُ فُوَّهةُ بندقيَّةٍ فقدتْ هدفَها المتنكِّرَ
السماءُ تهدُجُ برقَها وقتَ العاصفةِ
وأنا أتوقُ إلى التوحُّدِ والانفرادِ بوِحشتي والسكينةِ
أهيمُ فوقَ خرابِ تدفُّقِ بصيرتي
أُمسِكُ لونَ الندى الناحبِ والمعبَّأِ بالعويلِ
مفاتيحي لا أبوابَ تعانقُها
لا نوافذَ تضاجعُ رغبتي بالانفلاتِ
وحدي جلستُ فوق مخاوفي
القلقُ يتسلَّقُ جدرانَ نبضي
الهواجسُ تسكنُ فضائي
والبراكينُ من داخلِ قهري تتقاذفُ الحِمَمَ
اِتَّقدَ السؤالُ في أحراشِ غُصَّتي
تسألُني الأرضُ عن مأوىً لساحاتِها
الأشجارُ تستجيرُ بظلِّي
والعصافيرُ يُرفرفُ حولَها الجذعُ
تتزاحمُ الأشياءُ في رحابِ ما يتَّسعُ فِيَّ
يندسُّ الترابُ تحتِ رُوحي
يتسلَّقُني السحابُ فاغراً أوجاعَهُ
ما منْ بحرٍ إلَّا وارتمى عند شُطآنِ حَيرتي
ما مِنْ موجٍ إلَّا واستندَ على جذعِ انكساري
وأنا أقِفُ خلفَ ضعفي
أتشبَّثُ بوميضِ المطر.*
إسطنبول
* قفار العدم..
كلَّما ذكرتُكِ
تشتَمُّ قلبيَ الورودُ
ويتعطَّرُ بنبضي صدرُ الندى
وتتقرَّبُ منِّي المسافاتُ
وتحومُ منْ حولي الفراشاتُ
يلتصقُ بيَ الوقتُ
والسماءُ تدنو منْ أجنحتي
كلُّ الأشياءِ تغبطُني
ويتمسَّحُ بِيَ الحُلُمُ
كلما تذكَّرتُ حبَّكِ
يغارُ منِّي القمرُ
ويحسدُني الليلُ ويظلُّ يسكرُ
حتَّى مطلَعِ الفجرِ الَّذي يشبِهُكِ
وأنتِ بكلِّ تواضُعٍ تترفَّقينَ بالنَّسمةِ
ولا تغترِّينَ على الصبحِ
تُعطينَ للوردِ أكثرَ ممَّا يستحقُّ منْ عطرِكِ
تقدِّمينَ للضوءِ بعضَ أنوارِكِ
تُغدقينَ على البحر حفناتٍ من الرذاذِ
وترشينَ الجبالَ بآياتِ سحرِكِ
كلَّما تذكرتُكِ تضيءُ القصيدةُ
وتشتعلُ مصابيحُ الكلامِ
الأرضُ تمجِّدُ أنفاسَكِ
الشجرُ يُثمرُ ابتساماتِكِ
الجدرانُ تقفُ احتراماً لسطوعِكِ
حتَّى البوادي والهضابُ وسفوحُ المرتفعاتِ
تزدادُ فيها الخصوبةُ كلَّما لاحَ لها ظِلُّكِ
أنتِ أميرةُ هذا الكونِ
فاتنةُ مياهِ الأنهرِ
معشوقةُ الأعالي
تتغنى بكِ الأغاني
والموسيقى ترقُصُ على وقعِ خُطاكِ
وأنا في كلِّ الأوقاتِ أبقى مرتبطاً
معكِ بالذكرياتِ المؤلمةِ
فأنتِ مَنْ أودعتْ قلبي في قِفارِ البؤسِ
العدمِ.*
إسطنبول
* تخثِّرُ الكلامِ..
تخثَّرَ الكلامُ
وهاجَ الصَّمتُ
وحطَّ الليلُ
على دمعتي
وتعثَّرَ القمرُ في نجواهُ
تجعَّدَ وجهُ الوقتِ
الدربُ يمشي بِلا مُسافرينَ
الهواءُ تقيَّأَ نسائِمَهُ
وارتمى الندى بأحضانِ الجمرِ
إنِّي أتتبَّعُ مراكبي المحطَّمةَ
أتمسَّكُ بثوبِ الدهشةِ
أتملَّقُ صعودَ رؤاي
وأُنادي على شيءٍ لا أعرفُهُ
ولا أُبصِرُهُ
ولا أؤْمِنُ بِهِ
لكنَّ الزمنَ يتداركُ جدرانَ وحشتي
اللَّيلُ يحتلُّ جسدي
الماءُ يغمرُني بالعطشِ
والسماءُ تعتمِرُ بهواجسي
الأرضُ أنزلتني عن ظهرِها وولَّتْ من دوني
البحرُ هاجمَ أشرعتي وأبادَ لهفتي للرحيلِ
والجهاتُ تراكضَتْ وأنكرتْني
قال الكونُ:
- لا مكانَ للسوريِّ.. إرحلْ
قالتِ المعارضةُ:
- سنطردُكَ.. أيْنما حللتَ
وقال الموتُ:
- وحدي الذي يشفِقُ عليك
فاطمئِنْ.. لنْ أتخلَّى عنكَ
وكان لابدَّ لي أنْ أقبِّلَ يدَ الموتِ
على روعةِ الاهتمام.*
إسطنبول
* مُنْشَق..
يُلاحقُني الكونُ
يُطاردُني
يَلهثُ خلفي
يُحاصرُ دمعتي
يُريدُ أنْ ينتزعَ منِّي إعترافاً
أنّ القاتلَ بريءٌ
وَيستحقُّ منَّا التمجيدَ والانحناءَ
وأنا شاهدتُهُ يجزُّ عُنقَ البسمةِ
رأيتُهُ وهو يذبحُ الوردةَ
أبصرتُهُ وهو يحرُقُ الوطنَ
لا أستندُ لأقوالِ الآخرينَ
بأمِّ عينيَّ تطلَّعتُ إليهِ
حينَ كان يهدِّمُ حياتَنا
لم يقلْ ليَ أحدٌ
إنَّهُ أقدمَ على شنقِ الماءِ
إنَّهُ صَلَبَ الندى
إنَّهُ سلخَ الهمسةَ
وإنَّهُ بقرَ بطنَ السلامِ
أنا مَنْ كنتُ أشهدُ
أنا مَنْ كنتُ أسمعُ
أنا مَنْ كنتُ أفعلُ
وأنفِّذُ أوامرَهُ
قبلَ أنْ يغضبَ منِّي.*
إسطنبول
* زيارة..
ذهبَ قلبي إليكِ بمفردِهِ
لمْ أرافقْهُ أو أشجعْهُ على المجيءِ
ناشدتُّهُ باسمِ كرامتي
ألَّا يفرِّطَ بكبريائِهِ إلى هذا الحدِّ
فأنا يئِستُ من حبِّكِ السرابِ
لكنَّهُ كان ملحاحاً.. معانداً
لا يسمعُ منِّي الكلامَ
قال لي:
- هِيَ محاولةٌ أخيرةٌ
وأَقسَمَ أنَّهُ سيتَّعِظُ في حالِ أنتِ رفضتِهِ
سيحدِّثُك عن حبِّهِ الكبيرِ
عن عذاباتِهِ المُضنيةِ
عن شوقِهِ وحنانِهِ اللامتناهي
وعنْ أحلامِهِ التي أنتِ محورُها
قالَ .. وتحدَّثَ.. وتكلَّمَ
حتى أَقنعَني
وجاءَ لِعندَك لوحدِهِ دون أن يرافقَهُ أحدٌ
فقط
طلبَ منِّي أنْ أعيرَهُ جسدي
لأنَّهُ مُحرَجٌ أنْ يَدُقَّ بابَكِ
وهو وحيدُ..
وفي أشدِّ حالاتِ الارتباكِ.*
إسطنبول
* ستائر الزَّمن..
كنتُ أنظرُ إليكِ
أتتبَّعُكِ حيثما تذهبينَ
أتلقَّطُ أخبارَكِ
أسترقُ إليكِ النَّظرَ
أحاولُ أنْ أكلِّمَكِ
أن أُلْفتَ انتباهَكِ
أن تنالَ قصيدتي إعجابَكِ
بحثتُ عنٔ ألفِ سببٍ لأكلِّمَكِ
لأُسلِّمَ عليكِ
لأصافحَكِ
صادقتُ كُلَّ من تعرفينَ
تكلَّمتُ عنكِ أمامَهمْ كلاماً جميلاً
لعلَّهمْ ينقلونَهُ إليكِ
أسمعتُهم قصائدَ عن حُبِّي لكِ
شُكَوتُ أمامَهم منْ تجاهلِكِ
لكنَّهم أخذوا يسخرُونَ
بل راحَ بعضُهم يسيءُ إليَّ أمامَكِ
قالوا عنكِ ابنةُ مدينةٍ
وأنا ابنُ أريافٍ
أنتِ تمتلِكينَ شهادةً جامعيَّةً
وأنا لمْ أكمل تعليمي
قالوا عنِّي انفعالي
طموحٌ بلا ركائزٍ
جسورٌ بلا سندٍ
حالمٌ بلا أجنحةٍ
بترو لي أقدامي وقالوا لكِ
ها هو على الأرضِ
قطعوا لي سواعدي وقالوا
يدُه لا تطالُ القمرَ
فقؤوا لي عينيَّ وأشاروا
إلى تعثُّري في الطريقِ
قالوا فقيرٌ.. جلفٌ
ينتمي للرعُاعِ
وأنتِ مَلأَكِ الغرورُ والتكبُّرُ
صارت قصائدي عاريةً بلا ثيابِ
مشاعري بلا حُسبانٍ
وعواطفي نكتةٌ تُضحكُ الجميعَ
لكنَّكِ ظللتِ عانساً بلا زواجٍ
وأنا عندي زوجةٌ رائعةٌ
وأولادُ أجملُ من الجمالِ
وأحفادٌ أروعُ من الحلمِ
مسكينةٌ أنتِ..
تثيرينَ عندَ قصائدي الشفقةَ.*
إسطنبول
* بَصِيْصُ الدَّمعِ..
على بصيصِ دمعتي
أتجوَّلُ في أنحاءِ شرودي
أصادفُ براري لوعتي
وكثبانَ الانتظارِ
وأمُدُّ لسانَ الرمادِ
لأهزأَ منِ إرتعاشةِ بصيرتي
فتأتي أوجاعي لتحرقَ انكساري
ويداهمُني السرابُ من جانبِ لهفتي
فأسبحُ على رملٍ ساخِطٍ
يتغلغلُ في سقوطي
ويرتدُّ صدى هزيمتي
ينتشرُ في هضابِ ظنوني
إنِّي أتهجى غُربتي
أقرأُ ما تلفَّظتْ بهِ الحربُ
الحربُ تسلَّحتْ بمنطقِ الإبادةِ
تفرَّعَ عنها جحيمُ الطائفيَّةِ
تزيَّنتْ بالضغينةِ والعنصريَّةِ
وتباهتْ بقطعِ رؤوسِ المسالمينَ
كلُّ مَنْ لا تعنيهِ الحربُ.. سيُذبَحُ
ويُهَجَّرُ..
ولنْ يَجدَ مأوى
إلَّا في بطنِ البحرِ
أو في مخيَّماتِ دفنِ الموتى.*
إسطنبول
* غصَّةُ التُّرابِ..
يشكو الطَّريقُ
مِنْ تدفُّقِ حسرتي
وتزاحمِ ناري
وخطايَ مغلولةٌ منْ دمعِها
تستجيرُ بالسرابِ
مَنْ يأخُذُ لوعتي عنِّي؟
مَنْ يفتحُ أمامي أفاقَ المستحيلِ؟
أدُقُّ أبوابَ الجبالِ
أعاركُ نوافذَ الهضابِ
أجادلُ عنادَ العراءِ
أشدُّ شَعرَ المسافاتِ
أقفزُ مِنْ مرتفعاتِ الأسئلةِ
لكنَّ السَّماءَ أقفلتْ حضنَها
فأرتمي في غُصَّةِ الترابِ
تحملُني سواعدُ خيبتي
تُلقي بقصائدِ أشواقي
في هاويةِ الانتظارِ
الحزنُ لا يفارقُ نبضي
لا يبارِحُ لهفتي
ولا يغادرُ عُمُري
البسمةُ صارتْ تجهلُ ملامحي
الدمعةُ عششَّتْ في روحي
والسّرابُ يَغويني بالمسيرِ
وتمشي الجراحُ على جسدي
ويلوكُني الخرابُ.*
إسطنبول
* دمعة قلب..
الدَّمعةُ دَفَنَتْ قامتي وأغرقتني
وبلَّلتْ رمادَ رُوحي وأحرقتْني
وجَرَفَتْ رواسبَ آهتي وتقاذفَتْني
وسوَّرَتْ صرختي وهدَّمَتْني
الدمعةُ نارٌ اندلعتْ منِّي وأشعلتْني
ركضَتْ في أنفاسيَ واحتضنَتْني
ذهبتْ بيَ إلى أقاصي الحنينِ وفجَّرتْني
في صوتِها هسيسٌ وبُحةُ حنينٍ كلَّمتْني
الدمعةُ مسكنُ أيامي
في حضنِها أمِّي أنجبتْني
وتركتْني
إلى الدُّنيا أنمو عندَ ضفَّتيها
فأرضعتْني الحُزنَ حتى أشبَعَتْني
وصارت بلادي شتلةَ خرابٍ
نهشتْ غيومي وطاردَتْني
مشرَّدٌ أنا لجأتُ إلى دمعتي
وليتَ دمعتي أَسعفَتْني.*
إسطنبول
* صواري الحطام..
هلْ لِيَ أنْ أقرأَ ما نُقِشَ على تجاعيدِ هواجسي؟!
وأسلِّمَ على ما فاتَني من دهشةٍ وتأملِ؟!
إنّي أرمِّمُ ما تبقَّى مِنْ حُطامِ الأملِ الغائرِ
أدقُّ مساميري على جُدرانِ الآهةِ المتداعيةِ
أثقبُ بُحةَ الحنينِ المتهافتِ على الإنطواءِ
وأغوصُ في سعيرِ الصوتِ الطالعِ منْ دمي
أحدِّقُ في رمادِ سقوطي وأنادي
على سماءٍ تستقرُّ فوقَ الفاجعةِ الهاربةِ
أنا اشتعالُ الوقتِ المضمَّخِ بالتوقُّفِ
أُحصي عددَ الموانئِ المتسرِّبةِ من رحيلي
وأُلزمُ نفسي بالتستُّرِ على هشاشةِ قولي
الدمعُ يكسُرُ أحجارَ الشبقِ في لهفتي
الليلُ يسلُكُ طريقاً آخرَ ليصلَ مخبئي
والنجومُ ترمُقُ خيبتي بمرارةٍ ونزقِ
وأنا أهيمُ على وجهيَ بذاتِ المكانِ
أسألُ كلَّ تائهٍ عن مكانِ تواجُدي
والنسمةُ هجعَتْ في منتصفِ الدربِ
والدربُ نسيَ وجهتَهُ فأقعى على البصيرةِ
هلْ منْ أُنسٍ في هذا المكانِ الذي أظنُّهُ جُرحِي؟!
هلٔ منْ سرابٍ يشربُ وهجَ خُطاي؟!
الموتُ أبسطُ ممَّا نظنُّ ونعتقدُ
ما عليكَ إلَّا أنْ تكفَّ عنِ الحُلمُ
ما عليكَ إلَّا أن تهجُرُ العشقَ
وما عليكَ إلَّا أنْ تفارقَ بلدَك.*
إسطنبول
* حُصنُ السَّرابِ..
أَطْعمَني السرابُ مِنْ زوَّادتِهِ
كان يحمِلُ بيديهِ سِلالاً مِنَ الأمنياتِ
كريماً كان معي
لم يبخلْ على شَغَفي برائحةِ الذكرياتِ
أعطاني مفتاحَ خزائنِهِ
فرشَ لي بيتَهُ بأُرجوانِ الأسئلةِ
وصبَّ لي من إبريقِ توهجِهِ
أجلسَني على كرسيِّ الفرحةِ
أهداني عباءَةَ الانتظارِ
وراحَ يحدِّثُني عمَّا سيأتي ويكونُ
ولكي أغفو مُطمَئِنَ الرُّوحِ
أخذَ يُغنِّي لي بصوتٍ عذبِ الحنينِ
السرابُ أقربُ إليَّ من أيِّ صديقٍ أحبُّهُ
بل أقربُ ليَ من أيِّ أخٍ فقدتُهُ
هو مِثلُ بيتي الَّذي كنتُ أسكنُهُ
مثلُ مدينتي قبلَ أنْ تُهْدَمَ
السرابُ يأتيكَ دونَ أيِّ جَهدٍ
وأنتَ تائِهٌ يباغِتُكَ
وأنتَ قانِطٌ يَدُقُّ عليكَ البابَ
يقتربُ منكَ
مجردَ ما أنْ يرى دمعتَكَ
فلا تكنْ فظاً معَهُ
ولا تُثقِلُهُ بالهمومِ.*
إسطنبول
* التَّسوية..
غادروا هذه الأرض
اتركوا هذا الكوكب
تضايقت منكم الدُّنيا
وسئمت من إرهابكم الأمم
فاذهبوا حيث العدم
هناك يمكن لكم أن تعيشوا
ومن حقكم أن تموتوا هناك
ونحن من حقنا أن ننسى ملامحكم
وأن لا نذكر وجودكم أبداً
أنتم طَفْرَة جاءت إلى هذه الدنيا
ليس من حقكم أن تتواجدوا بيننا
ليس مرغوبا بكم لتبقوا
من لا يرضخ لسيدنا.. لا نريده
من تعز عليه نفسه ولا يقبل الذّل
لا نرضى به
نريدُ مواطناً مطواعاً..
يثقُ بالقائدِ بشكلٍ مطلق
يضحي بنفسهِ دون أيّ نقاشٍ
يعتز بالسيادة في حالِ انهزمنا
يصفقُ للقائدِ وإن باعَ الوطن
وإن تنازل عن السيادة
وإن استبدل رايتنا براية بلد آخر
نريدُ مواطناً لسانه لا يستخدم إلّا للهتاف
إن جاع مجد القيادة الحكيمة
إن عطش تضاعف ولاؤه لعظيم الأمة
إن برد يتدفأ بمحبة الزعيم
إن مرض تعالى صوته بالدعاء للحكيم الحاكم
وإن مات يكون موته فداء لسيد الوطن
نريدُ مواطناً لا يتستر على تمرد أخيه
لا يسكت لمن يتجرأ و ينتقد المسؤول
الشيطان يوسوس للمواطن الضعيف
فيجعله ينتقد ويتسأل ويتطاول
إبليس يحرض المواطن المشتت
الطاغوت يثير الفتن بين الشعب والقيادة
والأعداء كثر وخبثاء
كل من لا يتفق مع القيادة عدو للوطن
كل من ينتقدنا ليس منّا
كل من يؤمن بالحرية يضمر لنا الشر
قوتنا تكمن في عظمة التفافنا حول الزعيم
المواطن الصالح لا يثور على القائد
حتى وإن خان وقتل شعبه
هو يعرف كيف يقود وإن تصرف بغرابة
فهو أعلم منّا بما يكون وما سيكون
يبصر ما لم نقدر أن نراه
يفهم ما نعجز نحن عن فهمه
يشعر بالذي يصعب علينا إدراكه
يحسُّ بالذي نحن لا نحسَّ بهِ
نحن أمامه ضعفاء.. جهلاء.. لا نفهم
من نكون نحن أمام عظمتهِ؟!
صغار نحن.. لا حول لنا ولا قوة.. دون تعاليمه
وأوامره.. وارشاداته.. وعطاءه
دامَ حكمهُ للأبد
وأنتم ارحلوا من هنا
فمن كان يقف معكم
عاد إلينا صاغراً.. نادماً
فنحن من هدّم المنازل فوقكم
ونبشَ قبور أمواتكم
وأحرق لكم كل البلدان
وشرد الإنسان والحيوان.*
إسطنبول
* صحارى النّار..
يتثائبُ الهواءُ والسَّحابُ في نُعاسٍ
يفرُكُ الندى جفنيهِ
ويُغمضُ الليلُ قلبَهُ
لينامَ جرحُ الانتظارِ
على ساعدِ نبضي
ويغفو دَمِي فوقَ سريرِ
الحنينِ
فيستريحُ جمرُ اختناقي
ويرقُدُ شوقُ الرُّوحِ
على ركبةِ النارِ
دمعتي تملأُ قبري بالمراكبِ
والأشرعةُ تطوفُ حولَ غُربتي
والصحارى تعصُفُ فيها أوجاعي
وأنا أَقتاتُ الهلاكَ
يدخُلُ العدمُ رحابَ عُمُري
يعتلي صهيلَ عُنفواني
يشربَ خمرَ ابتسامتي
ويرقُصُ على إيقاعِ السَّرابِ
الراكضِ في بساتينِ رغبتي
والرّمادُ يَبْني قصرَهُ فوقَ لوعتي
والسيفُ يزهِرُ الفاجعةَ على رقَبَتي
وتتهاوى مُدُنُ الأجدادِ فوقَ تشرُّدي
وأظلُّ أبحثُ عنْ مأمنٍ لموتي
عن سكْنَةٍ لصمتي
عن سريرٍ لحريقي
وعن ماءٍ يبلِّلُ جفافَ شمسي.*
إسطنبول
* قولوا لها..
سوفَ لنْ أكونَ هُنا
حينَ تأتي لتسألَ عنِّي
قولوا لها:
أخذَهُ قلبُهُ ورحَلَ
بعد أن ظلَّ طويلاً ينتظرُكِ
نَبَتَ الوردُ على انتظارِهِ
فرَّخَ الحمامُ وطارَ
وتكاثرَتِ السحبُ.. وتكاثفَتْ.. وأمطرَتْ
ونَما العُشبُ وأينعَ العِنَبُ
وتسامقَ الشجرُ
واصفرتِ السّنابلُ
واندلعَ المشيبُ في وريدِهِ
إلى أنْ جاءَهُ الخريفُ
وقطفَ رُوحَهُ ومضى
وأنتِ عنهُ غائبةٌ
قصائدُهُ أنشدتْها الرّيحُ
اسمُكِ حفظَهُ النِسيانُ
ملامحُكِ رسمتْها دموعُ عينيهِ
جمالُكِ تجسَّدَ في طعمِ العسلِ
رائحتُكِ أهداها للياسمينِ
قبلَ أنْ يغادرَنا
ظلَّ أكثرَ من عمرِهِ يناديكِ
وأنتِ لمْ تجيبي على خفقانِ قلبِهِ
كنتِ مشغولةً عنه أمامَ مرآةِ عنادِكِ
والآنَ هو ليس هُنا
ترَكَ لكِ آثارَهُ على مشجبِ الوحدةِ
وقصائدَهُ على حيطانِ الدموعِ
وظلَّهُ على صفَحَاتِ السّرابِ
ورحلَ
يرتاحُ منِ انتظارِك.*
إسطنبول
* خيالات..
يتوجَّعُ المَسَاءُ
يتألَّمُ الانتظارُ
يبكي الحُلُمُ
ويتشرَّدُ القلبُ في براري الشَّوقِ
أناديكِ
يرُدُّ السَّرابُ
أمدُّ يَديَّ
أُمسِكُ الصَّدى
أُلِحُّ عليكِ بالحبِّ
تُغدِقِينَ عَلَيَّ الحَسرَةَ
سَمراوَةَ العُطرِ
بَيضَاوةَ الرَّهَافَةِ
يمتشِقُكِ النَّدى
يسكنُكِ التألُّقُ
لكنَّكِ تذهبينَ مع المُستَحِيلِ
الأرضُ لا تعرف لكِ مأوىً
السَّماءُ لمْ تحضنْ لكِ أجنحةً
لا توجدُ أنثى تحملُ صفاتِكِ
أنتِ خُلِقتِ من رغبتي
نشأتِ في أوردتي
تعلَّمتِ من طبائعِ رُوحي
خارجَ دمي أنتِ غريبةٌ
تحتَ جِلدي كنتِ تكبُرينَ
في فضاءِ عُمُري كنتِ تحلِّقينَ
أعطيتُكِ بساتينَ قصيدتي
سوَّرتُ أبوابَكِ بأمنياتي
ونوافذَكِ بأجنحتي
صارَ القمرُ لكِ حارساً
صارتْ لكِ الشمسُ وصيفةً
أطعَمتُكِ فرحتي
ألبستُكِ خلايايَ
وسقيتُكِ منْ أنفاسي
وكنتِ في كُلِّ شروقٍ تكبُرينَ
حتَّى لامسَ السحابُ قلبَكِ
فأخذتِ لا تسمعينَ نداءَ حنيني
وتتكبَّرينَ
وعلى بُحةِ موتي لا تشفقينَ
غدارةٌ أنتِ ..
ما أسهلَ منْ أنْ تغترِّي
سُحقاً للعِشقِ الذي نتوهَّمُهُ
ليُشقينا ويُبكينا..
ويُتعبَ القلبَ الذي أخترعَهُ
ثمَّ تمنَّاهُ.. حتَّى قَتَلَه!!!*
إسطنبول
* وطنٌ في القبرِ..
تسألُني الصحراءُ عن فيءِ لُهاثي
عن ماءِ تشرُّدي
عن نسائمِ شوقي
عن وُجهةِ دمعتي
الرملُ يحاصرُ حنيني
الجهاتُ تلاحِقُ وجعي
والسرابُ يجرُّني من دمي
والشمسُ تتهاوى على أنفاسي
وخطاي تنهشُ جوعي
فإلى أينَ يمضي بيَ الحُلُمُ؟!
وأنا تُهتُ في براري لهفتي
أمُرُّ على جُرحي لأتفقَّدَ قصيدتي
فأرى يباسَ أحرفي يُشعلُ صمتي
وأجدُ قلمي قد أصابَهُ العماءُ
ودفتري تحوَّلَ فجأةً إلى حُفرةٍ
تُشبِهُ القبرَ
فأنعي بسمتي وأدفنُها
وأمشي بلا رُوحٍ وبلا أملٍ
أحملُ قِفارَ قلبي وأمضي
إلى واحةٍ أبديَّةٍ
أكتبُ هناكَ نشيديَ الوطنيَّ
الذي اِنتُزِعَ منِّي
وأرفعُ عَلَمَ بلادي
الَّذي تشوِّهَتْ ألوانه.*
إسطنبول
* الطَّريد..
وإذْ بي أجدُني بِلا أرضٍ
سلخوا البحرَ عن دمِيَ
اقتلعوا قمرَ سمائي
نسفوا أركانَ ذاكرتي
صرتُ غريباً عنِ النسمةِ
شحاذاً أمامَ الأنيابِ
يتأفَّفُ منِّي مَنْ كانَ يُلمِّعُ حِذائي
ينهرُني مَنْ كانَ يدُقُّ بابي
أوصدُوا أبوابَ العراءِ
أمامي
ألقوا بيَ إلى فكِّ العدمِ
سقَوني الماءَ المقدَّدَ
أطعموني خُبزَ الزَّقومِ
قيدوا بصيرَتي
وأشبعوا قصيدَتي ضرباً
رأيتُ أجنحتي تُبَاعُ للزواحفِ
شاهدْتُ عَلَمَ بلادي يُهانُ
ومدنَ وطني تُوزَّعُ على الضواري
وبدا لي السحابُ مجندلَ البياضِ
والمطرُ يهطُلُ مسحوقَ العافيةِ
الوردةُ قنبلةً
السنبلةُ لغماً مُعَدَّاً للإنفجار
والتفاحةُ قبضةَ يدٍ تهشِّم وجهي
وأنا أسألُ أخوتي العربَ
ماذا تتوقعونَ لأنفسِكم
مِنْ مصيرٍ؟!*
إسطنبول
* مهلةٌ محدودةُ الوقتِ..
سأعطيكِ مهلةً كي تحبِّيني
وإلّا قطعتُ رأسَ حُلُمي
ضقتُ ذرعاً من تدوينِ قصائدي
على جُدرانِ تجاهلِكِ
تعبَتْ رُوحي في طرقِ أبوابِ غيابِكِ
بكتِ المسافاتُ الَّتي تَحُوْلُ بيننا
سئمتِ السماءُ منْ تعالي غرورِكِ
أَلِأنَّكِ النورُ تُجافينَ ظلامَ حياتي؟!
أَلِأَنَّكِ النَّدى تُقاطعينَ يباسي؟!
توجَّعَ البردُ على وقفتي
تألَّمتِ الشمسُ على خطايَ
وصارَ الطريقُ إليكِ يخجلُ من لُهاثي
الخذلانُ
اعتذرَ منِّي مراراً
والغُصَّةُ أشفقَتْ على حَنجَرتي
تعاطف الكون مع حبي
والموتُ جاءَ يواسيني
قالَ السرابُ أَنَّكِ متوهمةٌ
ووصفتْكِ الورودُ بالقاسيةِ
أسمتْكِ الفراشاتُ بالحمقاءِ
والنهرُ راح يقول عنكِ كلاماً لا يُقالُ
الشِّعرُ عجِزَ أنْ يُلفتَ انتباهَكِ!
الموسيقى يئِسَتْ عنْ جذبِ أنفاسِكِ!
فمَنْ يفتحُ ليَ قلبَكِ وأعطيهِ ما يشاءُ
من شكري وامتناني؟!
سأعطيَكِ مهلةً واحدةً لتحبيني
وإلّا سأُجَنُّ وأقتُلُ قلبي
المهلةُ بدأتِ الآنَ
معكِ الوقتُ كلُه
إلى آخِرِ لحظةٍ منْ عُمُري.*
إسطنبول
* أقاصي الخرابِ..
أَكَلَ السرابُ جوعي
شربَ الطريقُ خطايَ
ركِبَتْ دمعتي على ظهري
وأمرَتْني
أنْ أبتاعَ لها الفرحةَ
منذُ يومِها وأنا
أختبئُ عن قصيدتي
لكي لا ترثي وطني
أشعَلتُ صمْتِي
أحرقْتُ ذكرياتي
أوقدْتُ عجزي
فجَّرتُ رحيلي
وانطلقتُ إلى أقاصي خرابي
أبحث عن أسوارِ هزيمتي
لأفتحَ الأبوابَ على نزيفِ بلادي
عاركْتُ الفاجعة
ساومْتُ الرّمادَ
تحدَّيتُ زَلازِلَ الحنينِ
أعاصيرَ اللهفةِ
براكينَ اللوعةِ
لكنَّ نزقَ الانتظارِ داهمَ غُربتي
وحوَّلَ أشرعةَ الرؤى إلى جنونٍ
أنامُ وتستيقظُ هواجسي
أغفو وتثِبُ صرختي
أرقُدُ وتصهَلُ أسئلتي
صارتْ مدينتي بلا مأوىً
غدتْ سمائي بغيرِ سحابٍ
تسلَّقَ اللصوصُ إلى القمرِ
وذبحوهُ من ضوئِهِ
قبضوا على موجِ البحرِ
وأودعوا الشطآنَ المعتقلَ
شنقوا النسمةَ
سلخوا البسمةَ
استباحوا شرفَ الوردةِ
اغتصبوا البياضَ
قتلوا الحمامَ
استبدلوا الوطنَ بالجحيمِ
وباعوا الندى لشفاهِ الحرائقِ.*
إسطنبول
* أبوابُ العتمةِ..
ينامُ الضَّوءُ
تنهضُ العُتمةُ
يتمطَّى دمي
ويخرجُ قلبي مِنِّي
تغادرُني مساماتي
إليكِ يجيءُ شقائي
تتلفَّتُ لهفتي
تقترِبُ منْ شرفتِكِ الأمنياتُ
وحنيني يُصيخُ السَّمْعَ لغيابِكِ
أنظُرُ إلى وجهِ عذابي
أتأمَّلُ قامةَ وجعي
أحدِّقُ في نارِ لوعتي
تبكي الهواجِسُ عندي
يختنقُ سعيرُ ظنوني
يتهافتُ الحزنُ بداخلي
تعصُفُ المرارةُ بحلقي
يشرئِبُّ الموتُ
أنظُرُ إلى بُؤسِ أشواقي
أسألُ الانتظارَ عن موعدٍ لخيبتي
سألقى رفضَكِ بعزيمةِ القتلى
سأصُدُّ تجاهلَكِ
سأتحدَّى انهيارَ تماسكي
وأقتربُ من فراغِ العتمةِ
أرمي نفسي في رمادِ المجهولِ
وأذهبُ لألتقي الحرمان منكِ.*
إسطنبول
* بُقعَةُ مَوتٍ..
أتَصفَّحُ صَرْخَتي الخَرساءَ
فأراها تُثْمِرُ بالصّمتِ الأسودِ
يعرشُ فيها دمعيَ الأحمرُ
الاختناق ُيسكنها على سِعَتهِ
يقبعُ الحزنُ في زوايا عُتمتِها
أجدُ خيبتَها تملأُ أركانَ أعالِيها
والمرارةَ تتسلّقُ فضاءَ نبراتها
ويضرُم ُالجمرُ حوافَّ نوافذِها
ويغطِّي السّرابُ بساتينَ قِفارِها
ومن أنفاسِها ينزفُ دّمٌ
وتُدوِّي من جبالِها براكينُ
أشاهدُ أوجاعَ عُمُري تتجمَّعُ
تتكاثفُ تتلبّدُ وتنفجرُ
وتتناثرُ على أقاصي جنونِها
يستحوذُ البحرُ على موجها
النّارُ تأخذُ عنها السَّعيرَ
ويَرْسُم ُالموتُ على جسدِها الخارائطَ
هي صرخةُ نبضي المُسَجَّى
هي شرارةُ دمعي المعتَقَلِ
هي رِحابُ بسمتي المقفلةِ
سماءُ اشتعالي النّاهدةُ
صرختي اليائسةُ من الكلامِ
صرختي الجامِحَةُ للتفتُّحِ
عُنوانُ قصيدتي التي ستكتبُني
بقعةُ الموتُ الذي تحييهِ
أحراشُ قلبيَ المشتاقِ لوطني
ووطني في أيادِ الخرابِ
تنبعثُ منهُ استغاثاتُ النّدى.*
إسطنبول
* مجرَّدُ ظلٍّ..
اجتازَنِي ظلِّي
قاطعَ طريقي ومشى
على عكسِ توجُّهي
حاملاً في قلبه الضغينةَ
والرغبةَ بالتّحدِّي
فقدْ سئِمَ تتبُعي
ملَّ رفقتي
ضاق بتصرُّفي
حفظَ كلَّ أفعالي
وعَرَفَ دروبي
استدلَّ على أصدقائي
أكلَ مِنْ صحني
شربَ مِنْ كأسي
جلسَ في مكاني
وتعلَّمَ كيفَ يحيى
ويتدبرُ أمرَه
غادرني
ولم يشأْ يودعَني
أخذَ اسمي منِّي ومضى
تقمَّصَ شكليَ
واستعانَ بذاكرتي وخُبُراتي
فأخذَ إرثي وتحدَّاني
واعتمدَ على أسلحتي في محاربتي
وفعلَ ما لا كنتُ أفعلهُ
قال ما رفضتُ قولَهُ
صفَّقَ لِمَنْ أسقطتُهُ
أحبَّ من كرهتُهُ
عادى من أحببتُهُ
تمرَّدَ على مبادئي
واعتنقَ ما عارضتُهُ
خانَ مَنِ ائتمنَني
ووَثقُ بمَنْ شكَكتُ بإخلاصِهِ
تحرَّرَ مِنْ حُبِّ حبيبتي
وكتبَ القصائدَ عن غيرِها
قَدِمَ على إرتكابِ الحماقاتِ
التي حاربتُها
قتلَ
نهبَ
خانَ
وأحرق قلبي
نسيَ أنّهُ كانَ ظلِّي
وأَنَّهُ يحترقُ من دوني
وأن لا وجودَ لَهُ منْ غيري
وإنِّي كلَُّّ شيءٍ في وجودِهِ
فهو مجردُ ظلٍّ
ليسَ بأكثر.*
إسطنبول
* اقصاء..
امتدَّتْ يدُ الشقاءِ
التقطَتْ أحلامي
ومزَّقَتْ حُبِّي إليكِ
ناشدْتُ الضَّوءَ
رجوتُ الغيمَ
توسَّلتُ للأيامِ
جثوتُ عندَ أقدامِ الموتِ
ضَحِكَ اللَّيلُ
من نحيبي
سخرَ السَّرابُ
من سُؤالي
وصدَّني صدى صُراخي
أعطيتُ دمِي للدروبِ
منحتُ للأعاصير درعَ السكينةِ
تخلَّيتُ عن حِصَّتي بالتنفس
قدَّمتُ تنازلاتٍ جمَّةً
لكنَّ هيهاتَ أن تعودي إليَّ
القمرُ يَغتصِبُ نافذتي
الجبالُ تنتهكُ شُهوقَ حنيني
والسماءُ تتعالى عن أجنحتي
الطَّريقُ إليكِ قيدوهُ بالسلاسلِ
أحرقوا خُدودَ الندى
وسوَّروا حدودَ بهائِكِ
أحالوا مابيني وبينَكِ بالنارِ
وزرعوا المسافاتِ ما بينَنا
بالجُنودِ العبيدِ.*
إسطنبول
* مَارِق..
يَجُرُّني الصّرصَارُ مِنْ لُغتِي
يُسلّطُ عَلَيَّ النَّملَ لِيَنهَشَنِي
وأنا أتضرَّعُ للبرغوثِ أن يَرأفَ لِحالي
لأنِّي مُجَرَّدَ لاجيءٍ
أحيا بِلا وَطَنٍ
قضيَّتي بَينَ أيادي الذِّئابِ
تناقشها كِلابُ العَالمِ المُتَحَضِّرِ
والأسدُ يَستخدمَ حقَّ (الفيتو)
وَيَسمحَ للغربانِ برفعِ رايةَ الخَرابِ
وَيُصَفِّقُ لَهُ الدُّبُّ والشَّيطَانُ الرَّميمِ.*
إسطنبول
* الغيور..
اعتلى وَجَعِي
صعدَ سلالِمَ دمعتي
داسَ على احتِراقِي
وَرَمَاني برمادِ دَمِي
وكتبَ على مَرَايَا موتِي
هُنا يَرْقُدُ العاشِقُ الغبيُّ
كانتْ ضِحكتُهُ منشاراً تَجُزُّ حنيني
مِسماراً يَنغَرِزُ في لَهفَتِي
سِكِّيناً تقطَعُ شغَفِي
أحرَقَ وَلَهي
مَزَّقَ قصائِدَ رُوحِي
دمَّرَ بُرجَ انتظارِي
وسَرَقَ ابتسامتي مِنِّي
وزَّعَ على الدُّروبِ نظراتِي
حملَ ما تَبَقَّى مِنْ وُرودِي ليباسِهِ
أَخَذَ اخضِرارَ أغصانِي
أشعَلَ النيرانَ في ذاكرتي
سفَحَ باصِرَةَ قلبي
وألقى فوقِيَ الهلاكَ
فَعَلَ كُلَّ هذا
لِأنَّهُ كان يحسِدُني على حُبِّكِ.*
إسطنبول
* المَنْبُوذ..
خاصَمَني عِطرُكِ
فَجَفَّ نُورُ الشَّمسِ
وتَيَبَّسَ ماءُ النَّهرِ
وتعالى نحيبُ الوردِ
الفراشاتُ أضرَبت عنِ التنفّسِ
وصارَ عسلُ النحلِ علقماً
الياسمينُ التحفَ السَّوادَ
ودخلَ الزَّيزفونُ النَّعشَ
والأرضُ راحتُ تدورُ مخمورةً
أحرقتِ الأشجارَ جذورُها
فما عادَ للدُّنيا بهجةً
ولمْ يبقَ للقلبِِ نبضُ
ولا عادَ للشعرِ قيمةً أو معنىً
تداخلتِ المسافاتُ بدروبِها
تساقطَتِ الجبالُ من عليائِها
وتلبَّدَ في السَّماءِ الجنون
صارَ الدَّفترُ قبراً
والليلُ وصلَ إلينا نهاراً
سكَنَ الجحيمُ في غرفتي
واعتلى أجنحتي العَماءُ
داهَمَ روحيَ الدَّمعُ
حفَرَ السَّرابُ أخاديدَ النارِ
المدينةُ غيَّرَتْ سُكانَها
وتشرَّدتْ عصافيرُ الحبِّ
وانتحرَتْ شرفاتُ النّدى
وعوَتْ على قلبيَ الأسئلةُ
ثمَّ تهالكَ الفضاءُ
فوقَ اختناقي.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - ما بعد الموت
02 - حافة الصهيل
03 - الطاغية
04 - تداعيات
05 - وميض المطر
06 - قفار العدم
07 - تخثر الكلام
08 - منشق
09 - زيارة
10 - ستائر الزمن
11 - بصيص الدمع
12 - غصة التراب
13 - دمعة قلب
14 - صواري الحطام
15 - حضن السراب
16 - التسوية
17 - صحارى النار
18 - قولوا لها
19 - خيالات
20 - وطن في القلبِ
21 - الطريد
22 - مهلة محدودة الوقت
23 - أقاصي الخراب
24 - أبواب العتمة
25 - بقعة موت
26 - مجرد ظل
27 - اقصاء
28 - مارق
29 - الغيور
30- المنبوذ
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.
...وَاترُكْ عَينَيكَ بِلا نَومٍ
تَسَلَّلْ على أطرَافِ صَحوِكَ
إلى فَيضَانِ نَبضِكَ
حَدِّد مَكانَ وِلادَةِ النَّجمَةِ
في أقاصي عتمَتِكَ
ولا تَدُقَّ أبوابَ الظَّلامِ
قَد يَنهضُ الإثمُ مِنْ مَرقَدِهِ
قَد يَثِبُ الدَّهاءُ على غَفوتِكَ
تَأَمَّلْ نَارَ الحَنينِ
والكلماتُ تَتَأَجَّجُ في ارتحَالِكَ
الدَّمعَةُ حَفَرَتْ بِلا محراثٍ آهتي
الأصَابعُ رَسَمَتْ صَلابةَ التَّنفسِ
كلُّ شَيءٍ لا يَدِلُّ على شَيءٍ كانَ
كأنَّما النَّسمَةُ التَصَقَتْ بالرُّوحِ
كأنَّما الرُّوحُ تَفَتَّقَ فِيهَا الرَّمَادُ
وَأَرَى دُرُوباً تَنطَلِقُ مِنْ دَمِي
وَقَلبي يَشرُدُ عَنْ عَذَاباتِهِ
يُرِيدُ أنْ يُعطيَ دَرسَاً لِلحَنينِ
هِيَ لَمْ تُشَاركْنِي الوَقفَةَ
لأطيلَ التَّغزّلَ بِهَفِيفِ بَسمَتِها
وَأُداعِبَ خَصَلاتِ رَحِيقِها
قالتْ لَمْ أحُبَّكَ وَتَهَاوتِ القَصِيدَةُ
بَكَى النَّبضُ وارتمى
تَجَمَّدَ السَّحابُ في سَماءِ لَوْعَتِي
وَتَهَاطَلَ الوَجَعُ في أوْردةِ الرُّؤى
إنِّي أكتبُ عَنْ مَوتِ الضَّوءِ
عَنِ انتحارِ النَّدى في غُصُونِي
عَنْ سَرَابٍ يَعدُو نَحوَ مُستَقبَلِي
لماذا وَقَفتُ عندَ نبعٍ لا يَنبعُ إلَّا الحُطَامَ؟!
لماذا أخَذَتْ مِنِّي كلَّ ما كانَ سَيَأتِي؟
صَارَتْ أيَّامِي بِلا أسوَارٍ
وَتَحَوَّلَ مَوجِي إلى كَفَنٍ غَطَّى أَشْرعَتِي
إنِّي أسأَلُ صَمتَها عَنْ نَكهَةِ صَوتِها
أسألُ عَنْ وَردِها القَابعِ في العَرَاءِ
نَدَى عَاشَتْ مَنكُوبَةَ الوجدَانِ
نَدَى مَرَّتْ على قلبي سَجّاناً شَرِسَ السُّوطِ
والمعتقلُ كانَ متراصَّ البُنيَانِ
نَدَى شَكلُ مَوتِي حِينَ يُغتَالُ الإنسَانُ.*
إسطنبول
* حَافَةُ الصَّهيلِ..
عَلى حَافَّةِ الصَّهِيْلِ
جَلَسَ الدَّربُ يَنتَظِرُ حُصَانِي
كانَ اللَّيلُ يَتَلَعثَمُ بِمُرُورِهِ
السَّماءُ تَمنَعُ أنجُمَها مِنَ التَّجَمُّعِ
والغيومُ لاحَقَهَا التَّشَرُّدُ
بَكَى القَمَرُ لَمَّا اقْتِيْدَ لِلْمَنْفَى
الظَّلامُ وَحدُهُ سَيِّدُ المُوقِفِ
والهَواءُ جَفّتِ نَسَائِمُهُ
قِيْلَ لِي:
- تَعَقَّلْ يا غَرِيْبَاً
فَمَا أنتَ سَيَّدُ خُطوَتِكَ
تَدَمَّرَ البَلَدُ الذي سَاهَمْتَ في اِعمَارِهِ
احتَرَقَ الشَّجَرُ الذي نَبَتَ في شَاسِعَاتِ حُلْمِكَ
أنتَ الآنَ طريدةٌ يُطَارِدُهَا العَمَاءُ
وَقَعْتَ في مِصيَدَةِ الأُمَمِ
يُرِيْدُونَ دَمَكَ وَيَتَأَفَّفُونَ منْ نَبْضِكَ
يَطمَعُون بِرَأسِكَ
وَيَخَافُونَ مِنْ عُيُونِكَ
هُمْ سَيَسْرُقُونَ مِنْكَ جُذُوْرَكَ
وَيُعطُوْنَكَ مَا كُنْتَ قَد حَرَّمْتَهُ
على مَرَاكِبِِكَ
سَيَخْطُفُونَ مِنْكَ نَقَاءَ السَّرِيْرَةِ
وَيَتْرِكُوْنَكَ مُلَوَّثَاً عِنْدَ أبوَابِ الرَّذِيْلَةِ
تَارِيْخُكَ سَيَتَقَلَّدُونَ أدرَاجَهُ
وَيَعتَلُونَ فوقَ قِلاعِ كَرَامَتِكَ
أخَذُوا مِنكَ طَرِيْقَ النَّدَى
وَأَعطُوكَ لِمَدفَنِ السَّرَابِ
لا تَتَرُكْ لُغَتَكَ تَنصَاعُ لِفَقْرِ أبجَدِيَّتِهِمْ
لا تَرضَى بأحَلامٍ صُنِعَتْ مِنْ مَعدَنٍ
لا تَسْبَحْ في بَحرِ أموَاجُهُ مِنْ ضَغِيْنَةٍ
قَاوِمْ وَسَيَنْهَارُ الجِدَارُ
قَاوِمْ وَسَيَنْدَثِرُ الحِصَارُ
قَاوِمْ وَسَتَنْدًلِعُ النَّارُ
قَاوِمْ وَسَيَزُوْلُ الدَّمَارُ
فَأَنْتَ بُركَانُ التَّجَدُّدِ
تَجِيءُ وَتًأتِي مِنْ أَقَاصِي
التَّحَدِّي والانْصِهَارِ.*
إسطنبول
* الطَّاغِيَةُ..
يَقْتلُ كُلَّ مَنْ يَقتَربُ مِنهُ
يَغتالُ كُلَّ مَنْ يَبتَعِدُ عنهُ
يُهاجِمُ مَنْ يَتَحَاشَاهُ
يَخَافُ مِمَّنْ يُصَفِّقُ لَهُ
يَشُكُّ بِكُلِّ مَنْ يَمتَدِحُهُ
يُمْكُرُ لِمَنْ يُخلِصُ لَهُ
يَعتَقِلُ مَنْ يُخَالفُهُ الرَّأيَ
يَبطُشُ بِمَنْ يُعَارِضُهُ
يَسرُقُ مَنْ يأتمِنُهُ
يَخُونُ مَنْ يَمشِي خَلفَهُ
يَنفِي مَنْ يُفَكِّرُ وَيَتَطَلَّعُ
يَنتَقِمُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُسَلِّمُهُ أَمْرَهُ
يَحرُقُ كُلَّ مَنْ يَنبَثِقُ أو يَنبِتُ أويُثمِرُ
يُعَطِّشُ الحَنَاجرَ التي لا تَهتُفُ لَهُ
يَبِيعُ الوَطَنَ
يَرهِنُ الثَّرَواتِ
يَتَخلَّى عَنِ السِّيادةِ
يُمزِّقُ الخَريطةَ
يُلَوِّثُ العَلَمَ
يُدمِّرُ المَدائنَ
يَخنُقُ البَحرَ
يُقَيِّدُ البَرَّ
يُغلقُ السَّماءَ
يُحَوِّرُ النَّشيدَ الوَطنيَّ
يُعَطِّلُ الدَّستُورَ أو يَجعَلُهُ على مَقَاسِهِ
وَيُحوِّلُ مَجلسَ النُّوَّابِ إلى حَظِيرَةٍ
وَمَجلِسَ الوزراءِ إلى مَبوَلَةٍ عَامَّةٍ.*
إسطنبول
* تَدَاعِيَّاتٌ..
وَجَدْتُ نَفسِي أعُومُ على جَبَلٍ
مِنَ الهَوَاجسِ
والبَحرُ يُحِيطُني بأمواجِ القَلَقِ
الأرضُ تُسَابقُ مَخَاوفي
وَكَوكَبُ الذُّكرياتِ قادمٌ
صَادَفتُ صَرخَتي تَشْتَبِكُ مَعَ الرِّيحِ
لاقَيتُ ضُحكَتِي تُسَاوِمُ الألمَ
وَكَانَتْ دَمعَتي تَستَجِيرُ بالتَّمَاسُكِ
النَّارُ تَدخُلُ مَفَاصِلَ الشَّهقَةِ
المَاءُ يَتَدَفَّقُ مِنْ يَبَاسِ الأمَلِ
كُلُّ ماكانَ لا دَخْلَ لِخَيالاتِي فِيهِ
كُلُّ ما سَيَأتي أنا لَمْ أُوَجِّهْ لَهُ دَعوَةً
لَمْ أختَرْ لِلَّيلِ لَونَ بُشرَتِهِ
ولا لِلْنَهارِ قَتَامَةَ قَسوَتِهِ
كُنتُ أرْقُبُ الظِّلَّ حِينَ يَكبُرُ
لَمَّا تُصْبِحْ لِلْحَقِيقةِ عِدَّةُ جوانبٍ؟!!
المَكَانُ يَتَبَدَّلُ
الزَّمَانُ يَتَحَوَّلُ
والأرضُ تَدُورُ حَولَ البُؤسِ
مِثلَ ثَورٍ مَعصُوبِ البَصِيرَةِ
أنادي على مَنْ راحَ
فلا يَستَجِيْبُ
وَعَلَى مَا سَيَأتِي فلا يَهتَمُّ
أنا مُلْكُ اللاشَيءِ
قَشَّةٌ تَتَقَاذَفُهَا سُخريَّةُ العَدَمِ
أمشِي والأرضُ تَتَمَحوَرُ
أنْهَضُ والأرضُ تَتَهَاوَى
أركُضُ والعَالَمُ يَتَدَاعى
النَّسمَةُ مَمْسُوكَةٌ مِنْ أطرَافِها
العُمرُ مُقيَّدُ الجَنَاحِيْنِ
والحُلُمُ تآكلَتْ أطرَافُهُ
اليَدُ خانتْها أصَابِعُها
والأصَابعُ تَتَشَابَكُ مَعَ الزَّوالِ
وأنا عَليَّ أنْ أحَيَا وَأَكُونَ!*
إسطنبول
* وميضُ المطرِ..
كانتْ قصائدي تخبُزُ الحُلُمَ للمتعبينَ
الَّذينَ تهدَّمتِ ابتساماتُهُمْ في ساحةِ الدهشةِ
وكنتُ أطعِمُهمْ أدغالَ صرختي الجذلى
وأنا أحُثُّ النارَ على الاغتسالِ من كُلِّ دَنَسٍ رجيمٍ
الماءُ يُشبِهُ مُرتفعاتِ الجبالِ الجامحةِ
الدَّربُ كأنَّهُ فُوَّهةُ بندقيَّةٍ فقدتْ هدفَها المتنكِّرَ
السماءُ تهدُجُ برقَها وقتَ العاصفةِ
وأنا أتوقُ إلى التوحُّدِ والانفرادِ بوِحشتي والسكينةِ
أهيمُ فوقَ خرابِ تدفُّقِ بصيرتي
أُمسِكُ لونَ الندى الناحبِ والمعبَّأِ بالعويلِ
مفاتيحي لا أبوابَ تعانقُها
لا نوافذَ تضاجعُ رغبتي بالانفلاتِ
وحدي جلستُ فوق مخاوفي
القلقُ يتسلَّقُ جدرانَ نبضي
الهواجسُ تسكنُ فضائي
والبراكينُ من داخلِ قهري تتقاذفُ الحِمَمَ
اِتَّقدَ السؤالُ في أحراشِ غُصَّتي
تسألُني الأرضُ عن مأوىً لساحاتِها
الأشجارُ تستجيرُ بظلِّي
والعصافيرُ يُرفرفُ حولَها الجذعُ
تتزاحمُ الأشياءُ في رحابِ ما يتَّسعُ فِيَّ
يندسُّ الترابُ تحتِ رُوحي
يتسلَّقُني السحابُ فاغراً أوجاعَهُ
ما منْ بحرٍ إلَّا وارتمى عند شُطآنِ حَيرتي
ما مِنْ موجٍ إلَّا واستندَ على جذعِ انكساري
وأنا أقِفُ خلفَ ضعفي
أتشبَّثُ بوميضِ المطر.*
إسطنبول
* قفار العدم..
كلَّما ذكرتُكِ
تشتَمُّ قلبيَ الورودُ
ويتعطَّرُ بنبضي صدرُ الندى
وتتقرَّبُ منِّي المسافاتُ
وتحومُ منْ حولي الفراشاتُ
يلتصقُ بيَ الوقتُ
والسماءُ تدنو منْ أجنحتي
كلُّ الأشياءِ تغبطُني
ويتمسَّحُ بِيَ الحُلُمُ
كلما تذكَّرتُ حبَّكِ
يغارُ منِّي القمرُ
ويحسدُني الليلُ ويظلُّ يسكرُ
حتَّى مطلَعِ الفجرِ الَّذي يشبِهُكِ
وأنتِ بكلِّ تواضُعٍ تترفَّقينَ بالنَّسمةِ
ولا تغترِّينَ على الصبحِ
تُعطينَ للوردِ أكثرَ ممَّا يستحقُّ منْ عطرِكِ
تقدِّمينَ للضوءِ بعضَ أنوارِكِ
تُغدقينَ على البحر حفناتٍ من الرذاذِ
وترشينَ الجبالَ بآياتِ سحرِكِ
كلَّما تذكرتُكِ تضيءُ القصيدةُ
وتشتعلُ مصابيحُ الكلامِ
الأرضُ تمجِّدُ أنفاسَكِ
الشجرُ يُثمرُ ابتساماتِكِ
الجدرانُ تقفُ احتراماً لسطوعِكِ
حتَّى البوادي والهضابُ وسفوحُ المرتفعاتِ
تزدادُ فيها الخصوبةُ كلَّما لاحَ لها ظِلُّكِ
أنتِ أميرةُ هذا الكونِ
فاتنةُ مياهِ الأنهرِ
معشوقةُ الأعالي
تتغنى بكِ الأغاني
والموسيقى ترقُصُ على وقعِ خُطاكِ
وأنا في كلِّ الأوقاتِ أبقى مرتبطاً
معكِ بالذكرياتِ المؤلمةِ
فأنتِ مَنْ أودعتْ قلبي في قِفارِ البؤسِ
العدمِ.*
إسطنبول
* تخثِّرُ الكلامِ..
تخثَّرَ الكلامُ
وهاجَ الصَّمتُ
وحطَّ الليلُ
على دمعتي
وتعثَّرَ القمرُ في نجواهُ
تجعَّدَ وجهُ الوقتِ
الدربُ يمشي بِلا مُسافرينَ
الهواءُ تقيَّأَ نسائِمَهُ
وارتمى الندى بأحضانِ الجمرِ
إنِّي أتتبَّعُ مراكبي المحطَّمةَ
أتمسَّكُ بثوبِ الدهشةِ
أتملَّقُ صعودَ رؤاي
وأُنادي على شيءٍ لا أعرفُهُ
ولا أُبصِرُهُ
ولا أؤْمِنُ بِهِ
لكنَّ الزمنَ يتداركُ جدرانَ وحشتي
اللَّيلُ يحتلُّ جسدي
الماءُ يغمرُني بالعطشِ
والسماءُ تعتمِرُ بهواجسي
الأرضُ أنزلتني عن ظهرِها وولَّتْ من دوني
البحرُ هاجمَ أشرعتي وأبادَ لهفتي للرحيلِ
والجهاتُ تراكضَتْ وأنكرتْني
قال الكونُ:
- لا مكانَ للسوريِّ.. إرحلْ
قالتِ المعارضةُ:
- سنطردُكَ.. أيْنما حللتَ
وقال الموتُ:
- وحدي الذي يشفِقُ عليك
فاطمئِنْ.. لنْ أتخلَّى عنكَ
وكان لابدَّ لي أنْ أقبِّلَ يدَ الموتِ
على روعةِ الاهتمام.*
إسطنبول
* مُنْشَق..
يُلاحقُني الكونُ
يُطاردُني
يَلهثُ خلفي
يُحاصرُ دمعتي
يُريدُ أنْ ينتزعَ منِّي إعترافاً
أنّ القاتلَ بريءٌ
وَيستحقُّ منَّا التمجيدَ والانحناءَ
وأنا شاهدتُهُ يجزُّ عُنقَ البسمةِ
رأيتُهُ وهو يذبحُ الوردةَ
أبصرتُهُ وهو يحرُقُ الوطنَ
لا أستندُ لأقوالِ الآخرينَ
بأمِّ عينيَّ تطلَّعتُ إليهِ
حينَ كان يهدِّمُ حياتَنا
لم يقلْ ليَ أحدٌ
إنَّهُ أقدمَ على شنقِ الماءِ
إنَّهُ صَلَبَ الندى
إنَّهُ سلخَ الهمسةَ
وإنَّهُ بقرَ بطنَ السلامِ
أنا مَنْ كنتُ أشهدُ
أنا مَنْ كنتُ أسمعُ
أنا مَنْ كنتُ أفعلُ
وأنفِّذُ أوامرَهُ
قبلَ أنْ يغضبَ منِّي.*
إسطنبول
* زيارة..
ذهبَ قلبي إليكِ بمفردِهِ
لمْ أرافقْهُ أو أشجعْهُ على المجيءِ
ناشدتُّهُ باسمِ كرامتي
ألَّا يفرِّطَ بكبريائِهِ إلى هذا الحدِّ
فأنا يئِستُ من حبِّكِ السرابِ
لكنَّهُ كان ملحاحاً.. معانداً
لا يسمعُ منِّي الكلامَ
قال لي:
- هِيَ محاولةٌ أخيرةٌ
وأَقسَمَ أنَّهُ سيتَّعِظُ في حالِ أنتِ رفضتِهِ
سيحدِّثُك عن حبِّهِ الكبيرِ
عن عذاباتِهِ المُضنيةِ
عن شوقِهِ وحنانِهِ اللامتناهي
وعنْ أحلامِهِ التي أنتِ محورُها
قالَ .. وتحدَّثَ.. وتكلَّمَ
حتى أَقنعَني
وجاءَ لِعندَك لوحدِهِ دون أن يرافقَهُ أحدٌ
فقط
طلبَ منِّي أنْ أعيرَهُ جسدي
لأنَّهُ مُحرَجٌ أنْ يَدُقَّ بابَكِ
وهو وحيدُ..
وفي أشدِّ حالاتِ الارتباكِ.*
إسطنبول
* ستائر الزَّمن..
كنتُ أنظرُ إليكِ
أتتبَّعُكِ حيثما تذهبينَ
أتلقَّطُ أخبارَكِ
أسترقُ إليكِ النَّظرَ
أحاولُ أنْ أكلِّمَكِ
أن أُلْفتَ انتباهَكِ
أن تنالَ قصيدتي إعجابَكِ
بحثتُ عنٔ ألفِ سببٍ لأكلِّمَكِ
لأُسلِّمَ عليكِ
لأصافحَكِ
صادقتُ كُلَّ من تعرفينَ
تكلَّمتُ عنكِ أمامَهمْ كلاماً جميلاً
لعلَّهمْ ينقلونَهُ إليكِ
أسمعتُهم قصائدَ عن حُبِّي لكِ
شُكَوتُ أمامَهم منْ تجاهلِكِ
لكنَّهم أخذوا يسخرُونَ
بل راحَ بعضُهم يسيءُ إليَّ أمامَكِ
قالوا عنكِ ابنةُ مدينةٍ
وأنا ابنُ أريافٍ
أنتِ تمتلِكينَ شهادةً جامعيَّةً
وأنا لمْ أكمل تعليمي
قالوا عنِّي انفعالي
طموحٌ بلا ركائزٍ
جسورٌ بلا سندٍ
حالمٌ بلا أجنحةٍ
بترو لي أقدامي وقالوا لكِ
ها هو على الأرضِ
قطعوا لي سواعدي وقالوا
يدُه لا تطالُ القمرَ
فقؤوا لي عينيَّ وأشاروا
إلى تعثُّري في الطريقِ
قالوا فقيرٌ.. جلفٌ
ينتمي للرعُاعِ
وأنتِ مَلأَكِ الغرورُ والتكبُّرُ
صارت قصائدي عاريةً بلا ثيابِ
مشاعري بلا حُسبانٍ
وعواطفي نكتةٌ تُضحكُ الجميعَ
لكنَّكِ ظللتِ عانساً بلا زواجٍ
وأنا عندي زوجةٌ رائعةٌ
وأولادُ أجملُ من الجمالِ
وأحفادٌ أروعُ من الحلمِ
مسكينةٌ أنتِ..
تثيرينَ عندَ قصائدي الشفقةَ.*
إسطنبول
* بَصِيْصُ الدَّمعِ..
على بصيصِ دمعتي
أتجوَّلُ في أنحاءِ شرودي
أصادفُ براري لوعتي
وكثبانَ الانتظارِ
وأمُدُّ لسانَ الرمادِ
لأهزأَ منِ إرتعاشةِ بصيرتي
فتأتي أوجاعي لتحرقَ انكساري
ويداهمُني السرابُ من جانبِ لهفتي
فأسبحُ على رملٍ ساخِطٍ
يتغلغلُ في سقوطي
ويرتدُّ صدى هزيمتي
ينتشرُ في هضابِ ظنوني
إنِّي أتهجى غُربتي
أقرأُ ما تلفَّظتْ بهِ الحربُ
الحربُ تسلَّحتْ بمنطقِ الإبادةِ
تفرَّعَ عنها جحيمُ الطائفيَّةِ
تزيَّنتْ بالضغينةِ والعنصريَّةِ
وتباهتْ بقطعِ رؤوسِ المسالمينَ
كلُّ مَنْ لا تعنيهِ الحربُ.. سيُذبَحُ
ويُهَجَّرُ..
ولنْ يَجدَ مأوى
إلَّا في بطنِ البحرِ
أو في مخيَّماتِ دفنِ الموتى.*
إسطنبول
* غصَّةُ التُّرابِ..
يشكو الطَّريقُ
مِنْ تدفُّقِ حسرتي
وتزاحمِ ناري
وخطايَ مغلولةٌ منْ دمعِها
تستجيرُ بالسرابِ
مَنْ يأخُذُ لوعتي عنِّي؟
مَنْ يفتحُ أمامي أفاقَ المستحيلِ؟
أدُقُّ أبوابَ الجبالِ
أعاركُ نوافذَ الهضابِ
أجادلُ عنادَ العراءِ
أشدُّ شَعرَ المسافاتِ
أقفزُ مِنْ مرتفعاتِ الأسئلةِ
لكنَّ السَّماءَ أقفلتْ حضنَها
فأرتمي في غُصَّةِ الترابِ
تحملُني سواعدُ خيبتي
تُلقي بقصائدِ أشواقي
في هاويةِ الانتظارِ
الحزنُ لا يفارقُ نبضي
لا يبارِحُ لهفتي
ولا يغادرُ عُمُري
البسمةُ صارتْ تجهلُ ملامحي
الدمعةُ عششَّتْ في روحي
والسّرابُ يَغويني بالمسيرِ
وتمشي الجراحُ على جسدي
ويلوكُني الخرابُ.*
إسطنبول
* دمعة قلب..
الدَّمعةُ دَفَنَتْ قامتي وأغرقتني
وبلَّلتْ رمادَ رُوحي وأحرقتْني
وجَرَفَتْ رواسبَ آهتي وتقاذفَتْني
وسوَّرَتْ صرختي وهدَّمَتْني
الدمعةُ نارٌ اندلعتْ منِّي وأشعلتْني
ركضَتْ في أنفاسيَ واحتضنَتْني
ذهبتْ بيَ إلى أقاصي الحنينِ وفجَّرتْني
في صوتِها هسيسٌ وبُحةُ حنينٍ كلَّمتْني
الدمعةُ مسكنُ أيامي
في حضنِها أمِّي أنجبتْني
وتركتْني
إلى الدُّنيا أنمو عندَ ضفَّتيها
فأرضعتْني الحُزنَ حتى أشبَعَتْني
وصارت بلادي شتلةَ خرابٍ
نهشتْ غيومي وطاردَتْني
مشرَّدٌ أنا لجأتُ إلى دمعتي
وليتَ دمعتي أَسعفَتْني.*
إسطنبول
* صواري الحطام..
هلْ لِيَ أنْ أقرأَ ما نُقِشَ على تجاعيدِ هواجسي؟!
وأسلِّمَ على ما فاتَني من دهشةٍ وتأملِ؟!
إنّي أرمِّمُ ما تبقَّى مِنْ حُطامِ الأملِ الغائرِ
أدقُّ مساميري على جُدرانِ الآهةِ المتداعيةِ
أثقبُ بُحةَ الحنينِ المتهافتِ على الإنطواءِ
وأغوصُ في سعيرِ الصوتِ الطالعِ منْ دمي
أحدِّقُ في رمادِ سقوطي وأنادي
على سماءٍ تستقرُّ فوقَ الفاجعةِ الهاربةِ
أنا اشتعالُ الوقتِ المضمَّخِ بالتوقُّفِ
أُحصي عددَ الموانئِ المتسرِّبةِ من رحيلي
وأُلزمُ نفسي بالتستُّرِ على هشاشةِ قولي
الدمعُ يكسُرُ أحجارَ الشبقِ في لهفتي
الليلُ يسلُكُ طريقاً آخرَ ليصلَ مخبئي
والنجومُ ترمُقُ خيبتي بمرارةٍ ونزقِ
وأنا أهيمُ على وجهيَ بذاتِ المكانِ
أسألُ كلَّ تائهٍ عن مكانِ تواجُدي
والنسمةُ هجعَتْ في منتصفِ الدربِ
والدربُ نسيَ وجهتَهُ فأقعى على البصيرةِ
هلْ منْ أُنسٍ في هذا المكانِ الذي أظنُّهُ جُرحِي؟!
هلٔ منْ سرابٍ يشربُ وهجَ خُطاي؟!
الموتُ أبسطُ ممَّا نظنُّ ونعتقدُ
ما عليكَ إلَّا أنْ تكفَّ عنِ الحُلمُ
ما عليكَ إلَّا أن تهجُرُ العشقَ
وما عليكَ إلَّا أنْ تفارقَ بلدَك.*
إسطنبول
* حُصنُ السَّرابِ..
أَطْعمَني السرابُ مِنْ زوَّادتِهِ
كان يحمِلُ بيديهِ سِلالاً مِنَ الأمنياتِ
كريماً كان معي
لم يبخلْ على شَغَفي برائحةِ الذكرياتِ
أعطاني مفتاحَ خزائنِهِ
فرشَ لي بيتَهُ بأُرجوانِ الأسئلةِ
وصبَّ لي من إبريقِ توهجِهِ
أجلسَني على كرسيِّ الفرحةِ
أهداني عباءَةَ الانتظارِ
وراحَ يحدِّثُني عمَّا سيأتي ويكونُ
ولكي أغفو مُطمَئِنَ الرُّوحِ
أخذَ يُغنِّي لي بصوتٍ عذبِ الحنينِ
السرابُ أقربُ إليَّ من أيِّ صديقٍ أحبُّهُ
بل أقربُ ليَ من أيِّ أخٍ فقدتُهُ
هو مِثلُ بيتي الَّذي كنتُ أسكنُهُ
مثلُ مدينتي قبلَ أنْ تُهْدَمَ
السرابُ يأتيكَ دونَ أيِّ جَهدٍ
وأنتَ تائِهٌ يباغِتُكَ
وأنتَ قانِطٌ يَدُقُّ عليكَ البابَ
يقتربُ منكَ
مجردَ ما أنْ يرى دمعتَكَ
فلا تكنْ فظاً معَهُ
ولا تُثقِلُهُ بالهمومِ.*
إسطنبول
* التَّسوية..
غادروا هذه الأرض
اتركوا هذا الكوكب
تضايقت منكم الدُّنيا
وسئمت من إرهابكم الأمم
فاذهبوا حيث العدم
هناك يمكن لكم أن تعيشوا
ومن حقكم أن تموتوا هناك
ونحن من حقنا أن ننسى ملامحكم
وأن لا نذكر وجودكم أبداً
أنتم طَفْرَة جاءت إلى هذه الدنيا
ليس من حقكم أن تتواجدوا بيننا
ليس مرغوبا بكم لتبقوا
من لا يرضخ لسيدنا.. لا نريده
من تعز عليه نفسه ولا يقبل الذّل
لا نرضى به
نريدُ مواطناً مطواعاً..
يثقُ بالقائدِ بشكلٍ مطلق
يضحي بنفسهِ دون أيّ نقاشٍ
يعتز بالسيادة في حالِ انهزمنا
يصفقُ للقائدِ وإن باعَ الوطن
وإن تنازل عن السيادة
وإن استبدل رايتنا براية بلد آخر
نريدُ مواطناً لسانه لا يستخدم إلّا للهتاف
إن جاع مجد القيادة الحكيمة
إن عطش تضاعف ولاؤه لعظيم الأمة
إن برد يتدفأ بمحبة الزعيم
إن مرض تعالى صوته بالدعاء للحكيم الحاكم
وإن مات يكون موته فداء لسيد الوطن
نريدُ مواطناً لا يتستر على تمرد أخيه
لا يسكت لمن يتجرأ و ينتقد المسؤول
الشيطان يوسوس للمواطن الضعيف
فيجعله ينتقد ويتسأل ويتطاول
إبليس يحرض المواطن المشتت
الطاغوت يثير الفتن بين الشعب والقيادة
والأعداء كثر وخبثاء
كل من لا يتفق مع القيادة عدو للوطن
كل من ينتقدنا ليس منّا
كل من يؤمن بالحرية يضمر لنا الشر
قوتنا تكمن في عظمة التفافنا حول الزعيم
المواطن الصالح لا يثور على القائد
حتى وإن خان وقتل شعبه
هو يعرف كيف يقود وإن تصرف بغرابة
فهو أعلم منّا بما يكون وما سيكون
يبصر ما لم نقدر أن نراه
يفهم ما نعجز نحن عن فهمه
يشعر بالذي يصعب علينا إدراكه
يحسُّ بالذي نحن لا نحسَّ بهِ
نحن أمامه ضعفاء.. جهلاء.. لا نفهم
من نكون نحن أمام عظمتهِ؟!
صغار نحن.. لا حول لنا ولا قوة.. دون تعاليمه
وأوامره.. وارشاداته.. وعطاءه
دامَ حكمهُ للأبد
وأنتم ارحلوا من هنا
فمن كان يقف معكم
عاد إلينا صاغراً.. نادماً
فنحن من هدّم المنازل فوقكم
ونبشَ قبور أمواتكم
وأحرق لكم كل البلدان
وشرد الإنسان والحيوان.*
إسطنبول
* صحارى النّار..
يتثائبُ الهواءُ والسَّحابُ في نُعاسٍ
يفرُكُ الندى جفنيهِ
ويُغمضُ الليلُ قلبَهُ
لينامَ جرحُ الانتظارِ
على ساعدِ نبضي
ويغفو دَمِي فوقَ سريرِ
الحنينِ
فيستريحُ جمرُ اختناقي
ويرقُدُ شوقُ الرُّوحِ
على ركبةِ النارِ
دمعتي تملأُ قبري بالمراكبِ
والأشرعةُ تطوفُ حولَ غُربتي
والصحارى تعصُفُ فيها أوجاعي
وأنا أَقتاتُ الهلاكَ
يدخُلُ العدمُ رحابَ عُمُري
يعتلي صهيلَ عُنفواني
يشربَ خمرَ ابتسامتي
ويرقُصُ على إيقاعِ السَّرابِ
الراكضِ في بساتينِ رغبتي
والرّمادُ يَبْني قصرَهُ فوقَ لوعتي
والسيفُ يزهِرُ الفاجعةَ على رقَبَتي
وتتهاوى مُدُنُ الأجدادِ فوقَ تشرُّدي
وأظلُّ أبحثُ عنْ مأمنٍ لموتي
عن سكْنَةٍ لصمتي
عن سريرٍ لحريقي
وعن ماءٍ يبلِّلُ جفافَ شمسي.*
إسطنبول
* قولوا لها..
سوفَ لنْ أكونَ هُنا
حينَ تأتي لتسألَ عنِّي
قولوا لها:
أخذَهُ قلبُهُ ورحَلَ
بعد أن ظلَّ طويلاً ينتظرُكِ
نَبَتَ الوردُ على انتظارِهِ
فرَّخَ الحمامُ وطارَ
وتكاثرَتِ السحبُ.. وتكاثفَتْ.. وأمطرَتْ
ونَما العُشبُ وأينعَ العِنَبُ
وتسامقَ الشجرُ
واصفرتِ السّنابلُ
واندلعَ المشيبُ في وريدِهِ
إلى أنْ جاءَهُ الخريفُ
وقطفَ رُوحَهُ ومضى
وأنتِ عنهُ غائبةٌ
قصائدُهُ أنشدتْها الرّيحُ
اسمُكِ حفظَهُ النِسيانُ
ملامحُكِ رسمتْها دموعُ عينيهِ
جمالُكِ تجسَّدَ في طعمِ العسلِ
رائحتُكِ أهداها للياسمينِ
قبلَ أنْ يغادرَنا
ظلَّ أكثرَ من عمرِهِ يناديكِ
وأنتِ لمْ تجيبي على خفقانِ قلبِهِ
كنتِ مشغولةً عنه أمامَ مرآةِ عنادِكِ
والآنَ هو ليس هُنا
ترَكَ لكِ آثارَهُ على مشجبِ الوحدةِ
وقصائدَهُ على حيطانِ الدموعِ
وظلَّهُ على صفَحَاتِ السّرابِ
ورحلَ
يرتاحُ منِ انتظارِك.*
إسطنبول
* خيالات..
يتوجَّعُ المَسَاءُ
يتألَّمُ الانتظارُ
يبكي الحُلُمُ
ويتشرَّدُ القلبُ في براري الشَّوقِ
أناديكِ
يرُدُّ السَّرابُ
أمدُّ يَديَّ
أُمسِكُ الصَّدى
أُلِحُّ عليكِ بالحبِّ
تُغدِقِينَ عَلَيَّ الحَسرَةَ
سَمراوَةَ العُطرِ
بَيضَاوةَ الرَّهَافَةِ
يمتشِقُكِ النَّدى
يسكنُكِ التألُّقُ
لكنَّكِ تذهبينَ مع المُستَحِيلِ
الأرضُ لا تعرف لكِ مأوىً
السَّماءُ لمْ تحضنْ لكِ أجنحةً
لا توجدُ أنثى تحملُ صفاتِكِ
أنتِ خُلِقتِ من رغبتي
نشأتِ في أوردتي
تعلَّمتِ من طبائعِ رُوحي
خارجَ دمي أنتِ غريبةٌ
تحتَ جِلدي كنتِ تكبُرينَ
في فضاءِ عُمُري كنتِ تحلِّقينَ
أعطيتُكِ بساتينَ قصيدتي
سوَّرتُ أبوابَكِ بأمنياتي
ونوافذَكِ بأجنحتي
صارَ القمرُ لكِ حارساً
صارتْ لكِ الشمسُ وصيفةً
أطعَمتُكِ فرحتي
ألبستُكِ خلايايَ
وسقيتُكِ منْ أنفاسي
وكنتِ في كُلِّ شروقٍ تكبُرينَ
حتَّى لامسَ السحابُ قلبَكِ
فأخذتِ لا تسمعينَ نداءَ حنيني
وتتكبَّرينَ
وعلى بُحةِ موتي لا تشفقينَ
غدارةٌ أنتِ ..
ما أسهلَ منْ أنْ تغترِّي
سُحقاً للعِشقِ الذي نتوهَّمُهُ
ليُشقينا ويُبكينا..
ويُتعبَ القلبَ الذي أخترعَهُ
ثمَّ تمنَّاهُ.. حتَّى قَتَلَه!!!*
إسطنبول
* وطنٌ في القبرِ..
تسألُني الصحراءُ عن فيءِ لُهاثي
عن ماءِ تشرُّدي
عن نسائمِ شوقي
عن وُجهةِ دمعتي
الرملُ يحاصرُ حنيني
الجهاتُ تلاحِقُ وجعي
والسرابُ يجرُّني من دمي
والشمسُ تتهاوى على أنفاسي
وخطاي تنهشُ جوعي
فإلى أينَ يمضي بيَ الحُلُمُ؟!
وأنا تُهتُ في براري لهفتي
أمُرُّ على جُرحي لأتفقَّدَ قصيدتي
فأرى يباسَ أحرفي يُشعلُ صمتي
وأجدُ قلمي قد أصابَهُ العماءُ
ودفتري تحوَّلَ فجأةً إلى حُفرةٍ
تُشبِهُ القبرَ
فأنعي بسمتي وأدفنُها
وأمشي بلا رُوحٍ وبلا أملٍ
أحملُ قِفارَ قلبي وأمضي
إلى واحةٍ أبديَّةٍ
أكتبُ هناكَ نشيديَ الوطنيَّ
الذي اِنتُزِعَ منِّي
وأرفعُ عَلَمَ بلادي
الَّذي تشوِّهَتْ ألوانه.*
إسطنبول
* الطَّريد..
وإذْ بي أجدُني بِلا أرضٍ
سلخوا البحرَ عن دمِيَ
اقتلعوا قمرَ سمائي
نسفوا أركانَ ذاكرتي
صرتُ غريباً عنِ النسمةِ
شحاذاً أمامَ الأنيابِ
يتأفَّفُ منِّي مَنْ كانَ يُلمِّعُ حِذائي
ينهرُني مَنْ كانَ يدُقُّ بابي
أوصدُوا أبوابَ العراءِ
أمامي
ألقوا بيَ إلى فكِّ العدمِ
سقَوني الماءَ المقدَّدَ
أطعموني خُبزَ الزَّقومِ
قيدوا بصيرَتي
وأشبعوا قصيدَتي ضرباً
رأيتُ أجنحتي تُبَاعُ للزواحفِ
شاهدْتُ عَلَمَ بلادي يُهانُ
ومدنَ وطني تُوزَّعُ على الضواري
وبدا لي السحابُ مجندلَ البياضِ
والمطرُ يهطُلُ مسحوقَ العافيةِ
الوردةُ قنبلةً
السنبلةُ لغماً مُعَدَّاً للإنفجار
والتفاحةُ قبضةَ يدٍ تهشِّم وجهي
وأنا أسألُ أخوتي العربَ
ماذا تتوقعونَ لأنفسِكم
مِنْ مصيرٍ؟!*
إسطنبول
* مهلةٌ محدودةُ الوقتِ..
سأعطيكِ مهلةً كي تحبِّيني
وإلّا قطعتُ رأسَ حُلُمي
ضقتُ ذرعاً من تدوينِ قصائدي
على جُدرانِ تجاهلِكِ
تعبَتْ رُوحي في طرقِ أبوابِ غيابِكِ
بكتِ المسافاتُ الَّتي تَحُوْلُ بيننا
سئمتِ السماءُ منْ تعالي غرورِكِ
أَلِأنَّكِ النورُ تُجافينَ ظلامَ حياتي؟!
أَلِأَنَّكِ النَّدى تُقاطعينَ يباسي؟!
توجَّعَ البردُ على وقفتي
تألَّمتِ الشمسُ على خطايَ
وصارَ الطريقُ إليكِ يخجلُ من لُهاثي
الخذلانُ
اعتذرَ منِّي مراراً
والغُصَّةُ أشفقَتْ على حَنجَرتي
تعاطف الكون مع حبي
والموتُ جاءَ يواسيني
قالَ السرابُ أَنَّكِ متوهمةٌ
ووصفتْكِ الورودُ بالقاسيةِ
أسمتْكِ الفراشاتُ بالحمقاءِ
والنهرُ راح يقول عنكِ كلاماً لا يُقالُ
الشِّعرُ عجِزَ أنْ يُلفتَ انتباهَكِ!
الموسيقى يئِسَتْ عنْ جذبِ أنفاسِكِ!
فمَنْ يفتحُ ليَ قلبَكِ وأعطيهِ ما يشاءُ
من شكري وامتناني؟!
سأعطيَكِ مهلةً واحدةً لتحبيني
وإلّا سأُجَنُّ وأقتُلُ قلبي
المهلةُ بدأتِ الآنَ
معكِ الوقتُ كلُه
إلى آخِرِ لحظةٍ منْ عُمُري.*
إسطنبول
* أقاصي الخرابِ..
أَكَلَ السرابُ جوعي
شربَ الطريقُ خطايَ
ركِبَتْ دمعتي على ظهري
وأمرَتْني
أنْ أبتاعَ لها الفرحةَ
منذُ يومِها وأنا
أختبئُ عن قصيدتي
لكي لا ترثي وطني
أشعَلتُ صمْتِي
أحرقْتُ ذكرياتي
أوقدْتُ عجزي
فجَّرتُ رحيلي
وانطلقتُ إلى أقاصي خرابي
أبحث عن أسوارِ هزيمتي
لأفتحَ الأبوابَ على نزيفِ بلادي
عاركْتُ الفاجعة
ساومْتُ الرّمادَ
تحدَّيتُ زَلازِلَ الحنينِ
أعاصيرَ اللهفةِ
براكينَ اللوعةِ
لكنَّ نزقَ الانتظارِ داهمَ غُربتي
وحوَّلَ أشرعةَ الرؤى إلى جنونٍ
أنامُ وتستيقظُ هواجسي
أغفو وتثِبُ صرختي
أرقُدُ وتصهَلُ أسئلتي
صارتْ مدينتي بلا مأوىً
غدتْ سمائي بغيرِ سحابٍ
تسلَّقَ اللصوصُ إلى القمرِ
وذبحوهُ من ضوئِهِ
قبضوا على موجِ البحرِ
وأودعوا الشطآنَ المعتقلَ
شنقوا النسمةَ
سلخوا البسمةَ
استباحوا شرفَ الوردةِ
اغتصبوا البياضَ
قتلوا الحمامَ
استبدلوا الوطنَ بالجحيمِ
وباعوا الندى لشفاهِ الحرائقِ.*
إسطنبول
* أبوابُ العتمةِ..
ينامُ الضَّوءُ
تنهضُ العُتمةُ
يتمطَّى دمي
ويخرجُ قلبي مِنِّي
تغادرُني مساماتي
إليكِ يجيءُ شقائي
تتلفَّتُ لهفتي
تقترِبُ منْ شرفتِكِ الأمنياتُ
وحنيني يُصيخُ السَّمْعَ لغيابِكِ
أنظُرُ إلى وجهِ عذابي
أتأمَّلُ قامةَ وجعي
أحدِّقُ في نارِ لوعتي
تبكي الهواجِسُ عندي
يختنقُ سعيرُ ظنوني
يتهافتُ الحزنُ بداخلي
تعصُفُ المرارةُ بحلقي
يشرئِبُّ الموتُ
أنظُرُ إلى بُؤسِ أشواقي
أسألُ الانتظارَ عن موعدٍ لخيبتي
سألقى رفضَكِ بعزيمةِ القتلى
سأصُدُّ تجاهلَكِ
سأتحدَّى انهيارَ تماسكي
وأقتربُ من فراغِ العتمةِ
أرمي نفسي في رمادِ المجهولِ
وأذهبُ لألتقي الحرمان منكِ.*
إسطنبول
* بُقعَةُ مَوتٍ..
أتَصفَّحُ صَرْخَتي الخَرساءَ
فأراها تُثْمِرُ بالصّمتِ الأسودِ
يعرشُ فيها دمعيَ الأحمرُ
الاختناق ُيسكنها على سِعَتهِ
يقبعُ الحزنُ في زوايا عُتمتِها
أجدُ خيبتَها تملأُ أركانَ أعالِيها
والمرارةَ تتسلّقُ فضاءَ نبراتها
ويضرُم ُالجمرُ حوافَّ نوافذِها
ويغطِّي السّرابُ بساتينَ قِفارِها
ومن أنفاسِها ينزفُ دّمٌ
وتُدوِّي من جبالِها براكينُ
أشاهدُ أوجاعَ عُمُري تتجمَّعُ
تتكاثفُ تتلبّدُ وتنفجرُ
وتتناثرُ على أقاصي جنونِها
يستحوذُ البحرُ على موجها
النّارُ تأخذُ عنها السَّعيرَ
ويَرْسُم ُالموتُ على جسدِها الخارائطَ
هي صرخةُ نبضي المُسَجَّى
هي شرارةُ دمعي المعتَقَلِ
هي رِحابُ بسمتي المقفلةِ
سماءُ اشتعالي النّاهدةُ
صرختي اليائسةُ من الكلامِ
صرختي الجامِحَةُ للتفتُّحِ
عُنوانُ قصيدتي التي ستكتبُني
بقعةُ الموتُ الذي تحييهِ
أحراشُ قلبيَ المشتاقِ لوطني
ووطني في أيادِ الخرابِ
تنبعثُ منهُ استغاثاتُ النّدى.*
إسطنبول
* مجرَّدُ ظلٍّ..
اجتازَنِي ظلِّي
قاطعَ طريقي ومشى
على عكسِ توجُّهي
حاملاً في قلبه الضغينةَ
والرغبةَ بالتّحدِّي
فقدْ سئِمَ تتبُعي
ملَّ رفقتي
ضاق بتصرُّفي
حفظَ كلَّ أفعالي
وعَرَفَ دروبي
استدلَّ على أصدقائي
أكلَ مِنْ صحني
شربَ مِنْ كأسي
جلسَ في مكاني
وتعلَّمَ كيفَ يحيى
ويتدبرُ أمرَه
غادرني
ولم يشأْ يودعَني
أخذَ اسمي منِّي ومضى
تقمَّصَ شكليَ
واستعانَ بذاكرتي وخُبُراتي
فأخذَ إرثي وتحدَّاني
واعتمدَ على أسلحتي في محاربتي
وفعلَ ما لا كنتُ أفعلهُ
قال ما رفضتُ قولَهُ
صفَّقَ لِمَنْ أسقطتُهُ
أحبَّ من كرهتُهُ
عادى من أحببتُهُ
تمرَّدَ على مبادئي
واعتنقَ ما عارضتُهُ
خانَ مَنِ ائتمنَني
ووَثقُ بمَنْ شكَكتُ بإخلاصِهِ
تحرَّرَ مِنْ حُبِّ حبيبتي
وكتبَ القصائدَ عن غيرِها
قَدِمَ على إرتكابِ الحماقاتِ
التي حاربتُها
قتلَ
نهبَ
خانَ
وأحرق قلبي
نسيَ أنّهُ كانَ ظلِّي
وأَنَّهُ يحترقُ من دوني
وأن لا وجودَ لَهُ منْ غيري
وإنِّي كلَُّّ شيءٍ في وجودِهِ
فهو مجردُ ظلٍّ
ليسَ بأكثر.*
إسطنبول
* اقصاء..
امتدَّتْ يدُ الشقاءِ
التقطَتْ أحلامي
ومزَّقَتْ حُبِّي إليكِ
ناشدْتُ الضَّوءَ
رجوتُ الغيمَ
توسَّلتُ للأيامِ
جثوتُ عندَ أقدامِ الموتِ
ضَحِكَ اللَّيلُ
من نحيبي
سخرَ السَّرابُ
من سُؤالي
وصدَّني صدى صُراخي
أعطيتُ دمِي للدروبِ
منحتُ للأعاصير درعَ السكينةِ
تخلَّيتُ عن حِصَّتي بالتنفس
قدَّمتُ تنازلاتٍ جمَّةً
لكنَّ هيهاتَ أن تعودي إليَّ
القمرُ يَغتصِبُ نافذتي
الجبالُ تنتهكُ شُهوقَ حنيني
والسماءُ تتعالى عن أجنحتي
الطَّريقُ إليكِ قيدوهُ بالسلاسلِ
أحرقوا خُدودَ الندى
وسوَّروا حدودَ بهائِكِ
أحالوا مابيني وبينَكِ بالنارِ
وزرعوا المسافاتِ ما بينَنا
بالجُنودِ العبيدِ.*
إسطنبول
* مَارِق..
يَجُرُّني الصّرصَارُ مِنْ لُغتِي
يُسلّطُ عَلَيَّ النَّملَ لِيَنهَشَنِي
وأنا أتضرَّعُ للبرغوثِ أن يَرأفَ لِحالي
لأنِّي مُجَرَّدَ لاجيءٍ
أحيا بِلا وَطَنٍ
قضيَّتي بَينَ أيادي الذِّئابِ
تناقشها كِلابُ العَالمِ المُتَحَضِّرِ
والأسدُ يَستخدمَ حقَّ (الفيتو)
وَيَسمحَ للغربانِ برفعِ رايةَ الخَرابِ
وَيُصَفِّقُ لَهُ الدُّبُّ والشَّيطَانُ الرَّميمِ.*
إسطنبول
* الغيور..
اعتلى وَجَعِي
صعدَ سلالِمَ دمعتي
داسَ على احتِراقِي
وَرَمَاني برمادِ دَمِي
وكتبَ على مَرَايَا موتِي
هُنا يَرْقُدُ العاشِقُ الغبيُّ
كانتْ ضِحكتُهُ منشاراً تَجُزُّ حنيني
مِسماراً يَنغَرِزُ في لَهفَتِي
سِكِّيناً تقطَعُ شغَفِي
أحرَقَ وَلَهي
مَزَّقَ قصائِدَ رُوحِي
دمَّرَ بُرجَ انتظارِي
وسَرَقَ ابتسامتي مِنِّي
وزَّعَ على الدُّروبِ نظراتِي
حملَ ما تَبَقَّى مِنْ وُرودِي ليباسِهِ
أَخَذَ اخضِرارَ أغصانِي
أشعَلَ النيرانَ في ذاكرتي
سفَحَ باصِرَةَ قلبي
وألقى فوقِيَ الهلاكَ
فَعَلَ كُلَّ هذا
لِأنَّهُ كان يحسِدُني على حُبِّكِ.*
إسطنبول
* المَنْبُوذ..
خاصَمَني عِطرُكِ
فَجَفَّ نُورُ الشَّمسِ
وتَيَبَّسَ ماءُ النَّهرِ
وتعالى نحيبُ الوردِ
الفراشاتُ أضرَبت عنِ التنفّسِ
وصارَ عسلُ النحلِ علقماً
الياسمينُ التحفَ السَّوادَ
ودخلَ الزَّيزفونُ النَّعشَ
والأرضُ راحتُ تدورُ مخمورةً
أحرقتِ الأشجارَ جذورُها
فما عادَ للدُّنيا بهجةً
ولمْ يبقَ للقلبِِ نبضُ
ولا عادَ للشعرِ قيمةً أو معنىً
تداخلتِ المسافاتُ بدروبِها
تساقطَتِ الجبالُ من عليائِها
وتلبَّدَ في السَّماءِ الجنون
صارَ الدَّفترُ قبراً
والليلُ وصلَ إلينا نهاراً
سكَنَ الجحيمُ في غرفتي
واعتلى أجنحتي العَماءُ
داهَمَ روحيَ الدَّمعُ
حفَرَ السَّرابُ أخاديدَ النارِ
المدينةُ غيَّرَتْ سُكانَها
وتشرَّدتْ عصافيرُ الحبِّ
وانتحرَتْ شرفاتُ النّدى
وعوَتْ على قلبيَ الأسئلةُ
ثمَّ تهالكَ الفضاءُ
فوقَ اختناقي.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - ما بعد الموت
02 - حافة الصهيل
03 - الطاغية
04 - تداعيات
05 - وميض المطر
06 - قفار العدم
07 - تخثر الكلام
08 - منشق
09 - زيارة
10 - ستائر الزمن
11 - بصيص الدمع
12 - غصة التراب
13 - دمعة قلب
14 - صواري الحطام
15 - حضن السراب
16 - التسوية
17 - صحارى النار
18 - قولوا لها
19 - خيالات
20 - وطن في القلبِ
21 - الطريد
22 - مهلة محدودة الوقت
23 - أقاصي الخراب
24 - أبواب العتمة
25 - بقعة موت
26 - مجرد ظل
27 - اقصاء
28 - مارق
29 - الغيور
30- المنبوذ
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.