إلى روح شهيد الإنسانية
ركن دبابَتَه في مرأبها المثقلِ بالدماء والآثام ، انتزَع الكوفية وغادر بخطواتٍ مثقلة متجها نحو المطعم الداخلي، يلتهم طبق اللحم نيئا بنهم شديد ثم يرمي البقايا الدامية للغربان الحائمة.
تركها وحيدةً تطحن الندمَ ، نظَرَتْ يمنة و يسرة، في كل الاتجاهات ثم زفرتْ زفرة عميقة صَمَّت آذان الأخريات، تمتمتْ في سرّها " قدر أحمق رمى بي هنا . من قال لهم أنني أريد أن أشاركهم النزاعَ؟ لماذا لم يطلبوا إذنا؟ أليس لي الحق في تقرير مصيري؟ أ مقابل براميل الوقود التي التهمها أفقد كرامتي؟ رغم... أنها تنفذ بين الأزقة الحمراء في الحملات اليومية ؟ أأنا جعلتها تطحن الهامات الشامخة كل جولة تحت مسمّى الوطن ؟
سَئمَتْ كل قطعةٍ مني دَوْسَ طريق بًسَّ بالدماءِ الزكيةِ والورود النديةِ والضحكاتِ البريئة ، ككل يوم، أنفضُ عني ما علق بي من شوائب آدمية و صليلِ الويلاتِ ،أخجل من رميها هنا وهناك على أرض ملغومة بالمؤامرات ، أرمق من بعيد كومة العظام المسحوقة للتوِّ و الأكفان المتعثرة، كم يُربكني طنينها و وجع الأرحام المتقطعة "
لطمةٌ قاسيةٌ تأتيني من الخلف ، رَدَّدَ معها الصدى " اصمتي، اصمتي، لن يرحموك إن سمعوا لغطك، أقسم بالسبت ، لن يمرّ يومك بخير "
- ليس بيدي الأمر ،
- الكل التزم الصمتَ لأنه يخاف ، يا للغرابة، بعد جولة التمشيط والتخريب تعودين آخر المهمة للنحيب والتقريع...
- إلى الجحيم مللت هذا البقاء ... أفكر أن أثور....
- كيف؟ ستثورين ؟
- أغمز لفوهة مدفعهم ، أبوحُ لصوت التكبير "إني هنا ، سدّد،" فيسدّدُ و يُزيحُ عني هذا العار ...
- إذا بقيةُ الدباباتِ كانت تفعل ذلك ، فتنجح رمياتهم .
خيانةٌ عظمى ، لن أسكت. لن أسكت...
- اهرع إليهم ، بلِّغْ! بلِّغْ ...
كانت كاميرات المراقبةِ تلتقط الإشاراتِ الصوتيةَ، لحظة من الزمن نُسِفَ المكانُ بكل الوحدات ، لكنها لم تغمز بعدُ ، أتى من السماء صوتُ التكبير مدويا ...
حضر كبير الكهنة يحمل رفشه ، جمع كل الشظايا ، حفر حفرة عميقة بعمق الصحراء، اَلقى بها ما جمع ، سكب عليها البنزين وبعضا من مسحوق العِظام ثم ردمها و اختفى عن أعين الغربان.
صفَّرت صافرات الإنذار عن خطر داهم، لم تقلع أية دبابة ، لم تحلق الطائرات و بعض الصواريخ ظلت تحوم بين الأرض و السماء تلتقط الإشارات في ارتباك ....
لحظة الصدمة قُلِبَ الكيانُ مهزوزا ...
انتشرت البقراتُ تكتسح المكان ، تلتهم الموت التهاما شبقا.
فازدادت القريةُ اخضرارا ، أصوات كثيرة تتعالى شوّشت فكري، فرقعة ، قعقعة و غبار الخيول يربك ما بقي في المرأب. كنت أسمع كل ما يدور في القاعات المغلقة و خلف الجدران بوضوح تام. و ظل أمهر المُعَبّرين يبحث عن قفلة مدهشة يهدي بها بطولة مزعومة لدبابة آثمة. لكنه فشل أمام كوابيس باتت تهدّد الجميع ...
تذكَّرتْ أصولها العربية و الحكايات وقد وخزها الذل مقابل تلك الحفنة اللعينة من الدولارات ... قبلت بالمقام، نسيت للحظة أنها تنبض عشقا لكن رمال الصحراء أعادت لها ذاكرة الضباب الأصفر ، انتحبت هباءات تبحث عن طوفان يطهِّر من العار...
مازالت تهطل ، ارتفع منسوب المياه عمَّ الصحراء... لكنه لم يقتلع جذور الأشجار.
سيدة بن جازية تونس
ركن دبابَتَه في مرأبها المثقلِ بالدماء والآثام ، انتزَع الكوفية وغادر بخطواتٍ مثقلة متجها نحو المطعم الداخلي، يلتهم طبق اللحم نيئا بنهم شديد ثم يرمي البقايا الدامية للغربان الحائمة.
تركها وحيدةً تطحن الندمَ ، نظَرَتْ يمنة و يسرة، في كل الاتجاهات ثم زفرتْ زفرة عميقة صَمَّت آذان الأخريات، تمتمتْ في سرّها " قدر أحمق رمى بي هنا . من قال لهم أنني أريد أن أشاركهم النزاعَ؟ لماذا لم يطلبوا إذنا؟ أليس لي الحق في تقرير مصيري؟ أ مقابل براميل الوقود التي التهمها أفقد كرامتي؟ رغم... أنها تنفذ بين الأزقة الحمراء في الحملات اليومية ؟ أأنا جعلتها تطحن الهامات الشامخة كل جولة تحت مسمّى الوطن ؟
سَئمَتْ كل قطعةٍ مني دَوْسَ طريق بًسَّ بالدماءِ الزكيةِ والورود النديةِ والضحكاتِ البريئة ، ككل يوم، أنفضُ عني ما علق بي من شوائب آدمية و صليلِ الويلاتِ ،أخجل من رميها هنا وهناك على أرض ملغومة بالمؤامرات ، أرمق من بعيد كومة العظام المسحوقة للتوِّ و الأكفان المتعثرة، كم يُربكني طنينها و وجع الأرحام المتقطعة "
لطمةٌ قاسيةٌ تأتيني من الخلف ، رَدَّدَ معها الصدى " اصمتي، اصمتي، لن يرحموك إن سمعوا لغطك، أقسم بالسبت ، لن يمرّ يومك بخير "
- ليس بيدي الأمر ،
- الكل التزم الصمتَ لأنه يخاف ، يا للغرابة، بعد جولة التمشيط والتخريب تعودين آخر المهمة للنحيب والتقريع...
- إلى الجحيم مللت هذا البقاء ... أفكر أن أثور....
- كيف؟ ستثورين ؟
- أغمز لفوهة مدفعهم ، أبوحُ لصوت التكبير "إني هنا ، سدّد،" فيسدّدُ و يُزيحُ عني هذا العار ...
- إذا بقيةُ الدباباتِ كانت تفعل ذلك ، فتنجح رمياتهم .
خيانةٌ عظمى ، لن أسكت. لن أسكت...
- اهرع إليهم ، بلِّغْ! بلِّغْ ...
كانت كاميرات المراقبةِ تلتقط الإشاراتِ الصوتيةَ، لحظة من الزمن نُسِفَ المكانُ بكل الوحدات ، لكنها لم تغمز بعدُ ، أتى من السماء صوتُ التكبير مدويا ...
حضر كبير الكهنة يحمل رفشه ، جمع كل الشظايا ، حفر حفرة عميقة بعمق الصحراء، اَلقى بها ما جمع ، سكب عليها البنزين وبعضا من مسحوق العِظام ثم ردمها و اختفى عن أعين الغربان.
صفَّرت صافرات الإنذار عن خطر داهم، لم تقلع أية دبابة ، لم تحلق الطائرات و بعض الصواريخ ظلت تحوم بين الأرض و السماء تلتقط الإشارات في ارتباك ....
لحظة الصدمة قُلِبَ الكيانُ مهزوزا ...
انتشرت البقراتُ تكتسح المكان ، تلتهم الموت التهاما شبقا.
فازدادت القريةُ اخضرارا ، أصوات كثيرة تتعالى شوّشت فكري، فرقعة ، قعقعة و غبار الخيول يربك ما بقي في المرأب. كنت أسمع كل ما يدور في القاعات المغلقة و خلف الجدران بوضوح تام. و ظل أمهر المُعَبّرين يبحث عن قفلة مدهشة يهدي بها بطولة مزعومة لدبابة آثمة. لكنه فشل أمام كوابيس باتت تهدّد الجميع ...
تذكَّرتْ أصولها العربية و الحكايات وقد وخزها الذل مقابل تلك الحفنة اللعينة من الدولارات ... قبلت بالمقام، نسيت للحظة أنها تنبض عشقا لكن رمال الصحراء أعادت لها ذاكرة الضباب الأصفر ، انتحبت هباءات تبحث عن طوفان يطهِّر من العار...
مازالت تهطل ، ارتفع منسوب المياه عمَّ الصحراء... لكنه لم يقتلع جذور الأشجار.
سيدة بن جازية تونس