يقف الجميع متأهبًا للحظة البدء، الرجال يتفاخرون بعضلاتهم وقوة أبدانهم وصلابة سيقانهم، بينما الفتيات يلتحفن ببراقع الحياء، وكل منهن تلقي بنظرات جانبية تجاه أصحاب البنيات القوية.
اليوم هو اليوم المنتظر في حسم السباق الدائم بين الغريمين "فضل" و"جابر" أفضل صيادي دلماس، وذلك بعد انعقاد الاجتماع الأكبر لبلدية الجزيرة، وصدور قرار بعمل سباق بين هذين الغريمين؛ حتى يتحدد من سيكون منهما شريكًا لكبير الصيادين "ضرغام".
كلاهما شاب، كلاهما ماهر، كلاهما ذو شخصية رئاسية، الاختلاف الوحيد بينهما أن جابر هو الابن الأكبر لزوجة ضرغام؛ مما يمنحه ميزة إضافية وبعض الاستثناءات، ولكن ذلك لا يعفيه من أطماع ضرغام غير المنتهية، وخاصة بعد فشله في إجبار كلا الشابين على التعاون معًا؛ حتى يتم الإعداد الموسمي الصحيح لصيد "أبو الهامور".
أبو الهامور تلك السمكة الموسمية التي تأتى بأعداد كبيرة لجزيرة دلماس، كلاهما رفض التعاون، وصمم على الإبحار بمفرده؛ مما حدا بانعقاد مؤتمر بلدية الجزيرة للبت في أمرهما؛ وهو ما انتهى بالاتفاق مع رئيس الصيادين "ضرغام" على منح كل منهما مركب صيد كامل التجهيزات؛ ليَظْهَر من منهما الأكثر مهارة.
وبالفعل نجح كلا الطرفين في مهامه وإثبات مهارته وبراعته؛ لذلك كان قرار البلدية الجديد بعمل مسابقة للفوز بصيد "أبو الهامور"، "أبو الهامور" تلك السمكة كانت تثير شغف جميع الصيادين، ليس فقط لغلو ثمنها أو لندرتها، ولكن لأنها سمكة موسمية تأتي في أوقات بعينها وأماكن محددة، وتكون جائزة السباق حصول الفائز في اصطياد العدد الأكبر منها على شراكة رئيس الصيادين، وانتهاء عمل الخاسر نهائيًا بحرفة الصيد.
فضْل شاب في الثلاثين من عمره، قوي، معتد بذاته، وسيم، يعيش قصة حب فريدة من نوعها مع "مهرة" ابنة كبير صيادي جزيرة داس المجاورة لجزيرة دلماس، تعشق رجولتَه وقوة شخصيته فتياتُ دلماس، ولكنه ليس جذابًا كجابر، فرغم أن جابر يكبره بعدة سنوات، لكنه الأكثر أسرًا للقلوب، يقال إنه يلقي الشباك كما يلقي سهام عينيه في أعين فتيات البلدة، زائغ العينين لا تكفيه امرأة واحدة، كما أنه يتنقل بين الفتيات يمتص رحيق شغفهن برشاقة وبراعة.
استعدت دلماس للحفل الذي يعقب السباق، اجتمعت السيدات يفترشن الأقمشة المتنوعة من أجل إعداد الكندورات مميزة الألوان؛ حتى يتم الحفل المنتظر، بينما قام صائدو الأسماك بإعداد شوادر الشيّ فرحًا بالصيد؛ فقد قرر رئيس بلدية جزيرة دلماس تهيئة القرية لاحتفال مهيب يتم فيه تسليم الفائز قلادة الصياد الأمهر.
بينما كانت القرية تستعد للعرس البحري المنتظر كان كلا الشابين يعدان رجالهما ومعاونيهما للفوز، كل منهما يعد فريقه للفوز، يُسلّحه بكل ما يستطيع من أدوات حديثة وبحارة محترفين ومعدات متنوعة.
وفي تمام الرابعة صباحًا أشار فضل لرجاله بالتحية، وقام بتوديعهم بغمزة من عينه علامةً على ثقته في انتصاره على "جابر"، وكما فعل "فضل" فعل "جابر"، اتجه لرجاله، وأشار لهم إشارة الفوز، ثم أومأ لفضل وحيّاه بتحية رسمية؛ فبادله "فضل" التحية بأخرى أكثر تقديرًا.
شرع كل فريق في إعداد قاربه، وابتدأ إبحاره، وما هي إلا لحظات قليلة، ولم يعد بوسع القرية مراقبتهما، ولكن استمر احتفالهم المبهج لحين عودة الطرفين، ووزن كمية الأسماك التي تم اصطيادها قبيل الساعة السادسة صباحًا كالمتفق عليه؛ لمعرفة الفائز وتحديده من أجل مباشرة إجراءات التنصيب.
وفي الوقت الذي كانت فيه البلدة تحتفل بتلك المسابقة، التي أثارت شغف كل أهل الجزيرة، حتى أهالي الجزر المجاورة والقرى البعيدة، ورغم أن كل فريق اختار طريقًا مخالفًا للآخر، لكن المسافة المحددة لسمك الهامور كانت واحدة في كلا الطريقين.
كل منهما يعمل بلهفة ومهارة وسرعة، وقرب رحلة العودة اقترب أحد رجال جابر منه، فقام على الفور، وأخرج من حقيبته رداء أسود اللون، وقام بارتدائه، ثم وضع وشاحًا أسود يخفي وجهه تمامًا، ولحق به صيادان من المصاحبين له، وقاما بعمل ذات الشيء، واتجهوا حيث الزورق الصغير الملاصق للقارب، واستقلوه بهدوء، وساروا باتجاه قارب "فضل" الذي كان ورجاله يجمعون ما بالشباك.
تسلل جابر ورجاله من الزورق لقارب "فضل"، الذي كان ورجاله منهمكين في إفراغ الشباك، ونقْل البرميلين الممتلئين من الأسماك، ثم ألقوا ببعض البحارة في البحر كمن يلقي بفتات الخبز للأسماك.
وعقب سماع صوت استغاثة الصيادين أسرع الرجال حيث مصدر الصوت يحاولون إنقاذ زملائهم، ولكنهم لم يجدوا أحدًا منهم؛ فقد اختفوا كما لو تبخروا في الهواء.
وفجأة صرخ "فضل" بأنه رأى وحشًا صُلْبًا أسود له أنياب، ووجهه يشبه الذئب، ورغم أن الصيادين لم يروا ذلك الوحش، ولكن صراخ فضل جعل الجميع يؤيدون قصته، ويقصون ذات القصة مرارًا وتكرارًا.
وعاد الصيادون يحكون للجميع قصة ذلك الوحش الذي اقتحم المركب، وألقى بالصيادين في البحر، واختفاء براميل الأسماك كلها، انتظر الجميع ظهور "جابر"، حتى ينصّبوه الصياد الأوحد، ولكن كما اختفى الوحش الشبح اختفى "جابر" بقاربه، ولقبوا الشبح باسم "أبو البحر".
كان الصبي ذو الأعوام العشرة يستمع لقصة الصيادَيْنِ "فضل وجابر" بشغف يطالب جده بقص ما حدث لكلا الصيادَيْنِ، حتى نطق الجد بهدوء:
- اعتقد الجميع أن الوحش القاتل قتل جابرًا كما قتل رجاله؛ فاستمروا يبحثون عن جثثهم أيامًا كثيرة، وأخيرًا فقدوا الأمل في العثور على بقايا الجثامين، أوحتى على حطام القارب.
شغفُ الصبي بسماع قصة جزيرة دلماس كان يوازي شغفَ الجد وهو يقص القصة، كلاهما يبدو كما لو كان بالبحر يصطاد "أبو الهامور"، نهض الجد ونطق بحماس:
- وسارت البلدة كلها تردد جملة "بابا درياه"، بمعنى آخر "أبو البحر" قد خطف جابر، والتهمه ثم التهم قاربه ورجاله، وجلسوا فترات كثيرة يخشون الاقتراب من البحر.
صمت الصبي حزنًا لموت جابر، وغادر غاضبًا، بينما نطقت جدته بضيق:
- كنت أخشى إن أكملت القصة، وأخبرته أن فضل هو صديقك زياد، وأنكما من أطلقتما تلك الأسطورة.
شيرين غالب / مصر
اليوم هو اليوم المنتظر في حسم السباق الدائم بين الغريمين "فضل" و"جابر" أفضل صيادي دلماس، وذلك بعد انعقاد الاجتماع الأكبر لبلدية الجزيرة، وصدور قرار بعمل سباق بين هذين الغريمين؛ حتى يتحدد من سيكون منهما شريكًا لكبير الصيادين "ضرغام".
كلاهما شاب، كلاهما ماهر، كلاهما ذو شخصية رئاسية، الاختلاف الوحيد بينهما أن جابر هو الابن الأكبر لزوجة ضرغام؛ مما يمنحه ميزة إضافية وبعض الاستثناءات، ولكن ذلك لا يعفيه من أطماع ضرغام غير المنتهية، وخاصة بعد فشله في إجبار كلا الشابين على التعاون معًا؛ حتى يتم الإعداد الموسمي الصحيح لصيد "أبو الهامور".
أبو الهامور تلك السمكة الموسمية التي تأتى بأعداد كبيرة لجزيرة دلماس، كلاهما رفض التعاون، وصمم على الإبحار بمفرده؛ مما حدا بانعقاد مؤتمر بلدية الجزيرة للبت في أمرهما؛ وهو ما انتهى بالاتفاق مع رئيس الصيادين "ضرغام" على منح كل منهما مركب صيد كامل التجهيزات؛ ليَظْهَر من منهما الأكثر مهارة.
وبالفعل نجح كلا الطرفين في مهامه وإثبات مهارته وبراعته؛ لذلك كان قرار البلدية الجديد بعمل مسابقة للفوز بصيد "أبو الهامور"، "أبو الهامور" تلك السمكة كانت تثير شغف جميع الصيادين، ليس فقط لغلو ثمنها أو لندرتها، ولكن لأنها سمكة موسمية تأتي في أوقات بعينها وأماكن محددة، وتكون جائزة السباق حصول الفائز في اصطياد العدد الأكبر منها على شراكة رئيس الصيادين، وانتهاء عمل الخاسر نهائيًا بحرفة الصيد.
فضْل شاب في الثلاثين من عمره، قوي، معتد بذاته، وسيم، يعيش قصة حب فريدة من نوعها مع "مهرة" ابنة كبير صيادي جزيرة داس المجاورة لجزيرة دلماس، تعشق رجولتَه وقوة شخصيته فتياتُ دلماس، ولكنه ليس جذابًا كجابر، فرغم أن جابر يكبره بعدة سنوات، لكنه الأكثر أسرًا للقلوب، يقال إنه يلقي الشباك كما يلقي سهام عينيه في أعين فتيات البلدة، زائغ العينين لا تكفيه امرأة واحدة، كما أنه يتنقل بين الفتيات يمتص رحيق شغفهن برشاقة وبراعة.
استعدت دلماس للحفل الذي يعقب السباق، اجتمعت السيدات يفترشن الأقمشة المتنوعة من أجل إعداد الكندورات مميزة الألوان؛ حتى يتم الحفل المنتظر، بينما قام صائدو الأسماك بإعداد شوادر الشيّ فرحًا بالصيد؛ فقد قرر رئيس بلدية جزيرة دلماس تهيئة القرية لاحتفال مهيب يتم فيه تسليم الفائز قلادة الصياد الأمهر.
بينما كانت القرية تستعد للعرس البحري المنتظر كان كلا الشابين يعدان رجالهما ومعاونيهما للفوز، كل منهما يعد فريقه للفوز، يُسلّحه بكل ما يستطيع من أدوات حديثة وبحارة محترفين ومعدات متنوعة.
وفي تمام الرابعة صباحًا أشار فضل لرجاله بالتحية، وقام بتوديعهم بغمزة من عينه علامةً على ثقته في انتصاره على "جابر"، وكما فعل "فضل" فعل "جابر"، اتجه لرجاله، وأشار لهم إشارة الفوز، ثم أومأ لفضل وحيّاه بتحية رسمية؛ فبادله "فضل" التحية بأخرى أكثر تقديرًا.
شرع كل فريق في إعداد قاربه، وابتدأ إبحاره، وما هي إلا لحظات قليلة، ولم يعد بوسع القرية مراقبتهما، ولكن استمر احتفالهم المبهج لحين عودة الطرفين، ووزن كمية الأسماك التي تم اصطيادها قبيل الساعة السادسة صباحًا كالمتفق عليه؛ لمعرفة الفائز وتحديده من أجل مباشرة إجراءات التنصيب.
وفي الوقت الذي كانت فيه البلدة تحتفل بتلك المسابقة، التي أثارت شغف كل أهل الجزيرة، حتى أهالي الجزر المجاورة والقرى البعيدة، ورغم أن كل فريق اختار طريقًا مخالفًا للآخر، لكن المسافة المحددة لسمك الهامور كانت واحدة في كلا الطريقين.
كل منهما يعمل بلهفة ومهارة وسرعة، وقرب رحلة العودة اقترب أحد رجال جابر منه، فقام على الفور، وأخرج من حقيبته رداء أسود اللون، وقام بارتدائه، ثم وضع وشاحًا أسود يخفي وجهه تمامًا، ولحق به صيادان من المصاحبين له، وقاما بعمل ذات الشيء، واتجهوا حيث الزورق الصغير الملاصق للقارب، واستقلوه بهدوء، وساروا باتجاه قارب "فضل" الذي كان ورجاله يجمعون ما بالشباك.
تسلل جابر ورجاله من الزورق لقارب "فضل"، الذي كان ورجاله منهمكين في إفراغ الشباك، ونقْل البرميلين الممتلئين من الأسماك، ثم ألقوا ببعض البحارة في البحر كمن يلقي بفتات الخبز للأسماك.
وعقب سماع صوت استغاثة الصيادين أسرع الرجال حيث مصدر الصوت يحاولون إنقاذ زملائهم، ولكنهم لم يجدوا أحدًا منهم؛ فقد اختفوا كما لو تبخروا في الهواء.
وفجأة صرخ "فضل" بأنه رأى وحشًا صُلْبًا أسود له أنياب، ووجهه يشبه الذئب، ورغم أن الصيادين لم يروا ذلك الوحش، ولكن صراخ فضل جعل الجميع يؤيدون قصته، ويقصون ذات القصة مرارًا وتكرارًا.
وعاد الصيادون يحكون للجميع قصة ذلك الوحش الذي اقتحم المركب، وألقى بالصيادين في البحر، واختفاء براميل الأسماك كلها، انتظر الجميع ظهور "جابر"، حتى ينصّبوه الصياد الأوحد، ولكن كما اختفى الوحش الشبح اختفى "جابر" بقاربه، ولقبوا الشبح باسم "أبو البحر".
كان الصبي ذو الأعوام العشرة يستمع لقصة الصيادَيْنِ "فضل وجابر" بشغف يطالب جده بقص ما حدث لكلا الصيادَيْنِ، حتى نطق الجد بهدوء:
- اعتقد الجميع أن الوحش القاتل قتل جابرًا كما قتل رجاله؛ فاستمروا يبحثون عن جثثهم أيامًا كثيرة، وأخيرًا فقدوا الأمل في العثور على بقايا الجثامين، أوحتى على حطام القارب.
شغفُ الصبي بسماع قصة جزيرة دلماس كان يوازي شغفَ الجد وهو يقص القصة، كلاهما يبدو كما لو كان بالبحر يصطاد "أبو الهامور"، نهض الجد ونطق بحماس:
- وسارت البلدة كلها تردد جملة "بابا درياه"، بمعنى آخر "أبو البحر" قد خطف جابر، والتهمه ثم التهم قاربه ورجاله، وجلسوا فترات كثيرة يخشون الاقتراب من البحر.
صمت الصبي حزنًا لموت جابر، وغادر غاضبًا، بينما نطقت جدته بضيق:
- كنت أخشى إن أكملت القصة، وأخبرته أن فضل هو صديقك زياد، وأنكما من أطلقتما تلك الأسطورة.
شيرين غالب / مصر
Shereen Moftah
Shereen Moftah is on Facebook. Join Facebook to connect with Shereen Moftah and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com