لا تنكر وحيدة أنها أحبت حسان فى يوم من الأيام، يوم بعيد جدا، أيام كان نحيفا كعود بوص، يسير فى حواري وأزقة " الطابية " بجلبابه الهفهاف وقامته المديدة كالنخلة. كان يعمل لدى مقاول أنفار ُيدخل ورق الدشت إلى شركة الورق، أو يَرفع العجينة المتخلفة من الصناعة، لكن بعد وقت قصير اقتنع به المقاول وجعله يقوم بالأعمال الكتابية: كتابة أسماء الأنفار وحساباتهم. ثم السؤال عن الشيك فى الإدارة..الخ. حينذاك رأته توحيدة، أعجبت به وابتسمت له. والدها يعمل شيخ خفراء فى المصنع، تحت إمرته كل الخفراء. كما أن الباشا – صاحب المصنع – سمح له بإقامة بيت صغير فى أرض مجاورة لمخزن الدشت لكى يكون قريبا من الدشت الذى يطمع الأهالى فيه ويتخذونه وقودا لأفرانهم، حيث إن المخازن خارج أسوار الشركة.
عارض شيخ الخفراء – أول الأمر – فى أمر زواج حسان من ابنته توحيدة.فهو يعرفه منذ أن جاء إلى أرض الطابية. كان خالي الوفاض بلا أب وأم أو عشيرة. كما أن شيخ الخفراء اكتسب مهابة بثقة الباشا به، فكيف يرضى بولد لا يعرف له أصلا أو فصلا؟! لكن أم توحيدة ألحت، فابنتها ليست بالجميلة التى يأتيها الخطاب كل يوم، وحسان شكله جميل، تتمناه البنات هناك، يتحدثن عنه مع توحيدة، فتتمناه فى نفسها ولا تقدر على البوح بذلك أمامهن.
ساق حسان علي والدها كل كبار المنطقة لكى يوافق على الزواج، لم يكن دافع حسان من ذلك هو الحب، إنما كان يطمع فى أن يتقرب من شيخ الخفراء القوى فى الطابية؛ لتكون له مهابة ومكانة، خاصة داخل المصنع الذى سيطر شيخ الخفراء عليه بثقة صاحبه به، وتحقق له ذلك،ة فبعد زواجه من توحيدة بقليل؛ تحدث مع صهره شيخ الخفراء فى أن يتحدث مع المسئولين فى الشركة ليكون هو مقاول الأنفار الذى يورد عمال دخول الدشت على الشركة، ورفع العجينة المتبقية من الصناعة. أصبح هو المقاول الذى يصدر الشيك باسمه، فيطويه ويضعه فى محفظته ويخرجه فى البنك ويعود محملا بالنقود ليحاسب عماله، ويشترى لبيته ما يشاء. وامتلأ جسد حسان، صار كالعملاق مع طوله الباسق، وتوحيدة مازالت تحبه، بل صارت تحبه أكثر، فالمال الكثير جعله يلبس المعاطف غالية الثمن، والعباءة السوداء التى طالما حلم بأن يرتديها، ويرش على جسده أغلى العطور، وتراه توحيدة – هكذا – فتحس بقيمته، وتساعده على أن يكون أكثر جمالا ومهابة.
ولدت له أولاده الثلاثة: إبراهيم وحسن وحسين، ثلاثة رجال يشدون أزره، وهو الذى جاء إلى هنا وحده بدون شيء. لكن الحب فى قلب توحيدة اهتز، تأثر من أفعاله التى لم تكن تظنه يفعلها يوما. الرجل أعمى المال عينيه، صار يسير فى الزقاق ناظرا إلى النسوة بدون حياء، جسد توحيدة ما عاد يكفيه وهو القوى كجبل. لقد جاء إليهم فردا، فصار الآن أعز منها، مات أبوها شيخ الخفراء، وأخذت الشركة بيته ليسكنه شيخ خفراء آخر ليحرس الدشت. وأصبح بيت حسان هو بيت توحيدة الوحيد. لو طردها لن تجد بيتا آخر تذهب إليه.
وكبر حسان، أعطاه الباشا كل شيء. فاشترى سيارة خصوصي، يركبها من أمام البيت حتى باب المصنع الذى لا يبعد عن البيت كثيرا. ويظل يسير بها فى المساء ناظرا إلى النسوة اللائى يتابعنه فى حسرة وحسد. ويمر أمام مقاهي المنطقة، فيقود السيارة على مهل محييا فى كبرياء.
الولد إبراهيم – الكبير – أصبح سند والده فى عمله. ينام حسان حتى الظهر. والولد يقوم بكل شيء، حتى الشيك يأتي به إليه من حسابات الشركة. وحسان يركب سيارته ويذهب إلى البنك ليصرفه.
توحيدة التى تزوجها لتكون له عزوة، يسبها الآن فى كل مرة يراها فيها. يسخر من لون وجهها الأسود. ومن ملابسها التى تطبخ بها له، وتنظف بيته وأولاده. الحب فى قلبها تقلقل، ليس هو حسان الذى أحبته. لقد صار – الآن – كتلة من اللحم، تتحرك بصعوبة، ورأسا كبيرا ممتلئا. عندما يمسك ذراعها؛ قبضة يده تدمى ذراعها النحيل، تكاد تكسر عظامها الضعيفة. الولد حسن – الصغير – يقول لها:
- والدى يتحدث مع النساء فى المصنع، يمازحهن.
هى لا تهتم، فقد رأته يمازح الجارات، ويفرض عليهن خدماته، بل كان يسخر منها أمامهن ويدعوها بالسوداء، ويحدثها حسن قائلا فى اهتمام شديد:
- أبى تشاركه النسوة فى ركوب السيارات.
قالت أول الأمر إنها امرأة من المصنع – أو الحى – قابلته فى طريقه، لكن الأخبار تأتى من كل مكان بأنه على علاقة بالبنت محاسن. جارتها التى تسكن البيت المقابل لبيتها، هى بيضاء، قامتها مديدة مثله، وشعرها مسترسل على ظهرها، كله أسود، لم يداخله البياض، ولا حتى بشعرة واحدة. أين توحيدة منها؟! وقد نحلها حسان وأولاده حتى لم يبق منها شيء.
- الأمر لا يحتمل الانتظار – يا إبراهيم -، أنت كبير وتعرف كل شيء. أبوك مادام لاف على محاسن فسوف يتزوجها.
- وماذا أفعل يا أمى؟
- حدثه، هو يحبك، أنت ذراعه اليمنى، سنده، من غيرك لا يستطيع أن يعمل.
- لكن........
- محاسن لو دخلت البيت ستخربه.
ويخرج الولد إبراهيم لمقابلة والده خارج البيت، لكن حسانا كان عنيدا:
- سأتزوجها – يا إبراهيم – ولن تفلح ألاعيب أمك توحيدة.
لم يقل إبراهيم شيئا، ماذا سيقول؟ أبوه بالنسبة له مارد عملاق لا يستطيع أن يعارضه فى شيء، فما بالك فى موضوع شخصي مثل هذا؟!
اشترى حسان الهدايا ودخل البيت المواجه لبيته عينى عينك. أمام كل أهل الحارة، استقبلته أم محاسن:
- أهلا سيد المعلمين.
- ألم يحن الوقت بعد يا محاسن؟
- أؤمر يا معلم.
- خير البر عاجله يا محاسن.
- لكن أنت متزوج يا حسان.
- ولو.......
- لا، فشل زواجي الأول ولا أستطيع أن أغامر ثانية.
- لماذا؟
- لو دخلت بيتك، لن تنتهى المشاكل مع توحيدة. لقد فشل زواجى الأول بسبب حماتي، وهذه المرة.......
قاطعها حسان:
- بربك لا تكملي
- لو تريدني حقا، سأكون أنا ست البيت.
- موافق.
- كيف، وهى أم أبنائك الثلاثة الذين يعملون معك، ويعرفون أسرار عملك؟!
زفر:
- وماذا تريدين؟
- أن أكون سيدة البيت وحدى.
- ستكونين سيدته وحدك.
- لن يكون هذا، مادامت على ذمتك.
- تقصدين أن أطلق توحيدة؟
- هذا ليس شأني.
قام الرجل حزينا، سار إلى بيته، عندما قابل توحيدة لم يصرخ فيها كعادته، بل نظر إليها شاردا. أغلق باب حجرته خلفه، وخلع عباءته، رماها بعيدا ونام فوق فراشه بباقي ملابسه. أيطلق توحيدة بعد هذا العمر؟ وأولادها ماذا سيفعلون؟ كيف سيواجههم وهم سنده فى عمله؟ لكن محاسن جميلة، بيضاء كالقشطة، وجسدها مربرب. آه، لقد ضاع عمره مع توحيدة وأبنائها، تحمل دمامتها وسواد بشرتها، فلماذا لا تعطيه هى وأولادها ما يريد؟
كان صعبا عليه أن يختار، لولا النوم – جزاه الله كل خير – لبقى هكذا حائرا حتى الصباح.
بدأ يومه التالى باردا كالثلج. يسير وسط عماله فلا يراهم ولا يرى أى شيء سوى جسد محاسن المترجرج وشعرها المسترسل اللامع. فليطلق توحيدة.
يوقظه الولد إبراهيم. يسأله عن أشياء فى العمل، يشيح حسان بذراه قائلا:
- افعل ما تشاء.
وسار بعيدا، وهو عائد إلى بيته، شاهد محاسن تنظر من الشرفة، أسرع إلى بيته، قابلته توحيدة فى قلق:
- ماذا حدث، ما الذى جعلك تعود هكذا؟
انتظرت منه ثورة عارمة لأنها تتدخل فيما لا يعنيها، لكنه لم يفعل هذا، بل أجلسها بجانبه وطلب منها أن تسمعه:
- أوامرك يا معلم.
- ماذا يحدث لو طلقتك؟!
قامت فزعة:
- فأل الله ولا فألك.
- - إننى أقول " لو " يا توحيدة.
- لا أريد هذه السيرة فى أى وقت.
- أمرك.
فوجئت المرأة بتحوله. قالت لنفسها: " الرجل كبر وربنا هداه "
بعد أيام قلائل كان حسان قد اختار الاختيار الصعب: أن يطلق توحيدة ويحدث ما يحدث.
صرخت المرأة وبكت:
- تطلقني بعد كل هذا العمر؟!
- يا توحيدة اهدئي، لن تخرجي من بيتى، ستعيشين مع أبنائك كما أنت.
- كيف يا رجل وأنت مطلقنى؟!
- أنت أم أولادي. ستبقين فى البيت، تأكلين وتشربين، فأنت ليس لك – الآن – سواى.
صرخت توحيدة، ولطمت خديها، فتركها قائلا:
- قلت لك،وفكري في الأمر، سأطلقك لا محالة، بدلا من خروجك من البيت، ستكونين فيه مستتة مكرمة.
لم تجبه بشيء، ولم تبك، ولم تصرخ كما كانت تفعل، ظلت شاردة كأنها جنت.
ثار الولد إبراهيم بعد خروج والده، قال لأمه:
- لن يحدث هذا أبدا، لو فعلها سنترك البيت.
لكنها لم تجبه، ظلت شاردة، هادئة. وعندما جاء حسان قالت له:
- موافقة على الطلاق يا حسان.
عارض شيخ الخفراء – أول الأمر – فى أمر زواج حسان من ابنته توحيدة.فهو يعرفه منذ أن جاء إلى أرض الطابية. كان خالي الوفاض بلا أب وأم أو عشيرة. كما أن شيخ الخفراء اكتسب مهابة بثقة الباشا به، فكيف يرضى بولد لا يعرف له أصلا أو فصلا؟! لكن أم توحيدة ألحت، فابنتها ليست بالجميلة التى يأتيها الخطاب كل يوم، وحسان شكله جميل، تتمناه البنات هناك، يتحدثن عنه مع توحيدة، فتتمناه فى نفسها ولا تقدر على البوح بذلك أمامهن.
ساق حسان علي والدها كل كبار المنطقة لكى يوافق على الزواج، لم يكن دافع حسان من ذلك هو الحب، إنما كان يطمع فى أن يتقرب من شيخ الخفراء القوى فى الطابية؛ لتكون له مهابة ومكانة، خاصة داخل المصنع الذى سيطر شيخ الخفراء عليه بثقة صاحبه به، وتحقق له ذلك،ة فبعد زواجه من توحيدة بقليل؛ تحدث مع صهره شيخ الخفراء فى أن يتحدث مع المسئولين فى الشركة ليكون هو مقاول الأنفار الذى يورد عمال دخول الدشت على الشركة، ورفع العجينة المتبقية من الصناعة. أصبح هو المقاول الذى يصدر الشيك باسمه، فيطويه ويضعه فى محفظته ويخرجه فى البنك ويعود محملا بالنقود ليحاسب عماله، ويشترى لبيته ما يشاء. وامتلأ جسد حسان، صار كالعملاق مع طوله الباسق، وتوحيدة مازالت تحبه، بل صارت تحبه أكثر، فالمال الكثير جعله يلبس المعاطف غالية الثمن، والعباءة السوداء التى طالما حلم بأن يرتديها، ويرش على جسده أغلى العطور، وتراه توحيدة – هكذا – فتحس بقيمته، وتساعده على أن يكون أكثر جمالا ومهابة.
ولدت له أولاده الثلاثة: إبراهيم وحسن وحسين، ثلاثة رجال يشدون أزره، وهو الذى جاء إلى هنا وحده بدون شيء. لكن الحب فى قلب توحيدة اهتز، تأثر من أفعاله التى لم تكن تظنه يفعلها يوما. الرجل أعمى المال عينيه، صار يسير فى الزقاق ناظرا إلى النسوة بدون حياء، جسد توحيدة ما عاد يكفيه وهو القوى كجبل. لقد جاء إليهم فردا، فصار الآن أعز منها، مات أبوها شيخ الخفراء، وأخذت الشركة بيته ليسكنه شيخ خفراء آخر ليحرس الدشت. وأصبح بيت حسان هو بيت توحيدة الوحيد. لو طردها لن تجد بيتا آخر تذهب إليه.
وكبر حسان، أعطاه الباشا كل شيء. فاشترى سيارة خصوصي، يركبها من أمام البيت حتى باب المصنع الذى لا يبعد عن البيت كثيرا. ويظل يسير بها فى المساء ناظرا إلى النسوة اللائى يتابعنه فى حسرة وحسد. ويمر أمام مقاهي المنطقة، فيقود السيارة على مهل محييا فى كبرياء.
الولد إبراهيم – الكبير – أصبح سند والده فى عمله. ينام حسان حتى الظهر. والولد يقوم بكل شيء، حتى الشيك يأتي به إليه من حسابات الشركة. وحسان يركب سيارته ويذهب إلى البنك ليصرفه.
توحيدة التى تزوجها لتكون له عزوة، يسبها الآن فى كل مرة يراها فيها. يسخر من لون وجهها الأسود. ومن ملابسها التى تطبخ بها له، وتنظف بيته وأولاده. الحب فى قلبها تقلقل، ليس هو حسان الذى أحبته. لقد صار – الآن – كتلة من اللحم، تتحرك بصعوبة، ورأسا كبيرا ممتلئا. عندما يمسك ذراعها؛ قبضة يده تدمى ذراعها النحيل، تكاد تكسر عظامها الضعيفة. الولد حسن – الصغير – يقول لها:
- والدى يتحدث مع النساء فى المصنع، يمازحهن.
هى لا تهتم، فقد رأته يمازح الجارات، ويفرض عليهن خدماته، بل كان يسخر منها أمامهن ويدعوها بالسوداء، ويحدثها حسن قائلا فى اهتمام شديد:
- أبى تشاركه النسوة فى ركوب السيارات.
قالت أول الأمر إنها امرأة من المصنع – أو الحى – قابلته فى طريقه، لكن الأخبار تأتى من كل مكان بأنه على علاقة بالبنت محاسن. جارتها التى تسكن البيت المقابل لبيتها، هى بيضاء، قامتها مديدة مثله، وشعرها مسترسل على ظهرها، كله أسود، لم يداخله البياض، ولا حتى بشعرة واحدة. أين توحيدة منها؟! وقد نحلها حسان وأولاده حتى لم يبق منها شيء.
- الأمر لا يحتمل الانتظار – يا إبراهيم -، أنت كبير وتعرف كل شيء. أبوك مادام لاف على محاسن فسوف يتزوجها.
- وماذا أفعل يا أمى؟
- حدثه، هو يحبك، أنت ذراعه اليمنى، سنده، من غيرك لا يستطيع أن يعمل.
- لكن........
- محاسن لو دخلت البيت ستخربه.
ويخرج الولد إبراهيم لمقابلة والده خارج البيت، لكن حسانا كان عنيدا:
- سأتزوجها – يا إبراهيم – ولن تفلح ألاعيب أمك توحيدة.
لم يقل إبراهيم شيئا، ماذا سيقول؟ أبوه بالنسبة له مارد عملاق لا يستطيع أن يعارضه فى شيء، فما بالك فى موضوع شخصي مثل هذا؟!
اشترى حسان الهدايا ودخل البيت المواجه لبيته عينى عينك. أمام كل أهل الحارة، استقبلته أم محاسن:
- أهلا سيد المعلمين.
- ألم يحن الوقت بعد يا محاسن؟
- أؤمر يا معلم.
- خير البر عاجله يا محاسن.
- لكن أنت متزوج يا حسان.
- ولو.......
- لا، فشل زواجي الأول ولا أستطيع أن أغامر ثانية.
- لماذا؟
- لو دخلت بيتك، لن تنتهى المشاكل مع توحيدة. لقد فشل زواجى الأول بسبب حماتي، وهذه المرة.......
قاطعها حسان:
- بربك لا تكملي
- لو تريدني حقا، سأكون أنا ست البيت.
- موافق.
- كيف، وهى أم أبنائك الثلاثة الذين يعملون معك، ويعرفون أسرار عملك؟!
زفر:
- وماذا تريدين؟
- أن أكون سيدة البيت وحدى.
- ستكونين سيدته وحدك.
- لن يكون هذا، مادامت على ذمتك.
- تقصدين أن أطلق توحيدة؟
- هذا ليس شأني.
قام الرجل حزينا، سار إلى بيته، عندما قابل توحيدة لم يصرخ فيها كعادته، بل نظر إليها شاردا. أغلق باب حجرته خلفه، وخلع عباءته، رماها بعيدا ونام فوق فراشه بباقي ملابسه. أيطلق توحيدة بعد هذا العمر؟ وأولادها ماذا سيفعلون؟ كيف سيواجههم وهم سنده فى عمله؟ لكن محاسن جميلة، بيضاء كالقشطة، وجسدها مربرب. آه، لقد ضاع عمره مع توحيدة وأبنائها، تحمل دمامتها وسواد بشرتها، فلماذا لا تعطيه هى وأولادها ما يريد؟
كان صعبا عليه أن يختار، لولا النوم – جزاه الله كل خير – لبقى هكذا حائرا حتى الصباح.
بدأ يومه التالى باردا كالثلج. يسير وسط عماله فلا يراهم ولا يرى أى شيء سوى جسد محاسن المترجرج وشعرها المسترسل اللامع. فليطلق توحيدة.
يوقظه الولد إبراهيم. يسأله عن أشياء فى العمل، يشيح حسان بذراه قائلا:
- افعل ما تشاء.
وسار بعيدا، وهو عائد إلى بيته، شاهد محاسن تنظر من الشرفة، أسرع إلى بيته، قابلته توحيدة فى قلق:
- ماذا حدث، ما الذى جعلك تعود هكذا؟
انتظرت منه ثورة عارمة لأنها تتدخل فيما لا يعنيها، لكنه لم يفعل هذا، بل أجلسها بجانبه وطلب منها أن تسمعه:
- أوامرك يا معلم.
- ماذا يحدث لو طلقتك؟!
قامت فزعة:
- فأل الله ولا فألك.
- - إننى أقول " لو " يا توحيدة.
- لا أريد هذه السيرة فى أى وقت.
- أمرك.
فوجئت المرأة بتحوله. قالت لنفسها: " الرجل كبر وربنا هداه "
بعد أيام قلائل كان حسان قد اختار الاختيار الصعب: أن يطلق توحيدة ويحدث ما يحدث.
صرخت المرأة وبكت:
- تطلقني بعد كل هذا العمر؟!
- يا توحيدة اهدئي، لن تخرجي من بيتى، ستعيشين مع أبنائك كما أنت.
- كيف يا رجل وأنت مطلقنى؟!
- أنت أم أولادي. ستبقين فى البيت، تأكلين وتشربين، فأنت ليس لك – الآن – سواى.
صرخت توحيدة، ولطمت خديها، فتركها قائلا:
- قلت لك،وفكري في الأمر، سأطلقك لا محالة، بدلا من خروجك من البيت، ستكونين فيه مستتة مكرمة.
لم تجبه بشيء، ولم تبك، ولم تصرخ كما كانت تفعل، ظلت شاردة كأنها جنت.
ثار الولد إبراهيم بعد خروج والده، قال لأمه:
- لن يحدث هذا أبدا، لو فعلها سنترك البيت.
لكنها لم تجبه، ظلت شاردة، هادئة. وعندما جاء حسان قالت له:
- موافقة على الطلاق يا حسان.
