كانت الشمس تلهب الأجساد في ذلك الصباح الصيفي، حين إتخذ مكانه في صف المنتظرين عند باب مؤسسة التجارب الابتكارية ذات المبنى الشاهق. جاء إليها عقب إعلانها عن استقبالها المواطنين الذين يجدون أنهم يملكون أفكاراً خلاقة جديدة في شتى الاختصاصات العلمية والإنسانية، يمكن أن تحقق نفعاً للبلد الذي تراجع كثيراً، وهو يعاني غياب الخبرات والأفكار الجديدة المبتكرة التي تتماشى مع عجلة العالم المستمرة بالدوران في مركبة التقدم.
بدا صف المنتظرين فسيفساء مكونة من أعمار مختلفة.
تأفف، وهو يتصبب عرقاً، مفكراً بأن ينسحب من الصف، مرجئاً ما جاء لأجله إلى يوم آخر، لكنه لاحظ شيئاً غريباً أثار استغرابه، حين أطرق رأسه، لإتقاء لهيب الشمس.
كان لجميع الواقفين ظلال، إلاّ هو! مالَّ بجسده يميناً ويساراً، استدار، رفع يديه، لعله يرسم بهما على الأسفلت ظلاً، حتى خاله البعض أبلهَ، لكنه لم يجد شيئاً.
ليست المرة الأولى التي يحدث له ذلك، فقبل شهور، وعندما كان واقفاً مع زملائه على منصة قاعة الندوات العلمية، وهي شديدة الإضاءة، لتحية الحضور بعد نهاية الندوة، لم يمتد من قدميه خيال جسد، بينما كانت أخيلة زملائه واضحة، فظن أنّ التعب جعله يتخيل ذلك، كما لم يكن له ظل في ساحة الجامعة حين يصل إليها عند بدء الدوام، أو يغادرها بعد انتهائه، ولم يكن منتبهاً.
لكنه هنا، مع ملاحظته افتقاده ظلاً، شعر بمزيج من مشاعر سلبية.. خوف وخيبة وغيرة، فسحب خيال الشخص النحيل الواقف قبله. احتضنه الخيال ذو الخصر الدقيق برّقة، ماسكاً بيديه، يراقصه رقصة الباليه وسط خجله من جسده المترهل أمام خطوات الخيال المنسابة برشاقة وإتقان، ما جعله يسحب يديه من يدي الخيال، ملقياً إياه على صاحبه الذي التفت، وابتسم بنعومة!
شعر الرجل بالامتعاض من تلك الابتسامة الساخرة منه، فالراقص يمتلك ظلاً، وهو صاحب الاختصاص العلمي لا يمتلك واحداً.
استدار إلى الوراء، ليجد نفسه أمام رجل ضخم كان ينتظر هو الآخر دوره. بدا خياله مغرياً بحجمه، فانقض عليه محاولاً سحبه من صاحبه، جاء به يميناً ويساراً، وأوقعه أرضاً وقذفه عالياً ، لكنه لم يفلح في قلع الخيال!!
لكمه الرجل الضخم على وجهه، وأوقعه أرضاً، وهو يصفه بالمخبول، فشعر بالخجل منسحباً إلى الوراء، حيث وجد كهلاً تعباً مكفهر الوجه، وقد افترش الأرض، ليرتاح، ومعه استلقى ظله. وحين لاحظ أن الكهل أغمض عينيه أنقض صاحبنا على الظل، وفرّ به، لكن ليس بعيداً كثيراً عن المكان، حيث اشترى مادة لاصقة، محاولاً لصق نهايات الظل بقدميه، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث سقط الظل أرضاً، متكوماً في طيات!
شعر الرجل بالخيبة والمرارة، بعد تكرار محاولاته الفاشلة، وجلس القرفصاء قرب الظل، يتأمله بيأس، ويفكر ماذا يفعل؟ ثم نهض وحمله، وهو مطوٍ، بإتجاه صف الأشخاص الذين كانوا ينتظرون عند باب المؤسسة، ليعيده إلى صاحبه، وقد قرر البحث لاحقاً في الصف عن ظل آخر قابل للصق.
حين وصل إلى المؤسسة، وجد زحمة الانتظار قد اختفت. لم يكن هناك سوى الكهل المتعب مغمض العينين، مستلقياً على الأرض بلا حراك. فوضع، بحزن وخيبة، الظل المطوي قرب الجثة، وحين رفع رأسه، ليمضي، لم ينتبه إلى ظل له كان متكسراً يحاول لملمة شظاياه، وهو يبكي بصمت!!
بدا صف المنتظرين فسيفساء مكونة من أعمار مختلفة.
تأفف، وهو يتصبب عرقاً، مفكراً بأن ينسحب من الصف، مرجئاً ما جاء لأجله إلى يوم آخر، لكنه لاحظ شيئاً غريباً أثار استغرابه، حين أطرق رأسه، لإتقاء لهيب الشمس.
كان لجميع الواقفين ظلال، إلاّ هو! مالَّ بجسده يميناً ويساراً، استدار، رفع يديه، لعله يرسم بهما على الأسفلت ظلاً، حتى خاله البعض أبلهَ، لكنه لم يجد شيئاً.
ليست المرة الأولى التي يحدث له ذلك، فقبل شهور، وعندما كان واقفاً مع زملائه على منصة قاعة الندوات العلمية، وهي شديدة الإضاءة، لتحية الحضور بعد نهاية الندوة، لم يمتد من قدميه خيال جسد، بينما كانت أخيلة زملائه واضحة، فظن أنّ التعب جعله يتخيل ذلك، كما لم يكن له ظل في ساحة الجامعة حين يصل إليها عند بدء الدوام، أو يغادرها بعد انتهائه، ولم يكن منتبهاً.
لكنه هنا، مع ملاحظته افتقاده ظلاً، شعر بمزيج من مشاعر سلبية.. خوف وخيبة وغيرة، فسحب خيال الشخص النحيل الواقف قبله. احتضنه الخيال ذو الخصر الدقيق برّقة، ماسكاً بيديه، يراقصه رقصة الباليه وسط خجله من جسده المترهل أمام خطوات الخيال المنسابة برشاقة وإتقان، ما جعله يسحب يديه من يدي الخيال، ملقياً إياه على صاحبه الذي التفت، وابتسم بنعومة!
شعر الرجل بالامتعاض من تلك الابتسامة الساخرة منه، فالراقص يمتلك ظلاً، وهو صاحب الاختصاص العلمي لا يمتلك واحداً.
استدار إلى الوراء، ليجد نفسه أمام رجل ضخم كان ينتظر هو الآخر دوره. بدا خياله مغرياً بحجمه، فانقض عليه محاولاً سحبه من صاحبه، جاء به يميناً ويساراً، وأوقعه أرضاً وقذفه عالياً ، لكنه لم يفلح في قلع الخيال!!
لكمه الرجل الضخم على وجهه، وأوقعه أرضاً، وهو يصفه بالمخبول، فشعر بالخجل منسحباً إلى الوراء، حيث وجد كهلاً تعباً مكفهر الوجه، وقد افترش الأرض، ليرتاح، ومعه استلقى ظله. وحين لاحظ أن الكهل أغمض عينيه أنقض صاحبنا على الظل، وفرّ به، لكن ليس بعيداً كثيراً عن المكان، حيث اشترى مادة لاصقة، محاولاً لصق نهايات الظل بقدميه، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث سقط الظل أرضاً، متكوماً في طيات!
شعر الرجل بالخيبة والمرارة، بعد تكرار محاولاته الفاشلة، وجلس القرفصاء قرب الظل، يتأمله بيأس، ويفكر ماذا يفعل؟ ثم نهض وحمله، وهو مطوٍ، بإتجاه صف الأشخاص الذين كانوا ينتظرون عند باب المؤسسة، ليعيده إلى صاحبه، وقد قرر البحث لاحقاً في الصف عن ظل آخر قابل للصق.
حين وصل إلى المؤسسة، وجد زحمة الانتظار قد اختفت. لم يكن هناك سوى الكهل المتعب مغمض العينين، مستلقياً على الأرض بلا حراك. فوضع، بحزن وخيبة، الظل المطوي قرب الجثة، وحين رفع رأسه، ليمضي، لم ينتبه إلى ظل له كان متكسراً يحاول لملمة شظاياه، وهو يبكي بصمت!!