د. محمد عبدالله القواسمة - الانتخاب في رابطة الكتاب (قصة قصيرة)

لمّا كان موعد اجتماع الهيئة العامة لرابطة الكتاب الأردنيين الساعة العاشرة من يوم الجمعة؛ لانتخاب هيئة جديدة فكر في أن يتأخر عن الاجتماع، فلا ضرورة أن يشارك في مناقشة التقريرين الإداري والمالي التي تستمر ساعة على الأقل، وأن يحضر بعد بدء عملية الاقتراع. فكما جرت العادة يبدؤون بكبار السن، ويسمحون لهم بالتصويت قبل غيرهم.
صعد في التاكسي، وقال للسائق أن يتجه إلى غرفة صناعة عمان. تعجب من خروجه في هذا الوقت المبكر من يوم جمعة. أجابه بأنه سيشارك في انتخاب هيئة إدارية لرابطة الكتاب، هي دقائق يكتب الأسماء التي في ذهنه، ويلقي بالورقة في الصندوق، ويخرج ليوقف سيارة أجرة، ويعود إلى البيت. سأله السائق:
- بهذه السرعة؟
- نعم تستطيع أن تنتظرني حتى أنتهي من ذلك، فكما أرى لا حركة للبشر في هذه المدينة في هذا الوقت، كأن العمل هدها طوال الأسبوع.
ضحك السائق:
- هل هذا ما يحدث لك عادة في الانتخابات الماضية؟
- قبل سنتين لم يكن جسمي كما ترى. هجمت علي الشيخوخة مبكرة، وصحتي لا تساعد على الانتظار حتى ينادى على اسمي. كنت أرى كبار السن يسمح لهم بالتصويت أولًا. وهذا سلوك حضاري وإنساني.
أجاب السائق بدهشة:
- لا أظن أن الأمر بهذه السهولة كما تقول؛ فلا أرى أن مجتمعنا تغير حتى يصل إنسانه إلى تحقيق هدفه بيسر وسهولة. على كل حال، هذا رقم هاتفي تستطيع أن تتصل بي. سأحضر إليك سريعًا.
سجل رقم هاتفه وهو يقول في نفسه:" هذا السائق لا يعرف مجتمع المثقفين حق المعرفة خاصة في الانتخابات"
دخل غرفة صناعة عمان. المثقفون منتشرون في ردهاتها. استقبله المرشحون بالأحضان. اتجه نحو الطاولة الممتدة التي يجلس إليها أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخاب. وكان بعض كبار السن يسجلون أسماءهم ويحصلون على ورقة الاقتراع. عندما رآه مسؤول اللجنة قال:
- أرجوك. أوقفنا المناداة على كبار السن، على الجميع الانتظار حتى ينادى عليهم.
لم يشأ أن يعترض، وأقنع نفسه بالتريّث؛ فعدد الذين يحق لهم الانتخاب من أعضاء الرابطة قليل، حوالى الأربعمئة.
رأى صديقه القديم دكتور حسين. هاله انهيار صحته أشد منه، ويتكئ على عصا. رأى الدكتور أن يجلسا قليلًا؛ فهو مشتاق للقائه. قال إنه حصل على ورقة الاقتراع عندما رأوه، واقترح بأن يأخذ عصاه، ويتكئ عليها أمامهم. أجابه بأنه لا يلجأ إلى هذا الأسلوب، ويعده نوعًا من الغش. قال بسخرية:
- إذن انتظر إلى ما بعد الظهر أو المساء.
شاهد بعض كبار السن قد حصلوا على أوراق الاقتراع. فهب إلى اللجنة مرة أخرى. قال رئيسها:
- انتظر حتى تسمع اسمك.
تمالك نفسه، وعاد إلى صديقه. أشار عليه أن يعود إليهم فبعد قليل يوقفون العملية لصلاة الجمعة. دب الغضب بأوصاله، وعاد إليهم وصرخ بهم:
- في الحقيقة، حالتي الصحية لا تحتمل الانتظار إلى ما بعد صلاة الجمعة. وأنتم سمحتم لأمثالي بالتصويت، بل ولبعض الشباب أيضًا. هذا ليس من شيم المثقفين الذين يحرصون على النظام، ويراعون أصحاب الظروف الصحية أمثالي. لن أبرح حتى أحصل على ورقة الاقتراع.
عجب من عدم مناصرته في طلبه من المرشحين، أو رؤساء الرابطة السابقين.
أخيرًا مُنح بعد جهد ومكابدة ورقة الاقتراع، وسمع رئيس اللجنة، وهو يصفه بأنه مثقف عضوي، وليس مثقفًا هامشيًا.
انتخب، وترك صديقه ينتظر ابنه الذي وعده بأن يعيده إلى البيت.
تذكر، وهو على الرصيف في انتظار سيارة أجرة ذلك السائق الذي جاء به. اتصل به لم يرد. اتصل مرة أخرى لم يرد. فأدرك أنه نسيه أو تجاهله. قال في نفسه:" السائق أكثر فهمًا مني في أخلاق المثقفين وسلوكهم، وربما لهذا لم يرد على اتصالي"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى