صديقة علي - بقايا حصير...

أغلب جاراتها يملكن فرشا ،ومساندا تحيط بجدران غرفة استقبال نظيفة، ومرتبة .
كلما افترشت الحصير العفنة ،تبتهل الى الله ان يريحها منها ،وترميها خارجا، وتحلم بجدران نظيفة لا تشوبها بقع الرطوبة ،وببيت لا تنزل اليه بأدراج مظلمة،بل تصعد بها الى النور، وعندما تطلب من زوجها أن يبيع البقرة ليشتري لها ماتحلم به من فرش منجد بقماش أزرق مخملي كان يزجرها باستنكار
(جننت يا امرأة !!!...نبيع البقرة كي تتباهين ببضعة فرش ومساند ؟؟؟).
لكن انا لا أريدها كي اتباهى بها ،ابنتك أصبحت شابة، اين ستجلس من يأتي لخطبتها ... أعلى هذه الحصير المهترئة ؟؟
هنا يفقد حيلته على الرد ...لكنه ينهي إلحاهها بأوامره ( نامي... نامي) .
تمتثل لأوامره وتنام لتنعم بأحلامها ... كانت تصلي الفجر وتبتهل الى الله ان يرزقها ما تحلم به
وكثيرا ما كانت تفكر بحلول تحقق احلامها بعيدا عن خسارة البقرة ،مصدر رزقهم الوحيد .
فكرت بأن تطلب مهر ابنتها ،فرش ومساند ،وتعود لتقول ( ما احتاجه يلزمني قبل ان يأتي من سيدفع المهر )
وهكذا ...مضت السنون دون ان تتخلص من حصيرتها ولا من أحلامها .
******* ****** ****** ****** ******
ترملت بعد أن تزوجت ابنتها ممن لا يقدر على دفع المهر .وأصبحت قادرة على بيع البقرة، وطلاء الجدران، و تحقيق أمنيتها الملازمة لها .
في اليوم الأول جلست تتأمل السقف، والجدران ولم تستطع النوم وهي ترتب المساند حول غرفة الاستقبال فغدا صباحا حتما ستأتي الجارات ليباركن لها بفرشها المخملي الازرق.
حضرت الحلويات التي تقدر على صنعها طوال الليل وكأنها تترقب صباح العيد .
..انتظرت قدومهن ،وتوسطت الشمس كبد السماء ،ولم يطرق بابها أحد فكرت أن تدعوا المارين بجانب نافذتها، والتي لا ترى منهم سوى أقدامهم ، لم يسمح كبرياؤها بذلك . وضعت صينية الحلوى في وسط الغرفة ،و خنقتها الخيبة التي أكلت فرحتها. ونامت من شدة الإرهاق واليأس .
استيقظت في صباح اليوم التالي، وهي تصبر نفسها
(حتما هن لم يسمعن بالخبر ) .
هي لا تعرف أن كل من في القرية سمع بقصة البقرة التي باعتها الأرملة.
مضى الأسبوع الأول لم تغادر به بيتها ،أصبحت تجلس على الأرض بجانب الفرش الجميل كي لا تفسد ترتيبه، وتتأمله بكل حسرة، أن لا أحد شعر بسعادتها التي بدأت تتبدد. ..
****** ********* **********
خرجت يوما للقطاف ...بدأت الأمطار بالهطول بغزارة بغير موعدها ،وطافت شوارع القرية بسيول لم تعرفها من قبل ...اخذت تستغيث ان انقذوا بيتي ...حاولوا ان يهدأوا من روعها، لكنها لم تحتمل فكرة فرشها الغارق بالماء. أخذت تركض وحيدة بعكس التيار، حتى وصلت إلى بيتها، منعها تدفق السيول على أدراج بيتها من النزول لإنقاذ حلمها .أخذت تهرول من نافذة لأخرى، وتنحني لتصل الى مستوى منخفض لتشيع به كل أمنياتها في الحياة ...
سطعت الشمس ،وخرج أهل القرية يتفقدون خسائرهم بعد يوم عاصف ...فتعثروا بجثتها الموحلة الممددة فوق بقايا حصير بجانب الدرب المطل على غرفة الضيوف العائمة .

صديقة صديق علي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى