جعفر الديري - انتيف انتيفان

كانت حكاية البطل الشعبي «انتيف انتيفان» قد شاعت بين الناس، حين تمكّن بفضل عقله الكبير وسرعة بديهته، من إنقاذ نفسه وأشقّائه من جنيّات أردن التهامهم واحداً تلو الآخر. لكن الحكاية لا تذكر شيئاً عن المكان الذي عاش فيه «انتيف انتيفان»، ولا مسرح الحادثة الغريبة، ولا حتى أسماء أشقّائه أو اسم أمه وأبيه، وأي شيء آخر يتعلق به.

غير أنّي ومن حسن حظّي وحظِّ القراء وقعت على وثيقة لدى أحد أصدقاء الصبا، كشفت لي عن جوانب أخرى حول «انتيف انتيفان»، عثر عليها صديقنا في حفرة قرب نخلتين ملتصقتين عند شاطئ البحر، فحمدت الله تعالى أن مكنني من الاطلاع على هذا الكنز الثمين.

ورغم أن صاحب الوثيقة سارع إلى استرداد كنزه الثمين، وأجبرني أن أتعهّد له أن لا أذكر اسمه أو أشير إليه، أجدني مطالباً بحفظ حق القرّاء من الباحثين والمهتمين، باطلاعهم على ما تضمنته من معلومات، ووصف لبعض أحوال «انتيف انتيفان»، هذا البطل الذي عاش وما زال في أذهان الناس، صورة للعقل الكبير، والقلب الذكي.

تقول الوثيقة «يشاء القدر أن يولد «انتيف انتيفان» مختلفاً، طفل لا يجمع بينه وبين أشقّائه سوى أنّهم خرجوا جميعاً من بطن واحد! أمّا الشكل، الروح، الذكاء، فشتان بينه وبينهم، كان قبيح الشكل أشبه بالمسخ، وكانوا مليحي الوجوه، كانوا طوال القامة كالرماح، وكان قصيراً أقرب إلى بنية القزم، وكانوا متغطرسين وكان في منتهى الطيبة، وكانوا حمقى وكان في منتهى الدربة والدراية، وكانوا فقراء في ذكائهم، وكان الذكاء أكثر ما يميزه بينهم.

عاش "انتيف انتيفان" بين إخوته غريباً، لا يعيرونه أدنى اهتمام، بل كانوا يستاؤون كثيراً عندما يصحبهم، حتى في المناسبات، يحاولون ما أمكنهم تجنُّب المشي معه، لكن الله تعالى أعطاه من الاتزان النفسي، وقوة الأعصاب، ما جعله يقابل الاستصغار بالترفع، ونظرات الاحتقار بالشفقة على الإنسان وقلة عقله.

كان شديد الاعتزاز بنفسه دون غرور أو تكبر، وكان على ثقة بأن الله تعالى سيتيح له من المواقف ما يغير نظرة الناس له، هل يعني ذلك أنه عاش طوال عمره دون مواقف من هذا النوع؟ كلا.. كان الجميع يدرك حكمة انتيف انتيفان وسرعة بديهته، خصوصاً إخوته، لقد شهدوه في مواقف كثيرة، يتفتق ذهنه عن حلول لا تخطر على بال أحد، فيسارعون للثناء عليه وعلى مواهبه، لكنهم سرعان ما يتناسون ما جرى، وكأن شيئاً لم يحدث، حتى جاءت تلك الأحداث التي خلدت صورة انتيف انتيفان في أذهان الناس، حتى يومهم هذا، مثالاً للذكاء والعقل، ودليلاً على أن الإنسان أكبر من أن يحصره الناس في شكل ووسامة.

حدث ذلك عندما أزمع إخوته على زيارة قريب لهم، اختاروا من الجياد أفضلها، وتحرَّكوا دون أن يعلموا أنه يتبعهم، حتى إذا حاذوا نهراً عظيماً، تحيَّروا ماذا يصنعون، عندما خرج لهم من حيث لا يشعرون، ورغم استيائهم، سكتوا، لعلمهم أن هذا المسخ، قادر على إنقاذهم...».

إلى هنا ويتوقف كاتب الوثيقة عن سرد قصة «انتيف انتيفان»، وشخصياً شعرت بالأسف الشديد، ولا أخال أحداً من المهتمين بحياة هذه الشخصية لن يشعر بذلك.

تمت

المصدر: جريدة الوطن البحرينية: الجمعة 29 أغسطس 2014.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى