سأرحل بعيداً... سأمضي مكرهاً في رحلتي مع الحياة.
هنا أعيش وحيداً في قبوي العفن... أتمدد، أجثو... أحاول النوم لا أستطيع... فقدت كل شيء. تضعضع إيماني. هزني الواقع ومع هذا ما أزال أمشي، أفكر وأتنفس... أتأمل الوجوه بنظرات تائهة حزينة... أتصور نفسي فراشة لا تقوى على الطيران تلفها الشباك من كل جانب....
كنت أحبها بصدق... كانت حياتي... كنا نلتقي دائماً. الحياة سعيدة ضاحكة. تلفنا ظلال أيكة متلاحمة الأغصان وأذرع «عرزال» ينام على كتف الوادي. نتبادل قبلات الحب ونشدو للهوى السعيد في وجودنا معاً.
نضحك، نهزج، نتهامس، نغفو، نشدو... يتجاوب الحب في أعماقنا لحناً أبدياً... مع كل هذا ذهبت حبيبتي مع الرجل الآخر.... لا يقرأ ولا يكتب وإنما يحمل لها ما تشاء من مستحضرات كريستيان ديور....
وأتذكر صديق الطفولة «عبد الله» رفيقي الوحيد. شاطرني الرغيف. ناضلنا معاً. سجنا معاً. نمنا في قبوي المعتم معاً تلفنا الرطوبة ويدثرنا الجوع. هجرني عندما أصبح شيئاً، أصبح كبيراً... خطيب المنابر وشاغل الناس... حاولت أن أراه، أن أصلَ إليه، أن أذكره بصداقتنا القديمة أن أحدثه عن ليالي الجوع والحرمان... لم أقو على ذلك... كنت أنضال بلا جدوى فأنا فاشل في صداقتي كما فشلت في حبي... ناديته من بين الجماهير المحتشدة يا صديقي! أحسست شيئاً يمنعني ومن يقول لي لا تقترب! قف! وناد مع المنادين نكصت إلى الوراء... تطلعت فيما حولي برعب وبكل قوتي ناديت عاش! عاش... وتهاويت من شدة الصراخ تحت الأرجل الزاحفة المنادية عاش! عاش.
عندما صحوت. وجدت نفسي على الرصيف والناس من حولي يتضاحكون. ماذا جرى لي. لم أر صديقي حملته السيارات بعيداً... وأنا هنا ممدد على الرصيف أبكي حبيبتي «مرام» لأنها ماتت في أحضان «كريستيان ديور» وأبكي رفيق الطفولة «عبدالله» الذي مات في أحضان الوظيفة.
أتحامل جاراً نفسي المتعبة إلى قبوي الرطب القديم. أفتح عينيّ أنظر إلى السقف أتأمل الرتيلاء النشيطة تمد شباكها في أرجاء القبو من المستودع إلى «خم الدجاج» تتبختر بخيلاء وزهو، تعمل بمهارة... سريعة العدو والسطو. تمتص دم الذباب الصغير الكسول... تفترسه واحدة واحدة. لها أرجل كثيرة تمدها في كل اتجاه، تسطو على كل شيء.... تمتص ما في الحشرات من دماء..... تسيطر على كامل القبو المظلم لا تبقي ولا تذر.... شرهة، نهمة، أكول. وغفوت على مرأى الرتيلاء وهي تأكل الذباب...
ورأيت في الحلم... أن القبو قد تحول إلى حديقة مليئة بالزهور والفراش الجميل بألوانه الزاهية يطير في أرجائه والرتيلاء ترسل بأقدامها العابثة في كل اتجاه تطال الزهور والفراش تعبث بالقبو الحديقة تمزق الورد، تلتهم كل شيء....
استيقظت صارخاً لأجد الظلام المخيم حولي ورائحة العفن في قبوي المظلم.
عدت أفكر «بمرام» حبي الذي مات. قال لها الرجل القادم... حملت لك ثوباً مزركشاً من «سمرقند» وحجراً صخرياً لامعاً أحضره أول فدائي زار القمر... و«زمردة» ستأخذ مكانها على رأسك و و... رفعت رأسي ورددت صارخاً إنه لم يعطك حباً... ولا أدري يا «مرام» لماذا ذهبت إليه لا أدري لأنني لا أفهم كالرتيلاء في الحلم أصبحت تأكل الفراش وكان مأكلها ذباباً... وبقيت وحدي هيكلاً متداعياً ومؤسسة مالية فقدت سيولتها النقدية. انتهيت لم يعد لي جناحان... لا أقوى على الطيران... فقدت رصيدي على موائد القمار... خسرت مرام... خسرت صديقي وخسرت مستودعي المغلف بالحزن والكآبة...
الصرصار الذي كان يغني لي أعذب أناشيده في قبوي المظلم. أخافه العنكبوت مضى مع الفجر إلى الجبل. عشش في السفح... لم يعد يغني الغناء الحزين ولا المفرح وكلاهما مبهج...
أنا المهزوم ترفضني الأرض لأني بلا هوية... هارب من معسكرات الاعتقال... أنتظر الصيف وعندما يأتي الصيف أنتظر الشتاء.... ويمضي العمر وأنا أنتظر. وعندما تلوح تباشير صيف آخر أغني لمرام علّها تعود... علها تتذكر علها ترحم... كنت سعيداً بحبها وكانت سعيدة معي. كنت أقبلها ولا أرتوي. كنت أرتشف الحب من فورة نهديها المعبأين بالرغبة.... لكنها اليوم له... لمستحضرات التجميل... وشعوري الأكيد أنها لي... فالريح لا تغير مجراها ولو وضعوا في طريقها ملايين السدود...
أنا المهزوم في رحلتي مع الشقاء.
سأنتهي... سيقتلني الحب الذي كان..
سأغني لمرام لتعود... وعندما تعود سأحبها... ولن أكف عن الغناء. سأرقص سأصفق وسأظهر لها براعتي في الحب والرقص والغناء....
شيء خانق يحيط عنقي يشدّ عليه. أكاد أختنق. أسير كالآلة. أفقد صوتي... أريد أن أصرخ لا أستطيع... الرتيلاء تلتهم كل ما بقي من جمال وعذوبة...و «مرام» أصبحت قارورة عطر بيد رجل لا يحسن استخدامها.
وصديقي عبد الله لم يعد سوى ذكرى أيام الشقاء والجوع... أصبح يرفل بأثواب مزركشة، تحمله السيارات ويعيش في أتون المركز...
سأركع لأصلي لحبي الذي كان... للصداقة التي ماتت... وللذكريات التي اندثرت.
وأتطلع إلى الشمس قائظة محرقة حتى الموت. تدمع عيناي... أتعرق ألهث وأنا أجتر الماضي البعيد... أركض.. أهرب في طريق البحر... أصرخ أيها البحر دع أمواجك تهدهد جسدي المتعب... لكي أعود إلى الشاطئ رجلاً آخر مات ماضيه. دعني أستيقظ على رنات أجراس حياة جديدة لا تثقلها الذكريات... هدهدني بأمواجك لأنام في أحضانك متطهراً... ولأعود إلى الحياة نظيفاً خفيفاً منتصراً على هزيمتي التي كانت بغيضة تافهة حقوداً.
هنا أعيش وحيداً في قبوي العفن... أتمدد، أجثو... أحاول النوم لا أستطيع... فقدت كل شيء. تضعضع إيماني. هزني الواقع ومع هذا ما أزال أمشي، أفكر وأتنفس... أتأمل الوجوه بنظرات تائهة حزينة... أتصور نفسي فراشة لا تقوى على الطيران تلفها الشباك من كل جانب....
كنت أحبها بصدق... كانت حياتي... كنا نلتقي دائماً. الحياة سعيدة ضاحكة. تلفنا ظلال أيكة متلاحمة الأغصان وأذرع «عرزال» ينام على كتف الوادي. نتبادل قبلات الحب ونشدو للهوى السعيد في وجودنا معاً.
نضحك، نهزج، نتهامس، نغفو، نشدو... يتجاوب الحب في أعماقنا لحناً أبدياً... مع كل هذا ذهبت حبيبتي مع الرجل الآخر.... لا يقرأ ولا يكتب وإنما يحمل لها ما تشاء من مستحضرات كريستيان ديور....
وأتذكر صديق الطفولة «عبد الله» رفيقي الوحيد. شاطرني الرغيف. ناضلنا معاً. سجنا معاً. نمنا في قبوي المعتم معاً تلفنا الرطوبة ويدثرنا الجوع. هجرني عندما أصبح شيئاً، أصبح كبيراً... خطيب المنابر وشاغل الناس... حاولت أن أراه، أن أصلَ إليه، أن أذكره بصداقتنا القديمة أن أحدثه عن ليالي الجوع والحرمان... لم أقو على ذلك... كنت أنضال بلا جدوى فأنا فاشل في صداقتي كما فشلت في حبي... ناديته من بين الجماهير المحتشدة يا صديقي! أحسست شيئاً يمنعني ومن يقول لي لا تقترب! قف! وناد مع المنادين نكصت إلى الوراء... تطلعت فيما حولي برعب وبكل قوتي ناديت عاش! عاش... وتهاويت من شدة الصراخ تحت الأرجل الزاحفة المنادية عاش! عاش.
عندما صحوت. وجدت نفسي على الرصيف والناس من حولي يتضاحكون. ماذا جرى لي. لم أر صديقي حملته السيارات بعيداً... وأنا هنا ممدد على الرصيف أبكي حبيبتي «مرام» لأنها ماتت في أحضان «كريستيان ديور» وأبكي رفيق الطفولة «عبدالله» الذي مات في أحضان الوظيفة.
أتحامل جاراً نفسي المتعبة إلى قبوي الرطب القديم. أفتح عينيّ أنظر إلى السقف أتأمل الرتيلاء النشيطة تمد شباكها في أرجاء القبو من المستودع إلى «خم الدجاج» تتبختر بخيلاء وزهو، تعمل بمهارة... سريعة العدو والسطو. تمتص دم الذباب الصغير الكسول... تفترسه واحدة واحدة. لها أرجل كثيرة تمدها في كل اتجاه، تسطو على كل شيء.... تمتص ما في الحشرات من دماء..... تسيطر على كامل القبو المظلم لا تبقي ولا تذر.... شرهة، نهمة، أكول. وغفوت على مرأى الرتيلاء وهي تأكل الذباب...
ورأيت في الحلم... أن القبو قد تحول إلى حديقة مليئة بالزهور والفراش الجميل بألوانه الزاهية يطير في أرجائه والرتيلاء ترسل بأقدامها العابثة في كل اتجاه تطال الزهور والفراش تعبث بالقبو الحديقة تمزق الورد، تلتهم كل شيء....
استيقظت صارخاً لأجد الظلام المخيم حولي ورائحة العفن في قبوي المظلم.
عدت أفكر «بمرام» حبي الذي مات. قال لها الرجل القادم... حملت لك ثوباً مزركشاً من «سمرقند» وحجراً صخرياً لامعاً أحضره أول فدائي زار القمر... و«زمردة» ستأخذ مكانها على رأسك و و... رفعت رأسي ورددت صارخاً إنه لم يعطك حباً... ولا أدري يا «مرام» لماذا ذهبت إليه لا أدري لأنني لا أفهم كالرتيلاء في الحلم أصبحت تأكل الفراش وكان مأكلها ذباباً... وبقيت وحدي هيكلاً متداعياً ومؤسسة مالية فقدت سيولتها النقدية. انتهيت لم يعد لي جناحان... لا أقوى على الطيران... فقدت رصيدي على موائد القمار... خسرت مرام... خسرت صديقي وخسرت مستودعي المغلف بالحزن والكآبة...
الصرصار الذي كان يغني لي أعذب أناشيده في قبوي المظلم. أخافه العنكبوت مضى مع الفجر إلى الجبل. عشش في السفح... لم يعد يغني الغناء الحزين ولا المفرح وكلاهما مبهج...
أنا المهزوم ترفضني الأرض لأني بلا هوية... هارب من معسكرات الاعتقال... أنتظر الصيف وعندما يأتي الصيف أنتظر الشتاء.... ويمضي العمر وأنا أنتظر. وعندما تلوح تباشير صيف آخر أغني لمرام علّها تعود... علها تتذكر علها ترحم... كنت سعيداً بحبها وكانت سعيدة معي. كنت أقبلها ولا أرتوي. كنت أرتشف الحب من فورة نهديها المعبأين بالرغبة.... لكنها اليوم له... لمستحضرات التجميل... وشعوري الأكيد أنها لي... فالريح لا تغير مجراها ولو وضعوا في طريقها ملايين السدود...
أنا المهزوم في رحلتي مع الشقاء.
سأنتهي... سيقتلني الحب الذي كان..
سأغني لمرام لتعود... وعندما تعود سأحبها... ولن أكف عن الغناء. سأرقص سأصفق وسأظهر لها براعتي في الحب والرقص والغناء....
شيء خانق يحيط عنقي يشدّ عليه. أكاد أختنق. أسير كالآلة. أفقد صوتي... أريد أن أصرخ لا أستطيع... الرتيلاء تلتهم كل ما بقي من جمال وعذوبة...و «مرام» أصبحت قارورة عطر بيد رجل لا يحسن استخدامها.
وصديقي عبد الله لم يعد سوى ذكرى أيام الشقاء والجوع... أصبح يرفل بأثواب مزركشة، تحمله السيارات ويعيش في أتون المركز...
سأركع لأصلي لحبي الذي كان... للصداقة التي ماتت... وللذكريات التي اندثرت.
وأتطلع إلى الشمس قائظة محرقة حتى الموت. تدمع عيناي... أتعرق ألهث وأنا أجتر الماضي البعيد... أركض.. أهرب في طريق البحر... أصرخ أيها البحر دع أمواجك تهدهد جسدي المتعب... لكي أعود إلى الشاطئ رجلاً آخر مات ماضيه. دعني أستيقظ على رنات أجراس حياة جديدة لا تثقلها الذكريات... هدهدني بأمواجك لأنام في أحضانك متطهراً... ولأعود إلى الحياة نظيفاً خفيفاً منتصراً على هزيمتي التي كانت بغيضة تافهة حقوداً.