عبدالنور الهنداوي - رشقة وضّاءة من الأجنحة...

منذ أن أعادوا إلينا ثيابنا
ووجهي يتفحّص جِراراً من الطيّب ، وآثاث الصدى
مذعوراً كنت ،
أهاجم الكسل الذي جرف حيضانه في الفراغ ،
لأغطّي ما ظلّ منّي أمام الارتجاف، وأمام صهيل الخشب الجريح ،
قالت البلاد للأثلام ، والعذارى التائهات ، وللّحم الصموت..
أنا البلاد ..
أنا اليقين الذي تشقّق أمام الهاجرة
وطوّف في الليل
ينادم بلّوراً يحثّ خطاه أمام الندم
لا براري أتذكّرها أمام الضجيج
لا ينابيع ، ولا غربان أشدّها إلى ثغورنا
فقط
ياقوت بلديّ يودّ أن يحترق بين أيدينا
يعاتب غرقاه لخصامهِ مع الموت
ويهلّل لشهوات الغيّاب، وغسيل الشهداء ؛
قد أكون جريئاً حين أتسرّب من العتمة ، إلى غبطة
تداعب أشلائها
وقد أتوسّد قطعة فوضى مالحة من أجل هذا العطش
لا علم لي بخيانة الرعد حين تخلّص من ألوان المعاطف المثلّجة
وكيف توهّج وهو يتدرّب على ضحك أزليّ
كي يتخلّص من غضب لا تطيقه الجبال ..
هذا ما وددت اقتطافه من حصانة الأنهار
وما اختزنته من أناشيد زاحمت وِهادنا المرشوشة
بالصواعق المدلّلة
كلّما اقتربت من هياج الرصاص
وداعبت عصف النبيذ الغبيّ
وتذوّقت أرغفة من سلالة الأنبياء
دفعت نداء أحبتي بحذر شاهق وبليغ
قلت :
طالما طوّفنا بكل حلاوة الأناشيد
و بكل الأدعية الملكية التي أكلت بارودنا
وكل الكنوز التي صار لها أشرعة غاية في الفداحة
ثمّة نزف خلع كل نقوشه أمام الوقار
واقتسم الزفرات الصموتة أمام مرجاننا العذب
كي لا نخون ورَعَنَا وهو يهدهد عماء معاركنا المطهوّة
بماء النُذر ،
وصواعق المعلقات
كلّ أظافرنا العاصفة ، شاخت كي يتوهّج الصخب
كلّ آه فيها رغبة جامحة لترابنا المرفّه ، وهو يعدّد النزوات الخلّابة أمام أمهاتنا الشاهقات
بين أردياء الباطل ، ونواح السفن
وبين
أ
ص
و
ا
ت
ن
ا
المباحة
ويقين أفواهنا، وهي تكتب سيّرة دمائنا المظفّرة
حيطان مرشوشة بالإلهام ، وقيافة الصدى ، ورُزَم الورد
والغياهب المجيّدة ..
نوحّد لعابنا _ وحروقنا التائهة ، وعودة البكاء على شكل طحين كي لا تضيع جملنا المحذوفة ،
ونعاتب شحوب أسرّتنا المدلوق بأحضان زوّارنا
خصبة أصابعنا حين تتوقف عن التحديق بأسماء الضحايا
خصبة ومشرقة ضحايانا وهي تحدّق في رمادها
كيف أودّع الفراغ وهو يتسرّب من لا مكان الدم
والمدن النبيلة تتدثّر بثلجها من الوريد إلى الوريد
ما من رائحة " رأيتها " ذاوية على عرشها
ما من أعياد تجلّت بترفها ، واشرأبّ ارتجافها كخبزٍ
واقف على الأطلال .
سميتكَ غسقاً شارداً في المستحيل
ورفرفت بكل ما أوتيت من حرير أغمض إيقاعه الملكيّ
أمام ضراوة الصلصال وفجاج المدائح المصدّعة ..
لا أحد حدثني يوماً عن ظلمة جاهرت بنبوغها
او اتكأت على عثرات لم تعرف انها تسوّلت قطعة من الخلود
كل ما أمتلكه ضيّعتهُ في زقاقات حاراتنا من أجل أن
أروّض مهاجع الجنود
والنقاش حول دعارة الأشباح المطمورة بالوردِ ،
وزخارف أعراسنا التي وشّحت الأكاليل
ما من دليل أن الثقوب صارت كمائن
أو ربما لفظت أحشائها أمام ضحكات الطيور ؛
المناديل أوضحت خراب وردها
والولائم التي دفنت فضائحها
عَبَرَت دون قيد إلى أحبائنا في الحديد
أيها الطالع من " أطايب " الكلام إلى حدود النهايات
الشرودة
تذكّر ما قالته اللذائذ عن زجاج الغيبوبة الصلّب
وعن..
عبثٍ تلقفتهُ قرارات الدم الصموت
ما للهواء الذي عرفناه لم يعد ينتظر الأمنيات ؟
ولا الأهل صار لهم ما صار للملائكة
إنها جِرار قوافلنا
خلعاء البكاء ، وظِلاال الغربة ، وطين السلاطين
ما اشتهيت مرّة أن أقول عن تضاريس القبعات ، وآفاق
الضمائر المهدّدة بالزوال
ليتنا ما احتفظنا بكل هذه الزفرات
ولا
دقّقنا في مشاهدة أجسادنا النّواحة .. وفجائع التراب
المشعّ
قد أحاول الاعتصام بأي رثاء
وألوذ بكمية من تساقط التوابيت وأصواتها
قال الجرح :
تعال أعلّمكَ حكاية تشبه النياشين ، ونفور المخاضات
لأن البسالة الجليلة
أعادت لأصلابنا بشارة مرّغت حضنها بالنوى
من كل شيء
نصنع شَفَقَاً
لظلّنا المكسور
نجتاز
شهواتنا
كي
لا
نظلّ
في
طفولة
مهدّدة
نقطن
في
بلاد
كلّها
رغبات
عليّلة
وكما أننا مسحنا من هذه الطرقات آثار شمس أفلتت من
يبابها
طيورنا المهاجرة
تلعب
برصاصها
وبأجنحتها ؟
تعلن أنها أكثر وحشة من رمل مسلول من الغرق
بينما الأضرحة الجذلى
أكثرت من نبض فواصلها ونوع بكائها
وحنّت لجليدٍ غامر بسقوطه العظيم ؛ ..
هكذا عبرتُ بكل طيراني ظهيرة تتأرجح كالثريا
أراقب الجفاف الذي لا نفير فيه ولا نذير
ثم بدأت بالحجارة التي وزّعت نفسها للسقوط
وبالأمتعة المباركة وأعيادها
وبالملح الذي أهملنا ليلتئم الجرح ، وتفاح البلاد
ثم بدأتُ
بخيط شقّ ظلمة سكنت أهداب الأجنّة ، والغرباء ، وعِظام الحيطان الغفورة
بدأتُ
بأصابعي الموغلة في القدم ، والوحل، والمزهريات المبشّرة بالروائح المشمسة
وبأرتال الحديد المخنوق بضوء يحاول الاقتراب من شهوته المهذّبة
بدأتُ بأهلي ، وتضاريسهم ، وغربة نومهم
وسلالات ظِلالهم
بدأتُ أبعثر العطش الذي قادني إلى رؤية " القوادين "
وخرزهم الكريم
هذا ما رأيته من سفوح الكلمات وهي تتسلّق سيقان
البشاشة ، ومواويل الأزقّة ، وطيران النُطَف وهي في
هزيعها الأخير
تعالوا
نصاهر
جلاجلنا
وضراوة
زغاريدنا
واحتضان " دفّلانا "
وهشيم كسوفنا
ونعلن أن الأدعية ، والثرثرات النادرة عن خسوفنا ،
وتذكارات النوى
لازمت انخابنا ، ورشقت أبعادنا ، وليالينا
بدمٍ له شعاع
ونفور
وبشارات
وأمتعة حامضة .
يا أبي الذي خبّأيي كشتيمة دافئة
خذني إلى خلودك الأصمّ
إلى
ساعة
إبداعك
في
مجيّئي
رسمتك على الأرض تفاحة من الذهب
وحزّمت امتعتي للقياك كي لا يجفّ الزوال
لا غرابة ابداً إذا رددت كثافة الحجارة إلى أصلها
وفتحت باب النبوءات " لأولاد الحرام "
لتلتئم النوايا
ونحتكم لجرح يقودنا إلى أماكن لا يحتذى بها
ما
لهذا
الذي
ملأني
بالماء الخجولِ
حوّلني
إلى
جزيرة يتأخّر فيها النهار
كنت العاشق الذي لاحق طمأنينة الولائم
فامتشقت نشيد النخل
ودغدغت برارينا
وحصّنت بداية الكائنات بما تيسّر لي من النوم
وكنت خائفاً
من أوبرا ملبّدة بأوثانها
وتفترش صداها الأزليّ وهي قابعة مع أناملها الخاوية
يا شماتة الجثّة التي سألت نفسها عن الآخرين ؟!
وتجلّت ذكرياتها أمام البشائر المباركة
هو
إيقاع
خلّدته
أكفّ
هاجرت
بأبعادها
أمام
جفاف
لا يودّ الارتطام
بالجفاف
ليظلّ مدبوغاً بجداوله الخجولة
يتابع اخبار شرودنا ، وعتابنا ، وما صاغه الكلام المكسور عن قطاف غبارنا
تعال يا أيها السرّ لأصف لك ما حفظناه عن رنين
الكمائن
وغسقنا الذي حاور حتفه ، وما أضمره الخزف الذليل.
منذ ولادة مِلحَنا
وأنا أنتظر العثور على ضوء لا يتّسع لأحد
أنتظر جسر البطولات ، وارتداء غسيل الخزائن الميتة
انتظر لجوءاً يمدّ يده صوب فاكهة مسيجية بحيائها
وظفائر لم تنتظر أسرارها ، ولا تودّ الإفصاح عن صرخةِ
طريق عذّبه الهباء
وعاصفة شمّاء برعمت لسفّاحها
وبعثرت رفاة فضّتنا
واستوت كلمعة الظنون ، والإشارات
إنها جوهرة الطير
وزفير اليباس.. وفيض الضنى
وانتصاب الدعاء
جائع أنا يا طير
كي تحميني من تأبين آثاثنا
ومن
رعاف
صلصالنا
قالت البلوى :
دعني أمجّدك كما لو أنك فاكهة شائخة
اذكرني في رحاب لحمك الجليل ، وإهابك المطموس
بالجنون
يا آ آ مَنْ
رفرف في خلوته
وسخّر هبوطه المخضّب بالندى
وزعفران البلاد
بماذا أضرب وجهي ؟
والإفصاح سياج يتوسّد صخب الحَمَام
والزغاريد
تلهج
أمام
زوّارها
راقمة شتائمها
في صورة نياشين من الثلج
ودم
قريب
من
عروته الوثّفى
يزاحمه
حديد امتلأ بالآلهة ، وشظايا العبيد
دلّني يا ثلج على قُبلة واقفة في الحلق
وأفرغت حظّها فوق رغيف القتيل
وذابت
أمام رصاصها الذي باركه الربّ
حين مسّها ارتجاف شامخ أمام الملأ
وصبغت جفونها
برشقة وضّاءة
من
الأجنحة !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى