أخيراً وبعد جدلٍ مستقطعٍ استمرّ لشهور، وافقتْ نور أن تذهبَ بسريّةٍ تامّةٍ لمراجعةِ طبيبٍ نفسيّ، إذ كانتْ قد رفضتْ الفكرةَ من جذورها مراراً وحجّتها أن المرضَ النفسيّ بعرفِ المجتمعِ هو نوعٌ من الجنونِ أو الاختلال، كذلك تتوهّمُ ذاكرةُ القومِ الجمعيّةِ خطرَ المريضِ على من حولِه وضرورة عزله أو حجره، لكنها في نوبةِ إحباطٍ وبعد أن سُدّتِ السبلُ أمامَ عينيها وافقتْ، وقالت لصديقتِها وهي تسندُ رأسَها المنهكَ على كتفِها:
كانت العيادةُ تقعُ وسطَ العاصمةِ كما ينبغي لطبيبٍ ذي اسمٍ لامعٍ، وقد حالفهما الحظّ بركوبِ المصعدِ إلى الطابقِ السابعِ، لأنه صادفَ أن حصّةَ هذه المنطقةِ من الكهرباء ابتدأتْ قبل وصولهما بقليلٍ، وقد بدتْ قاعةُ الانتظارِ فارغةً رغم وصولهما متأخّرَتين ساعةً عن الموعدِ مما أثارَ دهشتهما، وراحتا تتهامسان ساخرتين عن الصحّةِ النفسيةِ الممتازةِ لأبناءِ هذا البلدِ، خاصّةً بعد أن وضعتِ الحربُ أوزارَها تاركةً وشمَ الدّمِ والفجيعةِ في ذاكرةِ كلّ مواطنٍ، ولم تُبقِ أحداً محتفظاً بتوازنهِ ولا أمراً على حالهِ في البلد.
استأذنتْ ليلى من الطبيبِ أن تدخلَ مع صديقتها لغرفةِ المعاينةِ، لأنها تعرفُ التفاصيلَ الدقيقةَ لحياتها فهما لصيقتانِ ببعضهما منذ الطفولةِ، وستساعدها في تذكّرٍ ما غابَ عن ذهنها المرهقِ، فوافقَ الطبيبُ بامتعاضٍ بدا على وجههِ الذي غضّنته التجاعيدُ، ثم طلبَ من نور أن تتمدّدَ على سريرِ الفحصِ وتريحَ رأسَها على وسادةٍ مرتفعةٍ، وأشار إليها أن تسترخيَ وتأخذَ زفيراً وشهيقاً بتنفّسٍ عميقٍ قسريّ لعدّة دقائق، فيما تركّزُ نظرَها على بندولِ الساعةِ المتأرجحِ أمام عينيها.
كان الطبيبُ قد ناهزَ السبعينَ من العمر، تستندُ على أرنبةِ أنفهِ نظارةٌ ذات عدستين سميكتين لا تحجبان عينيهِ الباهتتين كعينيّ بطريقٍ تقدّمَ به العمرُ، يجلسُ منحنياً وراءَ مكتبهِ، فيما يديرُ ظهره لجدارٍ امتلأ بالشهاداتِ والأوسمة.
نهضَ الطبيبُ ومشى بخطىً وئيدةٍ من وراءِ مكتبهِ، ثمّ جلسَ على كرسيّ متحرّكٍ قربَ السريرِ، وبدأ يسألُ نورَ أسئلتهُ التقريريةَ، بأسلوبهِ الجافِّ الفارغِ من الرحمةِ أو التعاطفِ، فيما كانتْ حركةُ كرسيّهِ الهزّازِ تزيدُ من تصاعدِ توتّرِ ليلى التي تلاحظُ انقباضَ صديقتها أثناءَ الإجابةِ، إضافةً لتعمّدها تمويهَ الحقائقِ، فلمْ يأخذْ منها إلّا ما أرادتْ هي أنْ تقولَهُ لهُ.
استنجدتْ عينا نور بليلى التي شجّعتها على الاستمرارِ فيما بدأتاهُ، أمّا الطبيبُ فعادَ إلى مكتبهِ وراحَ يشرحُ لها مرضَها وأيَّ نوعٍ منَ الفصامِ تعاني، منقّلاً عينيهِ بينَ ليلى ونور، ويعودُ بينَ الحينِ والحينِ ليقرأَ لهما ما قال فلانٌ في كتابهِ الفلانيّ وما قالهُ علّانٌ، بينما أكداسُ الكتبِ قدْ تراكمتْ أمامهُ، ثمَّ كتبَ وصفتهُ متمتماً: سنجرّبُ حالياً هذا الدواءَ وعليكِ مراجعتي فورَ انتهائهِ.
حينَ طارتْ عينا ليلى إلى الوصفةِ وقرأتْ اسمَ الدواءِ خلسةً، جنَّ جنونها.. فهوَ ذاتهُ المهدّئ الذي تناولهُ شابٌّ تعرفهُ، انتحرَ منذُ سنواتٍ وقدْ وقعتْ رسالتهُ الأخيرةُ بينَ يديها، يصفُ فيها الحالَ الذي يبقى عليهِ إثرَ تناولِ الحبوبِ المهدّئةِ، غائباً عنِ الوعي، فاقداً للحيويةِ، وأنّهُ سئمَ منْ تنقّلهِ منْ طبيبٍ لطبيبٍ وكلّهم اتفقوا على أمرٍ واحدٍ.. الحبوبُ المهدّئةُ.
تمنّتْ أنْ تصرخَ بوجهِ الطبيبِ:
أينَ الثقةُ التي ينبغي أنْ تُقامَ بينهُ وبينَ المريضِ قبلَ جلساتِ العلاجِ.؟!
أينَ الرحمةُ والحنوّ والتعاطفُ الذي على المريضِ أن يراهُ عندَ باريهِ؟!
ودّتْ لو تسألهُ:
كمْ مرّةً رقصتَ في حياتكَ أو مارستَ الجريَ والسباحةَ واللهو معَ الأطفالِ؟!
ما نفعُ كلّ هذهِ الكتبِ الصمّاءَ وأنتَ تجعلُ من مريضِكَ حقلَ تجاربٍ؟!
رأتْ ليلى ببصيرتها بشكلٍ خاطفٍ ما سيحدثُ لصديقتها لو أنهما ذهبتا للصيدليةِ بعدَ مغادرةِ عيادةِ الطبيبِ النفسيِّ، فخطرتْ لها فكرةٌ مجنونةٌ وامتلأتْ بإحساسِ أنّها ستكونُ مفتاحَ شفاءِ صديقتها، بعدَ أنْ استحضرتْ في ذهنها متى بدأتْ أعراضُ المرضِ النفسيّ عندَ نور، فهي أدرى الناس بتاريخِ معاناتها.
ادّعتْ ليلى أنّها ذاهبةٌ إلى الحمّامِ بعدَ أنْ جلستا في مطعمٍ هادئٍ لتناولِ الطعامِ، ثمّ اتّصلتْ سرّاً بصديقِهما المشتركِ سعد وطلبتْ منهُ أنْ يوافيهما إلى المطعمِ بعدَ أنْ حدّدتْ لهُ موقعهُ، ولمْ يخطرْ ببالِ نور أنْ تلتقي مجدّداً بمنْ عاشتْ معهُ أروعَ قصّةَ حبٍّ خلالَ سنواتِ الدراسةِ في الجامعةِ، ثمَّ باعدتْ بينهما تدخّلاتُ الأهلِ المتطرّفةُ وحملاتِ التهديدِ، وحرمانها منْ هاتفِها المحمولِ قطعاً لأيِّ تواصلٍ مُحتملٍ بينهما، ففكرةُ الارتباطِ منْ طائفةٍ أخرى كانت بنظرِهمْ جريمةً لا تغتفرْ.
بعد كلّ ذلك الحصارِ دخلتْ نور شيئاً فشيئاً دهليزَ الاكتئابِ والتدهورِ النفسيِّ، وهي ترى نفسها كنعجةٍ تُساق للمسلخِ تحت اسمِ حمايتها، وتُخنق دقّاتِ قلبها بحجّة أنها تورّطها في جنونٍ ذي عواقب وخيمة، وتُضلّ خطاها عن جادّة الصواب، باقترانها بشخصٍ من غير الملّة.
ما أنْ دلفَ سعدٌ منْ بوابةِ المطعمِ وراحَ يقتربُ من مكانِ جلوسهما حتى وقعتْ عينا نور عليهِ، فبدتْ غيرَ مصدّقةٍ وكأنّها في حلمٍ، ولمْ تكفّ لحظةً عنِ السؤالِ:
أخذتْ سلمى وقد غمرَها شعورُ المنتصرِ ترتجلُ الكلماتِ كأنها تقرأُ قصيدةَ شعرٍ:
هو الحبُّ.. وكفى بهِ شافياً
بالحبِّ نواجهُ ونتحدّى
بالحبِّ نقوى وننجحُ
وبالحبِّ نكونُ سعداءَ.
حين عادتْ نور من العاصمةِ بدت بعينيّ صديقتها إنسانةً أخرى مشحونةً بطاقةٍ عاليةٍ، بعد أن أدركتْ أن شفاءَها مرهونٌ بإرادتها مهما كان الثمنُ، ولتخبرَ أهلها بقرارِها النهائيّ، وتخيّرهمْ بينَ أنْ يقبلوا بسعدٍ كشابٍّ متعلّمٍ وخلوقٍ وبهِ كلّ صفاتِ الزوجِ المثاليّ، ومن الظلمِ أن يحملَ وزرَ أنه وُلد على غير مذهبٍ، وبينَ أنْ تأخذَ خيارَ التمرّدِ والخروجِ عن الطاعةِ وحينها سيخسرونها للأبدِ وستتحمّلُ وحدها النتائجَ، دونَ أنْ يعنيها تاريخُ الطائفتينِ ونزاعاتُهما المتوارثةُ التي كادتْ تودي بها للانتحارِ.
للقصّةِ تفاصيلٌ موجعةٌ حقاً، لكنْ أهمَّ منْ كلّ تفاصيلها، أنّ نور اليوم تنتظرُ مع سعد مولودهما الأوّلَ الذي سيسعيانِ لتربيتهِ على أنّ في الاختلافِ رحمةٌ، وفي التواصلِ مودّةٌ مهما تباينتِ الشعوبُ والقبائلُ، وأنّ الحبَّ هوَ السبيلُ الوحيدُ لتعايشِ الناسِ على هذه الأرضِ بسلامٍ.
- افعلي ما ترينهُ صائباً يا ليلى.. لقد أسلمتكِ مصيري.
- تأكّدي يا غالية أن الخلاصَ عند ذويّ الاختصاص.
كانت العيادةُ تقعُ وسطَ العاصمةِ كما ينبغي لطبيبٍ ذي اسمٍ لامعٍ، وقد حالفهما الحظّ بركوبِ المصعدِ إلى الطابقِ السابعِ، لأنه صادفَ أن حصّةَ هذه المنطقةِ من الكهرباء ابتدأتْ قبل وصولهما بقليلٍ، وقد بدتْ قاعةُ الانتظارِ فارغةً رغم وصولهما متأخّرَتين ساعةً عن الموعدِ مما أثارَ دهشتهما، وراحتا تتهامسان ساخرتين عن الصحّةِ النفسيةِ الممتازةِ لأبناءِ هذا البلدِ، خاصّةً بعد أن وضعتِ الحربُ أوزارَها تاركةً وشمَ الدّمِ والفجيعةِ في ذاكرةِ كلّ مواطنٍ، ولم تُبقِ أحداً محتفظاً بتوازنهِ ولا أمراً على حالهِ في البلد.
استأذنتْ ليلى من الطبيبِ أن تدخلَ مع صديقتها لغرفةِ المعاينةِ، لأنها تعرفُ التفاصيلَ الدقيقةَ لحياتها فهما لصيقتانِ ببعضهما منذ الطفولةِ، وستساعدها في تذكّرٍ ما غابَ عن ذهنها المرهقِ، فوافقَ الطبيبُ بامتعاضٍ بدا على وجههِ الذي غضّنته التجاعيدُ، ثم طلبَ من نور أن تتمدّدَ على سريرِ الفحصِ وتريحَ رأسَها على وسادةٍ مرتفعةٍ، وأشار إليها أن تسترخيَ وتأخذَ زفيراً وشهيقاً بتنفّسٍ عميقٍ قسريّ لعدّة دقائق، فيما تركّزُ نظرَها على بندولِ الساعةِ المتأرجحِ أمام عينيها.
كان الطبيبُ قد ناهزَ السبعينَ من العمر، تستندُ على أرنبةِ أنفهِ نظارةٌ ذات عدستين سميكتين لا تحجبان عينيهِ الباهتتين كعينيّ بطريقٍ تقدّمَ به العمرُ، يجلسُ منحنياً وراءَ مكتبهِ، فيما يديرُ ظهره لجدارٍ امتلأ بالشهاداتِ والأوسمة.
نهضَ الطبيبُ ومشى بخطىً وئيدةٍ من وراءِ مكتبهِ، ثمّ جلسَ على كرسيّ متحرّكٍ قربَ السريرِ، وبدأ يسألُ نورَ أسئلتهُ التقريريةَ، بأسلوبهِ الجافِّ الفارغِ من الرحمةِ أو التعاطفِ، فيما كانتْ حركةُ كرسيّهِ الهزّازِ تزيدُ من تصاعدِ توتّرِ ليلى التي تلاحظُ انقباضَ صديقتها أثناءَ الإجابةِ، إضافةً لتعمّدها تمويهَ الحقائقِ، فلمْ يأخذْ منها إلّا ما أرادتْ هي أنْ تقولَهُ لهُ.
استنجدتْ عينا نور بليلى التي شجّعتها على الاستمرارِ فيما بدأتاهُ، أمّا الطبيبُ فعادَ إلى مكتبهِ وراحَ يشرحُ لها مرضَها وأيَّ نوعٍ منَ الفصامِ تعاني، منقّلاً عينيهِ بينَ ليلى ونور، ويعودُ بينَ الحينِ والحينِ ليقرأَ لهما ما قال فلانٌ في كتابهِ الفلانيّ وما قالهُ علّانٌ، بينما أكداسُ الكتبِ قدْ تراكمتْ أمامهُ، ثمَّ كتبَ وصفتهُ متمتماً: سنجرّبُ حالياً هذا الدواءَ وعليكِ مراجعتي فورَ انتهائهِ.
حينَ طارتْ عينا ليلى إلى الوصفةِ وقرأتْ اسمَ الدواءِ خلسةً، جنَّ جنونها.. فهوَ ذاتهُ المهدّئ الذي تناولهُ شابٌّ تعرفهُ، انتحرَ منذُ سنواتٍ وقدْ وقعتْ رسالتهُ الأخيرةُ بينَ يديها، يصفُ فيها الحالَ الذي يبقى عليهِ إثرَ تناولِ الحبوبِ المهدّئةِ، غائباً عنِ الوعي، فاقداً للحيويةِ، وأنّهُ سئمَ منْ تنقّلهِ منْ طبيبٍ لطبيبٍ وكلّهم اتفقوا على أمرٍ واحدٍ.. الحبوبُ المهدّئةُ.
تمنّتْ أنْ تصرخَ بوجهِ الطبيبِ:
أينَ الثقةُ التي ينبغي أنْ تُقامَ بينهُ وبينَ المريضِ قبلَ جلساتِ العلاجِ.؟!
أينَ الرحمةُ والحنوّ والتعاطفُ الذي على المريضِ أن يراهُ عندَ باريهِ؟!
ودّتْ لو تسألهُ:
كمْ مرّةً رقصتَ في حياتكَ أو مارستَ الجريَ والسباحةَ واللهو معَ الأطفالِ؟!
ما نفعُ كلّ هذهِ الكتبِ الصمّاءَ وأنتَ تجعلُ من مريضِكَ حقلَ تجاربٍ؟!
رأتْ ليلى ببصيرتها بشكلٍ خاطفٍ ما سيحدثُ لصديقتها لو أنهما ذهبتا للصيدليةِ بعدَ مغادرةِ عيادةِ الطبيبِ النفسيِّ، فخطرتْ لها فكرةٌ مجنونةٌ وامتلأتْ بإحساسِ أنّها ستكونُ مفتاحَ شفاءِ صديقتها، بعدَ أنْ استحضرتْ في ذهنها متى بدأتْ أعراضُ المرضِ النفسيّ عندَ نور، فهي أدرى الناس بتاريخِ معاناتها.
ادّعتْ ليلى أنّها ذاهبةٌ إلى الحمّامِ بعدَ أنْ جلستا في مطعمٍ هادئٍ لتناولِ الطعامِ، ثمّ اتّصلتْ سرّاً بصديقِهما المشتركِ سعد وطلبتْ منهُ أنْ يوافيهما إلى المطعمِ بعدَ أنْ حدّدتْ لهُ موقعهُ، ولمْ يخطرْ ببالِ نور أنْ تلتقي مجدّداً بمنْ عاشتْ معهُ أروعَ قصّةَ حبٍّ خلالَ سنواتِ الدراسةِ في الجامعةِ، ثمَّ باعدتْ بينهما تدخّلاتُ الأهلِ المتطرّفةُ وحملاتِ التهديدِ، وحرمانها منْ هاتفِها المحمولِ قطعاً لأيِّ تواصلٍ مُحتملٍ بينهما، ففكرةُ الارتباطِ منْ طائفةٍ أخرى كانت بنظرِهمْ جريمةً لا تغتفرْ.
بعد كلّ ذلك الحصارِ دخلتْ نور شيئاً فشيئاً دهليزَ الاكتئابِ والتدهورِ النفسيِّ، وهي ترى نفسها كنعجةٍ تُساق للمسلخِ تحت اسمِ حمايتها، وتُخنق دقّاتِ قلبها بحجّة أنها تورّطها في جنونٍ ذي عواقب وخيمة، وتُضلّ خطاها عن جادّة الصواب، باقترانها بشخصٍ من غير الملّة.
ما أنْ دلفَ سعدٌ منْ بوابةِ المطعمِ وراحَ يقتربُ من مكانِ جلوسهما حتى وقعتْ عينا نور عليهِ، فبدتْ غيرَ مصدّقةٍ وكأنّها في حلمٍ، ولمْ تكفّ لحظةً عنِ السؤالِ:
- كيفَ أتيتَ إلى هنا.. منْ أخبركَ؟!
- أنت التي اتّصلت بسعد.. أليس كذلك؟
أخذتْ سلمى وقد غمرَها شعورُ المنتصرِ ترتجلُ الكلماتِ كأنها تقرأُ قصيدةَ شعرٍ:
هو الحبُّ.. وكفى بهِ شافياً
بالحبِّ نواجهُ ونتحدّى
بالحبِّ نقوى وننجحُ
وبالحبِّ نكونُ سعداءَ.
حين عادتْ نور من العاصمةِ بدت بعينيّ صديقتها إنسانةً أخرى مشحونةً بطاقةٍ عاليةٍ، بعد أن أدركتْ أن شفاءَها مرهونٌ بإرادتها مهما كان الثمنُ، ولتخبرَ أهلها بقرارِها النهائيّ، وتخيّرهمْ بينَ أنْ يقبلوا بسعدٍ كشابٍّ متعلّمٍ وخلوقٍ وبهِ كلّ صفاتِ الزوجِ المثاليّ، ومن الظلمِ أن يحملَ وزرَ أنه وُلد على غير مذهبٍ، وبينَ أنْ تأخذَ خيارَ التمرّدِ والخروجِ عن الطاعةِ وحينها سيخسرونها للأبدِ وستتحمّلُ وحدها النتائجَ، دونَ أنْ يعنيها تاريخُ الطائفتينِ ونزاعاتُهما المتوارثةُ التي كادتْ تودي بها للانتحارِ.
للقصّةِ تفاصيلٌ موجعةٌ حقاً، لكنْ أهمَّ منْ كلّ تفاصيلها، أنّ نور اليوم تنتظرُ مع سعد مولودهما الأوّلَ الذي سيسعيانِ لتربيتهِ على أنّ في الاختلافِ رحمةٌ، وفي التواصلِ مودّةٌ مهما تباينتِ الشعوبُ والقبائلُ، وأنّ الحبَّ هوَ السبيلُ الوحيدُ لتعايشِ الناسِ على هذه الأرضِ بسلامٍ.