أحمد عبدالله إسماعيل - محاكمة أم...

تطلع الابن إلى وجه أمه الذابل المحدّق في الأرض، ثم سألها بلهجة لا تخلو من استنكار:
تبدين في ناظريّ كمراهقة تسعد برؤية الخُطّاب يدقون بابها، كيف تقبلين بأن يمسسك بشر بعد أبي، الرجل الذي كان يُعمل له ألف حساب، علي كل حال من تترك أولادها، وتتزوج لا تستحق أن تكون أمًّا!
لم تُحرّم عليّ الحلال ؟!
أنظري إلى ما فعلته زوجة خالي؛ أغلقت الباب في وجه الدنيا كلها، واعتكفت علي تربية أولادها، ورفضت أن تُدخل عليهم من يقهرهم، فلماذا لم تلفت نظرك؟!
لم أخطئ، احتاج عمك إليكم؛ لأنه لم ينجب الأولاد، وأنا أيضًا كنت بحاجة إلى وجوده معكم.
كنتِ أقرب الناس إلى قلبي بعد روحي، لم يكن التنازل عنك لرجل غريب اشباعا لغريزته أمرًا سهلًا على نفسي!
بعين دامعة وقلب مرتجف، بلعت ريقها بصعوبة كبيرة وقالت:
غريزة ؟! هل بقي من العمر بقدر ما مضى؟! أبلع الطعام دون أن أستسيغه مثلما كنت أتقاسم اللقمة مع أبيك، فقط كيلا ألقي بنفسي إلى التهلكة، أصبر على فراقه؛ لأرى نجاحك، عندئذ ربما لن أتذوق طعم الزاد مرة ثانية، ثَقُل الألم في قلبي وأنا بمفردي، بحاجة إلى من يحمي الأرض، ويلتفت إلى مصالحكم، أنت وإخوتك.
في عصبية شديدة اجتاحته، يرد عليها والجنون يتملكه بعدما سمعه بمجرد عودته من السفر :
- هل كانت لك بعد كل هذا العمر رغبة دفعتك الى الزواج؟! أخبرني الناس بأنه اعتاد أن يتطاول عليكِ، أنت المقدسة التي لا يحق لأحد أن يمسّك، إن لم ترفضي الزواج منه بسبب الخوف من طباعه السيئة فكان يكفي أن تحترمي مشاعري كرجل يغار على أمه، هل أدركتِ في لحظة واحدة أن ولدك لا يملك أن يفعل شيئا للدفاع عنك إن أصبحت زوجة رجل آخر؟! لا أستطيع أن أحميك من هذا الغريب، نعم، هو رجل غريب ولو كان عمي؛ فلا أملك حولا ولا قوة بعد زواجك منه، فلماذا تضعين ولدك في هذا الموضع؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى