إنكشف المستور، وأصغت الآذان في الحارة إلى الصوت الحاد المنطلق من بيت توحيدة، صوت إبنتها الزينة. سمعه الأولاد الذين يلعبون بجوار البيت، بعضهم أدرك خطورة ما قالته، والبعض لم يفهم سوى أن الزينة تتشاجر مع أمها. وسمع الجالسون على قهوة أبودومة صوت الزينة، لكن لم يتبينوا ما قالته.
إقترب الشيخ صابر قائلا: أليس هذا صوت الزينة ابنة توحيدة؟
قالوا:نعم.
سألهم: مع من تتشاجر؟
قالوا: مع أمها.
لم يصدق الشيخ صابر أول الأمر، فهو يعرف - والحارات كلها تعرف - ما فعلته توحيدة من أجل إبنتها - كيف أنفقت الأموال الكثيرة من أجلها، قال الشيخ صابر: هذا حال الدنيا، وتلك علامة من علامات قيام الساعة، أن تقل البركة من الأرض، ويقل الحياء من النساء.
لكن بعض النسوة في الحارة سمعن ما قالته الزينة بوضوح، حتى أن إحداهن خرجت من الشرفة ونظرت حولها لتتأكد إن كان غيرها قد سمع هذا أم لا.
جلست توحيدة فوق الكرسي الفوتيه الذي إشترته مع سائر الأثاث الثمين لإبنتها الزينة. وكان الحي كله قد تحدث عن جودته ومتانته، وكثرته يوم زفافها. مع أن توحيدة مازالت تجلس مع ضيوفها على الكنب العربي بخشبه الأبيض غير المطلي.
تنظر توحيدة حولها حائرة، وصائحة: جننت يا بنت، حتى تقولي عن أمك من قلتِه؟!
البنت غاضبة، لم تحس للآن بفداحة ما قالته. ولم تندم عليه، يجب على توحيدة أن تعي هذا وتستعد له، فمادامت إبنتها هكذا، فقد تتمادى وتذكر عن أمها ما هو أدهى وأمر، قامت توحيدة قائلة: براحتك يا زينة.
ثم قامت الزينة وذهبت إلى حجرة أخرى من حجرات شقتها ولم تحدث أمها.
بكت توحيدة وهي تهبط درجات الدرج. تعلم أن صوت إبنتها كان حادًا وعاليا ومتحديا. وأن العديد من نساء الحارة، وربما في الشارع العمومي أيضا، قد سمعنه بوضوح. كادت توحيدة تقع على الدرج الذي صنعته من أجل الزينة، وبنت لها الشقة التي تعيش فيها الآن بعد أن عجز زوجها عوض عن دفع إيجار الشقة الواسعة التي إستأجرتها لهما في حي غيط العنب فور زواجهما. دفعت توحيدة الإيجار لعدة أشهر. ثم راقت لها فكرة بناء شقة لهما في الدور العلوي ببيتها. لكن البنت – مثل والدها – ناكرة لجميل أمها، ولا ينفع المعروف معها. لتوحيدة عداوات أكثر من الهم على القلب. وهذه ليلتهن، سيقلن ما قالته الزينة عن أمها لأزواجهن. وربما سيرتدين أقمصة نومهن الهفهافة، والتي لا تخرج من دواليبها إلا لمناسبة كهذه، سيحكين لأزواجهن قائلات: البنت فضحت أمها، قالت إنها رأتها وهي صغيرة وأبو حسني بائع الحلوى يقبلها.
ألا تزال الحارة تذكر أبو حسني هذا؟!
لقد غاب عن الحي منذ أكثر من عشرين عاما. كما أن بقاءه في الحي لم يزد عن شهور قليلة جدا، وكأنه ما جاء إليه إلا ليفضح توحيدة. كان هدف توحيدة مصلحة إبنتها، أرادت أن تنتشلها وبيتها من الغرق فقالت لها: يا إبنتي زوجك عوض طيب. ويجب أن تحافظي على بيتك، خاصة أنك ستنجبين منه خلال أيام.
أرادت الزينة أن تنفي عن نفسها تلك التهمة، لكن توحيدة واثقة مما تقول. لقد رأت الولد سعد ينزل من شقتها ليلا، بينما كان عوض في ورديته المسائية بالشركة التي يعمل بها.
كلمة من الزينة وكلمة من أمها، تطور الموضوع وثارت البنت وكشفت عن المستور لسنوات طويلة. لقد دخلت البنت فجأة، كانت تجري حافية ومعفرة من الشارع العمومي، والأطفال يجرون وراءها ويتبعونها. أرادت الزينة أن تختبئ منهم في الحجرة. فإذ بالرجل – أبو حسني – الذي دخل البيت لأخذ الماء؛ ينحني راغبا في تقبيل توحيدة، وهي تمانع ضاحكة متدللة.
جاء أبو حسني إلى الحي فجأة، كان يرتدي قفطانا فوقه جاكيت كالح ومتآكل فوق الكوعين، وطاقية من نفس نوع قماش القفطان. وقف بعربته في الشارع العمومي، وإبنه حسني الصغير فوق العربة. كان يصنع الحلوى من العسل والسكر، مسمار غليظ معلق في عمود ملتصق بمقدمة العربة، ووابور " يوش " في باطنها، لا يظهر منه سوى ناره المتوهجة، وإناء فوق النار وقطعة رخام ليصنع الحلوى عليها.
والأطفال يتجمعون، منتظرين الحلوى الطازجة، وقتها كان التفاح المصري مازال في دور التجارب، حباته لا تزيد على حجم الليمون، لا يستطيع الأطفال أكله لمرارته، لكن يمكن أكله إذا علقت به حلوى السكر.
حضور أبو حسني إلى الحي فجأة وتعلقه به، أثار الجدل في الحارة والحواري المجاورة، فهو يأتي في الصباح من بيت لا يعرفون مكانه، ولا يعود إلا بعد أن تغرب الشمس ويذهب الأطفال إلى بيوتهم. ولا يغير مكان عربته أبدا. يقف في الشارع العمومي. وجزء كبير من عربته موجه إلى الحارة التي تسكنها توحيدة. يقول البعض إنه قاهري، فالقفطان وفوقه الجاكيت، هو لبس أبناء القاهرة في الأحياء الشعبية. وإنه ترك أهله وهرب بإبنه إلى الإسكندرية، بعدما فعل فعلته هناك. ويقول آخرون إنه طلق زوجته – في القاهرة – وترك لها البلد بحالها ونجا منها هو وإبنه. وتوحيدة وقتها كانت تعاني من شظف العيش، الرجل – زوجها – سامحه الله تركها دون قرش واحد. عانت الكثير، أخرجت سيد إبنها من مدرسته، وإقترضت من الذي يسوي والذي لا يسوي. وأبو حسني يأتي إلى البيت ليأخذ الماء ليشرب هو وإبنه، وليصنع حلواه. أو يأتي ليقضي حاجته، سألته: لماذا إخترت بيتنا، مع أن هناك بيوتا أخرى أقرب إليك؟
قال: " الرِجل " تدب مطرح ما تحب.
وألح الرجل قائلا: يا بنت الناس، أنا بلا زوجة وأنت بلا زوج، تعالي لنجتمع معا على الخير.
كانت توحيدة مرتبطة بزوجها وإبنها سيد وابنتها الزينة. كما أن الرجل لم يطلقها، تركها كالبيت الوقف، لا متزوجة ولا مطلقة. تجرأت يوما وسألته قروشا سلفا، فأعطاها الرجل أكثر مما طلبت، ثم تكرر هذا منها، فجرأ الرجل عليها. بدأ يمد يده، ثم حاول تقبيلها، لكن أبو سيد والزينة عاد بعد ذلك. ورحل أبو حسني فجأة كما جاء فجأة. نسيته الحارة وأطفال الحارة، الذين كانوا يلتفون مع الذباب حول عربته، صاروا شبابا الآن. ونسيته توحيدة بعد ذلك، إلى أن جاءت إبنتها – إبنة صرتها ومصرانها – لتقول لها ما يفضحها في الحارة كلها. بعد أن تغيرت توحيدة وأصبحت أكثر هدوءًا، وتكثر الجلوس في المساجد وسماع وعظ الشيخ صابر قريبها. لا تدري توحيدة من الذي أخبر إبنها سيد بما حدث. فقد جاء إلى البيت ثائرا، صفع الزينة، وقال لها أن تلزم شقتها ولا تأتي إلى شقتهم قط. سارت الزينة غاضبة ومتحدية. البنت صارت عنيدة ومتجبرة لا تدري توحيدة من الذي غيرها هكذا، قالت لإبنها: لماذا ضربت أختك وهي حامل وعلى وشك الولادة؟!
أمسك يدها في عنف قائلا: ما حكاية أبو حسني معك؟!
قالت: جننت، تريد أن تفضحني كما فعلت أختك؟!
جلس على السرير، إنه مازال يذكر أبو حسني، كان سيد يقف مع الأطفال حول عربته، يشترون الحلوى والتفاح الأخضر، لم يكن يدرك – وقتها – أن هذا الرجل ستكون له قصة مع أمه، قالت: أختك مجنونة يا سيد.
آه لو علم بالسبب الذي من أجله قالت الزينة ما قالته عن أمها. وأن صديقه سعد – المقرب إليه – يحاول أن يفسد حياة أخته مع زوجها، وأن الزينة من شدة إقتناعها بسعد، ترفض حتى مناقشة الموضوع. لقد أثر فيها سعد تأثيرا كبيرا، فما عادت تهتم بزوجها الذي يكد ويتعب من أجلها. ولا يعلم سبب تغيرها المفاجئ ناحيته، وتواجه أمها- التي كانت ترتعد من حديثها – ولا ترفض لها طلبا، فتتحداها الآن، بلا خوف وبلا حياء. عندما قالت لها توحيدة: حافظي على زوجك من أجل مولودك الآتي؛ قالت البنت في عناد: لولا إنه في شهوره الأخيرة؛ لتخلصت منه.
حتى شقيقها سيد واجهته بعناد وتكبر.
سأل سيد: أين أبو حسني هذا؟
قالت توحيدة: وماذا تريد منه؟!
قال: أريد الحقيقة.
إقتربت توحيدة منه: يا إبني، إرحم نفسك، ما قالته أختك كذب.
أشاح بيده وخرج إلى الحارة.
**
وجوه الجلوس فوق قهوة أبو دومة تتابعه، أتراهم يعلمون بقصة أمه مع أبو حسني هذا؟! إقترب من القهوة، الزبالون يجلسون بملابسهم المتسخة، يرتاحون من شقاء يوم عمل كامل. يشربون الشاي ويدخنون المعسل، ويقابلون عملاءهم: تجار أكواز الصفيح التي يجدونها بكثرة في الزبالة، تجمعهم زوجاتهم في بيوتهم، ومن وقت لآخر يذهب التاجر مع عماله ويشترونها بالعدد. الطورة بكذا. وتاجر الزجاج والعظم. وإسكندر تاجر الذهب والفضة بحقيبته الخشبية التي تشبه صندوقا صغيرا، بمقبضها المعدني، يعطونه المعادن التي يجدونها في الزبالة، فإن كانت صفراء يظنونها ذهبا، وإن كانت بيضاء، يظنونها فضة، فيفحصها إسكندر جيدا، ويعيدها إليهم قائلا: فالصو.
من النادر عندما يجد قطعة ذهب أو فضة، فيزنها بميزان دقيق، يضعه في حقيبته، ويعطيهم الثمن.
يلتفون حوله وهو يفحص المعادن كأنه حاو، ويمازحونه، ينادونه بالخواجه اسكندر، كعادتهم في الحي بمناداة الأقباط بكلمة خواجة.
ويطوف اسكندر حواري الحي مناديا: ذهب قديم للبيع، فضة قديمة للبيع.
حتى الذهب والفضة في غربال فيها القديم وفيه الجديد.
**
دخل سيد القهوة دون أن يحيي أحدا، كان غاضبا، لو لمسه أحدهم، سيضربه على الفور. يعرف سيد مكان الشيخ صابر، في الأخدود الذي كان حجرة من حجرات البيت، فضمها أبو دومة لقهوته بعد أن عزل سكانها، فبدت الحجرة غير منسجمة أو متناسقة مع سائر القهوة. جلس سيد فوق مقعدا وحيدا، في المكان المخصص للمكتب الزينبي(1) الذي أسسه الشيخ صابر.
إقترب أبو دومة منه، سيد ليس من زبائنه، ولا يأتي إلى قهوته قط، سأله: أوامرك يا سي السيد؟
قال: أريد الشيخ صابر.
قال: سيعود حتما إلى هنا، فهو يدور يدور ويعود لمقره.
**
مل سيد جلسته في قهوة أبو دومة داخل الأخدود- مقر المكتب الزينبي - كاد يخرج من القهوة غاضبا، على أن يعود إليه مرة أخرى للبحث عن الشيخ صابر، لكن صابر هل داخلا، كان يرتدي عباءته السوداء، ويلف رايته الخضراء فوق رأسه وحوله أتباعه: شباب بلحى صغيرة، أحدهم يمسك بسيف الشيخ داخل جرابه. وآخر يمسك الشيخ صابر من عصاه ذات المقبض الفضي. قال أبو دومة: سيد إبن توحيدة ينتظرك.
تركه الشاب الذي يمسك بالعصا، فسار هو الخطوات القليلة وحده، وظل أتباعه في إنتظاره خارج مقر المكتب الزينبي، وسط رواد القهوة الذين يلعبون الكوتشينة والطاولة.
قال الشيخ صابر: كيف حالك يا سيد؟
أجابه: أراك تلبس التشريفة.
قال: كنا في " ذكر "، شربت شيئا؟
قال: إمتلأت.
منذ أن أسس صابر مكتبه الزينبي وهو مرابط داخل قهوة أبو دومة، مع أن شقيقه أبو الترك يمتلك قهوة على بعد أمتار من قهوة أبو دومة، وأقاربه يجلسون فيها، لكن المكتب الزينبي لا يصلح له إلا في قهوة أبو دومة. فهي كبيرة، كما أن أكثر رواده من الزبالين الذين في حاجة لحكمة الشيخ صابر وخدمات مكتبه الزينبي، وذلك لصغر سنهم ولدأبهم على لعب الكوتشينة وسب الدين. كما إنهم قريبون من الفتنة والمغريات التي تقابلهم في عملهم، الخادمات المغريات والأشياء الكثيرة القابلة للسرقة التي يقابلونها دائما في العمارات التي يدخلونها، فإن لم يعصمهم الدين؛ سيضيعون. حتى السيدات صاحبات الشقق، والمتزوجات من رجال أغنياء وذوي نفوذ وجاه، لا يخلون من فتنة لهؤلاء البؤساء، وما حدث لعبد النعيم ليس ببعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – نسبة إلى السيدة زينب.
العبرة بما حدث لعبد النعيم
في الشهر الماضي دخل عبد النعيم العمارة الكبيرة التي تشبه الوكالة، فلها عدة منافذ، وعدة مصاعد وسلالم. يدخل عبد النعيم هذه العمارة منذ أن كان صبيا في العاشرة أيام كان يعمل مع والده – رحمة الله عليه – لكنه في هذه الأيام عقله بيودي ويجيب. ففيها إمرأة شديدة الفتنة، سكنت منذ شهور قليلة، سبحان الخلاق فيما خلق، ترتدي دائما الملابس العارية، جننته. عبد النعيم متزوج ولديه أطفال يحبهم، ويشتري الحلوى لهم كلما عاد إلى بيته. لكن بعد أن رأى هذه المرأة زهد زوجته وأحس بمدى قبحها وبالمقلب الذي أخذه بزواجه منها. في اليوم الموعود ضغط عبد النعيم على جرس الباب كالعادة، تمنى لو رأي هذه المرأة ليتملى من رؤيتها، فهي تعذبه أحيانا، وتسمح لخادمتها بأن تعطيه الزبالة. خرجت المرأة بقميص عار، هي تظن أن الزبالين ليسوا بشرا، وإنهم لا يحسون ولا يتأثرون، وإنهم لا يستحقون أن تخفي أنوثتها ومفاتنها عنهم. أخرجت صفيحة الزبالة، وإنحنت أمامه وهي تضعها فوق البلاط. فكشف الإنحناء عن ظهر ساقيها وعن تقاسيم جسدها الرائع، فما كان من عبد النعيم إلا أن إلتصق بها من الخلف قبل أن تعتدل، نعم، هي بملابسها وهو بملابسه. صرخت المرأة وخرج زوجها وباقي الجيران، فأوسعوه ضربا، وسلموه لقسم الشرطة، غير مكتفين بالضرب ودخل عبد النعيم السجن على شيء لا ينفع ولا يشفع، تقدر تقولي ما الذي إستفاده من إلتصاقه بها هكذا؟!
**
قال سيد للشيخ صابر: أبحث عنك.
سأله الشيخ: ما الذي حدث؟!
دار سيد حوله حائرا، الزبالون – رواد القهوة- يجلسون في الخارج والشيخ صابر يجلس وحده في مقر المكتب الزينبي. إتباعه الذين جاءوا من الذكر معه، جلسوا في الخارج تاركين له ولقريبه الحديث: إجلس.
قال: إنني قلق.
إبتسم الشيخ ورفع وجهه النحيل بلحيته المختلط بها السواد بالبياض، قال:أطلب لك شايا؟
- لا، أريد أن أعرف حكاية أبو حسني؟
- من أبو حسني هذا؟!
- بائع الحلوى.
- لا أعرف باعة حلوى بهذا الإسم.
- الذي كان يقف بعربته قريبا من هذه القهوة.
شرد الشيخ قليلا ثم صاح: آه، القاهري.
سأله سيد: من أدراك إنه قاهري؟!
قال الشيخ: قالوا عنه هذا عندما جاء للمنطقة.
شرد سيد للحظات، وسأله صابر: وماذا تريد منه وقد غادر الحي منذ زمن بعيد. هل تذكرت إنك لم تأخذ منه الباقي منذ أن كنت طفلا؟!
صاح سيد: أتمزح؟
قال في ضيق: تسألني عن رجل غادر الحي مذ أكثر من عشرين عاما؟
جاء أبو دومة بالشاي، ثم عاد إلى النصبة، وعاد صابر وسيد وحدهما، قال سيد: أختي الزينة شاهدتْ بائع الحلوى هذا وهو يقبل أمي.
سأل الشيخ صابر: منذ أكثر من عشرين عاما؟!
قال سيد: نعم.
صاح صابر في حدة: تفضحها هي بوقاحتها، وتردد أنت قولها بغباء؟!
قال سيد: أريد القصاص من هذا الرجل.
قال صابر: وما شأني بهذا القصاص؟!
قال: أريد معاونتك.
سأله: بمكتبي الزينبي؟!
قال سيد: لا، بقوتك التي صرعت بها العبد الأسود.
لعنة الله عليك وعلى توحيدة أمك. وعلى أختك التي أزاحت الغطاء عن ذلك المستنقع القذر. مالي أنا وهذه السيرة اللعينة؟! إنني برئ منها منذ أن هداني الله إلى الطريق المستقيم. وأسست مكتبي الزينبي هذا، تلك أيام جاهليتي وطيشي، والذي يذكرني بها فهو عدوي، وقد حذرتك من قبل إلخوض في هذا الموضوع.
قال سيد: لماذا، والحي كله مازال يذكره لك.
قال الشيخ صابر: إشرب شايك وإنصرف ودعك من فضح أمك بغبائك.
إقترب الشيخ صابر قائلا: أليس هذا صوت الزينة ابنة توحيدة؟
قالوا:نعم.
سألهم: مع من تتشاجر؟
قالوا: مع أمها.
لم يصدق الشيخ صابر أول الأمر، فهو يعرف - والحارات كلها تعرف - ما فعلته توحيدة من أجل إبنتها - كيف أنفقت الأموال الكثيرة من أجلها، قال الشيخ صابر: هذا حال الدنيا، وتلك علامة من علامات قيام الساعة، أن تقل البركة من الأرض، ويقل الحياء من النساء.
لكن بعض النسوة في الحارة سمعن ما قالته الزينة بوضوح، حتى أن إحداهن خرجت من الشرفة ونظرت حولها لتتأكد إن كان غيرها قد سمع هذا أم لا.
جلست توحيدة فوق الكرسي الفوتيه الذي إشترته مع سائر الأثاث الثمين لإبنتها الزينة. وكان الحي كله قد تحدث عن جودته ومتانته، وكثرته يوم زفافها. مع أن توحيدة مازالت تجلس مع ضيوفها على الكنب العربي بخشبه الأبيض غير المطلي.
تنظر توحيدة حولها حائرة، وصائحة: جننت يا بنت، حتى تقولي عن أمك من قلتِه؟!
البنت غاضبة، لم تحس للآن بفداحة ما قالته. ولم تندم عليه، يجب على توحيدة أن تعي هذا وتستعد له، فمادامت إبنتها هكذا، فقد تتمادى وتذكر عن أمها ما هو أدهى وأمر، قامت توحيدة قائلة: براحتك يا زينة.
ثم قامت الزينة وذهبت إلى حجرة أخرى من حجرات شقتها ولم تحدث أمها.
بكت توحيدة وهي تهبط درجات الدرج. تعلم أن صوت إبنتها كان حادًا وعاليا ومتحديا. وأن العديد من نساء الحارة، وربما في الشارع العمومي أيضا، قد سمعنه بوضوح. كادت توحيدة تقع على الدرج الذي صنعته من أجل الزينة، وبنت لها الشقة التي تعيش فيها الآن بعد أن عجز زوجها عوض عن دفع إيجار الشقة الواسعة التي إستأجرتها لهما في حي غيط العنب فور زواجهما. دفعت توحيدة الإيجار لعدة أشهر. ثم راقت لها فكرة بناء شقة لهما في الدور العلوي ببيتها. لكن البنت – مثل والدها – ناكرة لجميل أمها، ولا ينفع المعروف معها. لتوحيدة عداوات أكثر من الهم على القلب. وهذه ليلتهن، سيقلن ما قالته الزينة عن أمها لأزواجهن. وربما سيرتدين أقمصة نومهن الهفهافة، والتي لا تخرج من دواليبها إلا لمناسبة كهذه، سيحكين لأزواجهن قائلات: البنت فضحت أمها، قالت إنها رأتها وهي صغيرة وأبو حسني بائع الحلوى يقبلها.
ألا تزال الحارة تذكر أبو حسني هذا؟!
لقد غاب عن الحي منذ أكثر من عشرين عاما. كما أن بقاءه في الحي لم يزد عن شهور قليلة جدا، وكأنه ما جاء إليه إلا ليفضح توحيدة. كان هدف توحيدة مصلحة إبنتها، أرادت أن تنتشلها وبيتها من الغرق فقالت لها: يا إبنتي زوجك عوض طيب. ويجب أن تحافظي على بيتك، خاصة أنك ستنجبين منه خلال أيام.
أرادت الزينة أن تنفي عن نفسها تلك التهمة، لكن توحيدة واثقة مما تقول. لقد رأت الولد سعد ينزل من شقتها ليلا، بينما كان عوض في ورديته المسائية بالشركة التي يعمل بها.
كلمة من الزينة وكلمة من أمها، تطور الموضوع وثارت البنت وكشفت عن المستور لسنوات طويلة. لقد دخلت البنت فجأة، كانت تجري حافية ومعفرة من الشارع العمومي، والأطفال يجرون وراءها ويتبعونها. أرادت الزينة أن تختبئ منهم في الحجرة. فإذ بالرجل – أبو حسني – الذي دخل البيت لأخذ الماء؛ ينحني راغبا في تقبيل توحيدة، وهي تمانع ضاحكة متدللة.
جاء أبو حسني إلى الحي فجأة، كان يرتدي قفطانا فوقه جاكيت كالح ومتآكل فوق الكوعين، وطاقية من نفس نوع قماش القفطان. وقف بعربته في الشارع العمومي، وإبنه حسني الصغير فوق العربة. كان يصنع الحلوى من العسل والسكر، مسمار غليظ معلق في عمود ملتصق بمقدمة العربة، ووابور " يوش " في باطنها، لا يظهر منه سوى ناره المتوهجة، وإناء فوق النار وقطعة رخام ليصنع الحلوى عليها.
والأطفال يتجمعون، منتظرين الحلوى الطازجة، وقتها كان التفاح المصري مازال في دور التجارب، حباته لا تزيد على حجم الليمون، لا يستطيع الأطفال أكله لمرارته، لكن يمكن أكله إذا علقت به حلوى السكر.
حضور أبو حسني إلى الحي فجأة وتعلقه به، أثار الجدل في الحارة والحواري المجاورة، فهو يأتي في الصباح من بيت لا يعرفون مكانه، ولا يعود إلا بعد أن تغرب الشمس ويذهب الأطفال إلى بيوتهم. ولا يغير مكان عربته أبدا. يقف في الشارع العمومي. وجزء كبير من عربته موجه إلى الحارة التي تسكنها توحيدة. يقول البعض إنه قاهري، فالقفطان وفوقه الجاكيت، هو لبس أبناء القاهرة في الأحياء الشعبية. وإنه ترك أهله وهرب بإبنه إلى الإسكندرية، بعدما فعل فعلته هناك. ويقول آخرون إنه طلق زوجته – في القاهرة – وترك لها البلد بحالها ونجا منها هو وإبنه. وتوحيدة وقتها كانت تعاني من شظف العيش، الرجل – زوجها – سامحه الله تركها دون قرش واحد. عانت الكثير، أخرجت سيد إبنها من مدرسته، وإقترضت من الذي يسوي والذي لا يسوي. وأبو حسني يأتي إلى البيت ليأخذ الماء ليشرب هو وإبنه، وليصنع حلواه. أو يأتي ليقضي حاجته، سألته: لماذا إخترت بيتنا، مع أن هناك بيوتا أخرى أقرب إليك؟
قال: " الرِجل " تدب مطرح ما تحب.
وألح الرجل قائلا: يا بنت الناس، أنا بلا زوجة وأنت بلا زوج، تعالي لنجتمع معا على الخير.
كانت توحيدة مرتبطة بزوجها وإبنها سيد وابنتها الزينة. كما أن الرجل لم يطلقها، تركها كالبيت الوقف، لا متزوجة ولا مطلقة. تجرأت يوما وسألته قروشا سلفا، فأعطاها الرجل أكثر مما طلبت، ثم تكرر هذا منها، فجرأ الرجل عليها. بدأ يمد يده، ثم حاول تقبيلها، لكن أبو سيد والزينة عاد بعد ذلك. ورحل أبو حسني فجأة كما جاء فجأة. نسيته الحارة وأطفال الحارة، الذين كانوا يلتفون مع الذباب حول عربته، صاروا شبابا الآن. ونسيته توحيدة بعد ذلك، إلى أن جاءت إبنتها – إبنة صرتها ومصرانها – لتقول لها ما يفضحها في الحارة كلها. بعد أن تغيرت توحيدة وأصبحت أكثر هدوءًا، وتكثر الجلوس في المساجد وسماع وعظ الشيخ صابر قريبها. لا تدري توحيدة من الذي أخبر إبنها سيد بما حدث. فقد جاء إلى البيت ثائرا، صفع الزينة، وقال لها أن تلزم شقتها ولا تأتي إلى شقتهم قط. سارت الزينة غاضبة ومتحدية. البنت صارت عنيدة ومتجبرة لا تدري توحيدة من الذي غيرها هكذا، قالت لإبنها: لماذا ضربت أختك وهي حامل وعلى وشك الولادة؟!
أمسك يدها في عنف قائلا: ما حكاية أبو حسني معك؟!
قالت: جننت، تريد أن تفضحني كما فعلت أختك؟!
جلس على السرير، إنه مازال يذكر أبو حسني، كان سيد يقف مع الأطفال حول عربته، يشترون الحلوى والتفاح الأخضر، لم يكن يدرك – وقتها – أن هذا الرجل ستكون له قصة مع أمه، قالت: أختك مجنونة يا سيد.
آه لو علم بالسبب الذي من أجله قالت الزينة ما قالته عن أمها. وأن صديقه سعد – المقرب إليه – يحاول أن يفسد حياة أخته مع زوجها، وأن الزينة من شدة إقتناعها بسعد، ترفض حتى مناقشة الموضوع. لقد أثر فيها سعد تأثيرا كبيرا، فما عادت تهتم بزوجها الذي يكد ويتعب من أجلها. ولا يعلم سبب تغيرها المفاجئ ناحيته، وتواجه أمها- التي كانت ترتعد من حديثها – ولا ترفض لها طلبا، فتتحداها الآن، بلا خوف وبلا حياء. عندما قالت لها توحيدة: حافظي على زوجك من أجل مولودك الآتي؛ قالت البنت في عناد: لولا إنه في شهوره الأخيرة؛ لتخلصت منه.
حتى شقيقها سيد واجهته بعناد وتكبر.
سأل سيد: أين أبو حسني هذا؟
قالت توحيدة: وماذا تريد منه؟!
قال: أريد الحقيقة.
إقتربت توحيدة منه: يا إبني، إرحم نفسك، ما قالته أختك كذب.
أشاح بيده وخرج إلى الحارة.
**
وجوه الجلوس فوق قهوة أبو دومة تتابعه، أتراهم يعلمون بقصة أمه مع أبو حسني هذا؟! إقترب من القهوة، الزبالون يجلسون بملابسهم المتسخة، يرتاحون من شقاء يوم عمل كامل. يشربون الشاي ويدخنون المعسل، ويقابلون عملاءهم: تجار أكواز الصفيح التي يجدونها بكثرة في الزبالة، تجمعهم زوجاتهم في بيوتهم، ومن وقت لآخر يذهب التاجر مع عماله ويشترونها بالعدد. الطورة بكذا. وتاجر الزجاج والعظم. وإسكندر تاجر الذهب والفضة بحقيبته الخشبية التي تشبه صندوقا صغيرا، بمقبضها المعدني، يعطونه المعادن التي يجدونها في الزبالة، فإن كانت صفراء يظنونها ذهبا، وإن كانت بيضاء، يظنونها فضة، فيفحصها إسكندر جيدا، ويعيدها إليهم قائلا: فالصو.
من النادر عندما يجد قطعة ذهب أو فضة، فيزنها بميزان دقيق، يضعه في حقيبته، ويعطيهم الثمن.
يلتفون حوله وهو يفحص المعادن كأنه حاو، ويمازحونه، ينادونه بالخواجه اسكندر، كعادتهم في الحي بمناداة الأقباط بكلمة خواجة.
ويطوف اسكندر حواري الحي مناديا: ذهب قديم للبيع، فضة قديمة للبيع.
حتى الذهب والفضة في غربال فيها القديم وفيه الجديد.
**
دخل سيد القهوة دون أن يحيي أحدا، كان غاضبا، لو لمسه أحدهم، سيضربه على الفور. يعرف سيد مكان الشيخ صابر، في الأخدود الذي كان حجرة من حجرات البيت، فضمها أبو دومة لقهوته بعد أن عزل سكانها، فبدت الحجرة غير منسجمة أو متناسقة مع سائر القهوة. جلس سيد فوق مقعدا وحيدا، في المكان المخصص للمكتب الزينبي(1) الذي أسسه الشيخ صابر.
إقترب أبو دومة منه، سيد ليس من زبائنه، ولا يأتي إلى قهوته قط، سأله: أوامرك يا سي السيد؟
قال: أريد الشيخ صابر.
قال: سيعود حتما إلى هنا، فهو يدور يدور ويعود لمقره.
**
مل سيد جلسته في قهوة أبو دومة داخل الأخدود- مقر المكتب الزينبي - كاد يخرج من القهوة غاضبا، على أن يعود إليه مرة أخرى للبحث عن الشيخ صابر، لكن صابر هل داخلا، كان يرتدي عباءته السوداء، ويلف رايته الخضراء فوق رأسه وحوله أتباعه: شباب بلحى صغيرة، أحدهم يمسك بسيف الشيخ داخل جرابه. وآخر يمسك الشيخ صابر من عصاه ذات المقبض الفضي. قال أبو دومة: سيد إبن توحيدة ينتظرك.
تركه الشاب الذي يمسك بالعصا، فسار هو الخطوات القليلة وحده، وظل أتباعه في إنتظاره خارج مقر المكتب الزينبي، وسط رواد القهوة الذين يلعبون الكوتشينة والطاولة.
قال الشيخ صابر: كيف حالك يا سيد؟
أجابه: أراك تلبس التشريفة.
قال: كنا في " ذكر "، شربت شيئا؟
قال: إمتلأت.
منذ أن أسس صابر مكتبه الزينبي وهو مرابط داخل قهوة أبو دومة، مع أن شقيقه أبو الترك يمتلك قهوة على بعد أمتار من قهوة أبو دومة، وأقاربه يجلسون فيها، لكن المكتب الزينبي لا يصلح له إلا في قهوة أبو دومة. فهي كبيرة، كما أن أكثر رواده من الزبالين الذين في حاجة لحكمة الشيخ صابر وخدمات مكتبه الزينبي، وذلك لصغر سنهم ولدأبهم على لعب الكوتشينة وسب الدين. كما إنهم قريبون من الفتنة والمغريات التي تقابلهم في عملهم، الخادمات المغريات والأشياء الكثيرة القابلة للسرقة التي يقابلونها دائما في العمارات التي يدخلونها، فإن لم يعصمهم الدين؛ سيضيعون. حتى السيدات صاحبات الشقق، والمتزوجات من رجال أغنياء وذوي نفوذ وجاه، لا يخلون من فتنة لهؤلاء البؤساء، وما حدث لعبد النعيم ليس ببعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – نسبة إلى السيدة زينب.
العبرة بما حدث لعبد النعيم
في الشهر الماضي دخل عبد النعيم العمارة الكبيرة التي تشبه الوكالة، فلها عدة منافذ، وعدة مصاعد وسلالم. يدخل عبد النعيم هذه العمارة منذ أن كان صبيا في العاشرة أيام كان يعمل مع والده – رحمة الله عليه – لكنه في هذه الأيام عقله بيودي ويجيب. ففيها إمرأة شديدة الفتنة، سكنت منذ شهور قليلة، سبحان الخلاق فيما خلق، ترتدي دائما الملابس العارية، جننته. عبد النعيم متزوج ولديه أطفال يحبهم، ويشتري الحلوى لهم كلما عاد إلى بيته. لكن بعد أن رأى هذه المرأة زهد زوجته وأحس بمدى قبحها وبالمقلب الذي أخذه بزواجه منها. في اليوم الموعود ضغط عبد النعيم على جرس الباب كالعادة، تمنى لو رأي هذه المرأة ليتملى من رؤيتها، فهي تعذبه أحيانا، وتسمح لخادمتها بأن تعطيه الزبالة. خرجت المرأة بقميص عار، هي تظن أن الزبالين ليسوا بشرا، وإنهم لا يحسون ولا يتأثرون، وإنهم لا يستحقون أن تخفي أنوثتها ومفاتنها عنهم. أخرجت صفيحة الزبالة، وإنحنت أمامه وهي تضعها فوق البلاط. فكشف الإنحناء عن ظهر ساقيها وعن تقاسيم جسدها الرائع، فما كان من عبد النعيم إلا أن إلتصق بها من الخلف قبل أن تعتدل، نعم، هي بملابسها وهو بملابسه. صرخت المرأة وخرج زوجها وباقي الجيران، فأوسعوه ضربا، وسلموه لقسم الشرطة، غير مكتفين بالضرب ودخل عبد النعيم السجن على شيء لا ينفع ولا يشفع، تقدر تقولي ما الذي إستفاده من إلتصاقه بها هكذا؟!
**
قال سيد للشيخ صابر: أبحث عنك.
سأله الشيخ: ما الذي حدث؟!
دار سيد حوله حائرا، الزبالون – رواد القهوة- يجلسون في الخارج والشيخ صابر يجلس وحده في مقر المكتب الزينبي. إتباعه الذين جاءوا من الذكر معه، جلسوا في الخارج تاركين له ولقريبه الحديث: إجلس.
قال: إنني قلق.
إبتسم الشيخ ورفع وجهه النحيل بلحيته المختلط بها السواد بالبياض، قال:أطلب لك شايا؟
- لا، أريد أن أعرف حكاية أبو حسني؟
- من أبو حسني هذا؟!
- بائع الحلوى.
- لا أعرف باعة حلوى بهذا الإسم.
- الذي كان يقف بعربته قريبا من هذه القهوة.
شرد الشيخ قليلا ثم صاح: آه، القاهري.
سأله سيد: من أدراك إنه قاهري؟!
قال الشيخ: قالوا عنه هذا عندما جاء للمنطقة.
شرد سيد للحظات، وسأله صابر: وماذا تريد منه وقد غادر الحي منذ زمن بعيد. هل تذكرت إنك لم تأخذ منه الباقي منذ أن كنت طفلا؟!
صاح سيد: أتمزح؟
قال في ضيق: تسألني عن رجل غادر الحي مذ أكثر من عشرين عاما؟
جاء أبو دومة بالشاي، ثم عاد إلى النصبة، وعاد صابر وسيد وحدهما، قال سيد: أختي الزينة شاهدتْ بائع الحلوى هذا وهو يقبل أمي.
سأل الشيخ صابر: منذ أكثر من عشرين عاما؟!
قال سيد: نعم.
صاح صابر في حدة: تفضحها هي بوقاحتها، وتردد أنت قولها بغباء؟!
قال سيد: أريد القصاص من هذا الرجل.
قال صابر: وما شأني بهذا القصاص؟!
قال: أريد معاونتك.
سأله: بمكتبي الزينبي؟!
قال سيد: لا، بقوتك التي صرعت بها العبد الأسود.
لعنة الله عليك وعلى توحيدة أمك. وعلى أختك التي أزاحت الغطاء عن ذلك المستنقع القذر. مالي أنا وهذه السيرة اللعينة؟! إنني برئ منها منذ أن هداني الله إلى الطريق المستقيم. وأسست مكتبي الزينبي هذا، تلك أيام جاهليتي وطيشي، والذي يذكرني بها فهو عدوي، وقد حذرتك من قبل إلخوض في هذا الموضوع.
قال سيد: لماذا، والحي كله مازال يذكره لك.
قال الشيخ صابر: إشرب شايك وإنصرف ودعك من فضح أمك بغبائك.