أحمد عبدالله إسماعيل - العشق الممنوع...

في حي شعبي، حيث تتزاحم الشوارع الضيقة بقصص الحب والألم، عاش رجل يُدعى "نامق"، اتسم بالطموح والذكاء، عمل في إحدى الشركات المتخصصة في صناعة الإلكترونيات فور تخرجه في كلية الهندسة، ورغم نجاحه المهني، إلا أن الوحدة أحاطت به وسيطرت على حياته حتى بعد زواجه بمن أحب، وزادت وحدته بعد أعوام قليلة من زواجه، خصوصاً بعد إنجابه أربع بنات؛ إذ اهتمت زوجته بهن وألقت به في ذيل اهتماماتها؛ مما جعله يقع في فخ العشق الممنوع.
وفي أحد الأيام، التقى بامرأة نضرة، تشبه التفاحة الطازجة التي قُطفت توًا من على الشجرة، تدعى "دنيا"، أنثى جميلة مليئة بالحيوية، متزوجة ورزقت بطفلين، تعيش حياة طبيعية مع زوجها وطفليها، لكن الملل أجهض كل محاولاتها للحاق بآخر عربات قطار السعادة؛ إذ كانت الحياة كلها مكررة من يوم واحد، وأكثر ما يضايقها في حياتها أن زوجها لا يستمع إليها بإمعان، ويحكم عليها وينتقدها طوال الوقت !
تعرفت دنيا إلى نامق في إحدى المناسبات الاجتماعية، ولم يعرف أنها متزوجة في البداية؛ حيث بدت أصغر من عمرها الحقيقي بكثير، ورغم الألم الساكن في عينيها، لكن سحرها وجاذبيتها جعلاه مفتونًا بها.
ومع مرور الوقت، بدأت العلاقة بينهما تتطور، امتلأ حديثهما - عبر تطبيقات الهاتف - بالضحك والاهتمام المتبادل، يتحديان اللهفة بالرسائل، ومع مرور الوقت، تطورت صداقتهما إلى شيء أعمق، وخصوصاً بعدما وجدت على لسانه ما لم تجده في زوجها: اللهفة والفهم والدعم العاطفي؛ ولهذا قضت معظم وقتها في مراسلته على وسائل التواصل الاجتماعي رغم وجود زوجها إلى جوارها في شقة واحدة، بل في سرير واحد! ها هي تشعر بالحب والاهتمام الذي افتقدتهما من ليلة زفافها، بينما يجد نامق فيها ملاذًا غير آمن من جفاف روتين حياته اليومية والعاطفية؛ إذ يكتب لها الرسائل ويتحدث معها هاتفيًا لكنه يمسك به خائفا يترقب.
تقابلا سرًّا غير مرة، وأمطرها نامق بالوعود، وأغرقها في الأحلام، تحلم بحياتها معه، حيث يمكنهما أن يكونا سعيدين بعيدًا عن القيود الاجتماعية.
”سأكون لكِ دائمًا“، ردد نامق هذه الكلمات بعينين ساهمتين، بينما تبتسم دنيا في كل مرة بخجل وترد:
”وأنا سأترك كل شيء من أجلك“.
رغم مشاعرهما القوية، كان هناك شيء يثقل كاهل نامق؛ لأنه يعلم أنها متزوجة، وأن علاقتهما ليست مقبولة، يشعر بالذنب مما يفعله بزوجها، لكنه يظن أن الحب لا يعرف الحدود، يفكر في الأمر حتى يتعذب بشدة بين ما يؤمن به من مبادئ أخلاقية وما يحمل في قلبه من مشاعر؛ ولا يعلم السبب الحقيقي الذي جعله يقرر الاستمرار في هذه العلاقة السرية، ربما لأنها تعطيه الفرصة ليشعر بالسعادة، وربما تجعله يستلب سعادته من أنياب الزمن، ومع ذلك لم تدم هذه السعادة طويلاً!
بمرور الوقت، بدأ القلق يتسرب إلى قلب نامق، يخاف أن يكتشف زوج دنيا أمرهما، تملكه شعور قوي بأن أي تهديد لها سيؤدي إلى انهيار كل شيء؛ ولأن الفاكهة الممنوعة حلوة المذاق وتشتهيها النفس، اتخذ قرارًا صارمًا: لن يسمح لأي شخص بالاقتراب منها أو التأثير على حياتها.
في إحدى الليالي، في أثناء جلوسها مع زوجها في لحظة هادئة، تلقت رسالة إلكترونية من نامق : ”تستحقين الحب والسعادة، وسأفعل كل ما بوسعي لحماية حبنا“. اغرورقت عيناها في تأثر شديد بكلماته لكنها أدركت الحقيقة: إنها تغوص في قاع الخطيئة، وتعيش في عالم مليء بالمخاطر والأوحال؛ ولهذا قررت ألا تتوقف عن مراقبة عيني زوجها حتى لا تدفع ثمن خيانتها باهظًا، وفي لحظة واحدة، وجدت نفسها أمام خيار صعب: إمّا البقاء مع عائلتها وإمّا الهروب من الواقع إلى حلمها مع نامق، وثارت مشاعرها المتضاربة، لكن الضغط الاجتماعي والعائلي كانا أكبر من قدرتها على التحمل؛ فقررت أن تعود إلى حياتها الطبيعية، ورغم أنها وضعت نهاية لعلاقتها الآثمة، وجدت نفسها مضطرة بل مجبرة على التواصل معه؛ إذ أحست أنها لا تقوى على تركه!
قررت استئناف العلاقة معه بشرط أن تضع عيناها في وسط رأسها، ومع ذلك، لم يكن بإمكانهما الهروب من الواقع إلى الأبد؛ فبعد فترة قصيرة، اكتشف زوجها الأمر بالصدفة عندما رأى رسالة نصية من عشيقها، الذي حفظته باسم ابنة خالتها، على شاشة هاتفها؛ فانفجرت الأوضاع، وواجهت زوجها بكل ما حدث، وكان الغضب ونظرات الخيبة في عينيه، مما دفعه لاتخاذ قرار حاسم.
كانت العواقب وخيمة؛ فقد فقدت دنيا كل شيء: عائلتها وزوجها وولديها. أما نامق، فقد شعر بالذنب الشديد لأنه لم يكن قادرًا على الوفاء بوعوده، بالإضافة إلى تفكيره المستمر في بناته، وما يمكن أن يحدث لهم كعقاب له على ما فعل بهذه المسكينة!
في النهاية، تواصلت دنيا بمن تسبب في انهيار حياتها ليتزوجها، لكنه تمسك بعائلته وتركها خلفه، وواصل حياته، بينما ظلت تحمل في قلبها ذكرى تلك العلاقة المليئة بالحب الذي فعل بها ما يفعله المخدر بالمرضى، وهو في حقيقته لم يكن سوى مجرد مسكن لجرح عميق لم ولن يلتئم.
تخلى نامق عن أحلامه ووعوده أيضًا، وعاد إلى حياته السابقة، شعر بالخسارة والألم، فكر كثيرًا في التخلي عن زوجته ليتزوج بعشيقته، أو يحتفظ بكليهما إن وافقت زوجته، لكنه تساءل إن كانت دنيا أحبته وحده أم كانت على علاقة بكثيرين غيره في الوقت نفسه، هل قالت كلمات الحب له وحده أم كانت تنسخ نفس الكلمات لعشاق آخرين - من شرق الدنيا وغربها - على برامج التواصل؟ وهل تحافظ على شرفه من خانت زوجها الذي تنام إلى جواره؛ لتعيش في خيالات الحب وأوهامه مع رجل آخر؟!!
بينما حافظ نامق على حياته ولم يهدم عشه ويحرق أحلام أطفاله، ظلت ذكرى تلك اللحظات القاسية القاتلة محفورة في قلب دنيا، أما نامق فسأل نفسه، ما الذي يمكن أن يحدث إن اكتشفت أن زوجتي فعلت بي تماما مثلما فعلت دنيا بزوجها؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى