كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - أسوارَ الخراب... (مجموعة شعرية)

** (( شاهقٌ بعشقِكِ ))..
حبُّكُ اجتثَّني من رحمِ الكلماتِ
طوّحَ بي إلى آفاقِ الرُّكامِ
وأطاحَ بنبضي
إلى قيعانِ الهجرِ
وكسَّرَ النّدى العالقَ بنيراني
إنّي أحبُّكِ رَغمَ أنفِ الحبِّ
وغصباً عنِ الكرهِ
ونكايَةُ بالحسًّادِ والشامتينَ
أحبّكِ عنوةً أيّتها الجميلةُ
لماذا استخدمْتِ فتنتَكِ لتأسرني؟!
لماذا كان عطرُكِ يطوِّقُني
ففي كلٍّ مكانٍ أجدني أهربُ إليهِ منكِ؟!
لماذا أصابعُكِ كانت تقبضُ على روحي
كلّما أرادت تغادرُني؟!
أحبُّكِ دون استئذانٍ
أو منطقٍ، أو تبريرٍ
هكذا..
قد يكونُ عن حماقةٍ
أو غباءٍ
أو رعونةِ قلبٍ طائشٍ
فمَنْ سيمنعُني لأقتلَهُ
وأنثرَ رفاتِهِ على العدمِ ؟!
لا أخافُ خناجرَ الغدرِ
ولا ضغائنَ المتودّدينَ
شاهقٌ أنا بحبِّكِ
منيعُ الانحرافِ
عصيُّ النّسيانِ
يا بلدي الرّائعَ.. والسّاطعَ
بنجوى العشاقِ .*
** (( ذهاب ))..
جسدي صغيرٌ وهزيلُ
متمدٍّدُ القامة في القبر
منذ ولادتي
ينمو
يكبُرُ
يشبُّ
وتبرزُ له عضلاتٌ
يكسو الشَّعرٌ صلعتَهُ
ويعتمرُ فمُهُ بأسنانٍ
كانت ساقطةً
تضجُّ الحياةُ في خلاياهُ
جسدي مترهِّلٌ بالموتِ
تعاودُهُ دقَّاتُ قلبِهِ
تبحثُ أصابعُهُ
عن قلمٍ
ليكتبَ عنِ العشقِ قصائدَهُ
عن فتاةٍ ما فتِئَتْ تهجرُهُ
وتحرقُ نبضَهُ
وتتركُهُ يتساقطُ على عكازِهِ
ينامُ فوقَ دمعتِهِ
يشربُ منْ دمِهِ النّازفِ
يأكلُ ما طابَ له غصّتَهُ
يتقلَّبُ على أوجاعِهِ
يحكُّ جفافَ روحِهِ
يعتصرُ آخِرَ قطرةِ ذكرى
ويشعلُ ماضيهِ
فوق بيادرِ الانتظارِ
جسدي أخذَ بنيانُهُ يكتملُ
إنِّهُ ينهضُ
يتعافى
ليتَّجهَ إلى الجحيمِ
دون التفاتةٍ
أو كلمةِ وداعٍ .*
** (( نرجسـيّة ))..
منذُ ذاك اليومِ الأليمِ
أخرستُ قلبي
وقمعتُ نبضي
وخنقتُ حنيني
وقيّدتُ أحلامي
ومزّقتُ لهفتي
وطردتُ ابتسامةَ دمي
وأغنياتِ نوافذي
ووردَ أيّامي
وبهجةَ شبابي
وشمسَ سمائي
وأنجـمَ ليلي
وقمـرَ شرفتي
وأحرفَ قصيدتي
وجزالَ لغتي
وأسرارَ دمعتي
ونحيبَ وحدتي
وأشجانَ ظنوني
أنا ما عدتُ أؤمنُ للحبِّ
وما عادتْ بسمتُكِ
تقتحمُ شراييني
حبُّكِ حطّمَ آفاقي
ودمّرَ دربَ أشرعتي
وقتلَ إيماني ويقيني
الحبُّ بابٌ للمذّلةِ
يُفضي إلى جهنّمَ
عرفتهُ منذ أن تخليّتِ عنّي
وأردتِ أن تهجريني
بعتِ حبي ولهفتي
لِمجـدٍ أنـتِ لسـتِ لـهُ
فقد أغلق بوجهِكِ
يوم عزمتِ أن تقتليني!.*
** (( طليق القلب ))..
جمَّعتُ قلبي وشتاتَ رُوحي
ولملمتُ رِعافَ نبضي وكراتِ دمي
وحزمتُ كلَّ آمالي وأحلامي
وعبَّأتُ أوجاعي وحناني
وقيَّدتُ بالحديد لهفتي وشغفي
وحملتُ دمعي على ظهري
ثمَّ امتطى قهري صهوةَ أنيني
وكانت صرختي تقتلِعُ
صبري وانتظاري
سأغادرُ عشقاً لا يليقُ بقصائدي
وحبّاً بهيماُ أوقعَ ببسمتي منِّي
وأحرقَ شطآنَ همسي
وسيَّجَ بالموتِ أغصاني
سأحبُّ اللا حبَّ
وأُعطي وقتيَ للتفكيرِ بوقتي
وأتركُ وحدتي على الطّريقِ وأَمضي
بلا ليلٍ ينهشُ ضوئي
بلا جدرانٍ أستلُّ منها هواجسي
بلا بابٍ يُغلقُ نيراني
ودونَ نافذةٍ تطلُّ على موتي
سأهربّ من عطرٍ كسَّرَ أنفاسي
ومن نظرةٍ هشَّمَتْ جنوني
سأقولُ للعشقِ لا تنتظر منِّي التفاتةً
ولا تأملْ منْي عودةً
فقد شنقتُ أحرُفي عن بِكرةِ أبيها
لكي لا أكتبَ قصيدةً
وسأعيشُ دون أنْ أحيا
وأموتُ طليقِ القلبِ.*
** (( في المعركة ))..
أبتلعُ دمعتي
وأغتالُ حنيني
أسرقُ لهفتي
وأخنقُ أنيني
أبطشُ بآهتي
وأكتمُ ظنوني
أعاركُ نبضي
وأُُدمي جنوني
أٌمسكُ بدمي
وأقيْدُ شراييني
َوأعبِّئُ النّدى
في جسدِ السْكونِ
لن أفضحَ عن موتيَ
أمام مَن جفوني
ولن أسمحَ للفرحةِ
أن تدركَ قلوبَ
مَن قتلوني
أعاندُ الموتَ
وأتحدّى كلَّ من تحدّوني
سأُرمي عليهِم بانتصاري
مهما تعاظمتْ مكائدُهم
ولاحقوني
وأشهروا بوجهيَ حسدَهُم
وفي ظهري طعنوني
أنا العاشقُ الذي لا ينهزمُ
ولا ينحني أمام مَن همُ
دوني.*
** (( يحيا الموتُ ))..
هل ينتصرُ القتيلُ
في تشظِّيهِ تحت الرّكامِ
ويذيقُ للغبارِ طعمَ دمهِ؟!
تتطايرُ روحُهُ
مع دويِّ الانفجارِ
وأشلاؤُهُ تلوّنُ الضّوءَ
وصدى الدّمعِ
يسمعُهُ سحابُ الشّمسِ
فتنهارُ حِجارةُ القمرِ
مرفقةً بقهرِ الدّمارِ
تنعيهِ الأرضُ
تبكيهِ الدّروبُ
َويعلْقُ دمَهّ
على أسوارِ مجلسِ الأمنِ
ليندلعَ الشّجبُ .
ويتفاقمَ القلقُ
وتتعالى الإدانةُ
من أفواهٍ مغطَّاةٍ بخيوطِ العناكبِ
ويحتجُّ القاتلُ
ويٌتّهَمُ الصّامتُ بالعنصريّةِ
كلُّ من لا يباركُ قتلَ الفلسطينيَّ
(نازيُّ) القلبِ
إرهابيُّ الوجدانِ
سليلُ (صلاحِ الدينِ)
المجرمُ الأبديُّ
بحقٍّ أنيابِ الغولِ
والشّيطانِ
ويُصدِرُ قرارَ (الفيتو)
باسمِ الإنسانيَّةِ الجديدةِ
والتّحضُّرِ الموغلِ بالتّوحشِ
يحق (لإsرائيلَ) إبادةَ العربِ
واحتلالَ ماضيهم المجيدِ
عاشُ القاتلُ
يسقطُ القتيلُ
والموتُ للمحايدِ الغبيِّ.*
** (( غباءُ عاشقٍ ))..
مغرورةُ العطرِ
يصَلُني عطرُك على يدِ خنجرٍ
مغرورةُ الابتسامِ
تأتيني بسمتُك على حدِّ سكِّينٍ
مغرورةُ النّظراتِ
ترمقُني نظرتُكِ
دون أن تراني
مغرورةُ الخطوات
لا تقتربُ منّي
مغرورةُ الأصابعِ
تخمش أصابعُكِ لهفتي
كلّما قابلتُها
بانحنائي
مغرورةُ الرّوحِ
حين يلمَسُها حُلُمي
مغرورةُ الأنفاسِ
عندما أفوحُ بعشقِها
مغرورةُ الإحساسِ
لمَّا تهاجمُها دمعتي
تقتلٌني
ويشعُّ جسدُها بالغرورِ.*
** (( غـرورٌ أحمَـقُ ))..
أعصرُ المـاءَ
فلا يبتلُّ موتي
أدقُّ إسفيناً بنبضي
لأهرقَ النّدى
ولأطردَ عنّي ذاكرتي
لن أتـركَ لعطرِكِ مصيري
ابتعدي عن سماءِ قصيدتي
وحلّقي مع النّسيانِ
هجرت قسوتَكِ
لم تعد طلَّـتُكِ تبطشُ بي
وحضورُكِ صار لا يؤثّرُ
أنتِ مجردُ شمسٍ مظلمةٍ
عبارةٌ عن نسمةٍ متهالكةٍ
نهرٌ جافُّ الجريانِ
موسيقى مقطوعةُ الأوتارِ
سمـاءٌ تركها القمرُ
نجمةٌ مطفأةُ البريقِ
شجرةٌ لا تثمرُ إلَّا الغربان
موجةٌ متهدلةُ القوى
ياسمينةٌ يكسوها الشّوكُ
عانسٌ مزينةٌ بالعناكبِ
عجوزٌ يسعى إليها القبرُ
ما عدتُ أحبُّ أن أحـبَّكِ
شبعتُ عذاباً منكِ
قلبي تورّمَ بالدّمعِ
روحي تكسّرت مناجاتُها
أشواقي قدّمتْ استقالتَها
وهمساتي أخذت تدوّنُ مذكّراتِها
طفحَ الأملُ بالخيبةِ
كان على الزّمنِ أن لا يجمعَنا
على هذهِ الأرضِ
وكان على الأرضِ أن تنشقَّ
وتبتلعَ حبي لكِ
أنتِ عقوبةٌ ابتليتُ بها
رافقتْ أيّامي
اذهبي إلى نعشِكِ محمّلةً بمرارتي
وأنا سأحملُ نعشي
وأرميهِ عندَ أعتابِ بيتِكِ
أبحثُ عن ظلِّـكِ
ووقعِ خطاكِ المسكونةِ
بالغـرورِ الأحـمقِ.*
** (( اتّهام ))..
أتَّهمُ نفسيَ
بالاعتداءِ على حُلُمي
وتحطيمِ أملي الوحيدِ
كنت قاسياً
حين أقدمتُ على تفهُّمِ الحقيقةِ
ومواجهةِ الواقعِ الأليمِ
أنا لن أحوذَ على حبِّكِ
سأموتُ قبل أن أصافحَ قلبَكِ
أنتِ محضُ سرابٍ
لا يبلِّلُ انتظاري
وَهمٌ ابتدعتْهُ قصائدي
حبٌّ شاقٌّ على قلبي
وأملٌ مستحيلُ المنالِ
لن ألهثَ خلفَكِ بعد اليومِ
ولن أغويكِ بأشعاري
أعترفُ بعجزي
حَيالَ نظرةٍ واحدةٍ منكِ
هذا الذي يخفقُ لكِ
دهستُ نبضَه
هذا الحنينُ الذي يلبَّسُني
مزّقتُ نجواهُ
إنّي لا أحبّكِ
بقدر ما وجدتُهُ من جفائِكِ
كذبت على الوردةِ
حين أنكرتُ عليها عطرَكِ
خدعتُ القمرَ
لمَّا توقّفتُ عن مناجاتِهِ
غدرتُ بالنّدى
لحظةَ عبورِهِ
من قربِ نافذتي
أنتِ معصِيَةٌ ارتكبتْها حماقتي
خطأُ عُمُري الأوحدُ
جريمةُ تطلّعاتي
ابتعدي عنّي
مسافةَ ألفَ كونٍ
سأطردُ كِ من الماضي
وأُقصيكِ من الحاضرِ
وأنفيكِ عن المستقبلِ
من أجلكِ لن أبصرَ الشّمسَ
وبسببكِ ألغيتُ السّماءَ
هذا الكونُ بلا أفقٍ
وبلا مطرٍ أو سحابٍ
وهذه الأرضُ
من غير ينابيعٍ
ومحظورٌ عليها أنْ تُعشبَ
والدّروبُ محجوبةٌ
والجهاتُ معطوبةٌ
والهواءُ خشِنٌ ويابسٌ
لن أحبّكِ
مهما تفجّرتُ بالحنينِ
ولن أناديكِ
مهما بُحَّ دمعي
وتعالى صدى موتي.*
** (( وليمة ))..
ألتهمُ نفسي
حين تجوعُ قصيدتي
أنقضُّ على أحلامي
ونبضي
وبشراهةٍ أقبلٌ على
ذكرياتي
ألوكُ دمي
أمضغُ روحي
وأعضُّ بسمتي
وبالشوكةِ والسّكينِ
أقطّعُ حنيني
وآكلُ صدري
وما فيه
من صبرٍ وانتظارٍ
أطوّقُ فضائي
لأخلعَ مسافاتي
وأقبض على شمسي
وأصطادُ من بحاري الموجَ
ومن الشّطآنِ الظّلالَ
ومن رمالِ صحرائي
كثبانَ الأملِ
الدُّنيا كلّها لا تُشبِعُ
أحرفي
أختطفُ النّدى
أسطو على القمرِ
وأحتجزُ النّجومِ
السّماءُ لقمةٌ لقصيدتي
والكونُ وجبَتُها النّاقصةُ
فمَنْ يُطعمُها الجنَّةَ
بعد أن تزدردَ النّارَ ؟!*
** (( بــرد ))..
دافئٌ البـر
ودةِ
مشتعلُ الثّلجِ
ملتهبُ الرّياحِ
مستعرُّ الوخَزَاتِ
يطوّقُ بي كلَّ خلجاتي
يحاصرُ دمي
ويأكلُ مني جسدي
يحملُ ساطورَهُ
ويهوي به
على سعـةِ وِحشتي
وأكتافِ حنيني
يتوغّلُ في قِفـارِ رُوحِي
يقتحمُ نوافذَ آهتي
ويقبٌضُ على صهوةِ نبضي
يهرسُ دمعي
يبطشُ لهفتي
ويسحقُ قامةَ انتظاري
شرسٌ في احتضاني
غليظُ العضلاتِ
حينَ يضمُّ ارتجافي
ويقضمُّ أوصالي
إنه بـردُ شيخوختي
ورايةُ غربتي
وشراعُ انكساري.*
** (( الهارب ))..
حزينٌ هو الفرح
لا أحد يلقاهُ
أو يتعاملُ معهُ أحدُ
يَقِفُ بعيداً
كالشيطانِ المنبوذِ
كلٌّ يخافُهُ
ولا يثقُ بِهِ
يسمونه بالغادرِ
يتّهمونَهُ بعدمِ الوفاءِ
إذ سرعانَ ما يختفي
متخلِّياً عن أصحابِهِ
يستبدلُ جلدَهُ
يغيّرُ قِناعَهُ
يسخَرُ من محبِّيهٍ
وحينِ يناديهِ أحدٌ
يصمُّ أذنيه ولا يستجيبُ
كأنَّهُ بلا قلبٍ
لا يشفقُ على دموعِ
البائسينَ.*
** (( أسوارُ الخرابِ ))..
لا بابَ لحياتي أُوصدُهُ
فيدخلُها الحزنُ
دونً إذنٍ
ويخرج منها الأنين
في كلَّ حينٍ
وألقَى طعناتِ الغدرِ
كلّما كانت بسمتي دافئة
وأتوهُ في شعابِ نبضي
وأروقةِ أحلامي
وجمرِ هواجسي
أنحني لتخطوَ الجبالُ فوقي
أبكي عندَ كلِّ نسمةٍ
وأحترقُ إن مسَّني النّدى
أهربُ من جدارٍ يتنصَّت عليَّ
ولا أنجو من فخٍ
نصبَتْهُ لي يقظتي الدَّائمةُ.*
** (( بطولاتُ العُمرِ ))..
تجتاحُني الوَحدةُ
ويحتلُّني الصمتُ الصلِدُ
وذاكرتي كأفعى
تنسابُ في أيادِ الأصدقاءِ
تلتفُّ على لسانِ حبيبتي
فتلدغني ابتساماتٌ كثيرةٌ
حيث يقهقهُ الحجرُ
وينمو الموتُ في دروبي
أمشي فوقَ غُصَّتي
يرافقُني قهري
ويتبعُني سقوطي
أحدِّقُ في عويلي
أتلمَّسُ تشرُّدي
الصّحراءُ مائي
والسّماءُ سرابي
والنّدى لهيبُ الأفقِ
أتعرّى من دمعتي
وأشقُّ ثوبَ انكساري
لأرتمي في حضنِ الاحتضارِ
وأختصرُ كلَّ بطولاتي
الخاسرةِ.*
** (( شـطآنُ الـومـيضِ ))..
الدَّمعةُ سقطتْ في وديانِ القلبِ
بلَّلتْ يباسَ النَّبضِ
وشربتْ من رمادِ الشَّهقةِ
وأشعلتْ قناديلَ الأنينِ
تفتَّحَ أفقُ الحنينِ
وأزهرتْ موسيقى الرُّوحِ
وتناهتْ خلجاتُ الحلمِ
إلى شطآنِ الوميضِ
رفرفتْ بسمةُ النّدى
حلَّقتْ أجنحةُ البوحِ
رقصتْ دروبُ الانتظارِ
ماجتْ أنوارُ الأملِ
هاجتْ أمواجُ الرّحيلِ
وصاحتْ أسرابُ الصّفـاءِ
الأرضُ حبلى بالرّبيعِ
والشّمسُ تثمرُ الأغاني
تفجّرَ الفرحُ على شرفاتِ العشقِ
وتناثرَ زمرّدُ القبلاتِ
من نوافذِ القصائدِ
فوقَ رؤوسِ الجهاتِ
الينابيعُ تتدفّقُ بالأمانِ
والسّلامُ يعرّشُ على أسوارِ البلادِ
التّرابُ يهلّلُ لانتصارِ الوردِ
والعطرُ مأوى لهمسِ الفراشاتِ
العاشقةِ.*
** (( آلام شاهقة ))..
بين أبي والشّمسِ
مسافةٌ قريبةٌ
يعمِّرُ للوطنِ أفقاً
من حجرِ النّدى
والعرَقُ يتصبَّبُ من دمِهِ
وكنتُ أحملُ الحجرَ
بدمعتي
وقوايَ الخائرةِ
والشّمسُ تفترسُ أنفاسَنا
السّلّمُ طويلٌ لا ينتهي
والحِمْلُ ثقيلٌ يسحقُ قامتي
وأبي يستعجلُني بلا هوادةٍ
والسِّقالةُ التي تحملُ أبي
تهتزُّ على وقعِ نزقِهِ
وعروقي تطفحُ بالانهيارِ
تعبتُ يا أبي
ونحن نشيّدُ وطناً
لا مسكنَ لنا فيهِ
وصاحبُ البيتِ سيطردُنا
عمّا قريبٍ
نحن كالغبارِ، يا أبتي
يتقاذفُنـا العوَزُ
وتمسحُنـا الحَاجَـةُ
ويلاحقُنـا الفقـرُ
نتعبُ ويغتني التُّجّـارُ
نموتُ ويزدرينا حَفّارُ القبورِ
ونحيا لنشيّدَ عبوديَّتَنا
فمتى- يا أبي- ينفجرُ البركانُ
وتتحطّمُ قيودُنا السّوداءُ؟!*
** (( الصّبَـاحُ الأعـزلِ ))..
الذّكرياتُ حطبٌ تورقُ فيه النّارُ
والقلبُ موجوعٌ بنبضِهِ الهاربِ
وسماءُ الرُّوحِ تلبّدتْ فيها صرختي
إنّي أتناثرُ كأمواجِ الحنينِ
نحوَ دروبٍ أجهلُ مجاهيلَها
فهل أنتهي إلى موتٍ عابقٍ بالخصوبةِ
أم إلى قبرٍ فاغرِ الجحيمِ؟!
أعددتُ جنازتي وقبلاتِ الوداعِ
وحملتُ حقائبَ الابتسامِ
سأوزّعُ على الشّرفاتِ أشواقي
وأقبِّلُ النّوافذَ العاريةَ من زجاجِها
وأمسحُ غبارَ الأفئدةِ
وأحضنُ عظامَ النّدى النّابضِ بالرّميم
وأرحلُ إلى نهايةِ الوميضِ
أمضغُ رحابَ الحسرةِ
وأجنحةَ الأملِ الخائبِ
ومصيرَ التّشردِ الصّفيقِ
وعمقَ المأساةِ الضّاربةِ
في ترابِ الوطنِ المغدورِ
بأسلحةِ مَن يقطفُ غلالَـهُ
ويشربُ ينابيعَ أمجادِهِ
ويشوي بسمتَهُ الرّؤومَ
فوقَ حممِ الفواجعِ
على رأسِ الصّباحِ الأعزلِ
إلّا مِنَ النّـورِ والسّلام.*
** (( مقبرةُ الحقيقة ))..
تتثاقلُ أوجاعُ الموسيقى
يتلظّى الصّمتُ
وينتابُ المكانُ
الكثير من الضّجرِ
الليلُ يزخرُ بالمتاعبِ
والسّماءُ بلا شرفاتٍ
تطلُّ على وحدتي
أنفاسي مثقلةٌ بالجبالِ
وآهتي تصطدمُ بالجدارِ
القلبُ مركونُ النّبضِ
ودمي يسعرُ الشّريانَ
قصصٌ تستعصي على الذّاكرةِ
وجراحٌ تلحُّ على الرُّوحِ
وغيومٌ في العينَينِ
تتخاطفُها الرّيحُ
تمشي بيَ الهواجسُ
تصادفُ ركامَ فرحتي
فتبعدُ عن دفاترِ عمري
وتندسُّ في غاباتِ المغيبِ
والدّربُ بلا بصيرةٍ
يسألُ عن بابٍ
يُفضي للخروجِ
من مقبرةِ الحقيقةِ.*
** (( لعلّه ديواني الأخير! ))..
لعلّه ديواني الأخير
تخشبت مساماتي
وتحجرت أنفاسي
وتيبّست أيامي
وماتت دروبي
واحترقت مراكبي
هزل ضوء آفاقي
وتكسّر سنديان صوتي
انهارت جدران رؤايَ
وتحطَمت نوافذ مخبئي
شاهدتني الهواجس
لاحقني الأرق
واصطادني الجنون
وطني كان قشة تطفو فوقَ السّراب
وعلم بلادي نسج من خيوط العنكبوت
نشيدنا الوطني ينزف أحلامنا
وحاكمنا يقتات على حرّيتنا
منازلنا ولّت الأدبار
ورغيفنا صار له أنياب
السّماء انتزعوا شمسها
والمطر سلخوا عنها نضارتَها
هتكوا بكارة النّقاء
وعلّقوا المدن من أثدائها
كرامتنا مسفوحة
مطالبنا مذبوحة
وترابنا مسروق الفحولة.*


فهرس مجموعة: (( أسوارَ الخراب ))..
=======================
01 - شاهقٌ بعشقكِ
02 - ذهاب
03 - نرجسيّة
04 - طليق القلب
05 - في المعركة
06 - يحيا الموت
07 - غباء عاشق
08 - غرور أحمق
09 - اتهام
10 - وليمة
11 - برد
12 - الهارب
13 - أسوار الخراب
14 - بطولات العمر
15 - شطآن الوميض
16 - آلام شاهقة
17 - الصباح الأعزلِ
18 - مقبرة الحقيقة
19 - لعلّه ديواني الآخير
-------------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى