محمد مزيد - الفتاة والحمار...

ذهبنا في جولة سياحية الى ما يسمى باسطبل الحمير ، في اخر محطة للمترو المنطلق من ساحة اتاتورك الى منطقة قريبة من الجبل لا استطيع لفظ اسمها ، اقنعتني ابنتي وزوجتي بهذه الجولة السياحية ، بعبارة حادة كالسكين " انت مو روائي .. ليش ما تغامر معنا بركوب الحمار " ووجدتها فرصة سانحة أن أرى ابا صابرين وعشيرته في منطقة نائية بعيدة عن ضجيج المدينة ، وصلنا الى هناك ، وفوجئت ، ان لابي صابرين مكانة مهمة في هذا المحفل الحميري ، حيث النساء والفتيات الجميلات ذات البناطيل الضيقة والتنانير القصيرة جدا يحيطون بمملكة هذا الحيوان الجميل ، وضعوا على ظهورها ارقى انواع الملابس المزركشة وسروجا مطعمة بالخرز والياقوت المطاطي ، كنت اتجول ، ومعي ابنتي وزوجتي ، كانتا تلحان علي بالركوب على ظهر هذا الحيوان البائس الحزين ، لم اركب في حياتي على ظهر حمار او حصان ، بسبب علاقتي النافرة بالحيوانات ، ولحد الان اكره القطط والكلاب ولكنني انظر بتوقير خاص الى الحصان واقل منه الى الحمار. في هذا الجو البارد ، كانت الشمس عمودية فوق رؤوسنا ، والناس تتجمهر باطراد ، ويصعد بعضهم على ظهور هذه الحيوانات ، مقابل مبلغ بسيط من الليرات التركية ( 20 ليرة ) ، وبعد الالحاح ، وجدتني اذعنت ونسيت سنواتي الستين ، واول ما أمتطيت ظهر الحمار، احسست انني اصبحت مثل رنكو شايل سيفه، وقبل ان يضرب السائس عل ظهره لكي يبدأ يتجول بي جولته المكوكية المدروسة ، احسست ان جسدا ترفا ناعما التصق بي من الخلف وذراعين بيضاويتين التفتا حول بطني ، ظننتهما ذراعي ابنتي او زوجتي ، لكني عندما رأيت بياض الذراعين، التفت اليها، فاذا بها شابة شقراء ذات وجه أبيض بنمش وعينين سوداويتين ، تبتسم لي بمرح، اخذت من يدي حبل اللجام ، واوعزت للحمار بالانطلاق وسط ضحكات بريئة اطلقتها ابنتي وزوجتي ، سار بنا الحمار ، انا والفتاة الغريبة الجميلة الترفة ، كان يجب ان يستدير مثل باقي الحمير ، لكنه لم يستدر ، بقي يمش ببطء الى الامام ، حتى وصل الى سفح الجبل واخذ يصعد بنا الهوينا ، واللجام بيد الفتاة التي تجلس خلفي ، ما جعلت الهسهسة تصعد عندي الى اعلى المستويات ، الحمار يستجيب بنتر الحبل في فمه وهو يصعد بنا صاغرا مذعنا .. يصعد الى الاعلى ، لا اعرف الى اين يأخذنا ، اصبحنا لوحدنا ، وقد ابتعدنا عن جمهرة الناس والحمير في منطقة الوادي اسفلنا، ظلت بقية الحمير تدور حول دائرة محددة ، بينما اخذ الحمار يشق عباب الصخور وانزلاقاتها ، وكأنه يعلم بمسالك الطريق المتعرج معرفة الخبير المحنك .. ثم فجأة ، وصلنا الى كهف ، وقف الحمار عنده ، فخرج شاب ملتح يرتدي ملابس انيقة ، اطعم الحمار باقة من الجت ، ثم انطلق بنا الحمار صاعدا الى الاعلى ... ومازال يصعد بنا الجبل من دون ان يقر له قرار بالعودة ، دّب الخوف واليأس في نفسي ، وعبرت عن خوفي للفتاة التي لااعرف اين ذهبت ذراعاها ، احسست بها كانت تغني باذني اغان ناعمة جميلة .. استسلمت الى قدري وخوفي ، وانا استمع الى صوت الغناء ، الذي كان يتصادى بين الجبال ... ومازلت لحد الان ، اشعر ان الحمار سيعود الى مكانه ، غير انه بمرور الوقت لم تظهر على سلوكه اية دلالة على عودته الى مكانه ... انحرفت الشمس ، وصارت خلف الجبل الاخر المحاذي لجبلنا ، توقف الحمار من التعب ، ثم استدار ثانية نازلا بنا الى مكانه ، في تلك الاثناء، افتقدت وجود الفتاة خلفي ، التفت فلم ارها ، لكن الحمار يسير حسب غريزتي في معرفة الطريق نحو الاسفل ، ولما وصلنا الى الكهف ، توقف ثانية من دون ان يخرج الرجل الملتحي .. لكن ذراعي الفتاة طوقتني ثانية وامسكت بحبل اللجام ثانية ونحن نازلان الى غابة الحمير ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى