عبدالجبار الحمدي - طائر الطرنجان...

يا إلهي ... يا إلهي هل يعقل اني تحولت الى مدمن!! و إن فعلت فمن انا سوى نكرة أعمل طوال يومي منذ الصباح حتى مغيب الشمس أُكرى ببضع دنانير ... ثم ارى نفسي تجري بي حيث شارع ابو نؤاس تدق اجراس تعلن ان ساحة فقدان الوعي قد حانت... أراودها بخجل ان لا تفعل لكنها كعاهرة خجول تتمنع وهي الراغبة في مضاجعة قنينة خمر غير معتق مغشوش عفن احيانا كثيرة، فأنفاس المخمورين الذين يبتاعون من نفس المكان القابع في قعر الزقاق الذي يبيع الخمر لم اعد أميزها عن رائحة البول الذي اُرشِقَ من بعضعهم على جانبي الحائط... كثيرا ما اجد نعلي يلعنني وانا اضعة وسط واحة من البول الراكد في حفرة ما في الزقاق، كعملة صدئة معروف الوجه عند البائع الذي ما ان يشاهدني حتى يجهز المطلوب كأن لديه علما بما ارغب.. غير ان ذلك المساء وقبل ان اصل الى الزقاق توقف سيارة، دفعت بإمرأة خارجها بقوة، سقطت بشدة صاحب سقوطها صرخة ألم، سارعت كفارس لا يركب حصان الفروسية الى مساعدتها و رؤية ما إذا قد أصيبت، لكنها بدت اكثر نشاطا ... نهضت بعجالة ثم عبرت الى الرصيف الآخر من نهر دجلة، دلفت بعيدا حيث قرب النهر ظننت انها سترمي بنفسها اليه... هرولت فإذا بها جالسة على نتؤات بعض الصخور وهي تنتحب نحيب المقبلين على الاعدام، لم تشعر بي حين اقتربت منها... لكني بادرت بالقول:
- هل بك شيء يا سيدة... لم تسمعني فكررت قولي، التفتت و بعنف قالت:
- ماذا تريد انت ايضا يا خرة...
إبتلعت لساني وقلت الى نفسي إذا كان ردها الاول علي بمفردة كنت لا استفيق من رائحتها حين اشرب ثم يرمون بي الى جانب احدى المباول او مرافق الشوارع آخر الليل... لم استغرب!!! لكن قلت..
- هوني عليك ظننت انك بحاجة الى مساعدة او انك قد جُرحتي جراء رميك عن السيارة التيي كنت فيها...
صمتت عن نحيبها بعدها علقت....
- هل رأيتهم يفعلون اولاد الزنا، لقد اخذوني للمبيت معهمإلى احدى الشقق من بعد ظهر اليوم، كان هناك عيد ميلاد احدهم، كنا ثلاث بنات لم نعرف بعضنا البعض، لكن ما أن بدأت الحفلة حتى تطايرت العقول و الثياب وبانت الوجوه و الاجسام على حقيقتها.. و بعد مضاجعات مع الجميع والشرب والسكر انتهت السهرة فطالبت بأجوري لكني تفاجأت بالضرب و الشتم والسب ثم حملوني الى سيارتهم ومن بعدها رموا بي الى الشارع كما رأيت ... كل هذا بسبب المرأة التي اعمل عندها انها قوادة معروفة يبدو انها استلمت اجور ليلتي و لم تخبرني ..
- ألهذا السبب تبكين لكنك تنحين بحرارة؟! من اجل المال

- أظنك حمار او مخمور ست ساعات او أكثر من عشر وانا اتصارع مع نفسي حين اجدها تنتقل من حضن الى حضن ومن فراش الي سجادة على الارض او اريكة حتى شعرت اني كالنعل يرتديني كل من يريد ان يدخل الحمام لقضاء حاجته، هل شعرت بمثل هذا الشعور يا ... هيه لحظة من تكون انت؟؟

- لا احد إني احد عاهات الزمن تسربلته نوائب القدر لكني لم ابع نفسي بعد... لان لا احد يشتري طائر الطرنجان بعد الان فحين يحبس في جسد عفن لابد سيموت من كثرة نتانة ما يلبسه او يعيش كما انا اقطن في قفص جسم عفن.. الهواء فيه فاسد كما الخمر الذي اشتريه لأسكر في كل ليلة..

- يعني يا نتن انت انتن مني لكن ربما اكثر طهارة... أما انا فالمستنقع واحتي التي ارفل فيها كل ليلة بل كل وقت اكادها لا تفارق ساعات يومي في بيت تلك القوادة القحبة...

- انكِ تضحكيني يا فتاة... كيف تكون قوادة وقحبة في آن واحد... اهذه حزورة

- يبدو من شكلك انك غبي وهذا مؤكد والثاني انك لم تضاجع في حياتك حتى كلبة او جثة لامرأة ميتة.. أما ردا على سؤالك فهذا سهل، فهي تكون قحبة للذي يرغب فيها ويدفع لها كثيرا وترغب أن تضاجعه اما قوادة حين تكون مسئولة عن تسييس خروجنا مع السماسرة والقوادين من صنفها لتُأجرنا لليلة او ليلتين.. كما يرغب الزبون فهكذا تمارس عملها كقوادة افهمت يا نتن..
- يكفيك يا عاهرة ان تناديني بالنتن وانت اكثر نتانة مني، ربما انا نتن الرائحة لكنك نتنة الرائحة والسيرة والفعل، فإن كان هناك اختيار لدخول الجنة لكنت الفائز عليك بدخولها لان ذنوبي اخف بكثير من ذنوبك فالرذيلة التي قابعة في ممارستها هولها عظيم..

- اضحكتني يا طرنجان الليل ها انت تتحدث بكلام رجل اعرفه ملتحي و جبهته نخرتها تربة الصلاة كما يقولون من هم حماية له، لكنه حين يختلي بي يلعق كل مكان في جسمي كأنه سحلية رقطاء يمارس الجنس بشكل جائع جشع... يؤلمني كثيرا لكني استقبل ذلك الوجع كونه احد كبار الساسة الفاسدين وما اكثرهم فلا تحدثني عن الجنة والنار او كما ذلك الساقط الذي تصور يا نتن انه حين يأتي وقت الصلاة فيقوم ليصلي... استغرب ذلك منه لكنه يقول ساعة لربك وساعة لقلبك... اي رجال دين نعاشر انهم شياطين و ابالسة

- على اية حال ايتها العاهرة اتمنى ان لا تزعلي حين اناديك بالعاهرة فأنا لا اعرف اسمك الى الان اما أنا فأسمي..

- لا تخبرني عن اسمك دعنا هكذا دون تعارف، فالمعرفة تقلل من الهيبة و القيمة، انت كما سميت نفسك بطائر الطرنجان وانا العاهرة، اسألك بفضول ماهو طائر الطرنجان؟؟؟

- إنه طائر جميل يعيش الحرية كأنه ريشه الذي يرتديه لكن رغبة الناس بإحتوائه يضعونه في قفص فيتقوقع على نفسي فهو لايحب الاماكن المغلقة ذات الروائح العفنة والنتنة لأنها تودي بحياته إن طال بقاءه فيها... اخترت الاسم لنفسي لان اعيش نفس حياته فأنا يا سيدة لست كما تريني إني متخرج و عندي شهادة بكالريوس قانون دولي لكن لا يوجد وظائف كما يدعون من هم في السلطة فماذا افعل؟؟ وانا عندي امي وابي عاجزان فاشتغلت عتال كما ترين حالي الى ان ماتا حسرة وكمدا لأني لم أستطع ان اوفر لهما لا العناية اللازمة ولا العلاج سواء الادوية او مصاريف المستشفيات الاهلية ماتا ودفنتهم في يوم واحد كما المستشفيات الحكومية، كأنهما يعلمان اني لا استطيع المقاومة بعد على الحياة .. لا زمتني الكآبة وا ستسغت الهروب الى الداخل و اشتريت الضياع ليس هروبا من واقعي او عدم وجود ارادة لكني ارتضيت ان اكون عتالا على ان اكون ناشطا يطالب بحقوقه خوف رصاصة غدر او سكين مدسوس هكذا بساطة..

- اتعرف يا طائر الطرنجان يبدو ان مصيبتك مثل مصيبتي فانا خسرت شرفي وكانت وسيلة عيشي ما املكه بين فخذي و ىليتي... اما فإن خسرت شرفك خوفا بحياة نتنة ارتضيتها موتا بطيئا ... لا فرق بيننا سوى اني اعيش الموت اكثر من مرة وانت تعيش الموت في كل لحظة و اكثر من مرة، هيا اذهب من حيث جئت وانا سأذهب الى قوادتي لأخبرها بما جرى، ربما سألتقيك في الغد او ربما في الايام القادمة... يا لها من مصادفة غريبة عاهرة و طائر الطرنجان في شارع ابو نؤاس الى اللقاء..
لم اشاهدها بعد تلك الليلة مع العلم اني كنت انتظر ان اراها حين تتوقف كل سيارة بشكل مفاجئ لكن القدر خيب ظني حتى في هذه.. بعدها اعود لذلك الزقاق لأكتري زجاجات الخمر وانا اسير على بول رواد ليل مغطسين بنتانة بولهم و حياتهم مثلي.

القاص والكاتب
عبدالجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى