كان في قديم الزمان، قرية هادئة جميلة، يطل عليها جبل شاهق من بعيد. يلقي تحيته عليها كل صباح مع اشراقة شمس تغمرها بدفئها، وتدغدغ اشعتها أزهار سهولها الخضراء. كان الناس يعيشون في اطرافها حياة هادئة. حين عصفت بها ريح عاتية، ريح صرصر لم يشهد الناس من قبل مثيلا لها. اقتلعت التربة من منابتها والاشجار من جذورها. لزم الناس بيوتهم اياما حتى خالوها سنوات، يرقبون من شبابيك نوافذهم ما تفعله العاصفة، ويتضرعون الى السماء ليلا نهارا ان تكف عنهم بلاءها. فقد افسدت زرعهم وعطلت اعمالهم، واغرقت اسواقهم و دكاكينهم الصغيرة بالرمال. والزمتهم بيوتهم التي لم يتعودوا السكن اليها الا للنوم.
انتهت العاصفة بعد نحو اسبوع، وخرج الناس من بيوتهم كأنهم يبعثون من جديد، يتفقدون احوالهم ويتزاورون، في حركة دائبة مستفسرين عن جيرانهم والاهل. ويتفقدون اعمالهم ومزارعهم ..غير ان الفلاحين لاحظوا تشقق الارض بعد ان اتلفت الريح محاصيلهم. وكثرت بها جحور واخاديد صغيرة خرج منها دود و صراصير كثيرة. ثم سرعان ما صارت الصراصير تطير، وتتحول الى جراد وعناكب وعقارب سامة. وهجمت جحافل من الجرذان والقوارض على الحقول فأتلفتها. وحار الناس في ما يفعلون وكيف ينقذون محاصيلهم.
لكن الامر لم يقف عند هذا الحد. فقد صارت الحشرات تتكاثر وتكبر كلما زادت من التهام الزرع و ما انتجت الارض. بل صارت تتضخم ويتزايد حجمها، ما القى في قلوب الناس حالة من الهلع ودفعهم الى الهرب مجددا الى بيوتهم. غير ان الحشرات صارت تهجم على القرية، وتلسع من تعثر عليه من الناس في الشارع. لكن المدهش ان سمها لم يكن قاتلا بل انه كان يحدث انتشاء وخدرا لذيذا عند الملسوع، حتى انك تراه يتمايل في الشارع كما لو كان ثملا نشوانا من خمر معتقة.
لم يعد الناس يخشونها، بل على العكس صاروا يبتغون عضها ويتقربون منها، ويمدون لها ايديهم في طرب وانتشاء وذهول مما يحدث لهم. وهكذا صار أغلب سكان القرية، كالسكارى يتمايلون في الشوارع مخدرين منتشين لا يلوون على شيء. وصار ليلهم كنهارهم ..لا عمل و لا نوم ولا اي شيء مما كانوا يعرفونه من قبل. غير انهم ادمنوا السم وصاروا يطلبونه. بل صاروا لا يطيقون صبرا على سمها و يحفرون في الارض بحثا عنها. وهكذا مع الايام، صارت الحشرات اللاسعة تتضخم، وتكبر و تكبر من لعق دم الناس، والناس في انتشاء مسكر . والناس الملسوعون بدورهم صاروا يتحولون. فألوان جلدهم تغيرت، وعيونهم تمططت ورؤوسهم صغرت، وصاروا اقرب الى الارض.. بل ان بعضهم بدأ يزحف كالدود، والأخر يقفز كالجراد. ويعضون بعضهم البعض كالجرذان. حتى سماهم حكيمهم الزحبطونيون (اي الزاحفين على بطونهم).
تنادى الحكماء لبحث هذه الجائحة التي لم تعرفها قريتهم من قبل، ولم يسمعوا او يقرؤوا عنها في اي من الاوردة والاسفار القديمة. فبعضهم يقول لعلها عقاب الاهي لنا، وعلينا ان نقيم صلاة جماعية في الجبل. وبعضهم يقول لعله سوء استغلالنا للأرض في السنين الفائتة، فقد علمنا ان الارض تفسد حين يزيد انباتها.. وقال حكيم عليم بالأمر، لعلها جاءت مع الريح فنحن لم نعهد هكذا اشياء قبل العاصفة التي مرت بنا.
انتبه الحكماء فعلا الى وجاهة هذا الراي، وقالوا لعل في الامر سر يجب كشفه. كيف جاءت هذه الحشرات مع الريح..؟ قال اكبرهم علما وحكمة اسمعوا جيدا ..الان بعد ان عرفنا ان العاصفة هي سبب هذه البلية التي ابتلينا بها.. تعالوا نفكر بهدوء كيف يمكن ان نمنع هذا الامر حتى لا يتكرر ابدا .. علينا تركيز تفكيرنا في الريح ومن اي جهة جاءت ؟
قال واحد من الشرق، وقال ثان بل هي من الغرب.. و قال ثالث بل هي ريح جنوبي .فاختلفوا وعلا صياحهم وتشابكوا بالأيدي كل يريد ان يكون الصواب من نصيبه.. صاح حكيمهم ان كنتم انتم الحكماء ولا تعملون عقولكم، وتغلبون صوت انانيتكم المقيتة.. فلا نلومن الاخرين ان شربوا السم وتخدروا به او تآخوا والفئران والعقارب.. فإنما نحن هنا لنعالج المشكل لا ان نزيد على طينهم بلة.. فاذا غاب العقل او تضلل هلكت القرية.
ساد الصمت، كمن ينتظر حلا موقنا من صاحب الحكمة.
قال حكيمنا ان الريح كان دوارة، لكن الاشجار التي اقتلعتها سقطت غربا.. ما يعني ان الريح كانت شرقية ..من جهة الجبل..
و الحل...ما الحل يا حكيم ؟ صاح احدهم..
قال الحكيم، الحل هو ان نعمد الى باب القرية الشرقي، فنوصده نهائيا حتى لا تنفذ منه هذه القوارض والزواحف. ولنبحث بعد ذلك في اعشاب الجبل، عن ما يفيد علاج الناس من الادمان.
بادروا الى الباب الشرقي ..يريدون اغلاقه.. تزاحم القوم في جهد يغالبون الزواحف والقوارض الراغبة في الدخول.. يمنعونها.. انتهوا بعد لأي الى احكام اغلاقه.. وظنوا ان الامر قد قضي وزال الخطر..
لكن الزحبطونيون من المتحولين.. والذين لم يعودوا يجدون جرعة السم المسكر الذي تعودوه.. تآمروا على الحكيم سيد الفكرة وقتلوه.. ليدخل الجميع في هرج ومرج وشجار.. وصل حد التقاتل.. من سيقود الجماعة.. من سيشير عليهم..
قال اوسطهم ..نعد انتخابات ..واجدرنا ينال الرئاسة ..
وهكذا اقيمت احتفالات انتخابية ..وصار كل مترشح كي يضمن اكثر اصواتا من ناخبيه (الزحبطونيون)، يطعمهم السم المسكر، ويسمح لأجل ذلك بفتح الباب الشرقي قليلا لبعض الزواحف والقوارض ان تدخل وتعضهم ..ثم يعاد غلق الباب.. و هكذا فعل المترشح الثاني والثالث ..حتى صار الباب دوارا ..يكاد لا يغلق.. وعادت الزواحف والقوارض تعيث في الارض والعرض. وصاح شاعرهم وقد اسكره لسع السم ..
ه. ع. ح. أبوناظم المرزوقي
انتهت العاصفة بعد نحو اسبوع، وخرج الناس من بيوتهم كأنهم يبعثون من جديد، يتفقدون احوالهم ويتزاورون، في حركة دائبة مستفسرين عن جيرانهم والاهل. ويتفقدون اعمالهم ومزارعهم ..غير ان الفلاحين لاحظوا تشقق الارض بعد ان اتلفت الريح محاصيلهم. وكثرت بها جحور واخاديد صغيرة خرج منها دود و صراصير كثيرة. ثم سرعان ما صارت الصراصير تطير، وتتحول الى جراد وعناكب وعقارب سامة. وهجمت جحافل من الجرذان والقوارض على الحقول فأتلفتها. وحار الناس في ما يفعلون وكيف ينقذون محاصيلهم.
لكن الامر لم يقف عند هذا الحد. فقد صارت الحشرات تتكاثر وتكبر كلما زادت من التهام الزرع و ما انتجت الارض. بل صارت تتضخم ويتزايد حجمها، ما القى في قلوب الناس حالة من الهلع ودفعهم الى الهرب مجددا الى بيوتهم. غير ان الحشرات صارت تهجم على القرية، وتلسع من تعثر عليه من الناس في الشارع. لكن المدهش ان سمها لم يكن قاتلا بل انه كان يحدث انتشاء وخدرا لذيذا عند الملسوع، حتى انك تراه يتمايل في الشارع كما لو كان ثملا نشوانا من خمر معتقة.
لم يعد الناس يخشونها، بل على العكس صاروا يبتغون عضها ويتقربون منها، ويمدون لها ايديهم في طرب وانتشاء وذهول مما يحدث لهم. وهكذا صار أغلب سكان القرية، كالسكارى يتمايلون في الشوارع مخدرين منتشين لا يلوون على شيء. وصار ليلهم كنهارهم ..لا عمل و لا نوم ولا اي شيء مما كانوا يعرفونه من قبل. غير انهم ادمنوا السم وصاروا يطلبونه. بل صاروا لا يطيقون صبرا على سمها و يحفرون في الارض بحثا عنها. وهكذا مع الايام، صارت الحشرات اللاسعة تتضخم، وتكبر و تكبر من لعق دم الناس، والناس في انتشاء مسكر . والناس الملسوعون بدورهم صاروا يتحولون. فألوان جلدهم تغيرت، وعيونهم تمططت ورؤوسهم صغرت، وصاروا اقرب الى الارض.. بل ان بعضهم بدأ يزحف كالدود، والأخر يقفز كالجراد. ويعضون بعضهم البعض كالجرذان. حتى سماهم حكيمهم الزحبطونيون (اي الزاحفين على بطونهم).
تنادى الحكماء لبحث هذه الجائحة التي لم تعرفها قريتهم من قبل، ولم يسمعوا او يقرؤوا عنها في اي من الاوردة والاسفار القديمة. فبعضهم يقول لعلها عقاب الاهي لنا، وعلينا ان نقيم صلاة جماعية في الجبل. وبعضهم يقول لعله سوء استغلالنا للأرض في السنين الفائتة، فقد علمنا ان الارض تفسد حين يزيد انباتها.. وقال حكيم عليم بالأمر، لعلها جاءت مع الريح فنحن لم نعهد هكذا اشياء قبل العاصفة التي مرت بنا.
انتبه الحكماء فعلا الى وجاهة هذا الراي، وقالوا لعل في الامر سر يجب كشفه. كيف جاءت هذه الحشرات مع الريح..؟ قال اكبرهم علما وحكمة اسمعوا جيدا ..الان بعد ان عرفنا ان العاصفة هي سبب هذه البلية التي ابتلينا بها.. تعالوا نفكر بهدوء كيف يمكن ان نمنع هذا الامر حتى لا يتكرر ابدا .. علينا تركيز تفكيرنا في الريح ومن اي جهة جاءت ؟
قال واحد من الشرق، وقال ثان بل هي من الغرب.. و قال ثالث بل هي ريح جنوبي .فاختلفوا وعلا صياحهم وتشابكوا بالأيدي كل يريد ان يكون الصواب من نصيبه.. صاح حكيمهم ان كنتم انتم الحكماء ولا تعملون عقولكم، وتغلبون صوت انانيتكم المقيتة.. فلا نلومن الاخرين ان شربوا السم وتخدروا به او تآخوا والفئران والعقارب.. فإنما نحن هنا لنعالج المشكل لا ان نزيد على طينهم بلة.. فاذا غاب العقل او تضلل هلكت القرية.
ساد الصمت، كمن ينتظر حلا موقنا من صاحب الحكمة.
قال حكيمنا ان الريح كان دوارة، لكن الاشجار التي اقتلعتها سقطت غربا.. ما يعني ان الريح كانت شرقية ..من جهة الجبل..
و الحل...ما الحل يا حكيم ؟ صاح احدهم..
قال الحكيم، الحل هو ان نعمد الى باب القرية الشرقي، فنوصده نهائيا حتى لا تنفذ منه هذه القوارض والزواحف. ولنبحث بعد ذلك في اعشاب الجبل، عن ما يفيد علاج الناس من الادمان.
بادروا الى الباب الشرقي ..يريدون اغلاقه.. تزاحم القوم في جهد يغالبون الزواحف والقوارض الراغبة في الدخول.. يمنعونها.. انتهوا بعد لأي الى احكام اغلاقه.. وظنوا ان الامر قد قضي وزال الخطر..
لكن الزحبطونيون من المتحولين.. والذين لم يعودوا يجدون جرعة السم المسكر الذي تعودوه.. تآمروا على الحكيم سيد الفكرة وقتلوه.. ليدخل الجميع في هرج ومرج وشجار.. وصل حد التقاتل.. من سيقود الجماعة.. من سيشير عليهم..
قال اوسطهم ..نعد انتخابات ..واجدرنا ينال الرئاسة ..
وهكذا اقيمت احتفالات انتخابية ..وصار كل مترشح كي يضمن اكثر اصواتا من ناخبيه (الزحبطونيون)، يطعمهم السم المسكر، ويسمح لأجل ذلك بفتح الباب الشرقي قليلا لبعض الزواحف والقوارض ان تدخل وتعضهم ..ثم يعاد غلق الباب.. و هكذا فعل المترشح الثاني والثالث ..حتى صار الباب دوارا ..يكاد لا يغلق.. وعادت الزواحف والقوارض تعيث في الارض والعرض. وصاح شاعرهم وقد اسكره لسع السم ..
انتم دود الارض و الافة المخيفة ..
انتم علة في جسم بلدي ....انتم جيفة..
انتهت في أفريل 2017انتم علة في جسم بلدي ....انتم جيفة..
ه. ع. ح. أبوناظم المرزوقي