قُمْ للمُعلّم وفّه التّبجيلاَ
كادَ المُعلّم أن يكونَ رَسُولاَ !
أعترف بأن هذا الشّخص البسيط المدعو أحمد بوكماخ من طنجة علّمَني..
علّمني المَعرفة والأحاسيس الرّاقية إزاءَ المعلّم . والحرَفي والفلّاح والحرّاث والحصّاد . كما نقلَنا بنصُوصه الأدبية الجميلة والقيّمة والهَادفة .. إلى أدغال افريقيا . وحضَارة الصين وثقافة الهند . وتاريخ العرب وقصص الأرجنتين . وجغرافية العالم وتاريخه . عرّفني على الأدب الأوروبّي الرّاقي : مكسيم غوركي maxime gorky من روسيا وأوسكار وايلد oscar wilde من سكوتلاندا وألفونس ضوضي alphonse daudet من فرنسا وجورج سيمينو george simenon من بلجيكا وثيوفيل غوتيي théophile gauthier وݣبريَال كوليت gabrielle collette وأنَطول فرانس anatole france . وحكايته عن تعوده القراءة تحت أضوَاء شوارع باريس الليلية . وتحت ظلال أشجار حديقة لوكسومبرغ jardin du luxembourg . وهو ما سحرني وفتنني منذ الطّفولة فأشدّ الرحال نحو باريس لأكتشف كنوزها أكثر من مرة وأنا طالب ثم أستاذ . كما دفعني فيما بعد للبحث عن قصص هؤلاء العظماء الجميلة وقراءتها مثل الأمّ لغوركي . والنبي لجبران خليل . وحياتي لأحمد أمين . والأيام لطه حسين . وفي الطفولة لعبد المجيد بنجلّون .. هذا غيض من فيض . وجدول من بحر . فضلاً عن قواعد اللغة العربية وصَرفها ونحوها . نقلنا إلى المدُن بصَخبها وضَجيجها وشوارعها وحافلاتها وشرطتها .. ونحن في البادية لا نرى سوى نبض الطّبيعة ودبيب الحياة في أوصالها . وأحَاسيسها الجميلة في كل فصل من الفصُول جماله وروعته وطيوره وريَاحه .. وعمله في الحقول والبسَاتين والرّوابي الفسيحة : مع بدَاية الخريف تتسَاقط الأوراق وحبات التين الشوكي بعد أن تنخرها الدبابير الصّفراء . وتروّع رياح الغرب الآتية من المُحيط مُعلنةً عن بداية أمطار الخريف الأولى طيور الحقول والبساتين . فتستعدّ لتوديعنا وهي تسافر نحو الشمال . نحو بلاد الثلج والصّقيع . نضع أسلحتنا من الفخاخ في ركن من أركان الخيمة الشاسعة . ونبحث عن ثيابنا ومحافظنا المهترئة متوجهين نحو المدرسة . لنصَادف أصدقاء جدداً وقدماء وافدين عبر كل المجالب والطرقات والمراير : من الفقرا والطالوع والدݣاݣرة والݣوايل والجعافرة ومن كل فجّ عميق . بعضهم حفاة لا ينشغلون بالمظاهر . لأن ما يهمهم هو تحصيل معارف جديدة في اللغات والحساب . ولقاء معلمين رغم ظروفهم القاسية كانوا دائماً مجنّدين ومستعدين للتضحية بكل شيء : بفراقهم لأسرهم في الجديدة وخريبݣة وواد زم وحتى طنجة . والتخلي عن ترف حياة المدن والسكن في بيوت بئيسة بدون ماء ولا كهرباء . يبدأون بتعليق التوزيع السنوي الذي خطوا فيه كل دروس الأسبوع والشهر والدورة . مع التنصيص على العطل ووقت الامتحانات . والعمل بجد واجتهاد دون التفكير في شواهد طبية أو إضرَابات . بل مترقبين باستمرار لدخول المدير أو لجن التفتيش والحرص على عدم الوقوف على أي خلل تربوي أو تعليمي رغم ضُعف التّجهيزات . بل انعدامها بالمرة ومع ذلك نفهم الدروس وننجز الفروض ونكتب العقوبات التي كنا نعرف أنّها من أجل تعليمنا وليس تعذيبنا !
رحم الله سي عبسلاَم وسي حنون وسي عشّاق وسي مستحسن وسي بلخدير وسي الخلفي وسي فوزي صاحب السيارة الفخمة . بطربوشه الأحمر الراقي والذي يأتي كلّ صباح من سيدي بنور . كما يتميز عند تفريق الصّفوف بالقول تفرقعوا ! بمعنى تفرٌقوا مما يثير الضحك . والشريف الذي كنا نتبعه من دار بوعلي حتى المدرسة حذا بلهلالي كما يتبع الصّيصَان أمهم الدجاجة . وقد كان متميزاً بقصَر قامته وامتلاء جسمه ! وسي القديوي وسي محمون وسي السلومي وسي سقراط وسي احمد الطنجاوي وسي بوجمعة لعمارتي ومسيو بيرنو ومدام بيرنو وسي لمّيبي وسي لحبيب .. وليعذرني من استعصَىٰ عليّ تذكر اسمه . دون نسيان سي جمال شرحبيل وسي محمُون أطال اللّه في عمرهما
ورَحم أحمد بوكماخ المعلم الأول ومربي الأجيال ..
حسَن الرّحيبي..
كادَ المُعلّم أن يكونَ رَسُولاَ !
![1733990697932.png 1733990697932.png](https://alantologia.com/data/attachments/28/28083-93cb83fb79fc044b06e341608510b92a.jpg)
أعترف بأن هذا الشّخص البسيط المدعو أحمد بوكماخ من طنجة علّمَني..
علّمني المَعرفة والأحاسيس الرّاقية إزاءَ المعلّم . والحرَفي والفلّاح والحرّاث والحصّاد . كما نقلَنا بنصُوصه الأدبية الجميلة والقيّمة والهَادفة .. إلى أدغال افريقيا . وحضَارة الصين وثقافة الهند . وتاريخ العرب وقصص الأرجنتين . وجغرافية العالم وتاريخه . عرّفني على الأدب الأوروبّي الرّاقي : مكسيم غوركي maxime gorky من روسيا وأوسكار وايلد oscar wilde من سكوتلاندا وألفونس ضوضي alphonse daudet من فرنسا وجورج سيمينو george simenon من بلجيكا وثيوفيل غوتيي théophile gauthier وݣبريَال كوليت gabrielle collette وأنَطول فرانس anatole france . وحكايته عن تعوده القراءة تحت أضوَاء شوارع باريس الليلية . وتحت ظلال أشجار حديقة لوكسومبرغ jardin du luxembourg . وهو ما سحرني وفتنني منذ الطّفولة فأشدّ الرحال نحو باريس لأكتشف كنوزها أكثر من مرة وأنا طالب ثم أستاذ . كما دفعني فيما بعد للبحث عن قصص هؤلاء العظماء الجميلة وقراءتها مثل الأمّ لغوركي . والنبي لجبران خليل . وحياتي لأحمد أمين . والأيام لطه حسين . وفي الطفولة لعبد المجيد بنجلّون .. هذا غيض من فيض . وجدول من بحر . فضلاً عن قواعد اللغة العربية وصَرفها ونحوها . نقلنا إلى المدُن بصَخبها وضَجيجها وشوارعها وحافلاتها وشرطتها .. ونحن في البادية لا نرى سوى نبض الطّبيعة ودبيب الحياة في أوصالها . وأحَاسيسها الجميلة في كل فصل من الفصُول جماله وروعته وطيوره وريَاحه .. وعمله في الحقول والبسَاتين والرّوابي الفسيحة : مع بدَاية الخريف تتسَاقط الأوراق وحبات التين الشوكي بعد أن تنخرها الدبابير الصّفراء . وتروّع رياح الغرب الآتية من المُحيط مُعلنةً عن بداية أمطار الخريف الأولى طيور الحقول والبساتين . فتستعدّ لتوديعنا وهي تسافر نحو الشمال . نحو بلاد الثلج والصّقيع . نضع أسلحتنا من الفخاخ في ركن من أركان الخيمة الشاسعة . ونبحث عن ثيابنا ومحافظنا المهترئة متوجهين نحو المدرسة . لنصَادف أصدقاء جدداً وقدماء وافدين عبر كل المجالب والطرقات والمراير : من الفقرا والطالوع والدݣاݣرة والݣوايل والجعافرة ومن كل فجّ عميق . بعضهم حفاة لا ينشغلون بالمظاهر . لأن ما يهمهم هو تحصيل معارف جديدة في اللغات والحساب . ولقاء معلمين رغم ظروفهم القاسية كانوا دائماً مجنّدين ومستعدين للتضحية بكل شيء : بفراقهم لأسرهم في الجديدة وخريبݣة وواد زم وحتى طنجة . والتخلي عن ترف حياة المدن والسكن في بيوت بئيسة بدون ماء ولا كهرباء . يبدأون بتعليق التوزيع السنوي الذي خطوا فيه كل دروس الأسبوع والشهر والدورة . مع التنصيص على العطل ووقت الامتحانات . والعمل بجد واجتهاد دون التفكير في شواهد طبية أو إضرَابات . بل مترقبين باستمرار لدخول المدير أو لجن التفتيش والحرص على عدم الوقوف على أي خلل تربوي أو تعليمي رغم ضُعف التّجهيزات . بل انعدامها بالمرة ومع ذلك نفهم الدروس وننجز الفروض ونكتب العقوبات التي كنا نعرف أنّها من أجل تعليمنا وليس تعذيبنا !
![1733990924265.png 1733990924265.png](https://alantologia.com/data/attachments/28/28085-d62ea02c4f264de8cc882aabbc6c081d.jpg)
رحم الله سي عبسلاَم وسي حنون وسي عشّاق وسي مستحسن وسي بلخدير وسي الخلفي وسي فوزي صاحب السيارة الفخمة . بطربوشه الأحمر الراقي والذي يأتي كلّ صباح من سيدي بنور . كما يتميز عند تفريق الصّفوف بالقول تفرقعوا ! بمعنى تفرٌقوا مما يثير الضحك . والشريف الذي كنا نتبعه من دار بوعلي حتى المدرسة حذا بلهلالي كما يتبع الصّيصَان أمهم الدجاجة . وقد كان متميزاً بقصَر قامته وامتلاء جسمه ! وسي القديوي وسي محمون وسي السلومي وسي سقراط وسي احمد الطنجاوي وسي بوجمعة لعمارتي ومسيو بيرنو ومدام بيرنو وسي لمّيبي وسي لحبيب .. وليعذرني من استعصَىٰ عليّ تذكر اسمه . دون نسيان سي جمال شرحبيل وسي محمُون أطال اللّه في عمرهما
ورَحم أحمد بوكماخ المعلم الأول ومربي الأجيال ..
حسَن الرّحيبي..
![1733991028995.png 1733991028995.png](https://alantologia.com/data/attachments/28/28086-40f602f2ad357ad9447f9d10a0c84609.jpg)
![1733991132180.png 1733991132180.png](https://alantologia.com/data/attachments/28/28087-23df71606cc516b3fa696c519d105f10.jpg)