منى محمد صالح - لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي

وتسألني العرّافة عن مواويلي البعيدة،
وعن أغنيةٍ توقّفت عند أوّل المساء.
أن تأتي،
مرةً واحدة فقط،
تُخالف الوعد…
كآخر وترٍ
ارتعشت فرائضه،
وأضاء، صلاتي في عينيكَ.

لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي.
وخطوات أرهقها الوقت،
وصوت ضاع بين الريح والأفق
أين تركتِ أحلامكِ؟
قالت لي،
وقلبُ عصفورٍ عاشق
كان يحلم أن يطير!

أصمتُ،
فيسقط الضوء من يديّ،
وتتراكم الظلال على مرايا وجهي،
ترسم قوسًا من النغم،
ثم يهوي بين غصنين متعبين.

صوتٌ يشبه ارتعاش المطر،
وسماءٌ زرقاء
تغسل وجه الحزن الغارب بيننا.

لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي...
ربما في كأسٍ
تهشّم في يدِ الغياب،
أونسيته الريح على رفّ الزمن.
جرحٌ عتيق
يسيل بين خطوط كفّي،
كأغنية بلا لحن.

وتلاحقني الظلال كطيفٍ نادم،
في زوايا لا يصل إليها أحد،
تفتح أبوابًا
لليلٍ شاردٍ مثلنا.

وتهمس لي:
هنا كنتِ تراقصين خاصرة الحنين ذاتَ مرةٍ،
وذاتَ مرةٍ أخيرة...
زرعتِ لهفةَ عينيكِ
في قلبٍ لا يعود،
ثم ضاع هناك..
للأبدِ
هل تتذكرين؟
تسألني،
وتركض بعيدًا عني.

لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي.
كنّا مليئين بالبريق،
نعانق الضوء الخافت،
نلتقطه بحنوٍّ بالغ،
ونذوب معًا في ضياعٍ
لا يترك لنا إلّا...
رائحة الوقت المحترق.

وما زلتُ…
لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي.
كان الحنين يُشيّد من وجعي
ظلالًا تأبى أن تفارقني،
وأينما مضيتُ،
يجمع طفولةَ قصائدي المتناثرة،
ويغنّي لي:
هل يعود المساء
إن غاب ضوء القمر؟

لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي،
ودمعًا كان يضيء بين أهدابي.

وفي زاويةٍ من هذه الحياة،
أعثر على كأسٍ بارد،
يحمل ظلّي،
المتسرّب من معطف الغياب
وتبقى الذاكرة معلّقةً بين يديّ،
كغيمةٍ لا تمطر.

ولا أذكرُ، إلى الحين... أين خبأتُ وشايتي.
كُنَّا نبحثُ عنّا
ونمضي معًا،
كأنّنا غريبان يا حبيبي،
بين خطواتٍ ضائعة
دون أن نترك أثرًا.

وتسألني العرّافة،
عن نداءِ الغياب،
ونايِ الحنين
لنهرٍ جفّ صوته،
يهمس للظلالِ
وحرائق القلب المعلّقة بيننا.

وما زلتُ…
لا أذكرُ، أين خبأتُ وشايتي…
لكنّي، أذكرُ ذلك الحلم
كيف كان يلمع على شفتي،
طائرًا كسيرًا،
غنّى في ذلك المساء وحيدًا...
وحيدًا،
إلّا... منّا.

14 ديسمبر 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى