متسولون على أبواب الغواية

بيني وبينك بحرُ من ضباب.. زمنٌ لا يشبه نفسه.. خطوات فرت في الإتجاه المعاكس رغماً عن صاحبها.. هرباً من منطقةٍ (آمنة).. تعبت من عد أنفاسها عكس عقارب الساعة.. من السباحة ضد التيار ومعاندة قوانين الجاذبية.. تعبت من الخوف وانكار الخوف.. والتنقل بين متاهات الحروف.. تعبت من استبدال الكلمات بالصمت.. ومداواة الصمت بصمتٍ أكبر.. وكأنه ثوبٌ نستبدله بآخر كلما تقدم بنا العمر أو أرسلت الأيام لنا رسالةً جديدة.. تعبت من المفاضلة بين السيء والأسوأ.. بين المر والأكثر مرارة.. تعبت من الأمر الواقع.. من لوحات الإعلانات المضيئة التي ينام تحتها قطيعٌ من الجرذان.. من ناطحات السحاب التي تخفي وراءها أزقةً بطعم الغفلة.. ووجعاً يسافر عبر الشرود.. من شتات النفوس بين الأسواق والمقابر.. من زحام اللغات وموت الحوار.. من ذبول العاطفة واشتعال الرغبة.. من (مازوخية) الثقافة و (سادية) الحرية.. من المقامرة بذكرىً مضت وأحلامٍ لم تأتي بعد.. من تعصب البشر لأوهامهم.. من اغماض عيني عن نفاق هذا وكذب ذاك.. لأعبر الطريق بين جسدي وروحي كل يوم.. دون أن يوقفني أحد.. وكم هي شاقةٌ تلك الرحلة التي لا نعرف نهايتها..

أتراني لا زلت أنبض ؟ أتراني لا زلت أبصر ؟ أتراني أثق في حواسي ؟ لماذا أخاف من قلبي كلما أعاد تراتيل عقلي ؟ لماذا بات النهار مداناً بمحو أصباغ الليل ؟ ولمَ تعيش الحكمة في كنف الظل ؟.. فارةً من قيود الحياة إلى رؤوس الجبال.. لتختار الأبدية في فضاءٍ هش.. لا يريد منها سوى الغناء لمن لا يسمعون.. والرقص أمام أسرابٍ من الغربان.. كم من الوقت سأحتاج لأنفرد بذاتي.. لأحاسبها على خطاياها.. لأخبرها بم خشيت أن أبوح به من قبل.. أو خجلت من مصارحتها به.. بما فاتني قبل حلول (الوقت المناسب) ورحل قبل أن أصبح (الشخص المناسب).. وبما لا يمكنني أن أعيشه رغم الزمان ورغم المكان.. في غياب (القلب المناسب)..

كيف نعبر بين ضفتين والجسر قد يخون خطانا ؟ هل هي أحجية اتفق الجميع على ألا يحلها.. على الوقوف في المنتصف.. على تسميتها بأسماءٍ لا تشبهها.. من يملك طرف الخيط ؟ من يعرف ما المشكلة ؟ كم من الأشياء مات بداخلنا ونحن ننتظر الإجابة ؟ لمَ ينظر الجميع إلى كل شيء دون أن تلتقي نظراتهم ؟ قد أعيرك عيني لتبكي بها حين تنضب الدموع في عينيك.. لكن صوتي لا أشاركه مع أحد.. فصوتي ابن قلبي.. وقلبي هو معنى وجودي الذي لم يخلق بعد من يفهمه.. وكلنا متسولون على أبواب الغواية..ولكلٍ منا تفاحته التي يشتهيها.. الأرض حبلى بنفوسٍ عقيمة.. لها أكثر من رأسٍ وأكثر من لسان.. كائناتٌ خرافية تمشي بيننا.. تخبرنا أن بعض الأساطير لم يكن كذلك.. وها هو الماضي يولد من جديد فيما يتلاشى الإنسان وكأنه لم يكن..

#خالد_جهاد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى