حيتماهي الكاتب الصحفي "أحمد رجب شلتوت" في تقديم قراءاته للكتب المختلفة عبر دفتي كتابه " حياة بين الرفوف" مع تجارب سجلها كبار المبدعين في تجاوز اللحظات الصعبة في حياتهم، التي استعانوا فيها بالقراءة، ليس في تجاوز تلك الصعاب فحسب، بل في مواجهة الموت ذاته، واستثمار اللحظات الأخيرة كي تكون توثيقا إبداعيا لحيوات أخرى عاشوها عبر قراءة الكتب، وقد نص على ذلك صراحة في مفتتح كتابه حين وضع عنوانه المقتبس من كتاب " مغزى القراءة" للكاتب الهولندي "بيتر شتاينس"، ليوضح تلك المشتركات بينهما في اتخاذ القراءة سبيلا لتجاوز محنة المرض؛ إذ "بيتر شتاينس" في إصابته بمرضه النادر، الذي وضعه على قائمة ترقب الموت، لم يستسلم لحالة الموت المحقق الذي ينتظره خلال بضعة أعوام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بل راح يملأ تلك السنوات بمراجعات لمجموعة من الكتب، اختارها ليعيد قراءتها، ومن ثم يكتب عنها، وقد جاءت تلك القراءات تحت عنوان " قراءات بصحبة التصلب الجانبي الضموري"، وهو ما يستدعيه " أحمد رجب شلتوت" إلى ساحة بدايته، ليصور هذا الإصرار الذي تملك " بيتر شتاينس" لمواجهة المرض الذي بدأ يجتاح جسده، متعللا في ذلك أن "المرض لم يؤثر على أصابعه بعد"، وأن بإمكانه أن " يقرأ الكتب، وأن يكتب عما يقرأ" ، ومن هنا استطاع أن يربط مسار مرضه بالكتب التي قرأها لكتاب أصبحوا رفقاء رحلته مع المرض.
إن تجربة "بيتر شتاينس"، كانت الجملة المفتاحية التي انطلق منها " شلتوت" ليقدم قراءاته الثلاثين لمؤلفات لم تقتصر على تقديم عوالم الإبداع المختلفة؛ بين رواية وسير ذاتية وقصائد وحوارات مع المبدعين، وأخرى بدّلت المواقع بين المبدع والناقد، لتقدم أوجها مختلفة لمن يشكلون الفضاء الإبداعي في كتاباتهم، فكان العائد من وراء تلك المتابعات التي ضمها كتاب " حياة بين الرفوف" قسمة بين " أحمد رجب شلتوت" وقرائه في الانتقال بين تلك الحيوات التي ترصدها كتبه الثلاثين؛ فهو يقر بجانب العائد الذاتي عليه حين يقول: " أتاحت الكتابة فرصة متابعة رائعة ودقيقة لحالة تدهور جسدي ورحلتي مع المؤسسات الطبية. قد لا تعطي الكتب إجابة محددة عن إمكانية منح الأدب العزاء في المواقف الصعبة، لكن بالنسبة لي، قد ثبت بالتأكيد أن الكتابة عن الأدب معزية للغاية".
بيد أن ما قدمه "أحمد رجب شلتوت" في كتابه، وتلك المتابعات التي قدمها في شتى جوانب الأدب، توفر للقارئ سفرا متكاملا يضعه أمام أبعاد مهمة في العملية الإبداعية، وهو في ذلك يشترك مع " بيتر شتاينس" في وضعه لمعايير الاختيار لما يكتب؛ فليست القراءة هنا عشوائية، بل إن القراءة الفاحصة لمجمل المتابعات التي ضمّنها لكتابه، تكشف أنها تسير وفق سيمترية منضبطة في تقديم المحتوى؛ فبدءا من العنوان الذي اختاره لكتابه" حياة بين الرفوف"، وهو يعقد اتفاقا ضمنيا بينه وبين القارئ حول كينونة ما يقدم بين دفتي كتابه، فيجعل القراءة مفتاحا للولوج إلى حياة تغمر عقله ووجدانه. وتأتي العناوين الفرعية بمثابة التكثيف لتفاصيل تلك الحياة وما تنطوي عليه من أفكار، ترتقي بالذائقة وتمنحها قدرة على استبصار الجمال فيها؛ فنجد التدرج في طرح موضوعاته من حيث تناول القضايا المتعلقة بفكرة الثقافة في حد ذاتها وتلك التشابكات بينها وبين الواقع من خلال عرضه لكتاب " كاثرين بيلسي" تحت عنوان " الثقافة والواقع"، ثم يناقش فكرة المكتبة ودور المكتبات العامة والخاصة، ويتتبع جذورها التاريخية في كتاب "زيارة لمكتبات العالم" للكاتب الأسباني " خورخي كاريون"، الذي يطرح تساؤلا حول الدور الذي تلعبه الجماليات أو عادات القراءة في المجتمع، ومن خلال محاولاته المتعددة للإجابة عن هذا التساؤل عبر سياحته في مكتبات الدول المختلفة، تتبلور رؤيته للكتب باعتبارها "حركات مقاومة تكافح من أجل عدم احتلال مكانها في تاريخ المعرفة البشرية".
ولا تقتصر اختيارات " شلتوت" على تلك البدايات التي أسس عليها اختياراته في عرض تجارب المبدعين، التي تقتفي أثر الثقافة والمؤثرات التي تطبع الكاتب وتشكل شخصيته، بل يعرض لأنماط جديدة أخذت مكانها في الإبداع العالمي على نحو نراه في رصده لـ" أدب الكرة"، الذي اختار عنوانا جامعا ليعرض من خلاله سمات هذا الأدب، ومراحل تطوره ليكون" حكايات كرة القدم من بورخيس إلى جاليانو"، الذي يكشف من خلاله كيف أن كرة القدم كانت مدخلا لمناقشة قضايا اجتماعية وأخلاقية، وأن دولة مثل الأرجنتين أصبحت ذات ميراث كبير في مثل هذا النوع من الأدب؛ إذ لا يوجد كاتب أرجنتيني لم يكتب عن الكرة.
وعلى عظم المساحة التي خصصها كتاب " حياة بين الرفوف" للمنجز النقدي الذي تناول الرواية المصرية والعربية، وما عبرت عنه من قضايا، فإن ثمة زوايا في هذه المتابعات تتسم بذائقة إبداعية عالية مكنّت "أحمد رجب شلتوت" من إلقاء الضوء عليها في ثنايا هذا الكتاب بشكل احترافي، منها ما يتعلق بـ" نجيب محفوظ"، الذي خصه بثلاث قراءات متتالية، جاءت الأولى منها تحت عنوان " ما زال لدى نجيب محفوظ ما يستدعي النقد"، التي عرض فيها لكتاب الدكتور رضا عطية " العائش في السرد"، معبرا عن الرؤية التي حكمت منطلقات "عطية" في هذا الكتاب؛ وهي أن " نجيب محفوظ خلية حية من نسيج الوجدان الجمعي للشخصية المصرية والعربية، بل للشخصية الإنسانية عموما". وكانت قراءته الثانية تحت عنوان " نجيب محفوظ الذاكرة الحية"، الذي يعرض من خلالها لكتاب الدكتور ممدوح فراج النابي " نجيب محفوظ : الذاكرة والنسيان"، ليختتم تلك الثلاثية في قراءاته بعنوان " نجيب محفوظ ناقدا"، التي تستشرف الرؤي النقدية لنجيب محفوظ عبر حوارات قام بتحليلها الدكتور تامر فايز، ليضع كتابه المتفرد " نجيب محفوظ ناقدا ..مقاربة تأويلية لحواراته في المجلات الأدبية".
وهناك الكثير الذي طرحه " أحمد رجب شلتوت" في كتابه حول أفكار تتسم بالجدة والندرة أيضا في تناول الكتاب لها؛ منها ما جاء تحت عنوان " صورة واحدة للرجل في الروايات النسائية العربية"، الذي يتتبع فيه ما جاء بكتاب الناقد المغربي الكبير الداديسي " أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة"، الذي يرصد فيه التناول الإبداعي لفكرة الجنس عند المبدعات العربيات، مفصلا الاختلافات المرتبطة بطبيعة المكان الروائي على الصعيد الخليجي وفي المغرب العربي عبر عشرين رواية نسائية لكاتبات مصريات وعرب. وهناك أيضا ما يتعلق بالرواية المخابراتية في الأدب العربي الحديث، والتحديات التي تواجهها على صعيد الإبداع والنقد، مرورا بالإقصاء الإبداعي وأسبابه التي تناولها الكاتب "شعبان يوسف" في كتابه " المنسيون ينهضون" ..الخ من قراءات جعلت من كتاب " أحمد رجب شلتوت" سفرا فريدا للحياة وللخبرات الإبداعية .
إن تجربة "بيتر شتاينس"، كانت الجملة المفتاحية التي انطلق منها " شلتوت" ليقدم قراءاته الثلاثين لمؤلفات لم تقتصر على تقديم عوالم الإبداع المختلفة؛ بين رواية وسير ذاتية وقصائد وحوارات مع المبدعين، وأخرى بدّلت المواقع بين المبدع والناقد، لتقدم أوجها مختلفة لمن يشكلون الفضاء الإبداعي في كتاباتهم، فكان العائد من وراء تلك المتابعات التي ضمها كتاب " حياة بين الرفوف" قسمة بين " أحمد رجب شلتوت" وقرائه في الانتقال بين تلك الحيوات التي ترصدها كتبه الثلاثين؛ فهو يقر بجانب العائد الذاتي عليه حين يقول: " أتاحت الكتابة فرصة متابعة رائعة ودقيقة لحالة تدهور جسدي ورحلتي مع المؤسسات الطبية. قد لا تعطي الكتب إجابة محددة عن إمكانية منح الأدب العزاء في المواقف الصعبة، لكن بالنسبة لي، قد ثبت بالتأكيد أن الكتابة عن الأدب معزية للغاية".
بيد أن ما قدمه "أحمد رجب شلتوت" في كتابه، وتلك المتابعات التي قدمها في شتى جوانب الأدب، توفر للقارئ سفرا متكاملا يضعه أمام أبعاد مهمة في العملية الإبداعية، وهو في ذلك يشترك مع " بيتر شتاينس" في وضعه لمعايير الاختيار لما يكتب؛ فليست القراءة هنا عشوائية، بل إن القراءة الفاحصة لمجمل المتابعات التي ضمّنها لكتابه، تكشف أنها تسير وفق سيمترية منضبطة في تقديم المحتوى؛ فبدءا من العنوان الذي اختاره لكتابه" حياة بين الرفوف"، وهو يعقد اتفاقا ضمنيا بينه وبين القارئ حول كينونة ما يقدم بين دفتي كتابه، فيجعل القراءة مفتاحا للولوج إلى حياة تغمر عقله ووجدانه. وتأتي العناوين الفرعية بمثابة التكثيف لتفاصيل تلك الحياة وما تنطوي عليه من أفكار، ترتقي بالذائقة وتمنحها قدرة على استبصار الجمال فيها؛ فنجد التدرج في طرح موضوعاته من حيث تناول القضايا المتعلقة بفكرة الثقافة في حد ذاتها وتلك التشابكات بينها وبين الواقع من خلال عرضه لكتاب " كاثرين بيلسي" تحت عنوان " الثقافة والواقع"، ثم يناقش فكرة المكتبة ودور المكتبات العامة والخاصة، ويتتبع جذورها التاريخية في كتاب "زيارة لمكتبات العالم" للكاتب الأسباني " خورخي كاريون"، الذي يطرح تساؤلا حول الدور الذي تلعبه الجماليات أو عادات القراءة في المجتمع، ومن خلال محاولاته المتعددة للإجابة عن هذا التساؤل عبر سياحته في مكتبات الدول المختلفة، تتبلور رؤيته للكتب باعتبارها "حركات مقاومة تكافح من أجل عدم احتلال مكانها في تاريخ المعرفة البشرية".
ولا تقتصر اختيارات " شلتوت" على تلك البدايات التي أسس عليها اختياراته في عرض تجارب المبدعين، التي تقتفي أثر الثقافة والمؤثرات التي تطبع الكاتب وتشكل شخصيته، بل يعرض لأنماط جديدة أخذت مكانها في الإبداع العالمي على نحو نراه في رصده لـ" أدب الكرة"، الذي اختار عنوانا جامعا ليعرض من خلاله سمات هذا الأدب، ومراحل تطوره ليكون" حكايات كرة القدم من بورخيس إلى جاليانو"، الذي يكشف من خلاله كيف أن كرة القدم كانت مدخلا لمناقشة قضايا اجتماعية وأخلاقية، وأن دولة مثل الأرجنتين أصبحت ذات ميراث كبير في مثل هذا النوع من الأدب؛ إذ لا يوجد كاتب أرجنتيني لم يكتب عن الكرة.
وعلى عظم المساحة التي خصصها كتاب " حياة بين الرفوف" للمنجز النقدي الذي تناول الرواية المصرية والعربية، وما عبرت عنه من قضايا، فإن ثمة زوايا في هذه المتابعات تتسم بذائقة إبداعية عالية مكنّت "أحمد رجب شلتوت" من إلقاء الضوء عليها في ثنايا هذا الكتاب بشكل احترافي، منها ما يتعلق بـ" نجيب محفوظ"، الذي خصه بثلاث قراءات متتالية، جاءت الأولى منها تحت عنوان " ما زال لدى نجيب محفوظ ما يستدعي النقد"، التي عرض فيها لكتاب الدكتور رضا عطية " العائش في السرد"، معبرا عن الرؤية التي حكمت منطلقات "عطية" في هذا الكتاب؛ وهي أن " نجيب محفوظ خلية حية من نسيج الوجدان الجمعي للشخصية المصرية والعربية، بل للشخصية الإنسانية عموما". وكانت قراءته الثانية تحت عنوان " نجيب محفوظ الذاكرة الحية"، الذي يعرض من خلالها لكتاب الدكتور ممدوح فراج النابي " نجيب محفوظ : الذاكرة والنسيان"، ليختتم تلك الثلاثية في قراءاته بعنوان " نجيب محفوظ ناقدا"، التي تستشرف الرؤي النقدية لنجيب محفوظ عبر حوارات قام بتحليلها الدكتور تامر فايز، ليضع كتابه المتفرد " نجيب محفوظ ناقدا ..مقاربة تأويلية لحواراته في المجلات الأدبية".
وهناك الكثير الذي طرحه " أحمد رجب شلتوت" في كتابه حول أفكار تتسم بالجدة والندرة أيضا في تناول الكتاب لها؛ منها ما جاء تحت عنوان " صورة واحدة للرجل في الروايات النسائية العربية"، الذي يتتبع فيه ما جاء بكتاب الناقد المغربي الكبير الداديسي " أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة"، الذي يرصد فيه التناول الإبداعي لفكرة الجنس عند المبدعات العربيات، مفصلا الاختلافات المرتبطة بطبيعة المكان الروائي على الصعيد الخليجي وفي المغرب العربي عبر عشرين رواية نسائية لكاتبات مصريات وعرب. وهناك أيضا ما يتعلق بالرواية المخابراتية في الأدب العربي الحديث، والتحديات التي تواجهها على صعيد الإبداع والنقد، مرورا بالإقصاء الإبداعي وأسبابه التي تناولها الكاتب "شعبان يوسف" في كتابه " المنسيون ينهضون" ..الخ من قراءات جعلت من كتاب " أحمد رجب شلتوت" سفرا فريدا للحياة وللخبرات الإبداعية .

