د. أحمد الحطاب - الدين دينُ الله، سبحانه وتعالى، وليس دين علماء وفقهاء الدين

يقول، سبحانه وتعالى، في قرآنه الكريم:

1."أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (آل عمران، 83).

2."وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا" (النصر، 2).

في هاتين الآيتين، واضحٌ أن الدِّينَ دينُ الله، أي أنه هو الذي وضعه وبعث أنبياءَ ورُسُلاً لتبليغه إلى الناس، بدأً من نوح، عليه السلام، إلى آخِرِ الرسل والأنبياء، محمد (ص).

بعد هذا التَّوضيح المُستمد من القرآن الكريم، ما أقصده من عنوان هذه المقالة، هو الوقوف على ما لم يصرِّح به علماء وفقهاء الدين للناس، عن قصد أو عن غير قصد. فإذا كتموا بعضَ الحقائق عن غير قصد، قد نقول هذا ما استطاعوا فهمَه من القرآن الكريم ومن رسالة الرسول (ص). وإذا كتموا بعض الحقائق ولم يُصرِّحوا بها للناس عن قصد، فلا بدَّ أن يكونَ لهذا الكِتمان أسباب. والأسباب قد تكون شخصيةً وقد تكون ذات طابع سياسي، بمعنى أن هناك تواطؤا بين علماء وفقهاء الدين والحكَّام.

وهذا هو المُرجَّح لأن إبداعَ الدين الموازي بدأ في عصر الأمويين واستمر في عهد العباسيين وأصبح كثيرَ الانتشار في عصر العُثمانين. وأهمُّ النَّاشرين للدين الموازي، البخاري، رحمه الله، والذي عاصر بعض الخلفاء العباسيين.

وبعبارة أوضح، ما لم يُصرِّح به هؤلاء العلماء والفقهاء للناس، هو أنهم أبدعوا ديناً موازياً لدين الإسلام يُخالِف، في بعض الحالات، ذلك الذي أنزله اللهُ، سبحانه وتعالى، على آخر الرسل والأنبياء، محمد (ص)، من خلال الوحي الذي هو القرآن الكريم.

ولا أحدَ من هؤلاء العلماء والفقهاء شرَح للناس أسبابَ تنزيل الدين الموازي الذي، كما سبق الذكر، يُخالف، في بعض مضامينه، ذلك الذي أنزله الله، سبحانه وتعالى، على نبيِّه ورسوله محمد (ص).

والغريب في الأمر أن هؤلاء العلماء والفقهاء تصرَّفوا في دينِ الإسلام وكأنه مِلكٌ لهم، أو بعبارة أخرى، كأنهم هم مَن أوجده، علماً أن الدينَ دينُ الله، وهو الدين الواحد والوحيد الذي أراده، سبحانه وتعالى، للبشرية جمعاء.

ولعل أهم اختلاف بين دينِ الله، عزَّ وجلَّ، والدين الموازي الذي أبدعه علماءُ وفقهاءُ الدين، يتمثَّل في كون دين الله مبني على اختيار الناس بين الإيمان، من جهة، والكُفر والشرك، من جهة أخرى، بينما الدين الموازي مبني على التَّخويف والتَّرهيب والتَّرعيب والقهر والتَّضييق والعُسر… فما معنى أن يختارَ الناسُ بين الإيمان، من جهة، والكفر والشِّرك، من جهة أخرى؟

معناه أن اللهَ، سبحانه وتعالى، بيَّن للناس، في القرآن الكريم، طريق الخير وطريقَ الشر أو الطريق المستقيم والطريق المنحرف وترك لهم الفرصةَ لتشغيلِ عقولَهم من أجل الاختيار. بل إن اللهَ، سبحانه وتعالى، سعياً منه لإسعادِ الناس، بعث لهم رُسُلاً وانبياءَ يُبشِّرونهم بما لهم فيه خيرٌ ويُندرونهم بما لهم فيه شر. وأكثر من هذا، كان، عزَّ وجلَّ، يختار الأنبياءَ والرسلَ من بين ناس الأقوام المستهدفين من التَّنزيل. لماذا؟

لأن الانبياءَ والرسلَ المبعوثين لهؤلاء الأقوام كانوا يعرفون هذه الأقوام حقَّ المعرفة، أي كانوا على اطِّلاعٍ على عاداتهم وثقافاتهم وعُرفهم وتقاليدهم…

وهذا يعني أن اللهَ، سبحانه وتعالى، يريد الخيرَ لعباده خلافاً لقدماءِ علماء وفقهاء الدين، الذين حوَّلوا دينَ الإسلام من دينٍ أراد الله، سبحانه وتعالى، أن يختارَه الناسُ بمحض إرادتهم، إلى دينٍ موازي يُفرَض على هؤلاء الناس ولو ضد إرادتِهم. السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا، هو : "هل في عهد الرسول (ص) آمن العرب كلُّهم برسالة الإسلام"؟

بالطبع، لا ثمَّ لا! لم يؤمن العرب كلُّهم. والدليل على ذلك أن اللهَ، سبحانه وتعالى، خاطب رسولَه الكريم (ص) و وجَّه له بعض اللَّوم لأنه أراد أن يفرضَ رسالتَه على الناس ليُصبحوا مُؤمنين، مصداقا لقولِه، سبحانه وتعالى : "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس، 99).

بل لا يزال قولُه، عزَّ وجلَّ، في هذه الآية، ساريَ المفعول، إلى يومنا هذا. حيث أن البشرَ القاطنين في مختلف بلدان الأرض ليسوا كلُّهم مسلمين. بل ليسوا كلهم يهوداً وليسوا كلهم مسحيين. بل الإسلام أقل انتشارا بالمقارنة مع المسيحية والأديان الوضعية التي هي من صُنع الإنسان، كالهندوسية hindouisme والبوذية bouddhisme.

لكن الطامةَ الكبرى هي أن الأغلبيةَ العُظمى من المسلمين أصبحوا متشبِّثين بالدين الموازي أكثر بكثير من الدين الذي أنزله الله، سبحانه وتعالى، على آخر الرسل والأنبياء، محمد (ص). والدليل على ذلك أن كثيراً من الناس، المنتمين لهذه الأغلبية العُظمى، أصبحوا يقدِّسون علماء وفقهاء الدين ويعتبرونهم وسطاء بينهم وبين خالقهم. بل يظنون أنهم هم مَن سيفتح لهم أبوابَ الجنة. إلى درجة أن التَّقديسَ لا يشمل، فقط، شخصَ علماء وفقهاء الدين. بل أصبح يشمل، كذلك، أقوالَهم وفَتاوَاهم. وعلماء وفقهاء الدين، هم أنفسُهم، صاروا يقدِّسون البخاري و وصفوا صحيحَه بأنه "أصحُّ كتاب بعد القرآن الكريم". وقدَّسوا ابنَ تيمية و وصفوه ب"شيخ الإسلام… إلى درجة أن الدينَ الموازي أصبح هو الإسلام، بينما الدين الذي نزل في شأنه القرآن الكريم أصبح مُهمَّشاً، أي مهجورا. وهجران دين الله، هو هجرانٌ للقرآن الكريم، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" (الفرقان، 40).

فإذا اشتكى الرسول (ص) لله، في عصرِه، هجرانَ قومه للقرآن الكريم، فإن علماءَ وفقهاء الدين، القدامى والحاليين، أَجَّجوا هذا الهجرانَ بصُنعِهم للدين الموازي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى