إنها ليلة ليست كسابقتها من الليالي ، مكسوة بالحزن الشديد، مبللة باليأس والسأم. القذائف تتناثر في السماء تمدّ أجنحتها لتصطاد كل ماتصادفه أمامها دون رحمة .
انطفأت الأضواء في البيوت المتلاحمة وازدادت حلكة الليل وكأن الليل عقد صفقة مع عويل القذائف وأزيز الرصاص المتلاحق .
هاهي سراب تحمل شمعة براحة يدها كان لهيبها يتلوى مع نسمات حارقة وكأنها تلعب مع سراب لعبة الاختفاء، ثم تعاود لتشعلها من جديد ، وفجأة احتل قلب سراب خوف حفر أخاديده في حنايا روحها عند سماعها صراخ ابنها سراج الذي يتعالى كل حين ويزداد أنينه ألماً ووجعاً ، تلعثمت سراب بوشاح حيرتها وضجيج الصمت يخنق ضلوعها، احتضنت ابنها سراج، وربتت بيديها الراجفتين على كتفه وتمتمت بكلمات : ماذا نفعل الآن؟ كيف السبيل للوصول إلى أقرب مشفى؟ والليل في الخارج يقضم الأرواح كالشبح. وعينا زوجها تعانقان ملامح سراب وتحتضنان مشاعرها المختلطة خوفاً من هول وضجيج الطائرات والقذائف تارة ، وتوجعاً من آهات ابنها سراج تارة أخرى . وزوجها يهدئ غليانها بتمتمات هادئة مكسوة بالقلق والتوتر .
حرك زوجها سيارته ببطء خوفاً من قذيفة ما ربما تلاحق أمانهم ، وصراخ سراج يتعالى ويتلوى ، لاشئ مسموع في هذه اللحظة الرهيبة سوى نباح الكلاب وأزيز القناصات والرصاص . وتطول المسافات كلما اقترب زوج سراب بسيارته وهو يضغط بقدمه الدعسات ليزيد السرعة ، وسراب تمسك قلبها بيدها تحاول تهدئة خفقاته التي اختلطت بأصوات جنون القذائف ، تنظر من النافذة تترقب الطريق بحذر . للحظة استحكمتها حلقات الحاضر الراجف، وعادت بذكرياتها إلى الماضي الأليم.
استطاعت سراب في خضم حياتها تحقيق جزء من أحلامها، وكونت أسرة صغيرة تستمد بوجودها الدفء والأمان ،
التفتت سراب تنظر إلى وجه زوجها يكسوه صمت رهيب مغموس بالهلع والقلق ، كلما إزداد أنين سراج . وعلى بعد أمتار يوقف سيارته لتلقي الأسئلة المتكررة، إلى أين ذاهب ؟ ومن أين أتيت ؟ ونظرات سراب تجوب المكان وتحتضن ابنها تحاول إسكات وجعه وتترقب نبضات قلبه ، وملامح وجهه .
استحضرت سراب ذكريات الماضي الأليم ، وسرحت بأفكارها إلى عالم والدها ، تذكرت للحظة تمتمات والدها الذي كان دائماً يتغنى بوطنه المسلوب ، وأرضه التي سرقت ، بتخطيط مسبق من قبل عصابة عدوانية مسيطرة بهدف الاستيلاء على الوطن وتشريد شعبه .
يااااه رحمك الله ياوالدي كم نهشت جسدك حياة الاغتراب ! والتهجير والتشريد . عشتّ سنين المعاناة مغموسة بلذة الألم ، ممزوجة بأوقات الأمل ، أمل العودة القريبة إلى وطننا المسروق .
آه... كم آلمك صمتك ياوالدي ، وأنت تنصت إلى أنين الحنين . كم جرعت من كؤوس الأمل والانتظار ، كي تعود إلى جذورك الأصيلة . ترى كم تعادل هذه اللحظة الرهيبة التي تكبلنا بقيود الحيرة وجنازير الحاضر الوخيم ، بسنين الماضي وقلب يسافر بحنينه كل حين إلى بستانه الذي كان يزرعه بيديه .
ايييه ياوالدي ربما الأمل اكذوبة شيعته رغبات الانتظار . ماذا لو كنت على قيد الحياة ورأيت كيف أن التاريخ يتكرر الآن بأوجاعه وآلامه . رحمة الله عليك ياحنون رحلت عن الدنيا وقلبك يهتف بالعودة إلى أرضك ووطنك .
عشت متأملاً ، ومتّ متمنياً أن يكون جثمانك تحت شجرة الزيتون التي زرعتها بيدك .
استيقظت سراب من غفوة ذكرياتها على صرخات سراج التي تتعالى ، وسراب وزوجها يلتهمهما الخوف وطول المسافة . كل شئ مخيف في هذا الليل ، والعتمة غيبت معالم الطريق .
انتشرت ثرثرة الأماكن الصامته وأسبل سراج عينيه اللتين ذبلتا من شدة البكاء والأنين .
توقف نبض قلبه الصغير ولم تقترب المسافة لأقرب مشفى ، لقد طال الوقوف على أطلال الحواجز ، سراج يخبو ويخبو ، وسمع زوج سراب أحدهم يقول : ( الله يرحمه ، عد به إلى بيتك فالطريق إلى المستشفى من هنا ممنوع ).
صرخت سراب من أعلى منصة الألم واختنقت بأشواك جرحها النازف، لقد اقتطف الموت زهرة روحها وخلع من ضلوعها مضغة قلبها وشُيّع سراج في حقول الورد والياسمين .
انقلبت لدى سراب وزوجها كل الموازين بموت ابنهما سراج ، وتغيير المعادلات الكونية ، استمرت مشاهد الرعب على مسرح الوطن، واغتيلت ضحكات.
بدأ زوج سراب يفكر بطرق للهجرة والرحيل والبحث عن مستقبل جديد ، وبتحدثان كل لحظة، إلى أين السبيل؟ والحرب أمامهم تنهش الأجساد ، والبحر وراءهم يلتهم الهاربين ويهديهم غذاءً لأسماك قاع البحر .
لم يكن قراراً سهلاً لدى سراب وزوجها لكن الدروب ضاقت بساكنيها والأماكن أُعتقلت في سجون لاأعمده لها.
ها هي سراب تحزم أمتعتها من نزوح إلى نزوح موجع، ومن رحيل إلى رحيل أشد وجعاً ، هاجرت سراب وأسرتها في فجر كان حائراً كافح البزوغ وعاند اشراقة الشمس، تركت خلفها ذكرياتها المخملية وجاءت لتخوض رحلة اغتراب جديدة بحثاً عن بصيص ضوء لمستقبل مجهول .
يقال إن التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كمأساة لكن المرة الثانية لاوجود لها في قاموس المسميات ، قد تختلف الظروف في الزمان والمكان لكن هناك أشياء ثابتة متعلقة بسراب والأنا في ذاتها بأحاسيسها وشعورها بألمها ومعاناتها .
بدأت سراب تجوب بلاد الغربة تبحث عن معنى جديد للأشياء للمفاهيم للأماكن وحتى العلاقات ، بعيون سراب كل شيء جميل هنا يبهر النظر ، كل شئ دقيق بتكوينه وترتيبه واحترام الوقت ونظام التكنلوجيا ، لكن مع مرور الزمن تقلصت الرغبات في روحها وهي تمتطي حصان الوقت وتحصر تفكيرها في نقطة البداية وكيف ستخوض مع أسرتها سفينة الأيام بعاداتها الجديدة وقوانينها المفروضة ، وعادت إلى عهد الدراسة تحفظ دروسها وواجباتها ، تبذل عصارة تفكيرها لتصل إلى مايوصلها للإستقرار وتسير في ظل الضوء الخافت الذي ربما يوصلها للمستقبل .
في بلاد الاغتراب يكتوي قلب سراب
ببصمات صمت عصيّ عن البوح ، كانت سراب تظن أنّ الزمن ورقة بيضاء تصنع فيها خطوط التمني وتبني دروب أحلامها، لكن القدر يلعب لعبته.
تجاهد سراب في غربتها لعلها تصطدم يوماً بحلم عابر يعيد توازن روحها ، أو ربما تجد طريقاً تبني فيه الأمنيات بحجارة الزمرد وألوان الأماني، التي توصلها إلى أرض أجدادها التي سُلبت ودُمِرَت وسُرقت والتي أخذت نصيبها الأكبر من الموت والقهر والاحتلال .
كم يؤلمها اللجوء وكلمة لاجئ ووطنها وجذوره كالجنة بنعيمه وخيراته في أيادي الغاصبين .
هنا وبالرغم من الأمان وبرمجات العصر الحديثة لكن سراب لم تشعر بحلاوتها ولم تتذوق فرح اللحظات غير أنها تسافر بروحها كل حين إلى أرض وطنها التي لم تره إلا عبر حكايا والدها . وتهفو روحها كل يوم وليلة لزيارة قبر سراج الذي دفنته في أرض بعيدة عن ناظرها .
انطفأت الأضواء في البيوت المتلاحمة وازدادت حلكة الليل وكأن الليل عقد صفقة مع عويل القذائف وأزيز الرصاص المتلاحق .
هاهي سراب تحمل شمعة براحة يدها كان لهيبها يتلوى مع نسمات حارقة وكأنها تلعب مع سراب لعبة الاختفاء، ثم تعاود لتشعلها من جديد ، وفجأة احتل قلب سراب خوف حفر أخاديده في حنايا روحها عند سماعها صراخ ابنها سراج الذي يتعالى كل حين ويزداد أنينه ألماً ووجعاً ، تلعثمت سراب بوشاح حيرتها وضجيج الصمت يخنق ضلوعها، احتضنت ابنها سراج، وربتت بيديها الراجفتين على كتفه وتمتمت بكلمات : ماذا نفعل الآن؟ كيف السبيل للوصول إلى أقرب مشفى؟ والليل في الخارج يقضم الأرواح كالشبح. وعينا زوجها تعانقان ملامح سراب وتحتضنان مشاعرها المختلطة خوفاً من هول وضجيج الطائرات والقذائف تارة ، وتوجعاً من آهات ابنها سراج تارة أخرى . وزوجها يهدئ غليانها بتمتمات هادئة مكسوة بالقلق والتوتر .
حرك زوجها سيارته ببطء خوفاً من قذيفة ما ربما تلاحق أمانهم ، وصراخ سراج يتعالى ويتلوى ، لاشئ مسموع في هذه اللحظة الرهيبة سوى نباح الكلاب وأزيز القناصات والرصاص . وتطول المسافات كلما اقترب زوج سراب بسيارته وهو يضغط بقدمه الدعسات ليزيد السرعة ، وسراب تمسك قلبها بيدها تحاول تهدئة خفقاته التي اختلطت بأصوات جنون القذائف ، تنظر من النافذة تترقب الطريق بحذر . للحظة استحكمتها حلقات الحاضر الراجف، وعادت بذكرياتها إلى الماضي الأليم.
استطاعت سراب في خضم حياتها تحقيق جزء من أحلامها، وكونت أسرة صغيرة تستمد بوجودها الدفء والأمان ،
التفتت سراب تنظر إلى وجه زوجها يكسوه صمت رهيب مغموس بالهلع والقلق ، كلما إزداد أنين سراج . وعلى بعد أمتار يوقف سيارته لتلقي الأسئلة المتكررة، إلى أين ذاهب ؟ ومن أين أتيت ؟ ونظرات سراب تجوب المكان وتحتضن ابنها تحاول إسكات وجعه وتترقب نبضات قلبه ، وملامح وجهه .
استحضرت سراب ذكريات الماضي الأليم ، وسرحت بأفكارها إلى عالم والدها ، تذكرت للحظة تمتمات والدها الذي كان دائماً يتغنى بوطنه المسلوب ، وأرضه التي سرقت ، بتخطيط مسبق من قبل عصابة عدوانية مسيطرة بهدف الاستيلاء على الوطن وتشريد شعبه .
يااااه رحمك الله ياوالدي كم نهشت جسدك حياة الاغتراب ! والتهجير والتشريد . عشتّ سنين المعاناة مغموسة بلذة الألم ، ممزوجة بأوقات الأمل ، أمل العودة القريبة إلى وطننا المسروق .
آه... كم آلمك صمتك ياوالدي ، وأنت تنصت إلى أنين الحنين . كم جرعت من كؤوس الأمل والانتظار ، كي تعود إلى جذورك الأصيلة . ترى كم تعادل هذه اللحظة الرهيبة التي تكبلنا بقيود الحيرة وجنازير الحاضر الوخيم ، بسنين الماضي وقلب يسافر بحنينه كل حين إلى بستانه الذي كان يزرعه بيديه .
ايييه ياوالدي ربما الأمل اكذوبة شيعته رغبات الانتظار . ماذا لو كنت على قيد الحياة ورأيت كيف أن التاريخ يتكرر الآن بأوجاعه وآلامه . رحمة الله عليك ياحنون رحلت عن الدنيا وقلبك يهتف بالعودة إلى أرضك ووطنك .
عشت متأملاً ، ومتّ متمنياً أن يكون جثمانك تحت شجرة الزيتون التي زرعتها بيدك .
استيقظت سراب من غفوة ذكرياتها على صرخات سراج التي تتعالى ، وسراب وزوجها يلتهمهما الخوف وطول المسافة . كل شئ مخيف في هذا الليل ، والعتمة غيبت معالم الطريق .
انتشرت ثرثرة الأماكن الصامته وأسبل سراج عينيه اللتين ذبلتا من شدة البكاء والأنين .
توقف نبض قلبه الصغير ولم تقترب المسافة لأقرب مشفى ، لقد طال الوقوف على أطلال الحواجز ، سراج يخبو ويخبو ، وسمع زوج سراب أحدهم يقول : ( الله يرحمه ، عد به إلى بيتك فالطريق إلى المستشفى من هنا ممنوع ).
صرخت سراب من أعلى منصة الألم واختنقت بأشواك جرحها النازف، لقد اقتطف الموت زهرة روحها وخلع من ضلوعها مضغة قلبها وشُيّع سراج في حقول الورد والياسمين .
انقلبت لدى سراب وزوجها كل الموازين بموت ابنهما سراج ، وتغيير المعادلات الكونية ، استمرت مشاهد الرعب على مسرح الوطن، واغتيلت ضحكات.
بدأ زوج سراب يفكر بطرق للهجرة والرحيل والبحث عن مستقبل جديد ، وبتحدثان كل لحظة، إلى أين السبيل؟ والحرب أمامهم تنهش الأجساد ، والبحر وراءهم يلتهم الهاربين ويهديهم غذاءً لأسماك قاع البحر .
لم يكن قراراً سهلاً لدى سراب وزوجها لكن الدروب ضاقت بساكنيها والأماكن أُعتقلت في سجون لاأعمده لها.
ها هي سراب تحزم أمتعتها من نزوح إلى نزوح موجع، ومن رحيل إلى رحيل أشد وجعاً ، هاجرت سراب وأسرتها في فجر كان حائراً كافح البزوغ وعاند اشراقة الشمس، تركت خلفها ذكرياتها المخملية وجاءت لتخوض رحلة اغتراب جديدة بحثاً عن بصيص ضوء لمستقبل مجهول .
يقال إن التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كمأساة لكن المرة الثانية لاوجود لها في قاموس المسميات ، قد تختلف الظروف في الزمان والمكان لكن هناك أشياء ثابتة متعلقة بسراب والأنا في ذاتها بأحاسيسها وشعورها بألمها ومعاناتها .
بدأت سراب تجوب بلاد الغربة تبحث عن معنى جديد للأشياء للمفاهيم للأماكن وحتى العلاقات ، بعيون سراب كل شيء جميل هنا يبهر النظر ، كل شئ دقيق بتكوينه وترتيبه واحترام الوقت ونظام التكنلوجيا ، لكن مع مرور الزمن تقلصت الرغبات في روحها وهي تمتطي حصان الوقت وتحصر تفكيرها في نقطة البداية وكيف ستخوض مع أسرتها سفينة الأيام بعاداتها الجديدة وقوانينها المفروضة ، وعادت إلى عهد الدراسة تحفظ دروسها وواجباتها ، تبذل عصارة تفكيرها لتصل إلى مايوصلها للإستقرار وتسير في ظل الضوء الخافت الذي ربما يوصلها للمستقبل .
في بلاد الاغتراب يكتوي قلب سراب
ببصمات صمت عصيّ عن البوح ، كانت سراب تظن أنّ الزمن ورقة بيضاء تصنع فيها خطوط التمني وتبني دروب أحلامها، لكن القدر يلعب لعبته.
تجاهد سراب في غربتها لعلها تصطدم يوماً بحلم عابر يعيد توازن روحها ، أو ربما تجد طريقاً تبني فيه الأمنيات بحجارة الزمرد وألوان الأماني، التي توصلها إلى أرض أجدادها التي سُلبت ودُمِرَت وسُرقت والتي أخذت نصيبها الأكبر من الموت والقهر والاحتلال .
كم يؤلمها اللجوء وكلمة لاجئ ووطنها وجذوره كالجنة بنعيمه وخيراته في أيادي الغاصبين .
هنا وبالرغم من الأمان وبرمجات العصر الحديثة لكن سراب لم تشعر بحلاوتها ولم تتذوق فرح اللحظات غير أنها تسافر بروحها كل حين إلى أرض وطنها التي لم تره إلا عبر حكايا والدها . وتهفو روحها كل يوم وليلة لزيارة قبر سراج الذي دفنته في أرض بعيدة عن ناظرها .