رسائل الأدباء رسالة من الإعلامي الأستاذ أبوبكر صائغ الى توفيق قسم الله

إلى الشاعر والأديب المحترم توفيق قسم الله .

تحية طيبة وبعد،

إن ما تفضلت به في مقالك الهادف يعد بمثابة دعوة صادقة للإصلاح، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل وعلى مستوى المجتمع بأسره.
لقد جذبني مقالكم بشكل عميق، وأوقفني طويلًا أمام هذه الرؤية الناضجة التي تدعو إلى الإصلاح قبل أن ننتقد الآخرين.
في الحقيقة، أشعر بأن هذا المقال يستحق أن يُقرأ أكثر من مرة، لأن فيه من الأفكار ما يستحق التأمل والتمعن.
وإذا ما وجدت متسعًا من الوقت، فإني سأساهم بما يعين على تعزيز ما طرحته في مقالك، لتكون مداخلتي إضافة تعمق من قيمة المقال وتزيده إلقاءً وإشراقًا.
لقد كان لي شرف التعرف عن قرب على الشاعر، الروائي، والإعلامي الكبير أحمد عمر شيخ، الذي أعتبره من أصدقائي المقربين.
لقد تعلمت منه الكثير، وناقشته في العديد من القضايا، وكانت آراؤه دائمًا تتسم بالحكمة والعمق.
هذا الرجل كان صديقًا مخلصًا، لا يساوم على مبادئه، وكان محبًا للحياة رغم كل ما تعرض له من سهام نقدية حادة من مختلف الاتجاهات.
لكن ....وعلى الرغم من كل تلك المحاولات لتشويه صورته، ظل متمسكًا برؤيته، ولم يَحِنْ رأسه أمام العواصف أو المؤامرات.
هذا يذكرني دائمًا بضرورة أن يكون الإنسان صلبًا في مواجهة التحديات، وألا يسمح لأي قوة كانت أن تمس قناعاته الثابتة.
إن ما قمت به في سعيك لتحقيق الرؤية التي خططت لها، يعكس نضجًا واضحًا ووعيًا عميقًا، ليس فقط بمحيطك الاجتماعي الذي تنتمي إليه، ولكن أيضًا باللغة التي تعبر بها عن أفكارك.
صديقي الأخ / توفيق قسم الله فمقالك يعد حصيلة فكرية غنية ومركزة، تلك التي تم بناءها على مدار سنوات من التأمل والمعرفة.
أعتقد أن أصعب ما يواجه الأديب هو قدرته على أن يحفظ الصور الفكرية والذهنية التي تتشكل في ذهنه نتيجة تأملاته، ويستطيع استحضارها متى شاء، دون أن يصيبها ضباب النسيان.
وكما تعلمنا من الأديب أحمد شريف، الذي أعتبره من أبرز الشخصيات التي تركت بصمة في مجال الكتابة والإعلام، فقد عملت معه في صحيفة إرتريا الحديثة لعدة سنوات، وكانت تلك السنوات مليئة بالدروس القيمة.
وكان من حسن حظي أنني كنت آخر من ودع صديقي أحمد شريف، الذي كان يحمل في قلبه حبًا عميقًا للأدب وللمجتمع، وكان دائمًا ما ينصحني بالتركيز على القيم الأساسية في الكتابة، وعدم السعي وراء الشهرة التي تكون مجرد سراب.
في ذلك اليوم، وقبل أن يغادر إلى السودان، كان يودعنا جميعًا، قائلاً: "خذوا بالكم من استاذنا بابكر"، في إشارة إلى شاعرنا الكبير الراحل بابكر عوض الكريم، الذي كان يلعب دورًا مهمًا في توجيه الكثير من الأدباء الشباب.
إن هذا النوع من الأدب، الذي يتسم بالصبر والتأني، هو ما يجب أن يتعلمه كل من يريد أن يترك بصمة حقيقية في هذا العالم.
الكتابة ليست مجرد نقل للأفكار، بل هي نوع من التحدي الفكري، الذي يتطلب الكثير من التأمل والصبر، بعيدًا عن هوس الشهرة السريعة.
كما قال الأديب الفرنسي فولتير: "من لا يقرأ لا يحسن الكتابة"، وهذا ينطبق تمامًا على كل من يسعى إلى تحقيق ذاته الأدبية.
ولا يمكنني أن أغفل أيضًا عن ذكر الشاعر الكبير محمد مدني، الذي لم يسعَ إلى الشهرة إلا من خلال أعماله التي لامست قلوب الناس.
كان لشعره تأثير عميق على الأفراد، فقصائده كانت تتردد على ألسنة الثوار في خنادق النضال، وتصبح رمزًا للأمل والحرية.
الشهرة التي نالها لم تكن مفتعلة أو سريعة، بل جاءت نتيجة للصدق في التعبير عن هموم الأمة، وحب الوطن.
فكما نعلم جميعًا، أن الأدب الحقيقي لا يحتاج إلى صخب أو ضجيج، بل يحتاج إلى وقت وصبر طويل، يثمر في النهاية عن اعتراف الناس وإجلالهم.
إن الأدباء الذين نحتفي بهم اليوم، هم الذين لم يسارعوا إلى الشهرة ولا ارتبطوا بالتصفيق الفارغ، بل ارتبطوا بعقول الناس وقلوبهم.
فالأدب الذي يكتب بالصدق والتأمل هو الأدب الذي يبقى، مهما تعاقبت الأزمان.
الحديث عن الأدب طويل وذو شجون، لكنني أعتقد أنني قد ذكرت بعض النقاط الجوهرية التي تبرز أهمية الصبر والتأني في مسيرتنا الأدبية.
سأعود مرة أخرى للمساهمة بكل ما يمكن أن يعزز من فكرنا المشترك ويدفعنا إلى الأمام.
تحياتي لك،
وأتمنى لك دوام التوفيق والتقدم في مسيرتك الأدبية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى