أمل إسماعيل - شيءٌ ما... في كلّ شيءٍ

هل يمكن لشابٍّ أو طفلٍ من مواليد جيل (زي) أو (ألفا) أن يقول مفاخِرًا إنّه تربّى على مقالات أساتذة وأدباء عِظام قرأ لهم في الصُّحف؟

إنني من جيل (ميلينيوم)، ويمكنني بملء فمي أن أقول: لقد تربّيت على مقالات د. حسن مدن اليوميّة في صحيفة الخليج الإماراتيّة منذ ثلاثين عامًا. ولا أظنّ التاريخ سيعيدُ نفسه، ولا أظنّ أن ألَق المقالات باقٍ كما عشناه وعهدناه. ربّما يترجّل د. حسن مدن الآن لأسباب يقول إنها صحيّة وحياتيّة.. لكنني أظنّه يترجّل في ساعة الصّفر التي غيّرت شكل الصحيفة اليومية، والتهمت حصّة المتعة التي كان القارئ ينالها بسعادةٍ مفرطة عندما يتخطّف الصحيفة من بين يدي موزّعها عند إشارة المرور صباح كلّ يوم وهو متوجّهٌ إلى مشواره الصباحيّ، أو مترقّبًا إياها متزحلقةً من تحت الباب لتدخل (حوش) البيت بابتسامةٍ إخباريّةٍ عريضةٍ لا تقلّ عن ابتسامة أوّل من يلتقطها، ذلك الذي يحظى عادةً بشرف تصفّحها أولًا.

اليوم، لا يمكنني أن أطلب من الله فضلًا أكثر مما منحني إذ جعلني سببًا من -بين أسباب اجتمعت- لإصدار كتاب (في مديح الأشياء وذمّها) للدكتور حسن مدن. الكتاب الذي ضمّ مجموعةً منتقاةً من أجمل مقالاته التي نشرها على مدار سنوات، وحظيتُ بشرَف مُتابعة جَمعِه والاطّلاع على مسوّدته مرورًا بمراجعتها وصفّها ونشرها في دار روايات-مجموعة كلمات في معرض الشارقة الدولي للكتاب2024.
223126235.jpg

عرفتُ د. حسن مدن في طفولتي، طفولة قارئي الصحف، إذ كان مقاله هو المقال المُنتقى لأقرأه كلّ يوم، إلى أن نشر ذات يومٍ مقالًا يتحدث فيه عن حذاء العيد، فقررتُ –وكنت في المرحلة الثانوية حينها- أن أردّ على مقاله برسالةٍ مشاكسةٍ مع قصّةٍ قصيرةٍ عنوانها (الحذاء). أرسلتُ الرسالة إلى بريد جريدة الخليج يومها، مع طلبٍ بتسليمها له شخصيًّا، وبعد شهرين تلقّيتُ مُغلّفًا من مجلة الرافد -التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة- لأجد فيه عددًا من المجلة، وشيكًا بمبلغ 200درهم، هي مكافأة نشر قصة (الحذاء) في المجلة. كان ذلك هو ردّ أديبٍ ذي بصيرةٍ، أديبٍ ذي لطفٍ بالغ، أدخل السرور إلى تلك الفتاة التي كانت قد قطعت شوطًا متواضعًا في الأدب، تكتبُ هنا وهناك، وتنشرُ كيفما اتفق في مجلات المدرسة، وتشارك في مسابقاتها الأدبية. بعد ذلك التكريم من د. حسن بفترة، تُوّجتُ بجائزة المركز الأول في الشعر على مستوى المدارس الثانوية في دولة الإمارات، وتابعتُ طريق إنجازاتي الأدبية لتأتي إصداراتي تِباعًا إلى يومنا هذا، وأحتفظ بصِلَة الامتنان والاعتراف بالجَميل ورؤيته القدوة والمَثَل الأعلى ثقافيًّا ومعرفيًّا، ولتجمعنا الشارقة لاحقًا في عددٍ من محافلها الأدبية، بين أمسياتٍ مُشترَكَةٍ، أو حوارٍ ثقافيٍّ مثمرٍ عميق، وصولًا إلى إصداره الأدبيّ الأخير بعد عملي محرّرةً أولى في مجموعة كلمات.

أتساءل اليوم، وأنا أعيدُ قراءة المقالة الأخيرة للدكتور حسن مدن في جريدة الخليج للمرة الألف، أتساءلُ: يا ترى، هل سيذوق الكتّاب الواعدون في الأجيال القادمة حلاوة التعلّقِ بأهداب الكلمة في عيون كتّابها مثلما تعلّقنا نحن؟ وهل غابت المقالة اليوميّة التي تشاطرنا تفاصيل حياتنا وهمومنا من أبسطها إلى أعقدها بتقاعد كتّابها؟ وهل حُرِمَ هذا الجيلُ فعلًا من كنزٍ غرفنا منه ورتعنا فيه عُمرًا؟

آه! يا لفداحة ما فُقِد!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى