عمرو صلاح الغندقلي - رائحة القهوة...

هم بالخروج صبيحة يوم إجازته، بعد أن بدل ملابسه وتعطر بعطره المحبوب بلاك أفغان ، فتح باب الشقة ، ثم نزل الدرج ، فى عقله تدور أغنية شط إسكندرية لفيروز ، كان مثل طفل ينزل الدرج فى رشاقة ، فتح باب الحوش ، ركل بقدمه طوبة كانت أمامه ، عبر الطريق مسرعاً من أمام سيارة كانت تمر مسرعة، فقذف السائق بسباب لاذع ، عرج يمينا تجاه البحر ، غمرت أنفه رائحة طحن حبوب القهوة ، سحبته كالمسحور نحو دكان البن فذهب واشترى كوب تيك اوي ، أمسك الكوب في يده ومازلت فيروز تصدح فى رأسه بشط الإسكندرية ، عبر الطريق نحو البحر ، جلس على سور منخفض ، وضع الكوب جانباً ، أشعل سيجارة ، ارتشف رشفة من القهوة الطازجة ، ساح فى عالم سحري ، رائحة القهوة المصاحب للتبغ ورائحة البحر المصاحب لصوت فيروز وصوت موج البحر جعلته يجتاح عوالم خفية ، كطائر يسموا سموات ، يشعر براحة روح جعلته ينطق بصوت عال دون اعتبار للمارة بقول : الله ، ايه الجمال ده يا جدعان ؟
جاءت بثينة تمشى على استحياء لا يليق بمن جاور هذا البحر الهائج حاضنة لكتاب ، وابتسامة لا تكاد تفارق وجهها القمرى ، وجلست بجواره .
بثينه: صباح الخير يا أحمد
أحمد : صباح الورد ياقطة
يرتشف رشفة من قهوته ، يسحب نفس من سجارته ، مازال لا يبالي بما يدور حوله ، يعيش فى عالمه المفارق غير مبالغى.
ارتسمت علامات الحيرة و الاستفهام على وجه بثينة ، كانت تعرف مزاجه المتقلب واحبته رغم علمها بأنه غريب الأطوار ، ، لم تشاهد مثل جنانه ولا مبالاته ، كان يجعل للناس عالمهم وهو وحده يعيش عالمه ، كان هذا العالم الذي يعيشه بسيط جدا ، بلاتعقيد ، ينظر للأمور بشئ من البساطة وكان يرى أن الناس مجانين يحملون الاشياء أكثر مما تحتمل ، كان يردد دائما وجدنا لكى نحيا ،وليس هناك شيئا اخر علينا فعله سوا ذلك ، فقط نحيا!
وما علينا أن نفعله هو كل شيء يقربنا من هذا المعنى ، فقط نحيا
كانت بثينة لا تفهم كثيرا مما يقوله ، رغم أنها أحبته ، كانت تحاول مراراً أن تفهم ذلك المحبوب الذي تشعر بالراحة فى قربه ، وتشتاقه دوماً ورسمت في خيالها ليلة عرسها معه.
مازل أحمد يرتشف بعض رشفات من قهوته وهو يردد فى خياله كلمات فيروز ناظرا إلى البحر العظيم مبتهج لا يعنيه شىء.
أحمد : سامعة ؟
بثينه: سامعة ايه ؟
أحمد : صوت فيروز
بثينة : مش سامعة حاجة ، ومش عايزة اسمع ، انت مش هتيجى تخطبنى من بابا بقى ؟
أحمد: لا
بثينة: لا ، لا ايه ؟
كمن لا يبالي سكت أحمد وظل غارقاً فى عالمه ، لم يلتفت لكلامها وأخذ يترقب الموج الهادر المندفع نحو الشاطئ وهو يرتطم بتلك الكتل الخرسانية بقوة يحدث صوتاً وتتطاير اجزائه على وجوه المارة ، فمنهم من يبتسم وهو يحاول أن يتجنب هذا الرزاز ومنهم من يغضب.
ودار فى خلده لماذا يحرص هذا الموج على نفس العمل طول الوقت دون ملل ؟
انتظرت بثينة كثيرا يرد ، فما كان منها وهى غاضبة إلا أن تقول:
وبعدين ياحمد ، مش هترسى على بر وتقولى ناوى على ايه ؟
التفت اليها ومازلت فيروز تصدح فى رأسه وهو مبتسم : الحياة حلوة ، عيشى اللحظة ، وسيبك من الخوف والحسابات وكلام الناس ، وكل شئ باوان
لم تقتنع بثينة بتلك الكلمات وأخذت قرار بعد عدة محاولات معه دون طائل وقامت من مجلسها ، وهى تردد:
انت الظاهر مش ناوى على جواز وشكلك مجنون ومش عارفه ليه قلبى ورطنى فيك والظاهر انك عايش فى كون لوحدك ، أنا ماشية
استمر يردد كلمات فيروز وهو يسحب نفس من سجارته ملتذ بالبحر والموج ورائحة القهوة .

... عمرو صلاح الغندقلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى