ناجي ظاهر - الحبوبة الانجليزية...

فتحت اكرام الوائلي عينيها في الصباح الباكر.. أغمضتهما.. ليت المساء يأتي بسرعة لتطير اليه، الى من اختاره قلبها هناك في المركز الانكليزي في البلدة. لتُفرح عينيها بمرآه ولتشنّف اذنيها بالاستماع الى لغته الانجليزية الساحرة. قبل ايام التقت به هناك في المركز.. خلال زيارتها لصديقتها اللدودة.. منافستها في كل شيء.. العاملة فيه. مصادفة طيبة جمعت بينهما هي المرأة العربية الحالمة وهو الرجل الانجليزي فاره الطول بهي الطلعة. ما ان التقت عيناها بعينيه في تلك اللحظة التاريخية الفاصلة، حتى نسيت كل ما مضى من سنوات البحث عن الحب والاستقرار، وشعرت انها ولدت ابان ذاك اللقاء العياني.. لقد امضت اكرام عشرين عاما من عمرها وهي تنتظر اللحظة المناسبة للعثور على الذات، منذ اكثر من عشرين عاما بحثت وها هي تفاجأ بان الامل لا يموت.. وانه يتجدد وينبعث ورودا.. ندى وامطارا على القلب المعنّى. "اين مني مجلس أنت به .. فتنةٌ تمت سناء وسنى وأنا حبٌ وقلبٌ هائمُ". همست لنفسها وهي تكاد تطير من شدة شوقها اليه.. الى ذلك الشاب الانجليزي المدهش.. المفاجئ بطلالته الاسطورية.
تحركت في سريرها متمطّية متثائبة.. انها تشعر بنفسها فراشة عثرت على وردتها ورحيقها التائه في اعماق الزمن، لذا عليها ان تتحرك. الحمد لله انه ارسل اليّ اخيرا من يفهمني وافهمه.. غيرا عن اولئك الشبان العابثين اللاهين الذين ينتظرون فريستهم النسوية ليعملوا مخالبهم في جسدها الطري ناسين انها ابنة بلدتهم وان ما يوقعونه بها وبأمثالها قد يوقعه اخرون بأخواتهم وبناتهم وربما بأمهاتهم. عندما خطرت لها هذه الهواجس .. تذكرت ذلك الشاب اللاهي الذي اضاع عشرة اعوام من عمرها وهو يعدها بالزواج والاستقرار لتكتشف بعدها انه لاهٍ عابثٌ يريد ان يجعل منها مطية له ولأصدقائه، وراحت تقارنه بذلك الانجليزي الوسيم،.. وتذكرت ما قالته لها صديقتها العاملة في المركز عن رقي الانجليز وعن اخلاصهم للنساء ووفائهم غير المحدود، وعن رغبتها في واحد منهم، وراحت تمني نفسها بسنوات حافلة بالدفء والحياة والحب ايضا. " لو لم اكن لقيت هوى في نفسه.. ما كان نظر الي بكل ذاك الشوق.. ولما التقت عينانا راسمة كل تلك الالوان المدهشة"، قالت في نفسها وهي تطرد كل احتمال للفشل في علاقتها الجديدة.
توجهت اكرام الى كومودينتها القديمة. كانت هذه الكومودينة لامها، وهي ما زالت تتذكر كيف ان والدتها رحمها الله كانت تقف قبالتها لتتزين وتتجمل استعدادا لاستقبال والدها، بل انها ما زالت تتذكر ان والدتها حاولت بعد الرحيل المبكر لوالدها ان تقيم علاقة برجل فرنسي وسيم، الا انها ما لبثت ان اكتشفت انه رجل متزوج ولا يفكر بعلاقة اخرى يقيمها في بلاد غربته، بلادها. عندما اتمت الوائلي تبرجها، اعادت ما ردّدته منذ الصباح" متى ستاتي ايها المساء"، وراحت ترسم صورا للقاء به، بذلك الرجل الانجليزي اللطيف، من المؤكد انها ستمد يديها البشاريتين الى يديه الانجليزيتين.. وسوف تلتقي هاتان اليدان بتلكما، لقاء شرق حالم بغرب غانم، "الله ما اجمله من لقاء.. متى تأتي ايها المساء"، كررت بصوت تعمدت ان يكون مرتفعا ربما لتتأكد من انها انما تقف على ابواب علم وليس حلما ووهما كالعادة.
ركبت الوائلي سيارتها القديمة وانطلقت باحثة عن ذلك الانجليزي. مَن يدري ربما التقت به في هذه الزاوية او ذلك الركن من انحاء بلدتها. هي لا تستطيع ان تنتظر حتى المساء.. وقت دوامه في المركز الانجليزي الرابض في قمة الجبل كما يربض ملك الغابة، لذا عليك يا اكرام، اكرمك الله، ان تعملي اي شيء من اجل تقصير عمر الانتظار، وراحت الوائلي تجوب شوارع البلدة شارعا اثر شارع وساحة تلو ساحة.. لتتوقف في مركز البلدة فاركة عينيها وغير مصدقة ما تراه عيناها، انها ترى السيارة الجديدة لذاك الانجليزي الساحر الذي اختاره قلبها واحتضنته عيناها.. متوقفة قرب مطعم تعرفه جيدا.. اليست ابنة البلدة؟.
اوقفت اكرام سيارتها في اقرب مكان من تلك السيارة ممنية نفسها بأروع اللقاءات، اوقفتها غير عابئة بانها قد تأكل علقة ساخنة تتمثل في مخالفة وقوف في مكان ممنوع.. وحتى عندما رات احد زعران المفتشين يقترب من سيارتها، تناست ما قد تتعرض اليه من مخالفة ساخنة.. تجاهلته وانطلقت تبحث عمن احبت عيناها عينيه وارتاح اليه قلبها. اقتربت من نافذة مطعم نيسان الراقي في بلدتها، غير مفكرة في اي موضوع اخر غير موضوع ذاك الحبوب الانجليزي. ارسلت نظرها عبر النافذة برقة ورغبة لتصطدم عيناها بصديقتها المنافسة تجلس الى ذاك الساحر الانجليزي، كانت تجلس قريبة منه وتكاد تلتصق به، ما اثار مخاوفها ترى هل تكون صديقتها المنافسة لها رقم واحد في محبة الاجانب والانجليز خاصة، قد سبقتها واقامت علاقة به؟.. الويل لها اذا كان هذا كله قد وقع في غفلة منها، والان ماذا عليها ان تفعل لتتأكد مما حطر لها ووقر في ذهنها المتعب المكدود؟ .. الان ما عليك الا ان تجلسي قريبا من طاولتهما.. بحيث ترينهما ولا يريانك.. لتستمعي الى ما يقوله احدهما للآخر.. فاذا كان حبا قد جمع بينهما خضت معركتك في الدفاع عن حبك الخديج. واذا كان مجرد لقاء عمل بين عاملين في مكتب واحد.. تجاهلت الامر.. وانضممت اليهما هما الاثنين لمواصلة نظرات ابتدأت وآن لها ان تتواصل.. فتطرح وردها واريجه.
تسللت اكرام الى مكان قريب من طاولتهما مستغلة انشغال ذلك الانجليزي الى صديقتها اللدودة منافستها في الحب والحياة، واتخذت مجلسها قريبا من موقع يمكنها من الاستماع اليها. اصاخت السمع لتسمع اسمها.. والصقت اذنها بالهواء الجاري من تلك الطاولة القريبة الى طاولتها.. كي لا تفوتها اية كلمة.. ولتسمع المكالمة الكارثية التالية:
صديقتها: اشعر انك استلطفت صديقتي اكرام.
الانجليزي: لا انكر هذا.. لقد بدت لي بجمالها الشرقي الاسمر ساحرة من الف ليلة وليلة.
صديقتها: الى هذا الحد اعجبت بها قبل ان تعرفها ويدور لسانك مع لسانها؟ اه.. لو تعرفها عن قرب.. هي لم تترك انجليزيا زائرا دون ان تحاول بناء علاقة به.
الانجليزي: تقصدين انني واحد من ارقام ونمر؟
صديقتها: افهم ما تريده وتراه مناسبا.. كل ما في الامر انني اردت ان انبهك.. كي لا تتورط معها.. امها حاولت بناء علاقة مع اجنبي زائر في البلدة وكادت تورطه بها.. فيهجر عائلته في باريس. هل انت جاد بعلاقتك معها؟
هنا تحفزت الوائلي للانقضاض على الطاولة مثل يمامة جريحة لتسألها ما دخلك انت بي.. الا ان صمت ذلك الانجليزي وعدم اجابته.. ردعاها ودفعاها لان تنسحب مؤجلة المواجهة الى وقتها المناسب وزمانها الملائم..
في المساء تجدد حلمها باللقاء بذلك الانجليزي الحبّوب.. امتطت صهوة سيارتها القديمة. توقفت قبالة المركز الانجليزي في راس الجبل.. قرب السيارة الجديدة لمن اختارته عيناها وانتقاه قلبها.. واندفعت الى الداخل.. عندما اقتربت من غرفته تصدت لها صديقتها:
-الى اين انت متوجهة؟
-دعيني ادخل.. لا شان لك انت بي.
ازاحتها من طريقها بقوة.. ودخلت غرفة محبوبها الانجليزي.. متعمدة ان تكون مثل نسمة طيبة او يمامة حنونة.. ففوجئت به يسالها من سمح لك بان تدخلي.. لا استطيع استقبالك الان.
عندها خرجت تبكي.. تلملم دموعها.. وتتذكر امها وفشلها مع ذلك الفرنسي.. الحبوب." ما اتعسني".. قالت لنفسها ومضت في شارع وحدتها..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى