ما أبدأ به هذه المقالة، هو التَّمييز بين علم علماء وفقهاء الدين والعلم الدنيوي.
لا أدري على ماذا اعتمد هؤلاء العلماء والفقهاء، وخصوصا، الحاليون منهم، حينما أطلقوا ويُطلقون على أنفسهم لقبَ "علماء". أما الفقيه، فهو فقيه الزمان الذي عاش فيه، ولا يمكن، على الإطلاق، أن ينصِّبَ نفسَه فقيهاُ لكل زمان ومكان. لماذا؟
لأنه، بكل بساطةٍ، الزمان والمكان، يتغيران. دون أن ننسى أن دمجَ الأول في الثاني أو الثاني في الأول يُساوي المجتمع. والمجتمع هو نتِيجةٌ للتفاعلِ القائمِ بين البشر و وسط العيش. ومَن الذي يغير المكان؟ بالطبع، يغيره المجتمع بعقوله البشرية التي لا تتوقَّف عن التفكير لإنتاج المعرفة التي هي أساسُ عمارة الأرض (المجتمعات). فمن المفروض أن الفقيهَ، كشخصٍ مرتبط بالمجتمع ويعيش داخلَه، يكون، على الأقل، قد عايش التَّغييرَ وشاهد حدوثَه. هذا إن لم يكن من المستفدين منه. ومن المفروض، كذلك، أن يُؤقلِمَ أفكاره الدينية وما يُصدره من أحكام مع هذا التَّغيير. إلى حد الآن، لم نشاهد عالِما أو فقيهاً غيَّر إنتاجَه الفكري الديني تمشيا مع التَّغيير الذي يحدث في المجتمع. ما يبرعان فيه العالِم والفقيه، هو التَّعامل مع التَّغيير بأعين الماضي.
ورجوعاً إلى لقب "عالِمٍ"، أثير الانتباهَ أنه، إذا كان إطلاقُه على بعض الأشخاص جائزاً في عهد الرسول (ص) وفي عهد الخلافة الراشدة، فهذا شيءٌ مفهومٌ ومقبول. لماذا؟
لأن صدى رسالة الإسلام التي نزل الوحي، من أجل نشرها، على النبي والرسول، محمد (ص)، كان هو الشُّغلُ الشاغل للناس. بمعنى أن الرسول والصحابة كانوا منشغلين بنشر رسالة الإسلام الحديثة العهد، طبقا لِما قاله، سبحانه وتعالى، في الآية رقم 7 من سورة الشورى : "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى، 7).
في هذه الآية الكريمة، أم القرى هي مكة. والملاحظ أن اللهَ، سبحانه وتعالى، لم يقدِّم لنا الرسول (ص) كبشيرٍ ونذيرٍ، كما هو الشأن في آياتٍ أخرى. بل قال "لِّتُنذِرَ"، أي لتقول للناس ما ينتظرهم من عقابٍ إن هم استمروا في كفرهم أو في شِركِهم أو في عاداتهم السيِّئة والمُخِلَّة بالأخلاق.
وهذا يعني أن الأمورَ الدينية المرتبطة برسالة الإسلام، كانت مهيمِنةً على الساحة، ولا شيءَ يشغل بالَ الناس (الرسول والصحابة) أكثر من نشرها، طِبقا لما قاله، سبحانه وتعالى، على لسان رسوله (ص) في الآية رقم 68 من سورة الأعراف : "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ".
وفي عهد الرسول والخلافة الراشدة، كانت العلوم، بالمفهوم الدنيوي، شبه منعدمة عند عرب الجاهلية. فكان من الطبيعي أن الناسَ (الصحابة) الذين يحفظون القرآن وأقوالَ الرسول (ص)، يُعتَبَرون علماء، لأن المجال المعرفي الوحيد، المُتاح لهم الإلمامُ به، آنذاك، ينحصر في الأمور الدينية. أن يُسَمَّون علماء، في عهد الرسول (ص) والخلافة الراشدة، هذا شيءٌ طبيعي ومنطقي.
أما أن يستمرَّ علماءُ وفقهاءُ الدين في الاحتفاظ بلَقَب "علماء"، فهذا شيءٌ يتنافى ويتناقض مع التَّطوُّر الذي عرفته المجتمعات البشرية ثقافياً، اجتماعياً واقتصادياً، علمياً وتكنولوجياً…، منذ الخلافتين، الأموية والعباسية، وبالأخص، في عصرنا الحاضر. وعلماء وفقهاء الدين يعترفون، اعترافاً صريحاً بهذا التَّطوُّر، بل ويُطبِّقون جوانب كثيرة منه في حياتهم اليومية. لكنهم، عندما يمَسُّ هذا التَّطوُّرُ، احتفاظَهم بلقب "علماء"، وما يترتَّب عنه من امتيازات، فإنهم يُنكِرونَه، بل عددٌ كبيرٌ منهم يُحرِّمون ما أنتجه من علوم وتكنولوجيا. لماذا هذا التَّحريم؟
لسببٍ بسيطٍ هو أن التَّطوُّر الذي حصل في مختلف العلوم الدنيوية وما أفرزته من تكنولوجيات، كان ولا يزال مُرتبِطاً بتطوُّر العقل البشري. بينما العلوم الدينة تتطلَّب التَّصديق، ولا يجوز تشغيلُ العقل في شأنها. لأن تشغيلَ العقل في الأمور الدينية قد يقود إلى الضلال والكُفر والانحراف عن الطريق المستقيم.
وعندما أتحدَّث عن "العلوم الدينية"، فالأمر يتعلَّق بما أنتجه علماء وفقهاء الدين من أفكارٍ ومعارف وكُتُب. وكل ما أنتجه ويُنتِجه العقل البشري من أفكار ومعارف، سواءً كان في المحال الديني أو في مختلف مجالات العلوم الدنيوية، فهو قابل للنقاش. غير أن علماء وفقهاء الدين لا يقبلون هذا النقاش. وحتى إذا قبلوه، فهذا القبول لا يعني المناظرة أو مقارعة الحُجِّة بالحُجَّة والدليل بالدليل. بل لمحاولة التفوُّق على الخصم الذي يعتبرونه عدوًّا وإجباره على الإيمان بما يؤمنون به. لماذا؟
لأن علماءَ وفقهاءَ الدين يعتبرون إنتاجهم الفكري أو ما أنتجوه من معارف دينية في مختلف المجالات كالفقه والأحكام الشرعية وتفاسير القرآن وعلم الجرح والتَّعديل وأصول الدين…، ثابت وغير قابل للنِّقاش.
وعندما يُنبِّهونهم التَّنوِيرِيون، بالدليل والبُرهان من القرآن الكريم، فإنهم يثورون ويُشهِرون حق الفيتو le veto في وجه هذا التَّنبيه. بل ويُشهِرون السُّنَّة النبوية والناسخ والمنسوخ والعنعنة والرِّوايات… وبالطبع، من حقُّهم الدفاعُ عن أفكارهم إلى أن يثبتَ أنهم على خطأ.
وإشهار حق الفيتُو الذي يستعمله علماء وفقهاء الدين هو، في الحقيقة، رفضٌ قطعي، وخصوصا، عندما يٌحاول التَّنويريون أن يبيِّنوا لهؤلاء العلماء والفقهاء، أنهم لا يستحقون لقب "عالم".
وإشهار الفيتو هو، كذلك، تعبيرٌ عن إنكار تشغيل العقل الذي مكَّن ويُمكِّن البشرَ من قَطعِ أشواطٍ هائلة في التَّطوُّر العلمي والتِّكنولوجي. بل، كما سبق الذكرُ، من بين علماء وفقهاء الدين مَن حرَّم كل ما أنتجه العقل البشري في نِطاق هذا التَّطوُّر. علما أن التَّحريم هو، فقط وحصريا، ما حرَّمه الله، سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم. وكل بشر يتجرَّأ ويُحرِّم ما لم يحرِّمه الله، عزَّ وحلَّ، فعملُه هذا يُعتَبَر شركٌ بالله.
لا أدري على ماذا اعتمد هؤلاء العلماء والفقهاء، وخصوصا، الحاليون منهم، حينما أطلقوا ويُطلقون على أنفسهم لقبَ "علماء". أما الفقيه، فهو فقيه الزمان الذي عاش فيه، ولا يمكن، على الإطلاق، أن ينصِّبَ نفسَه فقيهاُ لكل زمان ومكان. لماذا؟
لأنه، بكل بساطةٍ، الزمان والمكان، يتغيران. دون أن ننسى أن دمجَ الأول في الثاني أو الثاني في الأول يُساوي المجتمع. والمجتمع هو نتِيجةٌ للتفاعلِ القائمِ بين البشر و وسط العيش. ومَن الذي يغير المكان؟ بالطبع، يغيره المجتمع بعقوله البشرية التي لا تتوقَّف عن التفكير لإنتاج المعرفة التي هي أساسُ عمارة الأرض (المجتمعات). فمن المفروض أن الفقيهَ، كشخصٍ مرتبط بالمجتمع ويعيش داخلَه، يكون، على الأقل، قد عايش التَّغييرَ وشاهد حدوثَه. هذا إن لم يكن من المستفدين منه. ومن المفروض، كذلك، أن يُؤقلِمَ أفكاره الدينية وما يُصدره من أحكام مع هذا التَّغيير. إلى حد الآن، لم نشاهد عالِما أو فقيهاً غيَّر إنتاجَه الفكري الديني تمشيا مع التَّغيير الذي يحدث في المجتمع. ما يبرعان فيه العالِم والفقيه، هو التَّعامل مع التَّغيير بأعين الماضي.
ورجوعاً إلى لقب "عالِمٍ"، أثير الانتباهَ أنه، إذا كان إطلاقُه على بعض الأشخاص جائزاً في عهد الرسول (ص) وفي عهد الخلافة الراشدة، فهذا شيءٌ مفهومٌ ومقبول. لماذا؟
لأن صدى رسالة الإسلام التي نزل الوحي، من أجل نشرها، على النبي والرسول، محمد (ص)، كان هو الشُّغلُ الشاغل للناس. بمعنى أن الرسول والصحابة كانوا منشغلين بنشر رسالة الإسلام الحديثة العهد، طبقا لِما قاله، سبحانه وتعالى، في الآية رقم 7 من سورة الشورى : "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى، 7).
في هذه الآية الكريمة، أم القرى هي مكة. والملاحظ أن اللهَ، سبحانه وتعالى، لم يقدِّم لنا الرسول (ص) كبشيرٍ ونذيرٍ، كما هو الشأن في آياتٍ أخرى. بل قال "لِّتُنذِرَ"، أي لتقول للناس ما ينتظرهم من عقابٍ إن هم استمروا في كفرهم أو في شِركِهم أو في عاداتهم السيِّئة والمُخِلَّة بالأخلاق.
وهذا يعني أن الأمورَ الدينية المرتبطة برسالة الإسلام، كانت مهيمِنةً على الساحة، ولا شيءَ يشغل بالَ الناس (الرسول والصحابة) أكثر من نشرها، طِبقا لما قاله، سبحانه وتعالى، على لسان رسوله (ص) في الآية رقم 68 من سورة الأعراف : "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ".
وفي عهد الرسول والخلافة الراشدة، كانت العلوم، بالمفهوم الدنيوي، شبه منعدمة عند عرب الجاهلية. فكان من الطبيعي أن الناسَ (الصحابة) الذين يحفظون القرآن وأقوالَ الرسول (ص)، يُعتَبَرون علماء، لأن المجال المعرفي الوحيد، المُتاح لهم الإلمامُ به، آنذاك، ينحصر في الأمور الدينية. أن يُسَمَّون علماء، في عهد الرسول (ص) والخلافة الراشدة، هذا شيءٌ طبيعي ومنطقي.
أما أن يستمرَّ علماءُ وفقهاءُ الدين في الاحتفاظ بلَقَب "علماء"، فهذا شيءٌ يتنافى ويتناقض مع التَّطوُّر الذي عرفته المجتمعات البشرية ثقافياً، اجتماعياً واقتصادياً، علمياً وتكنولوجياً…، منذ الخلافتين، الأموية والعباسية، وبالأخص، في عصرنا الحاضر. وعلماء وفقهاء الدين يعترفون، اعترافاً صريحاً بهذا التَّطوُّر، بل ويُطبِّقون جوانب كثيرة منه في حياتهم اليومية. لكنهم، عندما يمَسُّ هذا التَّطوُّرُ، احتفاظَهم بلقب "علماء"، وما يترتَّب عنه من امتيازات، فإنهم يُنكِرونَه، بل عددٌ كبيرٌ منهم يُحرِّمون ما أنتجه من علوم وتكنولوجيا. لماذا هذا التَّحريم؟
لسببٍ بسيطٍ هو أن التَّطوُّر الذي حصل في مختلف العلوم الدنيوية وما أفرزته من تكنولوجيات، كان ولا يزال مُرتبِطاً بتطوُّر العقل البشري. بينما العلوم الدينة تتطلَّب التَّصديق، ولا يجوز تشغيلُ العقل في شأنها. لأن تشغيلَ العقل في الأمور الدينية قد يقود إلى الضلال والكُفر والانحراف عن الطريق المستقيم.
وعندما أتحدَّث عن "العلوم الدينية"، فالأمر يتعلَّق بما أنتجه علماء وفقهاء الدين من أفكارٍ ومعارف وكُتُب. وكل ما أنتجه ويُنتِجه العقل البشري من أفكار ومعارف، سواءً كان في المحال الديني أو في مختلف مجالات العلوم الدنيوية، فهو قابل للنقاش. غير أن علماء وفقهاء الدين لا يقبلون هذا النقاش. وحتى إذا قبلوه، فهذا القبول لا يعني المناظرة أو مقارعة الحُجِّة بالحُجَّة والدليل بالدليل. بل لمحاولة التفوُّق على الخصم الذي يعتبرونه عدوًّا وإجباره على الإيمان بما يؤمنون به. لماذا؟
لأن علماءَ وفقهاءَ الدين يعتبرون إنتاجهم الفكري أو ما أنتجوه من معارف دينية في مختلف المجالات كالفقه والأحكام الشرعية وتفاسير القرآن وعلم الجرح والتَّعديل وأصول الدين…، ثابت وغير قابل للنِّقاش.
وعندما يُنبِّهونهم التَّنوِيرِيون، بالدليل والبُرهان من القرآن الكريم، فإنهم يثورون ويُشهِرون حق الفيتو le veto في وجه هذا التَّنبيه. بل ويُشهِرون السُّنَّة النبوية والناسخ والمنسوخ والعنعنة والرِّوايات… وبالطبع، من حقُّهم الدفاعُ عن أفكارهم إلى أن يثبتَ أنهم على خطأ.
وإشهار حق الفيتُو الذي يستعمله علماء وفقهاء الدين هو، في الحقيقة، رفضٌ قطعي، وخصوصا، عندما يٌحاول التَّنويريون أن يبيِّنوا لهؤلاء العلماء والفقهاء، أنهم لا يستحقون لقب "عالم".
وإشهار الفيتو هو، كذلك، تعبيرٌ عن إنكار تشغيل العقل الذي مكَّن ويُمكِّن البشرَ من قَطعِ أشواطٍ هائلة في التَّطوُّر العلمي والتِّكنولوجي. بل، كما سبق الذكرُ، من بين علماء وفقهاء الدين مَن حرَّم كل ما أنتجه العقل البشري في نِطاق هذا التَّطوُّر. علما أن التَّحريم هو، فقط وحصريا، ما حرَّمه الله، سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم. وكل بشر يتجرَّأ ويُحرِّم ما لم يحرِّمه الله، عزَّ وحلَّ، فعملُه هذا يُعتَبَر شركٌ بالله.