د. عبدالجبار بهم - المفوض القضائي والنجاعة القضائية (11ـــ20)

حادي عشر- المفوض القضائي والمحاضر الوصفية
منطوق القرار:
- القرار رقم 1/69.
- مؤرخ في 18 فبراير 2016.
- ملف تجاري عدد: 2015/1/3/318.
"تقدير قيام أفعال التزييف من عدمها يعد من مسائل الواقع الذي تستقل بنظره محكمة الموضوع ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يتعلق بالتعليل، والمحكمة لما ثبت لها من محضر الحجز الوصفي المنجز من طرف المفوض القضائي بناء على أمر رئيس المحكمة وجود تطابق تام بين السوار المدعى فيه التزييف والسوار الأصلي المملوك للمطلوبة، اعتبرت أن واقعة التزييف ثابتة لما لمحضر الحجز الوصف من حجية في الإثبات، وألغت الحكم الابتدائي فيما انتهى إليه، تكون بنت قضاءها على علل كافية ومستساغة قانونا، ومن تم لم يكن هناك ما يدعوها لإجراء خبرة للتأكد من فعل التزييف، طالما أغنتها وثائق الملف عن ذلك" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 59 - 60 - 61 ).
المستفاد من القرار:
- أهمية محضر الحجز الوصفي في الإثبات تبرز في إعفاء المحكمة من اللجوء إلى مسطرة التحقيق عن طريق الخبرة، بما أن الخبرة تتطلب زمنا غير يسير، فقد تم تجاوزها تلافيا لهدر الزمن القضائي، إذن هناك نجاعة قضائية، وهذه النجاعة استمدت وجودها من قوة المحضر الوصفي المعتمد في القرار.
- الوصف المضمن بالمحضر هنا تم تعزيزه بعينات حجز عليها المفوض القضائي بمقتضى الأمر بالحجز الوصفي، فأصبحت من بين وثائق الملف المعتمدة في الإثبات، الشيء الذي يدفعنا إلى ملاحظة أن الوصف ينبغي تأكيده بالحجج وحتى بالقرائن للحصول على ثقة القضاء وبالتالي استخلاص قناعته في تحقيق العدالة.
- جاء في حيثيات القرار ما يلي:"حيث تنعى الطاعنة على القرار خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف بسبب خرقه الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية، بدعوى أن الحكم الابتدائي في تعليلاته ذهب إلى :"أن المحكمة باطلاعها على عينة السوار رقم ( ...) المدعى تزييفه، فإنها وقفت على وجود اختلافات كثيرة بينه وبين العينة التي تقوم المدعى عليها بترويجها، سواء من حيث الشكل أو الحجم أو السمك، وأن هذه الاختلافات ظاهرة.."، بينما ذهب القرار الاستئنافي إلى خلاف ذلك من خلال ما أورده من: "أن المحكمة برجوعها للعينات المرفقة بالمحضر المدلى به في الملف، ثبت لها جليا مدى التطابق التام بين النموذج المسجل من طرف المستأنفة وذلك الذي تعرضه المستأنف عليها للبيع بحسب الوصف الوارد في محضر الحجز الوصفي المذكور"، وأمام هذا التناقض بين ما انتهى إليه الحكم الابتدائي والقرار المطعون فيه فقد كان لازما الاحتكام لخبرة من طرف خبراء مختصين للتأكد من حقيقة ما تم الاختلاف بشأنه. والمحكمة مصدرة القرار بعدم قيامها بذلك تكون قد خرقت الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية مما يتعين نقضه.
لكن، حيث إن تقدير قيام أفعال التزييف من عدمها يعد من مسائل الواقع الذي تستقل بنظره محكمة الموضوع ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يتعلق بالتعليل، وهي لما ثبت لديها وجود تطابق تام بين السوار المدعى فيه التزييف والسوار الأصلي المملوك للمطلوبة، اعتبرت أن واقعة التزييف فيه ثابتة، وألغت الحكم الابتدائي فيما انتهى إليه، مستندة في ذلك إلى تعليل غير منتقد جاء فيه؛ "أن الثابت من محضر الحجز الوصفي المنجز من طرف المفوض القضائي بتاريخ 2011/06/29 بناء على أمر رئيس المحكمة عدد 2011/16138 أنه تم ضبط بحوزة المستأنف عليها وفي مصنعها الكائن بالطريق الثلاثية (...) المنطقة الصناعية (...) بغرض البيع، سوارا يحمل نفس مواصفات سوار المستأنفة من حيث إنه عبارة عن سلسلة لليد يتوسطها لوح من الذهب مستطيل الحجم ومقوس من ضلعيه الجانبيين، وضعت بداخله ثلاث حجرات لامعة تتحرك داخل المستطيل بفضل وضع سكة مقعرة في جسم اللوحة، تسمح بالتحرك السهل للحجرات المذكورة عند تحريك السوار داخل اليد، والمحكمة برجوعها إلى العينات المرفقة المدلى بها في الملف، ثبت لها جليا مدى التطابق التام بين النموذج المسجل من طرف المستأنفة وذلك الذي تعرضه المستأنف عليها للبيع، بحسب الوصف الوارد في محضر الحجز الوصفي المذكور، الذي له الحجية في إثبات واقعة التزييف..."، تكون بذلك قد استعملت سلطتها التقديرية الواسعة في هذا المجال المخول لها قانونا في تقصي مدى توفر عناصر الفعل المدعى فيه من عدمه، وبانية قضاءها على علل كافية ومستساغة، ومن تم لم يكن هناك ما يدعوها لإجراء خبرة للتأكد من فعل التزييف، طالما أغنتها وثائق الملف عن ذلك، وبذلك لم يخرق قرارها أي مقتضى والوسيلة على غير أساس".
- الجانب الهام في هذا القرار أنه لم يكتف باعتبار المحضر الوصفي الذي أنجزه المفوض القضائي ومرفقاته من وثائق الملف الأساسية فحسب، وإنما ساير طريقته في الوصف والبيان، الشيء الذي يصح معه القول بأن المحاضر الناجحة في الوصول إلى تحقيق فلسفة النجاعة القضائية، هي المحاضر التي تتوخى أقصى درجات الضبط والتدقيق والإقناع، علاوة على التزامها باحترام الشكليات القانونية اللازمة.
( يتبع ).

***

ثاني عشر- المفوض القضائي وتناقض وسائل الإثبات

منطوق القرار:
- القرار رقم 2/273.
- مؤرخ في 2 يونيو 2016.
- ملف تجاري رقم: 2014/2/3/968.
"بالرجوع إلى محضر تبليغ الإنذار المنجز من لدن المفوض القضائي، يلاحظ أنه تضمن أن هذا الأخير عرض على الطالب الإنذار لكنه رفض تسلمه، في حين أن شهادة التسليم المتعلقة بتبليغ الإنذار المؤرخ بنفس تاريخ المحضر تشير إلى تسلم الطالب للإنذار ورفضه التوقيع على شهادة التسليم، والمحكمة لما اعتبرت أن ماورد بمحضر التبليغ يتماشى مع ما هو محدد بشهادة التسليم من كون الطالب رفض التوقيع وكذا التسليم، مع أن شهادة التسليم تتضمن خلاف ما ذكر إذ تشير إلى تسلم الطالب للإنذار ورفضه التوقيع على شهادة التسليم، وهو ما يخالف ما ضمن بمحضر التبليغ المنجز من لدن المفوض القضائي القائم بالتبليغ بأنه رفض تسلم الإنذار دون أن تتحقق من ذلك، رغم تمسك الطالب بوجود التناقض بين الوثيقتين فجاء قرارها فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 74 ).
المستفاد من القرار:
- محضر المفوض القضائي وشهادة التسليم من أهم وسائل الإثبات التي يسهر المفوض على إعدادها، بل إن شواهد التسليم والمحاضر من بين أهم المراجع التي يعتمدها القاضي في تكوين قناعته بصحة الإجراءات وسلامتها. وليس من المستساغ أن يحدث المشرع مؤسسة المفوض القضائي لمساعدة القضاء في حل مشاكل التبليغ والتنفيذ، ليفاجأ بها تنتج مشاكل إضافية من قبيل التناقض في وسائل الإثبات.
- الطاعن بالنقض ينعى على القرار الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي بالإفراغ بعد إنذار بقي دون جدوى، أنهما - الحكم والقرار - جاءا موسومين بخرق القانون وخرق حقوق الدفاع مع نقصان التعليل الموازي لانعدامه.
وما يهمنا في هذه النازلة هو نقصان التعليل الموازي لانعدامه الذي تذرع به الطاعن نظرا لاتصاله بمداخلتنا، خصوصا من حيث الطعن في التبلبغ بسبب التناقض الحاصل بين محضر التبليغ وشهادة التسليم المنجزين من طرف المفوض القضائي، "إذ أن المحضر ينص على أن الطالب رفض تسلم الإنذار وشهادة التسليم تتضمن أنه رفض التوقيع، وأن المحكمة لم تجر أي بحث للوقوف على الحقيقة" ( نفس المرجع / ص 75 ).
محكمة النقض من جهتها أيدت هذا الطعن بفساد التعليل المنزل منزلة انعدامه، "ذلك أنه بالرجوع إلى محضر تبليغ الإنذار المنجز من لدن المفوض القضائي بتاريخ 16/ 02/ 2012 فإنه تضمن أن هذا الأخير انتقل إلى العنوان الموجه إليه الإنذار ووجد الطاعن شخصيا حسب ذكره وأطلعه على صفته وموضوع مهمته وعرض عليه الإنذار لكنه رفض تسلمه، في حين أن شهادة التسليم المتعلقة بتبليغ الإنذار المؤرخ بنفس تاريخ المحضر تشير إلى تسلم الطاعن للإنذار ورفضه التوقيع على شهادة التسليم..، فجاء قرارها فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه وعرضة للنقض" نفس المرجع / ص 75 ).
- المشكل - إذن- يكمن في التناقض بين بيانين جوهريين من بيانات شهادة التسليم ومحضر التبليغ، وهما بيان: ( تسلم الإنذار ورفض التوقيع على شهادة التسليم ) حسب شهادة التسليم، وبيان: ( رفض تسلم الإنذار ) حسب المحضر، وكلاهما ممتنع عن الدمج والتوفيق.
وإزاء هذا الوضع كان على المحكمة أن تعمق البحث والتحقيق، ولما لم تفعل صدر قرارها معيبا بعد أن عبرت القضية مختلف درجات التقاضي، وسيضطر المدعي بعد هذه الرحلة الطويلة إلى إعادة المسطرة من البداية وكأن شيئا لم يكن، وليس هذا من النجاعة القضائية في شيء..
- يلاحظ أن القضاء يساوي بين شهادة التسليم ومحضر التبليغ من حيث الحجية وقوة الإثبات، وأي تناقض بينهما يبطلهما معا وكأنه تناقض داخلي؛ أي داخل وثيقة واحدة، فكيف يمكن تصور وجود شهادة التسليم ومحضر التبليغ معا في إثبات واقعة واحدة للتبليغ؟.
- الإنذار المرفق بشهادة التسليم هو الإنذار الموجه بناء على أمر صادر عن رئيس المحكمة أو من ينوب عنه في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية. وعكسه الإنذار الذي يبلغه المفوض القضائي بناء على طلب مباشر من المعني بالأمر، فهذا الأخير لا يرفق بشهادة التسليم؛ ذلك لأن هذه الشهادة وثيقة نظامية لا يجوز استعمالها في تبليغ الإنذارات المباشرة، وبالتالي فالمفوض القضائي - في هذه الحالة - لا يسعه أن يثبت واقعة التبليغ إلا بواسطة "محضر تبليغ إنذار".
- عندما يتم تبليغ الإنذار بناء على أمر رئاسي، يمكن للطرف أن يطلب من المفوض القضائي تسليمه محضرا بشأن واقعة التبليغ التي نفذها، وفي هذه الحالة يصح القول بأن إثبات التبليغ تم بالوسيلتين معا:
> تم بشهادة التسليم ( وهي التي صدرت عن كتابة ضبط المحكمة مرفقة بغلاف التبليغ ونسخة الأمر الرئاسي ).
> وتم بمحضر المفوض القضائي ( الذي طلبه الطرف المعني بالأمر ).
ويشترط في هذه الحالة أن يكون المفوض القضائي الذي قام بتحرير المحضر والتوقيع عليه، هو نفسه الذي قام بتعبئة شهادة التسليم والتوقيع عليها، أو التأشير عليها عند قيام كاتبه المحلف بعملية التبليغ ( المادة 44 من القانون رقم 03.81 المنظم لمهنة المفوض القضائي )
- يفهم من النازلة موضوع القرار الذي بين أيدينا أن عملية التبليغ قد تنطوي على صورتين كلاهما قانونيتين؛
> الصورة الأولى: قد يستند التبليغ إلى طلب مباشر يتقدم به إلى المفوض القضائي ذو مصلحة تحت عهدته ومسؤوليته، وبعد القيام بالتبليغ يلجأ المفوض إلى إثبات التبليغ بالوسيلة الوحيدة لديه في الإثبات وهي المحضر التبليغي.
وفي هذه الحالة ينحصر إثبات واقعة التبليغ على محضر التبليغ فقط، الذي يتعين على المفوض القضائي تحريره في ثلاثة نظائر طبقا للمادة 18 القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، حيث يسلم الطالب نظيرا ويحتفظ بالباقي طالما أن الإجراء تم بمعزل عن كتابة الضبط، ولا يمكنه تلمس نموذج لشهادة التسليم من كتابة الضبط، كما لا يمكن للمحكمة إلزام المفوض القضائي باعتماد شهادة التسليم النظامية في الإجراءات التي ينهض بها مباشرة لفائدة الأغيار.
> الصورة الثانية: وقد يستند التبليغ إلى إجراء قررته المحكمة أو صدر بشأنه أمر رئاسي أو نحو ذلك، بمعنى أن التبليغ الذي طلب من المفوض القضائي إنجازه صادر من كتابة الضبط، في هذه الحالة يكون الإجراء مرفقا بشهادة التسليم التي هي نموذج نظامي يشتغل عليها المفوض كوثيقة رسمية لإثبات قيامه بالمطلوب ثم يرجعها إلى كتابة الضبط، ويمكنه - والحالة هاته - أن يحرر علاوة ذلك محضرا تبليغيا متى رغب فيه طالب الإجراء، شريطة أن يتضمن هذا المحضر نفس بيانات التبليغ المضمنة بشهادة التسليم دون أدنى تباين أو تناقض أو اختلاف بينهما، وعندئذ يكون كلاهما؛ شهادة التسليم والمحضر التبليغي وسيلتي إثبات لواقعة التبليغ الواحدة، وكل تناقض بين الوثيقتين يعرض الإجراء للبطلان.
- لا يجوز للمحكمة إلزام الأطراف بحصر إثبات واقعة التبليغ في شهادة التسليم فقط، خاصة وأن المحضر الذي يحرره المفوض القضائي، يعتبر وسيلة الإثبات الوحيدة المعتمدة لديه في الاستدلال على إنجاز المهام المطلوبة منه، وخاصة المهام التي ينفذها بناء على طلبات مباشرة.
يؤيد هذا الفهم قرار محكمة النقض رقم491 المؤرخ في31 مارس2011 والصادر في الملف التجاري عدد 2010/2/3/280، والذي ورد فيه ما يلي: "يعتبر المفوض القضائي مؤهلا قانونا للقيام بعمليات التبليغ، والتي تنجز حسب ما هو منصوص عليه في ثلاث أصول يسلم الأول منها إلى المعني بالأمر، ويودع الثاني بملف المحكمة، ويحتفظ المفوض بالثالث بمكتبه، والقرار المطعون فيه لما أوجب لصحة عملية التبليغ إنجاز شهادة التسليم باعتبار أنها وحدها المعتبرة لصحته، وأن ما دون من طرف المفوض القضائي في محضر التبليغ لا يعتبر مثبتا له يكون قد خرق المادتين 15 و 18 من القانون رقم 03.81 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين" ( مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، ص 124 ).
وعليه، فكل رأي فقهي أو قضائي يسير عكس هذا الاتجاه يخرق صراحة "القانون المتمثل في الفصلين 418 و 419 من قانون الالتزامات والعقود، والمادتين 15 و 18 من القانون رقم 03.81 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، ذلك أن الأعمال التي يقوم بها المفوض القضائي في إطار ممارسته لمهنته تكتسب صبغة رسمية مما يجعلها قطعية الدلالة عملا بالفصل 419 من قانون الالتزامات والعقود، وبإلقاء نظرة على المحضر المنجز من طرف العون القضائي ( المقصود المفوض ) يتبين أنه تضمن كل البيانات التي حرص المشرع على تضمينها بشهادة التسليم سواء المتعلقة بالمتسلمين أو تاريخ التسليم أو توقيع المتسلم من عدمه وهو بمثابة شهادة التسليم، وما اتجه إليه القرار للقول ببطلان تبليغ الإنذار لعدم الإدلاء بشهادة التسليم يشكل خرقا للمقتضيات المشار إليها أعلاه" ( نفس المرجع، ص 125 ).
- البيانات الأساسية التي يجب تضمينها في شهادة التسليم ومحضر التبليغ هي؛
- اسم القائم بالتبليغ.
- اسم المبلغ إليه.
- اسم المتسلم المعني بالأمر شخصيا أو من له الصفة.
- عنوان المبلغ إليه.
- العنوان الذي تم فيه التبليغ للمتسلم.
- تاريخ التبليغ إلى المتسلم.
- توقيع المبلغ والمبلغ إليه المتسلم، مع ضرورة الإشارة إلى كون المبلغ إليه تسلم ووقع، أو تسلم ورفض التوقيع أو رفض التسلم والتوقيع معا أو تسلم وعجز عن التوقيع.
- طابع المفوض القضائي.
يتوفر طالب الإجراء في هذه الحالة على وسيلتين لاثبات التبليغ هما؛ شهادة التسليم ومحضر التبليغ وكلاهما وثيقتان رسميتان لا يطعن فيهما إلا بالزور.
( يتبع ).

***

ثالث عشر- محاضر المفوضين القضائيين وصناعة الحجج

منطوق القرار:
- القرار رقم: 67.
- مؤرخ في 10 يناير 2013.
- ملف اجتماعي رقم: 1054/ 5/ 2/ 2012.
"بموجب المادة 63 من مدونة الشغل يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول لفصل الأجير، والمشغل ادعى ارتكاب الأجير خطأ جسيما في حقه متمثلا في السب مما يوجب عليه إثباته، وذلك لا يتحقق بمجرد شهادة بإثبات حال صادرة عن مفوض قضائي انتدب من طرفه لإثبات الخطأ; إذ الشهادة المعتد بها قانونا هي المدلى بها بمجلس القضاء وهو ما لم يتم، فتكون المحكمة لما اعتمدت للقول بثبوت الخطأ الجسيم في حق الأجير على محضر إثبات حال شهد فيه محرره بأنه سمعه يعتذر عما صدر منه من سب في حق المشغل، قد أخذت بحجة غير جديرة بالاعتبار في إثبات الخطأ ولم تجعل لما انتهت إليه سندا قانونيا وعرضت قرارها للنقض" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 187 ).
المستفاد من القرار:
- تبعا للقاعدة الأصولية القاضية بأن "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"، تندرج مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 63 من مدونة الشغل التي تنص على أن عبء إثبات مبرر مقبول لفصل الأجير يقع على عاتق المشغل، فهل اللجوء إلى خدمات المفوض القضائي بهدف إثبات وقائع معينة يدخل في إعداد الحجج الجائز عقلا وقانونا أم يدخل في صناعتها لأهداف غير مشروعة؟.
- ينعى الطاعن على القرار الاستئنافي خرقه الجوهري للقانون، لكونه أيد الحكم الابتدائي مع أنه "استند إلى محضر أنجز من طرف مفوض قضائي ودون أمر قضائي، فهو من صنع المطلوب ويظل مجرد وثيقة عادية لا ترقى إلى مستوى الحجة القانونية ويتعين استبعاده، فالخطأ غير ثابت إن بحكم قضائي أو حتى بشكاية أو محضر للشرطة كما يستلزم القانون مادام الأمر يتعلق بالسب والقذف"( نفس المرجع / ص 188 ).
- اختصاص المفوض القضائي المتمثل في تحرير محاضر المعاينات المجردة من كل رأي، من أهم الخدمات التي وضعها المشرع رهن إشارة العموم، بل وقرر زيادة على ذلك إمكانية أن تكون هذه الخدمة بناء على طلب مباشر ضمانا لسرعتها ونفاذها في رصد الوقائع والأحوال والأحداث وإثباتها بموجب وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور.
بيد أن هذا الاختصاص الذي أوكل المشرع للمفوض القصائي القيام به رهنه بشروط جوهرية أهمها:
> أن يكون الإجراء المطلوب غير مصرح قانونا بإسناده لجهة أخرى، سواء كانت هذه الجهة عامة أو خاصة.
> أن لا ينطوي الإجراء على تواطؤ أو اصطناع لحقائق وهمية يستهدف منها المس بحقوق الأغيار.
- طلب المشغل من مفوض قضائي إثبات واقعة السب، هو من قبيل السيناريوهات السينمائية، إذ المفروض أن محضر إثبات حال ينصب على وقائع وأوضاع غير مفبركة، والقضاء انتبه إلى هذه المسألة فرفضها.
- واهم من يعتقد أن بإمكانه صناعة الحجة بتسخير مفوض قضائي لإنجاز محضر قد يكون مشبوها أو غير قانوني، أو يكون الهدف منه تكوين ذاكرة مغشوشة لملف يعرض على القضاء مستقبلا للمس بحقوق الناس.
- اللجوء إلى المفوض القضائي لتحرير محضر باثبات حال يؤطره معيار قانوني دقيق؛ فحين نتكلم عن انعقاد الاختصاص للمفوض القضائي لا نقصد بذلك أن المشرع بين على سبيل المثال أو الحصر الحالات التي يمكن له التدخل فيها للإثبات بموجب محضر معاينة، فهذا من سابع المستحيلات، وإنما نقصد أن سند اختصاص المفوض في القيام بالمعاينات هو المادة 15 من القانون رقم 03.81، وتبقى الحالات التي يمكن للمفوض القضائي القيام فيها بهذا الاختصاص هي حالات عدم وجود نص صريح يسند إجراء المعاينة لجهة أخرى؛ إذ لا يجوز للمفوض تحرير محضر لمعاينة هي من اختصاص القضاء ( الفصل 69 وما يليه من قانون المسطرة المدنية )، ولا يجوز له القيام بالمعاينات التقنية والفنية والعلمية التي هي من اختصاص الخبير ( الفصل 59 وما يليه من قانون المسطرة المدنية )، ولا يجوز له تحرير محاضر الجلسات التي هي من اختصاص كاتب الضبط ( الفصل51 من قانون المسطرة المدنية )، ولا يجوز له تحرير المحاضر التي يحررها ضباط الشرطة القضائية ( طبقا للمواد 289 و 290 و 291 من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية )، ولا يجوز له تحرير محضر معاينة الغش في البناء التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو للعامل أو للإدارة المخولة لهم ذلك ( المادة 65 من القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء المغيير والمتمم لأحكام القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير )، ولا يجوز له تحرير محضر الاستماع الذي تحرره إدارة المقاولة ( المادة 62 من مدونة الشغل )، ولا يجوز القيام بإجراء المعاينات التي يقوم بها المقررون والباحثون التابعون لمجلس المنافسة وموظفو الإدارة المؤهلون وأعوان هيأة مراقبي الأسعار ( المواد 68 و 69 و 70 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمناقشة )، وقس على ذلك محاضر الجمركيين والدركيين وشرطة تنظيم السير والجولان.. إلخ.
- محضر المفوض القضائي هو وثيقة إثبات وليس وثيقة إشهاد، وحين يستعجل أحد المرتفقين راغبا في إثبات حالة معينة، ويلجأ إلى المفوض طالبا الحصول على محضر معاينة، ويتبين للمفوض أن الأمر تخالطه شبهة عدم الاختصاص أو يحوم حوله الارتياب،فعليه توجيه الطالب إلى القضاء الولائي لتجنب الوقوع في المحظور، وتلافي عرقلة انسابية الإجراءات والتسبب في فسادها عوض المساهمة في نجاعتها.
- يستفاد من نازلتنا موضوع المداخلة أن محاضر المعاينات، التي يحررها المفوض القضائي بناء على انتداب قضائي، تكون أقوى في الحجية والإثبات من المحاضر التي يحررها بناء على انتداب مباشر من طرف ذوي المصلحة؛ ذلك أنه بالرغم من أن المحضريين معا قانونيين ومؤطرين بالمادة 15 من القانون رقم 03.81 كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن المحضر المنجز بناء على أمر ولائي تحفه ضمانات قضائية وتحيطه بهالة من المهابة والاعتبار.
( يتبع )

***

رابع عشر - اختيارات المفوض القضائي الناجحة تحقق النجاعة القضائية.
منطوق القرار:
- القرار رقم: 1/394.
- مؤرخ في 27 شتنبر 2016.
- ملف مدني رقم: 3986/ 1/ 1/ 2015.
" المحكمة لما قضت بالتعويض عن تصفية الغرامة التهديدية المحكوم بها بسبب الامتناع عن التنفيذ، اعتمدت محضر الامتناع المنجز من قبل المفوض القضائي في الملف التنفيذي، الذي صرح فيه أحد الورثة للمفوض القضائي أنه ينوب عن الباقين وضرب له هذا الأخير أجلا مدته 15 يوما فلم يحضر، وأن المحضر المذكور يبقى حجة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، وأن المحكمة اعتمدته بالأساس فيما يثبته من امتناع المحكوم عليهم عن لتنفيذ" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 17 ).
المستفاد من القرار:
- موضوع هذه النازلة يرتبط بمسألة هامة لها اتصال بمحضر امتناع حرره مفوض قضائي بمناسبة تنفيذه لحكم يقضي بالقيام بعمل ( إتمام إجراءات البيع )؛ ووفق مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية، عندما يخبر المفوض القضائي رئيس المحكمة بواقعة الامتناع يحكم هذا الأخير بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها، كما يمكن للمحكوم له أن يطالب علاوة على ذلك بحقه في التعويض، وهو ما تم بالفعل واستجابت له المحكمة ابتدائيا وأيدته محكمة الاستئناف بعد التعديل.
- الطاعنون نعوا على القرار الاستئنافي انعدام التعليل وانعدام الأساس القانوني، وما يهمنا في دفوعهم هو الدفع بعدم قانونية المحضر، فحسب ادعائهم أنهم لم يمتنعوا عن التنفيذ، وأن هناك استحالة واقعية وقانونية لم تؤخذ بعين الاعتبار طيلة مراحل التقاضي، "كما أن محضر الامتناع حرر بتاريخ 12/ 05/ 2011، وهو تاريخ سابق على صيرورة الحكم القاضي بإتمام البيع نهائيا..، وهو ما يجعل طلب تصفية الغرامة التهديدية سابقا لأوانه. وزيادة على ذلك فإن المطلوبين لم يثبوا للمحكمة كونهم أصروا على عدم التنفيذ، لأنه ليس في محضر التنفيذ ما يفيد تردد مأمور إجراءات التنفيذ عليهم لأكثر من مرة، بل تضمن فقط أن الطاعن ( محمد ) صرح للمفوض القضائي أنه ينوب عن الورثة وأن هذا الأخير ضرب له أجل 15 يوما فلم يحضر، وهو محضر باطل في غياب ما يفيد نيابة ( محمد ) عن باقي الطاعنين وفي غياب ما يفيد توصلهم جميعا بالإشعار بالتنفيذ، وأن ما بني على باطل فهو باطل" ( نفس المرجع / 18 ).
- محكمة النقض ردت بأن صعوبة التنفيذ لا تكون بفعل المحكوم عليه المتماطل، وليس في مستندات الملف ما يثبت إثارة الصعوبة أصلا، وذهبت إلى أنه كان بالإمكان إثارة هذه الاستحالة قبل أن يتم تحقيق الدعوى، وقبل انقضاء آجال الردود وصدور الأمر بالتخلي بعد صيرورة الملف جاهزا ( الفصل 335 من قانون المسطرة المدنية ). كما أن المحكمة اعتمدت محضر الامتناع المنجز من قبل المفوض القضائي الذي تضمن بيان اسم المبلغ بالإعذار وتصريحه بأنه نائب عن بقية المحكوم عليهم وطلب أجلا لكنه لم يحترمه، وأن هذا المحضر حجة رسمية لا يطعن فيه إلا بالزور، خاصة وأنه أثبت إصرار المحكوم عليهم وامتناعهم عن التنفيذ.
- الامتناع عن التنفيذ قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا؛ الامتناع الصريح يحرر بشأنه المفوض القضائي محضر امتناع بنقل عبارات الرفض أو الامتناع دون جهد أو عناء، والامتناع الضمني يكشف عنه المفوض القصائي من خلال الوقائع الجانبية وتصرفات المنفذ عليه التي تعقب الإعذار بالتنفيذ، وهنا تبرز أهمية شعور المفوض القضائي بمسؤوليته في تحقيق النجاعة القضائية، عن طريق بدل المزيد من الجهد والاجتهاد لبيان مظاهر الامتناع وأماراته.
- من المعلوم أن الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية يقضي بأن يبلغ المفوض القضائي - داخل أجل 10 أيام من تسلم الملف التنفيذي - الحكم المكلف بتنفيذه إلى المنفذ عليه، ويعذره بأن يفي بمقتضاه حالا أو يعرفه بنواياه، وإذا طلب المنفذ عليه أجلا أخبر المفوض رئيس المحكمة الذي يأمر بحجز أموال المدين تحفظيا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة على حقوق طالب التنفيذ، لكن إذا رفض المدين الوفاء أو صرح بعجزه عن ذلك، اتخذ المفوض القضائي الإجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ.
- الفصل 440 أعلاه يكاد يتطابق والمادة 16 من القانون رقم 03.81 المنظم لمهنة المفوض القضائي التي تنص على أنه "يجب على المفوض القضائي خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ تسلمه طلب التنفيذ، تبليغ الطرف المحكوم عليه الحكم المكلف بتنفيذه وإعذاره بالوفاء أو بتعريفه بنواياه، ويجب عليه تحرير محضر تنفيذي أو بيان الأسباب التي حالت دون إنجازه وذلك داخل أجل 20 يوما تبتدئ من تاريخ انتهاء أجل الإعذار".
ويتضح أن النصين معا، وهما يؤكدان على ضرورة التزام المفوض القضائي بتسريع عملية التنفيذ، يضعان بين يديه عدة حلول لتحقيق هذه الغاية منها؛
> الإعذار بالوفاء حالا، والإعذار في اللغة هو المبالغة في إنذار من ثبت عليه الحق لحثه على التحلل منه على وجه السرعة ( حالا ). وفي الاصطلاح منح المنفذ عليه نسخة الحكم أو نظيرا من "محضر تبليغ إعذار".
> عندما يطلب المنفذ عليه أجلا للوفاء، فمعنى ذلك أنه عبر عن نواياه الرامية إلى تنفيذ الحكم، فإن كان الأجل فاحشا أخبر المفوض رئيس المحكمة الذي قد يصدر أمرا بإجراء حجز تحفظي، وإذا كان الأجل بسيطا منح المفوض هذا الأجل تلقائيا للمنفذ عليه بعد إجراء حجز تنفيذي حماية لحق طالب التنفيذ، مع تعيين المنفذ عليه حارسا على المحجوز، على أن يكون الأجل المطلوب معقولا وفي دائرة الأجل القانوني الذي هو 20 يوما المقررة لتحرير محضر التنفيذ.
> تجدر الإشارة إلى أن أي قرار يتخذه المفوض القضائي في الحالتين المذكورتين أعلاه، يجب توثيقه وتعزيزه بما يثبت صحته داخل أجل 30 يوما؛ إما بتحرير محضر تنفيذي أو بتحرير محضر ببيان الأسباب التي حالت دون التنفيذ.
> تتمثل نجاعة المفوض القضائية في عملية التنفيذ، من خلال القرارات التي يبادر إلى اتخذها شخصيا وبشكل فوري ابتداء من تسلم وثائق الملف التنفيذي. وهو مطالب منذ اللحظة الأولى برسم استرتيجية المراحل التي سيقطعها، ولا يترك مجالا للصدفة أو الارتجال؛ بحيث يدخل في الحسبان حتى توقعات الطوارئ المستجدة، لكن استيفاء حقوق المحكوم له في أسرع وقت ممكن، يبقى هو الهاجس الأول للمفوض القصائي في هذه الاستراتيجية.
- منح الأجل من قبل المفوض القضائي بناء على رغبة المنفذ عليه المبررة، عمل يدخل في صميم السلوك الاجتماعي / الإنساني لفحوى القواعد القانونية، وهو جائز إذا كان يسيرا وتأكد المفوض من جديته، وبالتالي فمخالفته من طرف المنفذ عليه توجب - حتما - تحرير محضر امتناع لما تنطوي عليه هذه المخالفة من معاني عدم الشعور بالالتزام.
- قد يكون عدم الالتزام بالوفاء ناجما عن صعوبة طارئة أثناء التنفيذ؛ هنا لا مناص من الرجوع لرئيس المحكمة ليقدر هذه الصعوبة حق قدرها، طبقا لمقتضيات الفصل 436 من قانون المسطرة المدنية التي تقضي بأنه إذا أثار الأطراف صعوبة واقعية أو قانونية لإيقاف تنفيذ حكم أو تأجيله أحيلت الصعوبة على الرئيس من لدن المنفذ له أو المحكوم عليه أو المكلف بالتنفيذ، ويقدر الرئيس ما إذا كانت هذه الصعوبة مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف، حيث يأمر في هذه الحالة بصرف النظر عنها ومواصلة التنفيذ، وإذا ظهر له أنها جدية أمر بإيقاف التنفيذ إلى أن يتم البت فيها.
- الملاحظ في قرارات محكمة النقض أنه كلما اتجهت أصابع الاتهام إلى محضر المفوض القضائي محاولة تقويض أي بيان من بياناته الواضحة والمؤسسة، كلما تصدت محكمة النقض لذلك مذكرة أن محاضر المفوضين القضائيين لا يطعن فيه إلا بالزور؛ بمعنى أنه لا مجال للطرف في التشكيك بمصداقية المعلومات التي يسجلها المفوض في محضره إلا عن طريق الطعن فيها بالزور، وطالما أن الطرف لم يباشر مسطرة الطعن بالزور في بيانات المحضر التي تبدو للمحكمة ومؤسسة ومحكمة ( بضم الميم )، فإنها تميل إلى تثمين المحضر واعتبار ادعاءات الطرف غير جدية.
( يتبع ).

***

خامس عشر - أثر التبليغات المباشرة للمفوض القضائي على النجاعة القضائية ( تبليغ الإنذار نموذجا )

منطوق القرار:
- القرار رقم: 2/684.
- مؤرخ في 19 دجنبر 2013.
- ملف مدني رقم: 2013/ 3/ 2/ 2013.
"التبليغ الذي يتم في إطار الفصل 15 من القانون المحدث لهيئة المفوضين القضائيين لا يستلزم استصدار أمر قضائي" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 118 ).
المستفاد من القرار:
- أصدرت المحكمة التجارية بالبيضاء حكما بالأداء مع التعويض والفسخ والإفراغ، في مواجهة شركة تقاعست بعد توصلها بإنذار قام المفوض القضائي بتبليغه لها بناء على طلب مباشر.
- أيد الحكم استئنافيا بقرار تم الطعن فيه بالنقض بناء على عدة دفوع؛ يهمنا منها في مداخلتنا النعي على المحكمة كونها لم تتأكد من صفة باعثي الإنذار مع أن الصفة من النظام العام، وأن شهادة تملك مورثهم للعقار لا تتضمن أسماءهم، وأن التبليغ وصفة متسلم الإنذار أنجزا بطريقة غير قانونية، بل إن الإنذار وجه في إطار المادة 15 من الظهير المنظم لمهنة المفوضين القضائيين مع أن إطاره القانوني السليم هو ظهير 24/ 05/ 1955، كما أنه وجه دون استصدار أمر قضائي، وذلك من شأنه الإضرار بمصالح الشركة خاصة وأن الأمر يتعلق بإفراغ محل تجاري، ثم إن الإنذار لا يشير إلى الممثل القانوني للشركة، والمفروض أن "تبليغه يستلزم التأكد من صفة المبلغ له وصفة المحل التجاري [ ( هكذا ) ] للقول بصحته، وأن من بلغ له الإنذار لا صفة له في التوصل به لانعدام علاقة العمل مع الطاعنة..." ( نفس المرجع / ص 120 ).
- محكمة النقض ردت هذه الدفوع بأن القرار الاستئنافي اعتبر عن صواب "أن التبليغ الذي تم في إطار الفصل 15 ( المادة 15 ) من القانون المحدث لهيئة المفوضين القضائيين الذي ينص: يختص المفوض القضائي مع مراعاة الفقرة 4 من هذه المادة، بالقيام بعمليات التبليغ وبإجراءات تنفيذ الأوامر والأحكام... مع الرجوع إلى القضاء في حالة وجود صعوبة تعيق المفوض القصائي لتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية وغيرها من القوانين الخاصة... إلخ، يقوم المفوض القضائي بتبليغ الإنذارات بطلب من المعني بالأمر مباشرة ما لم ينص القانون على طريقة أخرى للتبليغ..."( نفس المرجع / ص 121 ).
كما ردت بأن الإنذار لا يحتم توجيهه استصدار أمر قضائي، وأنها ( الطاعنة ) لم تدل بما يفيد استقالة مستخدم الشركة من عمله قبل تاريخ التوصل بالإنذار، وأن من ادعى شيئا وجب عليه إثباته.
- تبليغ الإنذار بواسطة المفوض القضائي بناء على طلب مباشر يجد سنده القانوني في المادة 15 من القانون رقم 03.81 التي تنص على أنه..."يختص المفوض القضائي بصفته هاته، مع مراعاة الفقرة الرابعة من هذه المادة، بالقيام بعمليات التبليغ وباجراءات تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات... يتكلف المفوض القضائي بتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية وغيرها من القوانين الخاصة، وكذا استدعاءات الحضور المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية... يقوم المفوض القضائي بتبليغ الإنذارات بطلب من المعني بالأمر مباشرة ما لم ينص القانون على طريقة أخرى للتبليغ".
ويمكن للكاتب المحلف بمكتب المفوض القضائي القيام بهذه المهمة بناء على نفس المادة التي تنص على أنه "يمكن للمفوض القضائي أن ينيب عنه تحت مسؤوليته كاتبا محلفا أو أكثر للقيام بعمليات التبليغ فقط...".
- لكي يصح تبليغ المفوض القضائي أو نائبه للإنذارت المباشرة، يشترط ألا يقضي المشرع بوجوب تبليغها من قبل جهة يعينها بالتحديد.
- عندما أنجز المفوض القضائي مهمة تبليغ الإنذار وفق القواعد الشكلية والموضوعية المقررة في القانون المسطري، سهل على القضاء عملية الحسم في عدد هام من دفوعات الشركة الطاعنة، لاسيما بشأن:
> صفة طالبي تبليغ الإنذار.
> الإطار القانوني القانوني لتبليغ الإنذار.
> اختصاص الجهة التي تولت مهمة التبليغ.
> اسم الطرف الذي وجه له الإنذار.
> مكان تبليغ الإنذار.
> اسم وصفة كتسلم الإنذار وتوقيعه ( وعند عدم التوقيع لابد من ذكر السبب: الرفض / العجز / عدم الإجادة...)
> العنوان الذي سلم فيه الإنذار ( وليس من الضروري ذكر صفة المحل الذي سلم فيه الإنذار، كما ذهبت إلى ذلك الشركة الطاعنة في دفعها المستغرب ).
> اسم القائم بتبليغ الإنذار وصفته وتوقيعه وطابعه.
- تتسم التبليغات التي ينهض بها المفوض القضائي أو نائبه بناء على طلب مباشر بالسرعة والنفاذ, وبصرف النظر عما إذا كانت هناك دعوى رائجة أم لا، فإن الانذارات الموجهة مباشرة زيادة على دورها في تقليص أمد النزاع، تساهم في حمل أطراف القضايا المفترضة على تصفية خلافاتهم بمنأي عن ردهات المحاكم.
( يتبع ).

***

المفوض القضائي والنجاعة القضائية


سادس عشر - المفوض القضائي وإشكاليات الإنذار الاستجوابي
منطوق القرار:
- القرار رقم: 4868.
- مؤرخ في 23 نونبر 2010.
- ملف مدني رقم: 2922/ 1/ 4/ 2009.
"إذا كان المفوض القضائي قد حرر محضر استجواب بأمر من رئيس المحكمة في إطار المهام الموكولة إليه، فإنه أمام عدم قيامه بالمهمة المسندة إليه وفق ما يطلبه القانون، وذلك بعدم التأكد من هوية المستجوب وعدم الاطلاع على بطاقة تعريفه الوطنية وذكر مراجعها بالمحضر المحتج به يجعله ناقصا عن درجة الاعتبار وغير ذي أثر طالما أنه لا يعذر في ناقص" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 49 ).
المستفاد من القرار:
- يتميز الإنذار الاستجوابي عن الإنذار العادي من حيث إن المفوض القضائي في الإجراء الأول يكلف بالانتقال إلى عنوان المطلوب واستفساره وفق أسئلة تكون محددة مسبقا بدقة في الأمر الرئاسي الذي يصدر بناء على مقال مختلف من قبل طالب الإجراء ( تسمى مقالات مختلفة وتسمى مقالات عقود مختلفة، وهي تسمية واحدة يؤطرها بالفصل 148 من قانون المسطرة المدنية ).
حساسية الإنذارات الاستجوابية متعددة النواحي مسطريا وإجرائيا وموضوعيا، وهي كما يلي:
> حساسيتها من الناحية المسطرية تكمن في أن الإنذارات الاستجوابية، لا يمكن توجيهها إلا تحت مظلة الأوامر الرئاسية المبنية على طلب؛ بحيث تحدد في هذه الأوامر نوعية الأسئلة المقرر توجيهها للمطلوب في الإجراء.
> حساسيتها من الناحية الإجرائية تكمن في أن هذا النوع من الإجراءات لا يجوز للمفوض القضائي القيام به بناء على طلب مباشر كالمعاينات المحضة والانذارات العادية، بل إنه من الإجراءات المختلف عليها فقها وقضاء، وبلغ الاختلاف فيها حدود القول بعدم جوازها - أصلا - ولو بناء على أوامر قضائية ( أنظر: مرجعنا مؤسسة المفوض القضائي / 2009 ).
> حساسيتها من الناحية الموضوعية تكمن في أن هذه النوع من الإجراءات يتطلب من المفوض القضائي دقة متناهية في توظيف مخزونه العلمي وأقصى ما يتوفر عليه من القواعد الإجرائية والمهارات التواصلية، ناهيك عن الأساليب التعبيرية وتقنيات تحرير المحاضر، لأن المفوض هنا يكون مضطرا لإعداد محضر جامع مانع يساعد القضاء على سرعة البت في القضايا، ويحقق النجاعة القضائية المنشودة.
- المادة 15 من القانون رقم 03.81 تنص على أنه يختص المفوض القضائي بتنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات؛ وبالتالي فعملية تبليغ الإنذار الاستجوابي تدخل في إطار تنفيذ الأوامر القضائية التي يحرر المفوض في سياقها محضرا قانونيا لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور.
- تعزيز محضر الاستجواب بشهادة الشهود أمر غير قانوني ويهز من قيمة محضر المفوض القضائي، الذي هو قوي بذاته غني عما سواه إن لم يكن ما سواه يضعفه ويستهجنه.
وقد لا حظنا كيف استبعد القرار - موضوع نازلتنا في هذه المداخلة - المحضر الاستجوابي الذي تم تعزيزه بشهادة الشهود، مع العلم أن هذه الشهادة من وسائل الإثبات ( الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود ).
- يكون المحضر قويا بذاته حينما يؤسسه المفوض القضائي على بيانات شكلية وجوهرية صحيحة وفق ما يقرره المشرع، علاوة توظيفه للغة القانون ومنطقه الكفيلين بجعل المحضر سليما ومقنعا؛ فعدم تأكد المفوض القضائي من هوية الطرف الذي وجه إليه الإنذار الاستجوابي ( المطلوبة في النقض )، وعدم سعيه للاطلاع على بطاقة تعريفه الوطنية وذكر مراجعها بالمحضر، إضافة إلى هيمنة مظاهر الريبة والشك التي أحاطت بظروف تحرير المحضر، جعلته يبدو ناقصا عن درجة الاعتبار وغير ذي أثر تبعا للمبدأ القائل: "لا يعذر في ناقص".
- التنازل عن حق الشفعة هو تصرف قانوني وليس واقعة مادية، وبالتالي لا يجوز إثبات التنازل عن هذا الحق بشهادة الشهود، وإدراج هذه الشهادة في خضم تأكيد محتوى المحضر الاستجوابي زاد من تبخيسه عوض تأييده، وعمق جسامة الثغرة التي تسبب فيها المفوض القضائي، والمتمثلة في عدم السعي الجاد للتأكد من هوية المطلوبة في الإجراء.
بل ومما زاد الطين بلة ووسع دائرة الشك في المحضر الاستجوابي وشهادة الشهود المدلى بها في الملف من أجل تأييده، قيام المطلوبة في النقض بعد توصلها مباشرة بإشعار حول حقها في الشفعة، بادرت إلى ممارسة إجراءاتها حماية لهذا الحق، وقامت بعرض عيني قبل تاريخ محضر الإنذار الاستجوابي.
- المفوض القضائي غير مطالب بالخروج عن الأسئلة المدرجة في الأمر الرئاسي القاضي بالإنذار الاستجوابي، لذلك لا يستطيع التأكد من قيام المطلوبة في الاستجواب بمباشرة إجراءات الشفعة، ولكنه قبل أن يستفسرها عن نيتها في ممارسة حق الشفعة أم لا، كان عليه أن يتأكد من هويتها أولا ليعرف هل هي المطلوبة في الإجراء أم لا، وهل صفتها ثابتة في النزاع ثبوتا قطعيا..إلخ، هذا هو مكمن الخطأ في تعريض المحضر للهشاشة والبطلان الذين لم يشفع معهما دعم الشهود، والذين لم تجعلا المحضر ينأى بنفسه عما يفترض أنه تناقضات المصرحة بين قيامها فعلا بإجراءات الشفعة وبين تصريحها بعدم رغبتها في القيام بها..
( يتبع ).

***

سابع عشر - المفوض القضائي وإمكانية الانتداب
منطوق القرار:
- القرار رقم: 1/194.
- مؤرخ في 12 ماي 2014.
- ملف تجاري رقم: 1499/ 3/ 1/ 2014.
"المادة 15 من القانون رقم 03.81 الجاري به العمل أجازت للمفوض القضائي تخويل النيابة عنه - تحت مسؤوليته الخاصة - إلى كاتب محلف أو أكثر لإنجاز جميع أنواع التبليغات القضائية، أي أنها تشمل كل تبليغ بما في ذلك تبليغ الأحكام، خلاف ما كان عليه الحال بالنسبة للقانون الملغى المنظم لمهنة الأعوان القضائيين رقم 80/41 الذي كان القانون التطبيقي له يخص كتابهم بتبليغ الاستدعاءات دون الأحكام" ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 77 ).
المستفاد من القرار:
- مفهوم المفوض القضائي وفق القانون رقم 03.81 المؤرخ في 14/ 02/ 2006 هو غير مفهوم العون القضائي في القانون الملغى رقم 41/ 80 المؤرخ في 25/ 12/ 198؛ فمن مستجدات قانون المفوضين القضائيين جواز انتداب المفوض القضائي لكاتب محلف ينهض بتبليغ الأوامر والأحكام والقرارات، بعد أن كان دوره في قانون الأعوان القضائيين مقتصرا على تبليغ الاستدعاءات فقط، يتضح ذلك في الفقرة الأخيرة من المادة 15 التي تنص على أنه "يمكن للمفوض القضائي أن ينيب عنه تحت مسؤوليته كاتبا محلفا أو أكثر للقيام بعمليات التبليغ فقط وفق أحكام الباب العاشر من هذا القانون".
- التعديل الجديد يدخل في صميم المراجعات التشريعية لقواعد مهنة المفوض القضائي، وتحديث هياكلها ومواردها البشرية لضمان جودة الأداء والرفع من مردوديته، وبالتالي تحقيق النجاعة القضائية المتوخاة؛ ذلك أن الهدف الأساسي من سن إمكانية الانتداب هو مساعدة المفوض القضائي على التسريع بوثيرة مختلف إجراءات التبليغ؛ سواء تعلق الأمر بتبليغ الاستدعاءات أو بالأوامر أو الأحكام أو القرارات القضائية.
- يلاحظ أن المشرع لم يكتف بتخويل المفوض القصائي إمكانية انتداب شخص غيره ليحل محله في اجراءات التبليغ بجميع أنواعها، وإنما وسع دائرة هذه الإمكانية لتشمل أكثر من انتداب واحد ( كاتب محلف أو اكثر )، ويبدو أن المشرع كان موفقا في ذلك بالنظر إلى حجم الملفات وعدد الإجراءات التي قد تتجاوز قدرات المفوض القضائي نفسه للقيام بالتبليغ والتنفيذ داخل آجالها المقررة، خاصة بعد إحداث المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية، وإضافة مهام جديدة للمفوضين القضائيين في مجال التحصيل الضريبي وعلاقات الشغل..إلخ.
- إمكانية انتداب الكاتب المحلف شكل من أشكال الاستعانة بقوة بشرية إضافية منظمة مهنيا من أجل السيطرة على الإجراءات والتحكم فيها، ورغبة من المشرع في أن تحقق هذه القوة أهدافها في تحقيق النجاعة، لم يترك عملية الانتداب تتم وفق هوى المفوض القضائي، بل قيده بمجموعة شروط لا يصح الانتداب بدونها، من هذه الشروط:
> أن يتم الإلحاق وفق عقد نموذجي محدد بقرار وزير العدل.
> أن يكون الكاتب مغربيا بالغا سن الرشد متمتعا بحقوقه المدنية وغير مدان جنائيا، ومتوفرا على مؤهلات علمية واجتماعية وبدنية تتناسب والمهمة التي سينهض بها.
> أن يؤدي اليمين القانونية بمقر محكمة المفوض القضائي الذي انتدبه.
> أن يخبر رئيس المحكمة وزير العدل ورئيس الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين بعقد الإلحاق، ويمكن لرئيس المحكمة أن يضح حدا لهذا العقد متى تبين له عدم صلاحية الكاتب المحلف لتحمل المسؤولية.
> أن لا يتجاوز الكاتب المحلف حدود الاختصاص الترابي للمفوض القضائي الذي ألحقه بمكتبه.
- من الناحية الإجرائية تفرض رابطة الانتداب بين المفوض القضائي والكاتب المحلف، أن يلتزم هذا الأخير بالتحلى بروح التعاون مع الحفاظ على الأمانة والحياد والشرف والسر المهني، ناهيك عن الانضباط لساعات العمل وأيامه، والسعي إلى التكوين والتكوين المستمر لتنمية مهاراته الإجرائية، وضبط قواعد المسطرة التي يشتغل عليها يوميا، والرجوع - كلما لزم الأمر - إلى المفوض القضائي عندما تعترضه أية صعوبة.
كما يجب عليه عندما يقوم بأي إجراء أن يقدم وثائقه للمفوض القضائي لكي يوقع على أصول التبليغات ويؤشر على البيانات التي سجلها الكتاب المحلف، مع الانتباه إلى ضرورة توقيعه وذكر اسمه وصفته كجهة قائمة بالتبليغ.
- في نازلتنا موضوع المداخلة يلاحظ أنه مادام التبليغ كان للشركة بموطنها لشخص يتواجد به، ولم تنتف عنه عرضية هذا التواجد أو عدم وجود رابطة قانونية له بالشركة فإن التبليغ يعتبر صحيحا، وما نعته الطالبة على القرار الاستئنافي كونه لم يلتفت إلى أن التبليغ لم يوجه في اسم الممثل القانوني، إنما هو نعي مردود؛ ذلك أنه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية لا يشترط في تبليغ الاستدعاءات والأحكام أن يتم للممثل القانوني شخصيا كما توضح ذلك مقتضيات الفصول 38 و 39 و 54 من قانون المسطرة المدنية، التي أجازت تبليغ المعني بالأمر شخصيا بنسخة الحكم في موطنه أو محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه أو في موطنه المختار، وفي حالة عدم وجوده تبليغه بواسطة من وجد في موطنه مع بيان اسمه وصفته ورقم بطاقته عند الإمكان.
أما توجيه الاستدعاءات باسم الممثل القانوني فإنما يتوجب في التبليغات وأوراق الاطلاع والإنذارات والإخطارات والتنبيهات المتعلقة بفاقدي الأهلية والشركات والجمعيات والأشخاص الاعتباريين، كما يقضي بذلك الفصل 516 من قانون المسطرة المدنية.
- يشترط في الدفوع المثارة لكي تأخذها المحكمة بعين الاعتبار أن تكون منطقية ومؤسسة قانونا؛ ولذلك فالتمسك بنص قانوني ألغى بنص صريح منذ مدة طويلة، هو تمسك لا يستحق أن ترد عليه المحكمة، ويظهر الطاعنة وكأنها تغني خارج السرب، وبعيدا عن التطورات التي عرفها القانون الإجرائي المغربي. بل ان ذلك تسبب في ضياع حق الاستئناف من فرط الجهل بالمسطرة والتمسك بقانون مر على إلغائه أكثر من عشر سنوات.
- أهم ما يميز عقد إلحاق الكاتب المحلف بمكتب المفوض القضائي هو الكيفية التي وزع بها المشرع المسؤوليات بين الطرفين؛ بحيث يكون المفوض القضائي مسؤولا مدنيا عن أوجه البطلان والغرامات والإرجاعات والمصاريف والتعويضات التي يتسبب فيها الكاتب أثناء انتدابه، ويكون هذا الأخير مسؤولا جنائيا عند ارتكابه للمخالفات الخطيرة.
- الغاية من قواعد الانتداب التي جاء بها القانون رقم 03.81 هي تجاوز التجربة الأولية التي عانى فيها الأعوان القضائيون من تراكم الملفات التبليغية والتنفيذية وانعكس ذلك سلبا على انسيابية الإجراءات أمام مختلف المحاكم.
- وفي سياق تحقيق النجاعة القضائية كهدف أسمى لابد من مراجعة وضعية الكتاب المحلفين عن طريق إصلاح النصوص المنظمة للتبليغ ولمقتضيات القانون المتصل بنظام الإلحاق مع اعتبار الكاتب جزاءا لا يتجزأ عن منظومة العدالة ببلادنا.
( يتبع )

***


ثامن عشر- الدلالة القضائية لعبارة لا طعن في وثيقة المفوض القضائي إلا بالزور.
منطوق القرار:
- القرار رقم: 2/663.
- مؤرخ في 12 دجنبر 2013.
- ملف تجاري رقم 2013/2/3/550.
"إن ما يتلقاه المفوض القضائي ( المبلغ ) من بيانات وأثبته في شهادة التسليم يعتبر من المعلومات التي تظل صحيحة حتى يثبت عكسها. ولما كانت الطالبة لم تدل بحجة مقبولة لإثبات عكس ما ضمن في شهادة التسليم من كون المتسلمة ليست بكاتبة لديها، وأن ما أدلت به من تصريح يتعلق بالأجور استبعدته المحكمة لأنه من صنعها، واعتبرته غير كاف في إثبات عكس ما جاء بشهادة التسليم، وقضت بصرف النظر عن مسطرة الزور الفرعي الذي لا مجال له في النازلة مادام المبلغ أثبت في شهادة التسليم ما تلقاه من المتسلم من ذكر لصفته ورقم بطاقته الوطنية ( والحاملة لتوقيع المتسلمة ) وعلى من يدعي عكس ذلك يقع عبء الإثبات. مما تكون معه المحكمة بردها لطلبي إبطال التبليغ والطعن بالزور الفرعي لم تخرق المقتضيات المحتج بها ( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 113 ).
المستفاد من القرار:
- يوقع القرار الذي بين أيدينا على مبدأ هام يتمثل فيما يلي: ( إن ما يثبته المفوض القضائي يبقى صحيحا ما لم يثبت العكس )، ويتناسل عن هذا المبدأ القضائي عدة قواعد فرعية منها:
> الأصل أن كل ما يضمنه المفوض القضائي بشواهد التسليم ومحاضره يعتبر صحيحا من الناحية القضائية.
> إثبات عكس هذا الأصل بالجحة المقبولة يفقده اعتباره القضائي.
> ادعاء البطلان أو الزور الفرعي غير المؤسسين، يستحيل أن يغير نظرة القضاء إلى ما يعتبره صحيحا أصلا.
> كل من يدعي خلاف ما يعتبره القضاء أصلا يقع عليه عبء إثباته.
- الطعن في بيانات المفوض القضائي المضمنة بشواهد التسليم وبالمحاضر يتم من خلال ادعاء مخالفتها للواقع، ويجب على الطاعن أن يتحمل عبء إثبات ذلك، ولا يكفي في الطعن أن يكون مجرد ادعاء ولو بوشرت بشأنه مختلف الطلبات والدفوع، بل لابد من اعتماد الحجج الدامغة لإضعاف وثيقة لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.
- تنعى الطاعنة على القرار الاستئنافي تحريف الوقائع وانعدام التعليل وخرق مقتضيات الفصول 38 و 39 و 89 من قانون المسطرة المدنية بشأن إجراءات التبليغ ومسطرة الزور الفرعي، وتؤكد أنها تمسكت بالطعن في صحة التبليغ، لكونها لا تعرف السيدة التي تسلمت ووقعت على شهادة التسليم ولا تربطها بها أية علاقة، وأنها تقدمت بشكاية من أجل النصب والزور في الوثائق المعتمدة من طرف المطلوب في الطعن.
- ما يهمنا في هذه النازلة أن محكمة النقض استبعدت الطعن في التبليغ، لأن المفوض القضائي تحقق من هوية وصفة وبطاقة تعريف وتوقيع الطرف الذي تسلم نسخة الحكم بمقر الشركة.
الأمر الذي يبرز حرص المفوض القضائي على تضمين البيانات المقررة قانونا بشكل سليم من أجل أن تكون شهادة التسليم صحيحة، وترقى إلى مستوى الوثيقة الرسمية التي لا يطعن فيها إلا بالزور؛ ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
> طي التبليغ بالحكم وجه إلى الشركة الطالبة في اسم ممثلها القانوني، والمفوض القضائي توجه به إلى مقر الشركة بهدف تبليغه بالحكم، وهذه الخطوة في التبليغ سليمة من بدايتها وفقا لمقتضيات الفصل 516 من قانون المسطرة المدنية.
> ألفى المفوض القضائي بمقر الشركة سيدة صرحت أنها مستخدمة ككاتبة بها، فبلغها بالحكم ووثق هذه الواقعة في شهادة التسليم، مبينا اسم المتسلمة وصفتها ورقم بطاقتها الوطنية مع تسجيل توقيعها، وهذه الخطوة أيضا سليمة وفقا لمقتصيات الفصلين 38 و 39 من نفس القانون.
> قام المفوض القضائي ببيان تاريخ التسليم ووضع اسمه وصفته ووقع وأشر بطابعه على شهادة التسليم.
> النتيجة هي أن التسليم المنجز في النازلة تسليم صحيح تترتب عنه جميع الآثار القانونية، كما قضت بذلك محكمة النقض.
> السعي لمحاولة إبطال هذه النتيجة مشروع من الوجهة الحقوقية، لكنه من الناحية القانونية يفتقر إلى دليل إثبات يضعف ويدحض شهادة التسليم التي هي محرر رسمي لا يجوز الطعن فيه إلا بالزور. والدفع بنفي كون المتسلمة ليست مستخدمة بالشركة من غير دليل قوي، يبقى مجرد ( دليل نفي ) وهو ضعيف لا يصمد أمام ( دليل إثبات ) وهو قوي.
- يتم الطعن بدعوى الزور الفرعي أو دعوى الطعن في التبليغ أو غيرها بحسب وضعية النزاع ومرحلته، إلا أن شرط إثبات مخالفة الواقع يبقى قائما ولا يرتفع.
- القيمة الرسمية في الإثبات التي تتوفر عليها شواهد التسليم ومحاضر المفوض القضائي، تتكون من عناصر قانونية يتوجب التنبيه عليها وهي:
> الصفة التي يحملها المفوض القضائي أو كاتبه المحلف.
> الاختصاص الذي يمارسه المفوض القضائي أو كاتبه.
> التنفيذ اليقظ والسليم للقواعد الإجرائية في قانون المهنة رقم 03.81، والنصوص التطبيقية المتعلقة به، وقانون المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية والقوانين الأخرى ذات الصلة.
( يتبع )

***


تاسع عشر- المفوض القضائي والعروض العينية
- القرار رقم: 2/358.
- مؤرخ في 21 يوليوز 2016.
- ملف تجاري رقم 1543/ 3/ 2/ 2014.
منطوق القرار
"العبرة في احتساب أداء واجبات الكراء داخل أجل الإنذار بتاريخ العرض الذي يقوم به المكتري لأن العرض هو الذي ينفي التماطل عنه وليس الإيداع، ومادام أن نائب المكتري عرض على نائب المكري واجبات الكراء المضمنة في الإنذار بواسطة شيك بواسطة مفوض قضائي الذي أنجز محضرا يستفاد منه أن الأستاذ ( ب ) رفض التوصل بالشيك بعلة أنه غير محرر في اسمه، وأن هذا العرض تم بعد 8 أيام من تاريخ التوصل بالإنذار، وأن المكتري عرض شيكا آخر يحمل اسم المكري على دفاعه وتم تحرير محضر أكد فيه المفوض القضائي أنه وجد مكتبه مغلقا وقد تم العرض الثاني داخل الأجل الوارد بالإنذار، فإن المحكمة لما استبعدت واقعة التماطل لعدم توفر عناصرها ولوقوع العرض بصفة صحيحة تكون قد طبقت صحيح القانون ولم تخرق المقتضيات التمسك بها"( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص81 ).
المستفاد من القرار:
- بعد توجيه المكرية للمكترية إنذارا بالأداء، وبعد استيفاء إجراءات العرض والإيداع، قامت المكترية بالمنازعة في الإنذار والملابسات المحيطة به، وتلا ذلك تبادل الطرفين للمذكرات والمقالات الإضافية والمضادة، لتسفر المسطرة عن صدور حكم ابتدائي أيد استئنافيا، وكان مما نطق به القضاء بطلان إنذار المدعى عليها أصليا، وعدم قيام العناصر الموجبة للقول بثبوت التماطل.
- عابت الطاعنة على القرار الاستئنافي سوء التعليل ونقصانه الذي ينزل منزلة انعدامه، ويهمنا في هذه النازلة ما ركزت عليه الطاعنة من حيث إن القرار اعتبر العرض ينفي حالة المطل مع أن المكترية لم تعرض مبلغ الكراء مباشرة على المكرية، كما أنها لم تبادر إلى الإيداع داخل الأجل القانوني.
وقد استبعد هذا الدفع بالقول إن "العبرة في احتساب أداء واجبات الكراء داخل أجل الإنذار بتاريخ العرض الذي يقوم به المكتري، لأن العرض هو الذي ينفي التماطل وليس الإيداع"( نفس المرجع / ص 84 ).
- المفوض القضائي سعى جاهدا لتنفيذ عملية العرض داخل الأجل من خلال الانتقال إلى مكتب محامي المكرية عدة مرات متقاربة دون جدوى، وفي هذ الإصرار دليل على أنه استهدف النجاعة في عمله ولو لم ينته الإجراء وفق ما كان يتمنى، بل ولو لم تتحقق غايته، وقد ارتقى بتصرفاته هاته إلى المستوى المطلوب في إنجاز عرض حقيقي طبقا لقانون الالتزامات والعقود الذي يقضي بأنه إذا كان الدين مبلغا من النقود، وجب على المدين أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا ( الفصل 275 من قانون الالتزامات والعقود ).
- يتوجب احترام مسطرة العرض بجميع تفاصيلها وجزيئاتها، لا سيما من قبل المفوض القصائي الذي فرض عليه المشرع اليقظة والانتباه على عدة مستويات:
> على مستوى الاختصاص يقوم المفوض القضائي بمهمة تنفيذ العروض العينية تطبيقا للمادة 15 من القانون رقم 03.81 التي تقضي بأن المفوض القضائي يختص بتنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء، وطالما أن عروض الوفاء تتم تنفيذا لأمر قضائي، فإن هذا التنفيذ يعتبر من اختصاصات للمفوض القضائي.
> على مستوى الإجراءات تخضع مسطرة العرض العيني وإيداعه بصندوق المحكمة لمقتضيات الفصل 172 وما يليه من قانون المسطرة؛ حيث تتم العروض بواسطة أحد المفوضين القضائيين بعد استصدار أمر بذلك من محكمة موطن أو محل إقامة المعروض عليه.
> أن يتم العرض داخل الأجل المضروب لمن وجه إليه الإنذار تجنبا لأية مشاكل إضافية؛ ذلك أنه الرغم من نية المطلوب في الإنذار المنازعة في محتوياته بدعوى الصلح أو دعوى بطلان الإنذار أو نحوهما، إلا أنه ملزم بأن يوجه العرض إلى الطرف المعني في عنوانه بمحل سكناه أو في محل مخابرته كي تنتفي عنه حالة المطل.
> أن يتم الإيداع في الأجل القانوني بعد فشل إجراءات العرض الذي يعد خطوة أساسية تحت طائلة بطلان الإيداع.
> أن يتم الإيداع بصندوق محكمة المطلوب في العرض.
> أن يتم إشعار الطرف المطلوب في العرض بواقعة الإيداع وقيمة المبلغ المودع وتاريخ الإيداع وملفه مراجعه( الفصل 173 من قانون المسطرة المدنية ).
> إذا تم القبض سجل المفوض القضائي ذلك في محضر عنوانه: "محضر قبول عرض عيني"، ويثبت فيه توقيع الدائن بالموافقة على العرض أو الإشارة إلى أنه قبض ولم يقدر على التوقيع.
> إذا رفض الدائن القبض سجل المفوض القضائي ذلك في محضر عنوانه: "محضر رفض عرض عيني"؛ ويثبت فيه جواب الدائن بالرفض كما يبين فيه أنه وقع أو رفض التوقيع أو صرح بعدم قدرته أو جهله للتوقيع ( الفصل 173 من قانون المسطرة المدنية ).
- مطل المدين ظلم مصدقا للحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " مطل الغني ظلم..."، والمشرع من جهته عاقب عن المماطلة في الأداء أو العرض بضمان حق الدائن في المطالبة بالتعويض.
- نلاحظ أخيرا أن المفوض القضائي كلما قام بأية محاولة في مسطرة العروض العينية وإيداعها، كلما عمد إلى توثيقها في محاضره، الشيء الذي يؤكد أهمية هذه المحاضر في إدارة وتدبير مهامه اليومية.
( يتبع )

***


عشرون - المفوض القضائي وتعزيز محضر بمحضر
- القرار رقم: 2/257.
- مؤرخ في 25 أبريل 2013.
- ملف تجاري رقم 948/ 3/ 2/ 2012.
منطوق القرار:
"1- لما كانت مقتضيات القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين قد أوكلت لهولاء صلاحية تبليغ الإنذارات، فإن المفوض القصائي قام بالمهمة المنوطة به وأنجز محضرا ذيله بتوقيعه ضمنه انتقاله إلى عنوان المكتري حيث وجد المسمى ( ع . ح ) الذي رفض التوصل بعدما عرف بصفته مستخدما عند المعني بالأمر وحدد أوصافه، كما أنجز محضرا استجوابيا تضمن تصريحات بعض التجار وأصحاب المحلات المجاورة الذين أكدوا بأن ( ع . ح ) الذي حمل نفس المواصفات المضمنة بمحضر تبليغ إنذار كان يشتغل لدى المكتري بنفس تاريخ التوصل بالإنذار. والمحكمة لما اعتبرت المحضر المعد من طرف المفوض القضائي يعد وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور لكونه صادرا عن جهة رسمية، واعتمدته أساسا فيما قضت به تكون صادفت الصواب.
2- المحضر المعد من طرف المفوض القضائي يعد وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور لكونه صادرا عن جهة رسمية"( أنظر: مهنة المفوض القضائي في ضوء قرارات محكمة النقض، سلسلة إصدارات المكتب الفني، محكمة النقض، المملكة المغربية، السنة 2018، عدد 5، ص 108 ).
المستفاد من القرار:
- النازلة التي بين أيدينا تحملنا في بداية هذه المداخلة على إدراج التساؤل التالي:
هل يجوز للمفوض القضائي تعزيز محضر أنجزه سلفا بمحضر آخر؟.
الجواب عن هذا التساؤل مضمن بالقرار موضوع النازلة الذي يفيدنا بعدم عتراض محكمة النقض على ما قام به المكتري الذي أدلى بمحضر تبليغ إنذار معززا بمحضر استجواب يصب في تأييد محتوى المحضر الأول، والمحضران معا محرران من قبل نفس المفوض.
فحسب الإجراءات الجاري بها العمل لا يوجد أي نص يمنع ذلك، لكن ألا يمكن أن يثير ذلك نوعا من الريبة في حيادية التحرير؟، ألا يمكن أن يتعرض ذلك للدفع باصطناع الحجج المريبة؟، خاصة وأن القضاء غالبا ما ينكر وسائل الإثبات الشخصية عندما تقترن بظرف مشبوه؟.
- لنعد إلى وقائع وحيثيات القرار ذات الصلة بموضوعنا، التي قام فيها المكري بإنذار المكتري من أجل أداء واجبات الكراء في إطار ظهير 24/ 05/ 1955، المكتري لم يستجب لفحوى الإنذار بالرغم من التوصل، ولم يسلك مسطرة الصلح فأصبح محتلا بدون سند. بعد تبادل المذكرات والطلبات الإضافية والمضادة، قضت المحكمة ابتدائيا بالأداء مع التعويض والإفراغ، أبطلت محكمة الاستئناف هذا الحكم وتصدت من جديد في الطلبين الأصلي والإضافي بأداء واجبات الكراء والإفراغ مع التعويض لفائدة المستأنف عليه.
- يعيب الطاعن على القرار الاستئنافي - في الجانب الذي يهمنا - أنه رد الدفع بعدم صحة تبليغ الإنذار الذي تم بواسطة ( ع . ح ) بعلة "أن محضر الاستجواب المدلى به في شأن التبليغ صادر عن مفوض قضائي وهو وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور"، وهذا تعليل فاسد - حسب الطاعن - لكون محاضر المفوضين القضائيين ليست من ضمن الوثائق الرسمية المنصوص عليها قانونا، كما أن المحكمة وقد تمت المنازعة أمامها في صحة التبليغ، لم تقم بأي إجراء من إجراءات التحقيق للتأكد من صحة ما اذا كان المبلغ إليه تابعا للطاعن فعلا أم لا ؟، وما إذا كان راشدا مميزا أم لازال قاصرا عندما توصل بالإنذار؟... إلخ.
- استبعدت محكمة النقض هذا الطعن من وجوه منها؛ منطوق النازلة التي بين أيدينا، ومنها أن المنازعة في صحة تبليغ إنذار بواسطة شخص قاصر منازعة مردودة، لأن الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية لا يشترط أن يكون المسلم إليه الإجراء راشدا، ونفس الفصل يعتبر التبليغ صحيحا إذا تم بواسطة شخص له علاقة قرابة أو علاقة تبعية مع المراد في التبليغ ولا يشترط إلا التعريف بالمتسلم وبصفته وتوقيعه أو ذكر أنه رفض التوقيع، والمفوض القضائي أشار في محضر تبليغ الإنذار إلى أن المتسلم يدعى( ع. ح ) كما أشار إلى صفته وأوصافه.
- المفوض القضائي الذي يبذل جهدا إضافيا في تحديد الأوصاف يؤدي خدمة جليلة للقضاء، ويسهم في تحقيق النجاعة القضائية حينما يوفر للقاضي معطيات بيانية تنير عملية التحقيق؛ وخاصة عندما يرفض الطرف المتواجد بالعنوان تسلم وثيقة التبليغ.
وقد لاحظنا كيف أن المواصفات التي أوردها المفوض القضائي في محضر الإنذار، والتاريخ الذي ذكر بأنه تم فيه التسلم، شكلا - معا - عنصرين أساسيين لضمان التأييد الذي من أجله حرر محضر الاستجواب؛ خاصة وأن تصريحات المستجوبين في هذا المحضر أكدت بأن صاحب المواصفات كان يشتغل فعلا عند المطلوب في الإجراء في نفس التاريخ المذكور بمحضر تبليغ الإنذار.
- المفوض القضائي يتمتع بصلاحية توجيه جميع الإنذارات التي لم ينص المشرع على ضرورة توجيهها بطريقة أخرى، ومن ينازع في هذه الصلاحية عليه إثبات العكس بنص تشريعي صريح.
- أخيرا تجدر الإشارة إلى أنه من باب التحفظ، وتكريسا لتقاليد أخلاقية راقية تقوي مؤسسة المفوض القضائي، وتعزز مكانة مهنته ضمن المهن القانونية والقضائية، ينبغي للمفوض أن يعتز برسمية المحاضر التي يحررها وأن يرسخ في أذهان الناس ثقته في مصداقيتها، فقوة الإثبات في المحاضر من حيث كونها لا يطعن فيها إلا بالزور، تنبع من ذاتية هذه المحاضر نفسها بما تتضمنه من بيانات قانونية يوقع عليها المفوض القضائي بصفته مهنيا مؤتمنا في حدود الاختصاصات التي فوضها له المشرع، وبالتالي فهو غني عن إضافة محاضر أخرى ليعزز ما سبق له أن بصم على صحته وخرج من يده للعموم، وإذا كان طالب الإجراء في حاجة لتثمين عمل المفوض الذي اختاره لمهمة أنهاها وفق المطلوب، فعليه اللجوء إلى مفوض آخر لتحرير محضر آخر من شأنه أن يمثل قيمة إضافية للإجراء السابق دون أن يثير أية حساسية أو ارتياب.
( يتبع )

***

1741702544625.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى