أو عفواً سَيدتي ..
لن أكتب أبداً إلّا عن مَغرب عرفتُه !
وليس عن المَغرب الذي زيّنه شعراء البلاطَات بصُورهم الخيالية وتعابيرهم الرومنسية . وأفكارهم الطوباوية utopiques وجمّله الصّحفيون المأجورون بائعو شدوقهم . ومكترو حنوكهم بمواكب التنمية وجحافل الحُوريات الرّافلات في عالم من النعيم والجنان الطّوباوي . والذي لا تمطر عليه أمطار كارثية مدمرة . تكتسح معها البيوت الطينية وأكواخ القش وعشش الهايشر البرومي . بل أمطار جميلة سماها مصطفى العلوي بأمطار الخير والنماء . أنا يا سيدتي عرفت مغرباً آخر تماماً حين كنا نفترش فيه التّبن تحت حصَائر مهترئة تكاد البراغيث تقتلعها من جذورها. ورياح الشّتوي تصفر خلال نوائلنا أو أكواخنا البائسة المحاطة بالصّبّار الشوكي وحزم الجّرنيج البيضَاء . فتخالها رؤوساً لشياطين الجن ترتعد لها فرائصنا . وتصطك لها أضراسنا من شدة الرعب والخوف . مع مخزن فرضَ على آبائنا زراعة أشجار الطرق ورعايتها وسقيها . وكل من قصّر مآله الحمل للوليدية لنقل الأحجار على كتفيه تحت أنظار القائد المخزني لأسابيع ! مع تحياح جَحافل الجوج والجراد المدمرة للحقول . لا تهم حقول الفقراء بل حقول المسؤولين أولاً والمخزن de prime abord ! لن أنسى أبداً التجاء أمي المسكينة للقايد العيادي ونحن نتبعها كصيصَان خَائفين من صَقر مفترس ضار يحلق حَائماً فوق رؤوسنا ومستعداً للانقضَاض علينا في أية لحظة وحين . بعد مرض أبي الشديد كي يتدبر لنا أمراً ونستمر في الدراسة في ملجأ للأيتام . فلم يعر لنا اهتماماً بل نهرنا بشراسة قاصداً سيارته الفخمة وهو يقول بعنجهية وتكبر وخيلاء : ما عندي ما ندير لكم يا إمّا !
الآن يحدثوننا عن مَغرب التضَامن والجمال والازدهار والإيمان والتقوى وأمطار الخير .. الله يعطي لامكم شي رعدة تطّيح عليكم جميعاً !
نحن كنا نضطر لجمع بقايا تبن الرّحامنة التي جرفتها السّيول نحو بركة القاق العظيمة . وننشفها أو نجففها طول النهار تحت حرارة شمس ديسمبر الدافئة كي نستطيع طبخ حسَائنا البئيس في المساء . حتى أصيبت أخواتي بالملاريا وحمّى المستنقعات . وعندما ذهبنا للمستوصَف الوزاري الوحيد باثنين الغربية أخبرونا بأن الأدوية تباع للأغنياء فقط . لنلجأ لدكان بلغليمي فيبيعنا كالمين kalmin ب 50 فرنكاً للواحدة ! بعضنا أحرق أسماله لطهي شبه خبز حاف un pain nu نتقاسمه متخاطفين من الفرّاح ولا زال أبيض لم يدخله النضُوج . لنسرع نحو الحقول أو نحو إسطبل سموه مدرسة . وأمطار الشتاء تتقاطر علينا من سقوفه المثقبة كالغربال ! أين كان مغرب الخير والنّماء آنذاك ؟ لقد كنا ندرس في سيدي بنور أطفالاً فقراء ونرعى في حقول الفول والجلبان وزريعة الكتان مثل المواشي وصغار الضّأن أو مثل الأنعام أو أضَل سبيلا .. عوض التسول أو التضور جوعاً في دروبه القفراء الموحلة ! بعضنا تربصَ للأطفال الصّغار العائدين من الأفران في حلكة الظلام كي يختطف من فوق رؤوسهم بعض أقراص الخبز لنستمر على قيد الحياة يعني survivre.. وعند العُطل نجد العتلة تنتظرنا بدل العطلة ! كما نقضي الصّيف كله في أعمال شاقة لا يحتملها عتاة الرجال وأشدّاؤها عوض اللعب مع الأطفال والاستجمام على الشّواطيء والغابات والجبال . ومع ذلك نجد معلماً مجنوناً يفرض علينا كتابة إنشاء جميل بتعابير رائعة حول الاستمتاع بالعطلة . وأين قضيتموها في البحر أم الجبل ؟ ونوع السيارة التي اشتراها أبوك وما هي وما لونها وجنسها وهل هي ذكر أم أنثى .. وفضَائل الراحة والريجيم والرياضَة على العقول والأبدان السليمة تحت شعار لم يكن يعني لنا أي شيء : العقل السليم في الجسم السليم . الله ينعل اللي ما يحشم !
كما كنا نبيع سطيلات الترفاس في السبت كي نشتري ملابس واهية من كتان الشّيباني المخطط كي نستر عوراتنا وليس كي نستدفيء لأنه اوهى من عش العنكبوت .. كما بعنا سطيلات الكرموص والباكور والبيض المسروق من محَابض ضرݣ وخيام الفقراء مثلنا بالدوار كي نشتري الأقلام والريشات والكورورَات والكريّوَات والكنانش والتلاوَات والمنشفات وصَاندلات بئيسة لا تقاوم برد وأوحال الشتاء اللّزجة والعميقة ..
نحن أمهاتنا كن يبتن في مسجد الوليدية عندما يتماطل الكاتب عبد الحق أو الدريسي في منحهن شهادة الميلاد لنا لأنهن لم يدفعن الرشوة . وعند المساء لن يجدن أمامهن مفتوحا سوى بيت الله . وهن خائفات متوجسات من نزوات المخازنية (المرود /الݣومية) حتى يصبح ويفتح . نحن بعضنا اضطر لجلب البنزين من اثنين الغربية لسيارة عبد الكريم المتوقفة عند عݣبة سيدي بنعباس كي يتم الرحلة الاضطرارية بالمجّان أو فابور بعد قطعه لثلاثين كيلومترا ذهابا وإيابا على الأقدام من أجل درهم واحد !
نحن بعضُنا عجن قاذورات البشر بكفيه كي ينال كسرة خبز أبيض يضَعها داخل خبزه الخشن ليستمتع بسندويش الأرستقراطيين ! أو أركب أبناءهم على ظهره من المدرسة حتى الدوار لينال فقط رضَاهم وابتسامتهم الصفراء! نحن آباؤنا كان سي موسى يقف أمام الجامع ليلقي لهم ببعض الخبز ليتفرج على عرام تشيش التحتاني ما يعيش ! لأنهم كانوا فقراء لا يملكون في خيامهم قطعة خبز . بل كانت أمهاتهم تحفرن يرني وتلغودة والمغيزلة في أطراف القاق وضاية الجبلي.. ليحصلن لهم على خبز مسموم بعد أسبوع من الحفر. بينما يتسلّى أبناء الأغنياء بترويضهم مثل الكلاب بالرمي بدغمات الخبز في كل اتجاه ويتركونهم يتعاركون ! حتى صَوت الرحى لم يكن من حق الفقراء سماعه لأنهم تعودوا على طحن زرعهم في عمق المَطامير بواسطة خدمهم وعبيدهم الأقوياء كي لا ينتبه الجائعون لسغبهم الكافر . نحن كانت امّي حليمة تطحن لنا جراء الكلاب على الرّحى مع شطبة سدر يوم الأحد صَباحاً كي تتألم وتشب على الشراسة والعنف ولا تعرف أحداً . وهي تردد بصَوت حزين ساحر وأخّاذ : طحنتك نهار الحدّ ما تعرف حدّ ! فقط لأننا اضطررنا للسكن في خلاء منعزل عن الدوار بعد أن كان الأغنياء يتسلون بحرق خيام المشاكسين من أمثالنا وتشريدهم .. فاشتكينا فارة الخيل للقايد بوعلي حين خاضت مذابح خلال غارَات ليلية متواصلة في حق فلاليسنا وطيور دجاجنا داخل أخمام قشّ بائسة . وأعيتنا حيل صَدها وردعها بالشكل الملائم والفعال سوى تدخلات اولاد سيدي فارس الميتافيزيقية !
نحن عشنا في دوار يستبيح أغنياؤه نساء فقرائه وأطفالهم . يستغلون حَاجتهم وفقرهم فيعيثون فيهم فساداً . رغم حملهم جميعاً لكتاب الله وإخراجهم السلكة ليلة سبعة وعشرين . واتباعهم السنّة النبوية بتسويك أسنان الأطفال وتكحيل عيونهم كما كان يفعل النبي . فقد كانوا أيضاً يقترفون من المعاصي ما يندى له جبين شيطان دوستويڤسكي حين اختلط الأطفال . وتكسرت النصَال فوق النصال . وأصبح أطفال أسر صُوراً طبق الأصل لكبير الدّوار دون قدرة أحد على النبس ببنت شفة ! بل الكل عارف ولا يستطيع الحديث بوضُوح خوفاً عن رزقه من الانقطاع . أو على خيمته من أن تصبح خبراً بعد عين ! بعضُهم يقرأ الحزب حين تصدح بصَوته المجلجل جدران المسجد العتيق . وتستجيب لصَداه ربوع الدوار ودروبه المتعرجة . ولكن غزواته لنساء القرى الجميلاَت سارت بذكرها الرّكبان !
هذا هو المغرب الذي عرفت حين كان عبق طواجين الدجاج البلدي . ولحم الضأن والبݣري تملأ الجو نسائم لذيذة . منبعثة من طاقات وبوخاريات الرويحات . يسيل لها لعابنا . وتتلمظ لها شفاهنا المتشققة بفعل حليب الباكور الخَالدي . أو صَقيع برد الليالي القارس . ونحن في عز السّغب والجُوع فترمى العظام في عمق الحفر والمطامير وغياهب الأجباب .. لا تستفيد منها حتى الكلاب القوانع أو مجاحيم الدوار !
حسَن الرّحيبي..
لن أكتب أبداً إلّا عن مَغرب عرفتُه !
وليس عن المَغرب الذي زيّنه شعراء البلاطَات بصُورهم الخيالية وتعابيرهم الرومنسية . وأفكارهم الطوباوية utopiques وجمّله الصّحفيون المأجورون بائعو شدوقهم . ومكترو حنوكهم بمواكب التنمية وجحافل الحُوريات الرّافلات في عالم من النعيم والجنان الطّوباوي . والذي لا تمطر عليه أمطار كارثية مدمرة . تكتسح معها البيوت الطينية وأكواخ القش وعشش الهايشر البرومي . بل أمطار جميلة سماها مصطفى العلوي بأمطار الخير والنماء . أنا يا سيدتي عرفت مغرباً آخر تماماً حين كنا نفترش فيه التّبن تحت حصَائر مهترئة تكاد البراغيث تقتلعها من جذورها. ورياح الشّتوي تصفر خلال نوائلنا أو أكواخنا البائسة المحاطة بالصّبّار الشوكي وحزم الجّرنيج البيضَاء . فتخالها رؤوساً لشياطين الجن ترتعد لها فرائصنا . وتصطك لها أضراسنا من شدة الرعب والخوف . مع مخزن فرضَ على آبائنا زراعة أشجار الطرق ورعايتها وسقيها . وكل من قصّر مآله الحمل للوليدية لنقل الأحجار على كتفيه تحت أنظار القائد المخزني لأسابيع ! مع تحياح جَحافل الجوج والجراد المدمرة للحقول . لا تهم حقول الفقراء بل حقول المسؤولين أولاً والمخزن de prime abord ! لن أنسى أبداً التجاء أمي المسكينة للقايد العيادي ونحن نتبعها كصيصَان خَائفين من صَقر مفترس ضار يحلق حَائماً فوق رؤوسنا ومستعداً للانقضَاض علينا في أية لحظة وحين . بعد مرض أبي الشديد كي يتدبر لنا أمراً ونستمر في الدراسة في ملجأ للأيتام . فلم يعر لنا اهتماماً بل نهرنا بشراسة قاصداً سيارته الفخمة وهو يقول بعنجهية وتكبر وخيلاء : ما عندي ما ندير لكم يا إمّا !
الآن يحدثوننا عن مَغرب التضَامن والجمال والازدهار والإيمان والتقوى وأمطار الخير .. الله يعطي لامكم شي رعدة تطّيح عليكم جميعاً !
نحن كنا نضطر لجمع بقايا تبن الرّحامنة التي جرفتها السّيول نحو بركة القاق العظيمة . وننشفها أو نجففها طول النهار تحت حرارة شمس ديسمبر الدافئة كي نستطيع طبخ حسَائنا البئيس في المساء . حتى أصيبت أخواتي بالملاريا وحمّى المستنقعات . وعندما ذهبنا للمستوصَف الوزاري الوحيد باثنين الغربية أخبرونا بأن الأدوية تباع للأغنياء فقط . لنلجأ لدكان بلغليمي فيبيعنا كالمين kalmin ب 50 فرنكاً للواحدة ! بعضنا أحرق أسماله لطهي شبه خبز حاف un pain nu نتقاسمه متخاطفين من الفرّاح ولا زال أبيض لم يدخله النضُوج . لنسرع نحو الحقول أو نحو إسطبل سموه مدرسة . وأمطار الشتاء تتقاطر علينا من سقوفه المثقبة كالغربال ! أين كان مغرب الخير والنّماء آنذاك ؟ لقد كنا ندرس في سيدي بنور أطفالاً فقراء ونرعى في حقول الفول والجلبان وزريعة الكتان مثل المواشي وصغار الضّأن أو مثل الأنعام أو أضَل سبيلا .. عوض التسول أو التضور جوعاً في دروبه القفراء الموحلة ! بعضنا تربصَ للأطفال الصّغار العائدين من الأفران في حلكة الظلام كي يختطف من فوق رؤوسهم بعض أقراص الخبز لنستمر على قيد الحياة يعني survivre.. وعند العُطل نجد العتلة تنتظرنا بدل العطلة ! كما نقضي الصّيف كله في أعمال شاقة لا يحتملها عتاة الرجال وأشدّاؤها عوض اللعب مع الأطفال والاستجمام على الشّواطيء والغابات والجبال . ومع ذلك نجد معلماً مجنوناً يفرض علينا كتابة إنشاء جميل بتعابير رائعة حول الاستمتاع بالعطلة . وأين قضيتموها في البحر أم الجبل ؟ ونوع السيارة التي اشتراها أبوك وما هي وما لونها وجنسها وهل هي ذكر أم أنثى .. وفضَائل الراحة والريجيم والرياضَة على العقول والأبدان السليمة تحت شعار لم يكن يعني لنا أي شيء : العقل السليم في الجسم السليم . الله ينعل اللي ما يحشم !
كما كنا نبيع سطيلات الترفاس في السبت كي نشتري ملابس واهية من كتان الشّيباني المخطط كي نستر عوراتنا وليس كي نستدفيء لأنه اوهى من عش العنكبوت .. كما بعنا سطيلات الكرموص والباكور والبيض المسروق من محَابض ضرݣ وخيام الفقراء مثلنا بالدوار كي نشتري الأقلام والريشات والكورورَات والكريّوَات والكنانش والتلاوَات والمنشفات وصَاندلات بئيسة لا تقاوم برد وأوحال الشتاء اللّزجة والعميقة ..
نحن أمهاتنا كن يبتن في مسجد الوليدية عندما يتماطل الكاتب عبد الحق أو الدريسي في منحهن شهادة الميلاد لنا لأنهن لم يدفعن الرشوة . وعند المساء لن يجدن أمامهن مفتوحا سوى بيت الله . وهن خائفات متوجسات من نزوات المخازنية (المرود /الݣومية) حتى يصبح ويفتح . نحن بعضنا اضطر لجلب البنزين من اثنين الغربية لسيارة عبد الكريم المتوقفة عند عݣبة سيدي بنعباس كي يتم الرحلة الاضطرارية بالمجّان أو فابور بعد قطعه لثلاثين كيلومترا ذهابا وإيابا على الأقدام من أجل درهم واحد !
نحن بعضُنا عجن قاذورات البشر بكفيه كي ينال كسرة خبز أبيض يضَعها داخل خبزه الخشن ليستمتع بسندويش الأرستقراطيين ! أو أركب أبناءهم على ظهره من المدرسة حتى الدوار لينال فقط رضَاهم وابتسامتهم الصفراء! نحن آباؤنا كان سي موسى يقف أمام الجامع ليلقي لهم ببعض الخبز ليتفرج على عرام تشيش التحتاني ما يعيش ! لأنهم كانوا فقراء لا يملكون في خيامهم قطعة خبز . بل كانت أمهاتهم تحفرن يرني وتلغودة والمغيزلة في أطراف القاق وضاية الجبلي.. ليحصلن لهم على خبز مسموم بعد أسبوع من الحفر. بينما يتسلّى أبناء الأغنياء بترويضهم مثل الكلاب بالرمي بدغمات الخبز في كل اتجاه ويتركونهم يتعاركون ! حتى صَوت الرحى لم يكن من حق الفقراء سماعه لأنهم تعودوا على طحن زرعهم في عمق المَطامير بواسطة خدمهم وعبيدهم الأقوياء كي لا ينتبه الجائعون لسغبهم الكافر . نحن كانت امّي حليمة تطحن لنا جراء الكلاب على الرّحى مع شطبة سدر يوم الأحد صَباحاً كي تتألم وتشب على الشراسة والعنف ولا تعرف أحداً . وهي تردد بصَوت حزين ساحر وأخّاذ : طحنتك نهار الحدّ ما تعرف حدّ ! فقط لأننا اضطررنا للسكن في خلاء منعزل عن الدوار بعد أن كان الأغنياء يتسلون بحرق خيام المشاكسين من أمثالنا وتشريدهم .. فاشتكينا فارة الخيل للقايد بوعلي حين خاضت مذابح خلال غارَات ليلية متواصلة في حق فلاليسنا وطيور دجاجنا داخل أخمام قشّ بائسة . وأعيتنا حيل صَدها وردعها بالشكل الملائم والفعال سوى تدخلات اولاد سيدي فارس الميتافيزيقية !
نحن عشنا في دوار يستبيح أغنياؤه نساء فقرائه وأطفالهم . يستغلون حَاجتهم وفقرهم فيعيثون فيهم فساداً . رغم حملهم جميعاً لكتاب الله وإخراجهم السلكة ليلة سبعة وعشرين . واتباعهم السنّة النبوية بتسويك أسنان الأطفال وتكحيل عيونهم كما كان يفعل النبي . فقد كانوا أيضاً يقترفون من المعاصي ما يندى له جبين شيطان دوستويڤسكي حين اختلط الأطفال . وتكسرت النصَال فوق النصال . وأصبح أطفال أسر صُوراً طبق الأصل لكبير الدّوار دون قدرة أحد على النبس ببنت شفة ! بل الكل عارف ولا يستطيع الحديث بوضُوح خوفاً عن رزقه من الانقطاع . أو على خيمته من أن تصبح خبراً بعد عين ! بعضُهم يقرأ الحزب حين تصدح بصَوته المجلجل جدران المسجد العتيق . وتستجيب لصَداه ربوع الدوار ودروبه المتعرجة . ولكن غزواته لنساء القرى الجميلاَت سارت بذكرها الرّكبان !
هذا هو المغرب الذي عرفت حين كان عبق طواجين الدجاج البلدي . ولحم الضأن والبݣري تملأ الجو نسائم لذيذة . منبعثة من طاقات وبوخاريات الرويحات . يسيل لها لعابنا . وتتلمظ لها شفاهنا المتشققة بفعل حليب الباكور الخَالدي . أو صَقيع برد الليالي القارس . ونحن في عز السّغب والجُوع فترمى العظام في عمق الحفر والمطامير وغياهب الأجباب .. لا تستفيد منها حتى الكلاب القوانع أو مجاحيم الدوار !
حسَن الرّحيبي..