أحمد رجب شلتوت - هل تعكس الجوائز الأدبية مسار الرواية العربية أم تشكله؟

هل تعكس الجوائز الأدبية مسار الرواية العربية أم تشكله؟
كتب: أحمد رجب شلتوت
في ظل التحولات الكبرى التي شهدتها الرواية العربية خلال العقود الأخيرة، برزت جائزة البوكر العربية بوصفها منصة أدبية مرموقة أسهمت في تسليط الضوء على أعمال متميزة شكلت معالم بارزة في السرد العربي الحديث. في هذا السياق، يأتي كتاب "البوكر العربية وزمن الرواية" للناقد شوقي عبد الحميد يحيى ليقدم قراءة تحليلية عميقة حول تأثير الجائزة على الرواية العربية، وعلاقتها بتطور تقنيات السرد وأساليب الكتابة، فضلاً عن توجهات النقد الأدبي في العالم العربي.
وفي هذا الكتاب يستعرض المؤلف الروايات الفائزة بالجائزة منذ انطلاقتها عام 2007 وحتى عام 2024، محللًا القضايا التي طرحتها، والسمات الفنية التي ميزتها، ومدى ارتباطها بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي. ومن خلال تبني منهج نقدي يجمع بين التحليل البنيوي، والقراءة السوسيولوجية، والتأويل الموضوعاتي، يسلط الكاتب الضوء على فلسفة اختيار الأعمال الفائزة، ويفكك الأنماط السردية التي جعلتها تحظى بالاهتمام النقدي والجماهيري.
في تقديمه لكتابه يعلن المؤلف انحيازه إلى مقولة "زمن الرواية" وأنها أصبحت "ديوان العرب" وليس الشعر، فالرواية أكثر قربا واحتكاكا بالمجتمع ومشاكله وأكثر تعبيرا عن صراعاته وتقلباته، كما أن الرواية في زمن المعارف والمعلومات، أخذت منحى المعلوماتية. ويرى كيف أصبحت الرواية أكثر تعبيرًا عن المجتمع العربي مقارنة بالشعر، مشيرا إلى تطورات السرد الروائي وتأثيره في نقل القضايا الاجتماعية والسياسية.
وهو كذلك يرى أن "جائزة البوكر" في نسختها العربية، قد أحدثت دوامات كثيرة حول الرواية العربية، وحفزت كتاب الرواية للتجويد. ويذهب إلى أن الجائزة أصبحت معيارًا للأدب العربي، مسلطًا الضوء على معايير الاختيار وتأثير الجائزة على انتشار الأعمال الفائزة. ثم يقدم قراءات تحليلية لنماذج من الروايات الفائزة، بداية من "واحة الغروب" للمصري بهاء طاهر (2008) وحتى "قناع بلون السماء" للفلسطيني باسم خندقجى (2024)، راصدا للأنماط المتكررة في الروايات الفائزة، ومحاولا الوصول إلى فلسفة منح الجائزة عبر استعراض القضايا والموضوعات التي اهتمت بها الروايات الفائزة، مثل الطائفية، الهوية، الاستعمار، والصراع الطبقي.
منهج تكاملي
وتكشف هذه القراءات أن منهج الناقد في تناول الروايات الفائزة يقوم على عدة محاور رئيسية، أولها اعتماد الكاتب على دراسة العلاقة بين الرواية والمجتمع، حيث يركز على كيفية تعبير الروايات الفائزة عن القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية في العالم العربي. يتضح ذلك من تحليله لروايات مثل "ساق البامبو" التي تناقش الهوية والطبقية، والطلياني" التي تعالج الصراعات الأيديولوجية في تونس، وتأكيده على أن الرواية قادرة على استيعاب القضايا المعاصرة وتمثيل التحولات الاجتماعية والفكرية، فضلا عن قدرتها على التعبير عن الصراعات الطبقية، والتحولات السياسية، والإشكالات الفكرية التي تواجه المجتمعات العربية.
كما يعمد الكاتب إلى دراسة الموضوعات المتكررة في الروايات الفائزة بالبوكر، محاولًا الكشف عن فلسفة الاختيار، فمثلا، لاحظ أن عددا من الروايات الفائزة تناولت قضايا الهوية والصراع بين الشرق والغرب، ومنها "واحة الغروب"، "ساق البامبو"، ثم يتتبع تطور هذه الموضوعات عبر الزمن، ويضعها في سياقها التاريخي، وهو ما يشير إلى تأثره بالمنهج التاريخي في النقد الأدبي.
ويهتم الكاتب أيضا بتحليل بنية السرد والأساليب الفنية التي يعتمدها الروائيون الفائزون، ومن ذلك تقنية الأصوات المتعددة في "واحة الغروب"، والتناص في "فرانكشتاين في بغداد"، وتداخل الأجناس الأدبية كما في بعض الروايات التي تمزج بين القصة القصيرة والرواية الطويلة، وهذا يشير إلى اهتمامه بتقنيات السرد الحديثة التي ساهمت في فوز هذه الأعمال، وهكذا يلمح إلى أن التجديد الفني كان عاملا أساسيا في منح الجائزة.
كما مال الكاتب في بعض الدراسات إلى استخدام التأويل لتفسير الدلالات الرمزية في الروايات الفائزة، كما فعل عند تحليل "واحة الغروب". فهو لا يكتفي بالمعنى الظاهري، بل يحاول تفكيك الشخصيات، والحوارات، والرموز للكشف عن معانٍ أعمق تتعلق بالصراع النفسي أو السياسي، ومن ذلك تأويله لعلاقة محمود وكاثرين في "واحة الغروب" باعتبارها انعكاسًا لعلاقة الشرق بالغرب، وتحليله لشخصية مليكة باعتبارها رمزًا للأمل في التغيير والثورة على الموروثات المتخلفة.
وهكذا يمكن القول إن المنهج النقدي للكاتب تكاملي، حيث يجمع بين التحليل الاجتماعي (ربط الرواية بالواقع العربي)، والموضوعاتية التاريخية (تتبع القضايا المتكررة في الروايات)، التأويل والتفكيك (البحث عن الدلالات العميقة والرموز) بالإضافة إلى تحليل الأساليب الفنية وتقنيات السرد.
الشخصية والمجتمع
نظر شوقي عبد الحميد يحيى إلى الشخصية الروائية بوصفها العنصر المركزي في بناء الرواية الحديثة، معتبرا أن تطور الرواية العربية انعكس بشكل كبير في تطور الشخصيات الروائية داخلها. وهو يرى أن الشخصية الروائية في الأعمال الفائزة تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، بحيث نموذجًا لتمثيل القضايا الكبرى، ومنها الهوية والاغتراب كما في "ساق البامبو" لسعود السنعوسي، والصراع بين الحداثة والتقاليد كما في "واحة الغروب" لبهاء طاهر، والتفاوت الطبقي والتهميش كما في "ترمي بشرر" لعبده خال.
ويرى الكاتب أن الشخصية الروائية يجب ألا تكون مجرد انعكاس فردي، بل تعبر عن حالة مجتمعية أكبر، ويتجلى هذا في شخصية "كاثرين" في "واحة الغروب"، حيث تمثل الاستعمار الغربي ونظرته إلى الشرق، وليس مجرد شخصية فردية، وهو يلاحظ أن تطور الشخصية الروائية يعكس تطور المجتمع العربي نفسه، فأصبحت الشخصيات أكثر إنسانية وتعقيدًا مقارنة بالشخصيات المثالية أو البطولية في الروايات التقليدية مثال: شخصية باسم خندقجي في "قناع بلون السماء" تمثل نموذجًا للشخصية القلقة بين الفلسفة والسياسة، وليس مجرد بطل مثالي.
رؤية متماسكة
والسؤال الآن: هل نجح الكاتب في تقديم رؤية متماسكة حول العلاقة بين الجوائز الأدبية وتطور الرواية العربية المعاصرة؟
والجواب: نعم، نجح الناقد "شوقي عبد الحميد يحيى" في تقديم رؤية متماسكة حول العلاقة بين جوائز الأدب وتطور الرواية العربية المعاصرة، ولكن بدرجات متفاوتة من العمق والتحليل في أجزاء مختلفة من الكتاب، فالنسبة لوضوح الفرضية الأساسية للكتاب، وهي: هل الجوائز تُوجِّه الرواية العربية؟ يرى الكاتب أن جوائز الأدب، وعلى رأسها البوكر العربية، أصبحت جزءًا من المشهد الروائي العربي، تؤثر فيه وتتأثر به، والجائزة لا تقتصر على مكافأة الأعمال الجيدة، بل تلعب دورًا في توجيه الذائقة الأدبية ودفع الكتّاب نحو التجديد في السرد والتقنيات الفنية، ويبرهن على هذا التأثير، بذكر أمثلة منها: تحوّل الموضوعات من القضايا القومية الكبرى إلى قضايا أكثر فردية ونفسية، كما في "دفاتر الوراق" و"ساق البامبو".
كما يلاحظ أن الروايات الفائزة بالجائزة تميل إلى التجريب والتجديد السردي، وهو مؤشر على أن الجوائز تحفز على الابتكار مما يدعم فكرة أن الجوائز تُشجّع على تطور الرواية العربية نحو أشكال جديدة.
ويشير إلى أن الجوائز قد تميل أحيانًا إلى اختيار روايات تعكس توجهات نقدية معينة، مثل الروايات التي تناقش قضايا الهوية والنسوية والهجرة، مما قد يؤدي إلى إقصاء أنواع أخرى من السرد.
وفي الأخير يتساءل إن كان هذا يعني أن الجوائز تُشكّل مسار الرواية العربية أكثر مما تعكسه، لكنه لا يقدم إجابة حاسمة، بل يترك المجال مفتوحًا للنقاش.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى